كشفت صحف الصباح "سرّاً جديداً" لـ"فريق العرقلة" الذي يؤخر ولادة حكومة العهد الأولى. وقالت إن تضخيم المستقبل والتقدمي والقوات [التي يرأسها العميل “الإسرائيلي” السابق سمير جعجع] لحصصهم الوزارية هدفها الإستيلاء على ثلث معطل، لمنع تعديل قانون الانتخاب الحالي، على نحو يضعف العامل الطائفي ـ المذهبي، ويخفض سن الإقتراع، ويسمح للمقترعين بالانتخاب من أماكن إقامتهم بالبطاقة الممغنطة. كما ألمحت بعض الصحف إلى "زكزكة" السعودية للرئيس المكلف سعد الحريري، من خلال النائب نهاد المشنوق، الذي فتحت له أبواب الرياض …
الأخبار
أمين الجميّل لـ«الأخبار»: عون ليس محايداً
زيارة المشنوق السعودية: رسائل بالجملة
مع أنه يرى أكثر من سبب للقول بعامل خارجي يتداخل مع تعثر تأليف الحكومة، يعتقد الرئيس أمين الجميّل أن في وسع الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري انتزاع المبادرة من أيدي الافرقاء، وتأليف حكومة منبثقة من صلاحياتهما الدستورية
قد يكون الرئيس امين الجميّل وسلفه الرئيس الراحل الياس سركيس وحدهما من سائر الرؤساء الذين سبقوهما أو خلفوهما، لم يتمكنا سوى من تأليف ثلاث حكومات في ولايتيهما، في سنيّ الحرب الأهلية. الا ان التجربة التي يحتفظ بها الرئيس السابق من عهده ــــ رغم ان البلاد اضحت الآن في ظل دستور أُدخلت عليه تعديلات جوهرية ــــ تجعله متيقناً من ان الطريق مفتوحة امام رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري كي يشكلا الحكومة الجديدة، ما داما صاحبي توقيع مرسومها.
كانت الآلية الدستورية نفسها تقريباً قبل اتفاق الطائف، في الممارسة لا في النص. منذ الرئيس اميل اده عام 1936، لم تبصر حكومة النور بلا مشاورات مسبقة، وإن غير ملزمة. ما خلا حالات نادرة ارتبطت بظروف استثنائية، لم يؤلف رئيس للجمهورية حكومة من دون التشاور مع مرشحه لرئاسة الحكومة، ولم تكن آنذاك ثمة استشارات ملزمة مقيّدة له بتسمية الرئيس المكلف كما منذ اتفاق الطائف. مع ذلك كان الرئيسان ــــ وهما يملكان وحدهما الصلاحية الدستورية نصاً وممارسة قبل اتفاق الطائف وبعده ــــ المعنيين باستحقاق التأليف.
في ضوء مراقبته تعثر التأليف، يقول الجميّل: «نتبع الآن سياسة النعامة بدفن رؤوسنا في الرمال. لا أحد يريد الإقرار بتداخل البعد الخارجي بالبعد الداخلي، وتشابك المصالح الاستراتيجية بتلك المحلية الضيقة. رغم صغره، يظل لبنان محوراً اساسياً في المنطقة، يتأثر بالنزاعات ولعبة المحاور الاقليمية المرشحة لمزيد من التطورات والتقلبات في الاشهر المقبلة، ليس أقلها ما بين السعودية وإيران. ثمة مَن يريد على الدوام ان يكون له موطئ قدم في هذا البلد. اضف تأثير العوامل الداخلية التي تتركز على عنصرين: السيطرة على الاكثرية في مجلس الوزراء للتحكم بالتصويت عند الحاجة، والحصول على الثلث المعطل لاسقاط الحكومة ما دام ليس في الامكان اطاحتها كيفما كان، فضلاً عن طموحات حزبية تحمل كل طرف على التصرّف كأن يكون الاكثر تأثيراً من الداخل. العامل الداخلي يغذي نفسه بنفسه، ويستقوي بالعامل الخارجي الذي يغطي بدوره تدخله لدى العامل الداخلي. هكذا تدور الدائرة على نفسها، فيتعثر تأليف الحكومة، وقد تحوّل الى شبه بازار».
يعزو الجميّل جانباً من الاخفاق الى رئيس الجمهورية الذي لا يضطلع، في رأيه، بـ «دور محايد بحيث يعطي لقيصر ما لقيصر ولله ما لله، فيحوز كل من الافرقاء الحصة المنطقية. الرئيس عون ليس محايداً في التأليف، وهذا واضح من خلال عدم التمييز بين حصته وحصة حزبه. كنت افضل ان يكون فوق الصراعات المحلية، غير محسوب على فريق. عندئذ تصبح حصته ضماناً اساسياً للتوازن الوطني، وفي مجلس الوزراء. الامر الذي لا نعثر عليه في مشاورات التأليف الآن. حصة الرئيس غير حزبية، وليست جزءاً من حصة حزب، ولا هو جزء من حزب، بل الضامن الفعلي للمصلحة الوطنية المستقلة عما يتطلبه الافرقاء الآخرون».
