في العراق، مرّ يوم أمس هادئاً نسبياً ما خلا بعض التظاهرات المحدودة في المحافظات الجنوبية. وكان مفاجئاً قرار الحكومة الاتحادية تأجيل زيارة كانت مقررة أمس لوفد منها للمملكة السعودية، لبحث إمكانية إمداد هذه المحافظات بالكهرباء بعدما قطعت إيران التغذية الكهربائية عنها.
وتحدثت مصادر مقربة من رئيس الوزراء، حيدر العبادي، عن توجه إيراني لإزاحة العبادي من منصبه وعدم منحه ولاية ثانية. وأشارت إلى «لعبة الشارع»؛ ملمحة إلى أن إيران هي التي تقف وراء تحريك الشارع بطريقة غير مباشرة، واصفةً ذلك بأنه «لعب بالنار».
وأوضحت هذه المصادر بأن قطع خطوط التغذية الكهربائية عن المحافظات الجنوبية كان «رسالة واضحة ليس للحكومة فحسب، وإن كانت مُوجَّهة إليها خصوصاً، بل لمعظم القوى السياسية الحاضرة في الجنوب، ومضمونها: التزموا قرار قائد قوة القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني».
وكان تفاقم أزمتَي الكهرباء والماء، وفقاً لهذه المصادر قد تسبب بتحريك الشارع، على مدى الأيام العشرة الماضية، وما رافقه من مواجهات دامية بين المتظاهرين والقوى الأمنية. وقد جاء خطاب المرجعية الدينية المتعاطف مع «المطالب المحقّة» ليرفع منسوب النقمة الشعبية، ويمثل ضربة جديدة من النجف لحاملي راية «الإسلام السياسي»، وإنذاراً بمواقف أكثر حدة قد تخرج بها المؤسسة الدينية ضد الطبقة الحاكمة في العراق.
أما رواية القوى المحسوبة على طهران فتقول أن «الحلول المجتزأة» التي أطلقتها الحكومة «ليست كافية»، وأن «المطالب الشعبية تشكل مادة دسمة للاستثمار السياسي». ورأت في ما جرى في الأيام الماضية دليلاً على وجود «مؤامرة برعاية أميركية» ضد «قوى الإسلام السياسي» تقودها «منظمات المجتمع المدني».
وقالت صحيفة الأخبار اللبنانية، أنه بمعزل عن صحة رواية فريق العبادي، فهو نجح – على ما يبدو – في «هزّ العصا» لإيران، بإعلانه التوجه إلى السعودية لبحث إمكانية إمداد المحافظات الجنوبية بالطاقة الكهربائية. توجه يحيل على سؤال قديم – جديد عن إمكانية انتقال العبادي إلى المحور السعودي. هنا، تسارع المصادر المقربة من العبادي إلى نفي أي حديث من هذا القبيل، فـ«واهم ولا يقدِّر المواقف من يدعي أننا نميل إلى السعودية».
وتتابع: «صحيح أن الإيرانيين ضغطوا لعدم التوجه إلى السعودية، وتعهدوا بإعادة التغذية الكهربائية قريباً، إلا أن ما جرى يدعو إلى ضرورة التفكر في كيفية إدارة الملف العراقي من قبل طهران»، جازمة بأن سليماني سينجح في إعادة «لمّ الشيعة قريباً… لكن في حدود ما يمنحهم القدرة على تسمية رئيس الوزراء فقط… وهذا لا يخدمهم أبداً».
ويقول الخبير السياسي العراقي واثق الهاشمي، إن التظاهرات العراقية يمكن تقسيمها إلى أربعة أقسام، والنوعين الثالث والرابع هما «الأخطر» على العملية السياسية في البلاد. وقال الهاشمي، إن «الدستور في المادة 38 منه كفل للمواطن حق التظاهر والمطالبة بحقوقه، وهي ضرورية لأننا ليس لدينا معارضة برلمانية تقوّم عمل الحكومة لأن الجميع منضم اليها، بالتالي يقع على عاتق الشعب تقويم عمل الحكومة والمطالبة بالحقوق»، مبيناً أن «التظاهرات انقسمت لأربعة أقسام، الأول منها ونحن داعمون له وهو المواطن السلمي الذي يخرج للمطالبة بحقوقه التي كفلها له الدستور والقانون».
وأوضح الهاشمي في حديث لصحيفة "البناء" اللبنانية، أن «الخط الآخر يضمّ ضعاف النفوس ممن يستغلون التظاهرات لسرقة المحال التجارية أو دوائر الدولة»، لافتاً إلى أن «النوع الثالث ويضمّ الجهات التي عمدت لحرق مقار أحزاب سياسية محددة دون غيرها في معادلة تحمل وجهين، الأول تصفية الحسابات بين تلك الأحزاب، أو محاولة جهة ثالثة داخلية أو خارجية خلط الأوراق وضرب الأحزاب في ما بينها».
وتابع الهاشمي أن «المحور الرابع يرتبط باللاعب الخارجي الذي سعى من خلال أدواته لسرقة التظاهرات من أجل مصالح وصراعات بين عواصم عدة من بينها واشنطن وطهران والرياض»، بحسب تعبيره. وشدد على أن «النوعين الثالث والرابع هما الأخطر على العملية السياسية في العراق في بلد أغلب أحزابه مدججة بالسلاح».
مركز الحقول للدراسات والنشر
يوم الخميس، 19 تموز / يوليو، 2018