مصر شيعت إبراهيم أصلان .. أمهــر صنــاع البهجــة

رساله أخرى إلى أحفادي : سيطيب لكم قراءة كتاب"هذيان فتاة في العشرين"
المؤتمر الفلسفي العربي الخامس
فكرة «التقدم التاريخى» هل هى صحيحة تماما.. وإلى أىِّ مدى؟ (شذراتٌ فى «فلسفة التاريخ»)

في جنازة غلب عليها الصمت والأسي شيعت مصر أمس واحدا من أنقي أبنائها‏.‏ الكاتب الكبير إبراهيم أصلان‏,‏ أحد أبرز أدباء جيل الستينات‏.‏ وصلي عليه جمع من أصدقائه ومحبيه في مسجد بلال بن رباح بالمقطم, ورافقوه إلي مرقده الأخير في مقابر باب النصر.

حضر الجنازة عدد كبير من الأدباء والمثقفين, منهم الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة السابق, والأدباء محمد المخزنجي, وإبراهيم عبد المجيد, ويوسف القعيد, وسعيد الكفراوي, وأحمد زغلول الشيطي, وفؤاد قنديل, ومحمد صلاح العزب, والناقد حسين حمودة, والكاتب السوري محيي الدين اللاذقاني, وأحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب, والناشر محمد هاشم, والفنان مجدي أحمد علي, والموسيقار نصير شمة.

وكان رحيل أصلان أول من أمس خلف حالة من الحزن العام, ليس في الوسط الثقافي وحسب, بل لدي محبيه من عموم الناس. لأنه عصامي حقيقي من أبناء الحياة, عاش تجربة غنية, خالط خلالها البسطاء وأحبهم, وظل يحمل همومهم وعبر عنها في كتاباته, واستطاع تقطير أحزانهم إلي ضحكات, ورصد قدرتهم المدهشة علي اصطياد البهجة من قلب المواجع, وأفادته إقامته بحي الكيت كات في هذا, حيث نهل من تفاصيله المعيشية وشخوصه وبني بها أهم إبداعاته, وأكسبتها موهبته أبعادا إنسانية أشمل من ضيق المكان, ومحدودية الأشخاص, كما تبدي في روايته المعروفة مالك الحزين التي حازت مكانة متقدمة بين أفضل مائة رواية عربية, وحققت له شهرة واسعة بعد تحويلها إلي فيلم الكيت كات الشهير, وهو ما تكرر علي نحو ما مع رواية عصافير النيل التي أخذتها السينما بدورها.كما احتل هو موقعا مرموقا وسط أدباء الستينات الكبار, وكانت أعماله القصصية الأولي قد لاقت احتفاء نقديا, حيث اهتم به الأديب الكبير علاء الديب ونشر له أولي قصصه في صباح الخير, وربطته صداقة وثيقة مع ذائع الصيت الراحل يحيي حقي الذي رحب به علي نحو خاص تقديرا لموهبته.

وأصلان المولود عام1935 بإحدي قري محافظة الغربية, قدم مجموعته القصصية الأولي بحيرة المساء في نهاية الستينات, وأتبعها بــ وردية ليلالتي استفاد فيها من عمله بهيئة البريد لسنوات, اشتهر خلالها ببراعته في اختصار التلغرافات للفقراء الذين يعانون ضيق الحال. وهو ما دفع الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة للقول إنه: كان أكثر الأدباء اهتماما بالمهمشين, وكان يلتقط فيهم تلك القدرة المدهشة علي صناعة الحياة والبهجة بأبسط المقومات, ويحيل فقرهم واحساسهم بالغربة إلي تسامح ومحبة للحياة والفرح.

ورأي الناقد الدكتور حسين حمودة أن أصلان: كان يمتلك نبرة خاصة, جميلة وحانية علي الإنسان, وقدرة علي الكتابة العذبة الخالية من أي زخرف, وزاوج بين أشياء يصعب جمعها, فبدت كتابته متعددة الطبقات, علي بساطتها الظاهرية, تسمح بقراءات وتأملات متباينة وعديدة.

وذهب صديقه المقرب الأديب سعيد الكفراوي إلي أن الراحل الكبير: كان مخلصا لما آمن به طوال حياته, وشارك في تجديد الكتابة بما أضافه من إبداع, وظل إلي آخر عمره يدافع عن كل ما هو جميل.