يقود ذلك الجميل الى القول إن الخروج من المأزق «يقتضي استعادة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف صلاحيات التأليف من الافرقاء الذين وضعوا ايديهم وشروطهم عليها، على نحو ما هو ظاهر من خلال التسابق على الحصص. كما لو ان مجلس الوزراء قطعة جبن برسم الافواه. عندما يتعذّر التوافق مع الافرقاء، ليس امامهما ــــ عملاً بصلاحياتهما الدستورية ــــ سوى الاقدام على تأليف الحكومة تأخذ في الاعتبار معايير محددة للتوزير، يعتقدان انها تلائم المصلحة الوطنية، ويذهبان بها الى مجلس النواب. اذا حتّم ذلك تأليف حكومة امر واقع من جراء تعذر الاتفاق على حكومة وحدة وطنية، فلا بأس. المطلوب الآن انتشال الوضع من المأزق والفراغ، وعدم الانجرار وراء اهدار الوقت كما في حكومات السنوات الاخيرة. يبدو المطلوب من الرئيسين عون والحريري ان يكونا المستبد العادل في تأليف الحكومة».
يستعيد الرئيس السابق للجمهورية تجربته في الحكومات الثلاث في عهده ما بين عامي 1982 و1988، وكلها كانت حكومات امر واقع. كل منها لاسباب مختلفة. اراد الاولى «حكومة وحدة وطنية تجمع الافرقاء جميعاً وتكون مساحة حوار في مواجهة الاحتلالين الاسرائيلي والسوري». فاتح الرئيس صائب سلام فيها آنذاك. على ان تعذّر التوافق عليها «في مرحلة لم تكن قد نضجت المصالحة الوطنية تماماً، حملني على تأليف حكومة امر واقع خشية ان يتسبّب الانقسام في شلها وتعطيلها ووضع البلاد على طريق الفراغ. حكومة الامر الواقع الاولى من خارج مجلس النواب رئيساً واعضاءً، تحمّلت والرئيس شفيق الوزان مسؤوليتها، وضمت شخصيات مثلت رأس الهرم في نقابات مهمة، كروجيه شيخاني وعصام خوري اللذين ترأسا نقابة المحامين وبهاء الدين البساط نقيب المهندسين وبيار خوري احد كبار مهندسينا، وايلي سالم من الجامعة الاميركية، والباقون كعدنان مروة وابراهيم حلاوي وعادل حمية من ذوي الكفايات العالية، ما اتاح للحكومة الحصول على صلاحيات اشتراعية واصدار 160 مرسوماً اشتراعياً لا يزال معظمها نافذاً الى الآن، والبعض منها صار الى تعديله».
يضيف: «الحكومة الثانية عام 1984 ايضاً كانت حكومة امر واقع. طلب السوريون ان تكون موسعة كي يوزّر فيها اكبر عدد ممكن من حلفائهم من اجل تسديد فواتيرهم معهم، الا انني والرئيس رشيد كرامي فضّلناها مصغرة من عشرة وزراء فقط. مع اننا كنا في مرحلة جديدة ايجابية في العلاقة والتعاون مع سوريا، اختلف موقفانا منها. الشاهد على ذلك حينذاك العميد سامي الخطيب قائد قوة الردع العربية حينما كلفته اقناع دمشق بالموافقة على حكومة العشرة وفق اتفاقي مع الرئيس كرامي، وتسهيل تأليفها في حقبة لم يكن التأثير السوري في لبنان قليل الاهمية وضعيفاً، رغم انكفاء الجيش السوري الى الشمال والبقاع. كنت متفاهماً عليها مع الرئيس كرامي المعروف عنه في الاصل تحبيذه الحكومات المصغرة، المنتجة اكثر منها الفضفاضة الكثيرة الاهدار للوقت في السجالات. ادركت ان تأليف حكومة في حقبة ما بعد مؤتمري حوار جنيف ولوزان يوجب ان يكون في عدادها نبيه برّي ووليد جنبلاط، وتضم ايضاً اقطاباً ككميل شمعون وعادل عسيران وسليم الحص وبيار الجميّل. عملنا على تطعيمها بوزراء محايدين كجوزف سكاف وعبدالله الراسي وفيكتور قصير. لم تفرض علي ولا على الرئيس كرامي، وقد اوجبتها الظروف كي تكون حكومة تجمع الافرقاء جميعاً، لكنها حكومة امر واقع اخذت في الاعتبار تطورات المرحلة تلك. اما الحكومة الثالثة عام 1988، وهي الحكومة العسكرية (برئاسة ميشال عون)، حكومة امر واقع، فكانت ثمة ظروف استثنائية حتّمتها كذلك».
