انطباعات عن لحظة غـزاوية : الشهيد الجعبري نوع من كرامة الناس

الطنطورة : فيلم “إسرائيلي” يتناسى ضحايا مذبحة القرية ويحاول إنصاف “رواتها”!
عمر الشريف : CIA مَّولت فيلم “جيفارا”، والسادات طلب منى محادثة مناحيم بيغن قبل أن يزور “إسرائيل”
“متحف عبد الناصر” …

فجأة ومن دون سابق إشعار تغيرت الصورة. فالهدوء الذي ساد غزة منذ صباح الأمس حتى ما يقرب المساء تبدد دفعة واحدة. الجالسون في المطاعم هبوا على دوي انفجار غير عنيف على وجه الخصوص. شبان تراكضوا هنا وهناك من باب الفضول أو سواه. دقائق قليلة مرت وإذ ببعض السيارات تهرع وصافرات سيارات إسعاف وسيارات مطافئ. مدينة غزة صغيرة والخبر ينتشر فيها بسرعة البرق. ضاع الخبر بين أزيز الرصاص الذي لعلع في أكثر من مكان. شاع الخبر بعد ذلك بقليل، فانتشر الناس كما في يوم قيامة.

كان الخبر صغيراً ولكنه صاعق. اغتيال أحمد الجعبري… لم ينل حتى سماع الخبر لقب الشهيد. فهو في مكان ما بين التصديق والتكذيب. بين الأرض والسماء. هذا ينفي وذاك يؤكد ولا معرفة لأيهما بالحقيقة. ولكن شمس الحقيقة في غزة لا تغيب طويلاً. دقائق قليلة وأحمد الجعبري شهيداً. لا حاجة لبيان ناطق بلسان الجيش الإسرائيلي ولا شأن للناس بما أذاعته القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي عن استهداف الجعبري.
واندفع الناس، ممن يعرفون قيمة الرجل ومعنى الخبر إلى الشوارع. هذا يبحث عن أبنائه وذاك يبحث عن الماء والخبز ومواد دأب الناس على تخزينها لأوقات الطوارئ. أما السيارات فبدت كآلات مجنونة تهرع في كل الطرقات، بعضها يبحث عن محطة وقود للتزود بأكبر قدر ممكن، وبعضها يوصل الناس على عجل إلى مقاصدهم، بيوتاً أو أقارب. وبين هذا وذاك، وكتدبير احترازي، تستعد عائلات للابتعاد عن مناطق مواجهة محتملة وتذهب إلى أماكن أكثر أمناً في غزة العارية أمام السلاح الإسرائيلي إلا من إيمان أهلها.
صار الكل يعلم أنها الحرب قبل أن تبدأ. لا يهم إذا جاءت في يوم هادئ أو مشحون، لكنها جاءت. وقبل أن يكمل الناس استعداداتهم وقضاء حاجاتهم جاء القصف الإسرائيلي عنيفاً على منشآت داخل مناطق سكنية، فارتفعت ألسنة اللهب في مواضع عدة. كثر يرون أن هذه في البداية مجرد مقبلات حربية. رد الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس، لن يتأخّر. فغزة خلافاً للإسرائيليين وبعض العرب لا تؤمن بالرد في الزمان والمكان المناسبين. وحتى لو كان الرد انتحارياً فغزة لا تؤمن بعقلانية الرد. الناس في الشوارع، محبّ حماس ومبغضها، تريد بغالبيتها الرد.
فالشهيد الجعبري أقرب لأن يكون نوعاً من كرامة الناس في غزة. إنه ليس السياسي اللامع ولا الخطيب والواعظ، إنه المقاتل الذي علم جيلاً بكامله القتال. والناس في غزة تحب القتال وإن لم تجد عدواً تخلقه، وتحب المقاتل، خصوصاً من يكرس نفسه له ويحترفه. وإسرائيل عدو نموذجي، وهي عدو كافٍ. لا حاجة لعداء أحد دونه.
وترتفع أصوات مكبرات الصوت في المساجد مهللة ومكبرة وكأن هذا هو الردّ الأولي. الكل يعلم أن الليل ساتر وحجاب لمن يريد أن يرد على إسرائيل بالصواريخ. والليل لم يحل بعد، لكنه لا يستطيع التأخر. ومن المؤكد أن قسماً من المتسابقين في زحام المرور بسياراتهم وعلى دراجاتهم النارية يهرعون إلى ثغورهم بانتظار أن يرخي الليل سدوله. كثير منهم أكثر من عاشق لليل وعاشق للشهادة. هكذا الحال في غزة بعد أقل من ساعة على قرار إسرائيل تغيير قواعد اللعبة. لا أحد يعرف الحال بعد ساعات وأيام. إنها أقرب ما تكون ليوم الحشر حين يُسأل الناس عما أعدّوه لهذا اليوم. في الأيام القريبة يعرف الناس ما يوم الحساب.