أما الدكتورة رضوي عاشور فقالت أن الفقيد: ذو لغة فصيحة مشبعة بإيقاعات العامية. كتب بصوت خافت وجل لأنه حزين. وكتب شخصيات يصعب نسيان ماتثيره فينا من الضحك. تأمل العالم من حوله, ما يعرفه وما لا يعرفه, وحكي عن أناس يغتالهم الفقر والقمع والهزائم. واقع مشبع بالأسي والضحك.

من أعماله أيضا يوسف والرداء, وخلوة الغلبان وحكايات فضل الله عثمان, وشيء من هذا القبيل, وحجرتان وصالة, بجانب رئاستة تحرير سلسلة آفاق عربية بالهيئة العامة لقصور الثقافة. ودأب منذ خمس سنوات تقريبا علي كتابة مقالة أسبوعية لجريدة الأهرام. وهو حائز لجوائز الدولة التقديرية في الآداب(2004/2003) وكفافيس(2005), وساويرس(2006), وطه حسين من جامعة المنيا(1989).

وكتبت ناهد خيري أن الوفاة المفاجئة للأديب الكبير إبراهيم أصلان أمس أحدثت صدمة في الأوساط الأدبية والسينمائية انعكست واضحة علي الكلمات الحزينة التي نعاه بها زملاؤه وأصدقائه ومحبو أدبه.

يقول الكاتب صنع الله إبراهيم وسط ذهوله دارت بيننا مكالمة طويلة وتواعدنا علي اللقاء صباحا بالمستشفي لكن القدر كان أسرع منا واستكمل بصعوبة‏:‏ كانت لأصلان لغة جميلة في الكتابة وألتف حول أعماله عدد كبير من القراء وكنت أنا أحد قرائه حيث بدأت قراءة أعماله وأنا في السجن ورحيله خسارة كبيرة لمصر‏.‏

وقال الناقد الدكتور صلاح قنصوة‏:‏ كان الراحل شديد التميز بكتاباته وكان أسلوبه قريبا من السرد السينمائي وصاحب تلقائية شديدة في الكتابة تجبر القارئ علي الدخول بهدوء إلي المشهد السردي الذي يتحدث عنه وتكلم عن البسطاء في كل رواياته‏.‏

أما الروائي إبراهيم عبد المجيد فقال‏:‏ إنه كان صاحب رؤية بسيطة للحياة نتج عنها إنجاز أدبي ولغوي كبير وكان له مدرسة خاصة مجددة في عالم القصة القصيرة منذ بداية الستينيات

وقال الدكتور زين عبد الهادي رئيس دار الكتب والوثائق‏:‏ يؤلمني رحيله و انقطاع نهر كتاباته ولكني فخور لأنه شهد ثورة يناير وترك مصر في يد أبنائها‏..‏ كان الراحل داءوبا في عمله وكانت كتاباته شديدة البساطة والعمق للأسف مصر تفقد منذ عدة أشهر قامات كبيرة في مجال الرواية ولكن العوض في أعمالهم التي تركوها أرثا لقرائهم واستكمل عبد الهادي سوف تصدر دار الكتب قائمة بأعماله وكل ما كتب عنها وقد حان الوقت لصدور موسوعة أدباء مصر‏..‏

وقال الروائي فؤاد قنديل‏:‏ بوفاة أصلان انطوت صفحة من صفحات الأدب العربي الحديث لأديب لم يكن ليختلف عليه أحد من المحيط إلي الخليج‏..‏ لقد تأثر أصلان بمدرسة همنجواي وهي مدرسة الكتابة المحايدة التي تصف ولا تنحاز‏,‏ كتابة ناعمة تخلو من الصخب يكتب صاحبها وكأنه لا يكتب‏.‏ قدم أصلان للمكتبة العربية خمس عشرة عملا أدبيا ما بين مجموعات قصصية و روايات كلها أتسمت بالعذوبة والبساطة وكان عالمة يتناول البسطاء في الأحياء الشعبية المختلفة الذين كان يشعر بهم وبمعاناتهم‏.‏

وقال المخرج داوود عبد السيد‏:‏ اهتم أصلان بالتفاصيل الدقيقة في أعماله وكأنه يمسك بكاميرا سينما ويصور ومن هنا استمتعت كثيرا وأنا أحول روايته مالك الحزين إلي فيلم الكيت كات واستكمل عبد السيد من قرأ مقالات أصلان يدرك جيدا أنه كان يكتب مشاهد ولقطات من الحياة ويتحدث عن البسطاء والمهمشين من الناس وكنا نعشق شخصياته ونشعر بأنها تتحرك أمامنا‏..‏ هو شديد الإنسانية وصاحب موهبة حقيقية وإنسان وصديق عزيز رحمه الله.

Please follow and like us:

COMMENTS