من هو الشهيد القائد أحمـد الجعبـري؟
أحمد الجعبري (أبو محمد)، نائب القائد العام لـ«كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكري لحركة حماس، كان دائماً على رأس قائمة الاغتيالات، فالاحتلال يتهمه بالتخطيط والوقوف وراء العديد من عمليات المقاومة، وتطلق عليه أجهزة الاحتلال الاستخبارية اسم «رئيس أركان حركة حماس».
والجعبري من مواليد العام 1960، ومن سكان حي الشجاعية في شرقي مدينة غزة، وتعود أصول عائلته إلى مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، حاصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ من الجامعة الإسلامية في غزة، وله «بصماته في التغيير الدرامي للجناح العسكري لحركة حماس»، بحسب وصف تقرير إسرائيلي له، وقد ظل متمسكاً بملف الجندي شاليط منذ أسره في 25 حزيران العام 2006، وفقاً للموقع الإلكتروني الرسمي لحركة حماس.
ونقل الموقع، تصريحاً للقائد القسامي، في ذكرى الحرب الإسرائيلية الثانية على غزة، قال فيه «كتائب القسام لم ولن تسقط من حساباتها أي خيار ممكن من أجل تفعيل المقاومة وتحرير الأسرى وقهر العدو الغاصب المجرم»، مضيفاً: «عيوننا ستبقى دوماً صوب القدس والأقصى ولن تنحصر داخل حدود غزة، وإن مشروعنا المقاوم سيمتد كما كان دوماً إلى كل أرضنا المغتصبة إن عاجلاً أو آجلاً».
واستهل الجعبري حياته النضالية في صفوف حركة فتح، وقد اعتقل في بداية الثمانينيات، وأمضى 13 عاماً في الأسر، بتهمة انخراطه في مجموعات عسكرية تابعة لفتح خططت لعملية فدائية ضد الاحتلال في العام 1982.
وخلال وجوده في السجن، أنهى الجعبري علاقته بفتح، وبدأ عمله في مكتب القيادة السياسية لحماس، حيث تعرف وراء القضبان على عبد العزيز الرنتيسي، وإسماعيل أبو شنب، ونزار الريان، وإبراهيم المقادمة، وصلاح شحادة الذي ربطته بالجعبري علاقة حميمة، استمرت بعد إطلاق سراحهما، وكانت مدخلاً للأخير للتدرج في كتائب القسام.
وتركز نشاطه عقب الإفراج عنه في العام 1995 على إدارة مؤسسة تعنى بشؤون الأسرى والمحررين، ثم عمل في العام 1997 في «حزب الخلاص» الإسلامي الذي أسسته الحركة لمواجهة ملاحقة السلطة الفلسطينية وقتها.
وفي تلك الفترة، ساهم الجعبري، والقائد العام لـ«كتائب القسام» محمد الضيف، والقائدان عدنان الغول وسعد العرابيد، في إنشاء الكتائب، ما دفع جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة في العام 1998 إلى اعتقاله لمدة عامين.
وبعد اغتيال مؤسس أول ذراع عسكري للحركة الشيخ الشهيد صلاح شحادة في العام 2002، وإصابة الضيف بـ«جروح بالغة وإعاقات غير محددة» إثر محاولة اغتياله في العام 2003، تحول الجعبري إلى القائد الفعلي للكتائب، إلى جانب الضيف. ويوضح فوزي برهوم المتحدث باسم حماس أن الجعبري «هو من طور كتائب القسام وبنى بنية حقيقية للقسام في الضفة الغربية».
وبحسب مصدر في حماس فان الجعبري كان يمثل الجناح العسكري في المكتب السياسي للحركة، ويعتبر العديد من الأشخاص في غزة، خصوصاً المحسوبين على حركة فتح، أن الجعبري كان له «دور بارز « في سيطرة حماس على قطاع غزة منتصف العام 2007.
وتعرض الجعبري الى عدة محاولات اغتيال، كان أبرزها في العام 2004، والتي أسفرت عن استشهاد ابنه البكر محمد، وشقيقه وثلاثة من أقاربه.
وتفادياً للاستهداف الإسرائيلي، كان ظهور الجعبري نادراً، وكان يتخذ احتياطات أمنية شخصية متنوعة، ولا يستخدم الهاتف الجوال.
يذكر أن الشهيد له ثمانية أبناء، هم ستة أولاد وبنتان في القطاع.

Please follow and like us:

COMMENTS