زيارة المشنوق السعودية: رسائل بالجملة
بمجرّد وصوله إلى السعودية ورؤية الاستقبال الذي أُعدّ له، فتحت زيارة وزير الداخلية نهاد المشنوق أبواب التأويلات والاستنتاجات. رسائِل سعودية في اتجاهات عدة، وواحدة منها للمشنوق نفسه (مقال ميسم رزق).
لم تكُن زيارة وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى السعودية تحتاج إلى أكثر من حصولها، وبدعوة رسمية، كي يُبنى عليه ما يريد أن يبنيه من يتمنى حصولها أو من لا يتمنى. حمَلت الزيارة منذ اللحظة الأولى ــــ في الشكل أكثر من المضمون ــــ دلالات عدة. ولو أن تداعياتها لن تظهر الآن، إنما متروكة للحظة أو الفرصة «المؤاتية».
هي حتماً رسائِل سعودية في اتجاهات عدة، واحدة منها للمشنوق نفسه. محادثات، على مدى ثلاثة أيام، مع مسؤولين سعوديين وأداء مناسك العمرة ولقاء ثلاثة أضلع أمنية على صلة وثيقة بولي العهد محمد بن سلمان. فالإبقاء على الدعوة التي وُجّهت إلى الوزير اللبناني منذ ما قبل الانتخابات النيابية، وإذا وضعت في السياق التي أتت به، فلا بدّ وأن تحيلنا إلى استنتاجات متعدّدة. أصلاً لا مكان هنا إلا للاستنتاجات، لا سيما أن مضمون الأحاديث التي دارت بقي سراً، باستثناء بعض التصريحات التقليدية المرافقة لأي اجتماع رسمي.
هذه الاستنتاجات تبدأ من طريقة استقبال الجانب السعودي للمشنوق، وصولاً إلى الاجتماعات التي عقدها وما رافقها، خصوصاً من حفاوة متعمدة. على سبيل المثال لا الحصر، يُقال إن الموكب الذي حظي به المشنوق طيلة أيام الزيارة رافقته سيارة إسعاف، وعدد من السيارات المبالغ فيها. حطّ المشنوق في مطار جدّة. استقبله نائب وزير الداخلية السعودي ناصر الداوود برفقة كبار الضباط والمسؤولين في وزارة الداخلية ثم مأدبة غداء حضرها الوفد اللبناني وجميع من شاركوا في الاستقبال. صورة يُمكن أن تستفزّ كثراً. تبعها اجتماع مع رئيس الاستخبارات السعودي الفريق أوّل خالد حميدان، واجتماع مطول مع رئيس جهاز أمن الدولة السعودي عبد العزيز الهويريني (يحظى برتبة وزير)، الذي أقام مأدبة عشاء على شرف المشنوق. إشادة من الأخير بمواقف وزير داخلية لبنان، وتأكيد على الإعجاب بخطابه الشهير في مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس. بعدها لقاء مع وزير الداخلية الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف، تخللته محادثات توزعت بين الأمن والسياسة، من سوريا إلى العراق واليمن، وصولاً إلى التفاصيل اللبنانية.
بعيداً من الشكل، لا تُمكن قراءة زيارة المشنوق إلى المملكة خارج السياق المتمثل بالآتي:
أولاً: الاشتباك مع رئيس الحكومة سعد الحريري، وتقصّد الأخير اعتماد مبدأ فصل النيابة عن الوزارة لاستبعاد وزير الداخلية عن الحكومة الجديدة.
ثانياً: إعلان المشنوق أنه طُعنَ في الانتخابات النيابية الأخيرة من ماكينة تيار المُستقبل. قال ذلك في مقابلة قبل أسبوع من سفره. وقد لمّح إنّه قاب قوسين أو أدنى من الخروج من كتلة المستقبل، إن لم يكن قد خرج فعلاً.
ثالثاً: تقصّد المشنوق زيارة دار الفتوى في بيروت قبل أن يحطّ في جدة. هو المكان نفسه الذي أعلن من على منبره أن «اللبنانيين ليسوا قطيع غنم، ولا تحكمهم المبايعات». أطل من الدارة ذاتها مجدداً للقول أنه نائب (شبه) مستقل، يمثل بيروت والدولة اللبنانية والخطّ الحليف للمملكة العربية السعودية. وناشد «ضمير العروبة الملك سلمان بأن لا يترك مؤسسات المقاصد وحيدة لأنها هي التي حمت الاعتدال السني في لبنان»، وهي الكلمات التي نالت تقدير مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان.
كان يُمكن للرياض أن تلغي الدعوة (القديمة) في اللحظات الأخيرة. لكنها عوضاً عن ذلك، أبقت عليها وأعطتها طابعاً استثنائياً. شاب هذه الزيارة كلام كثير عن تلازم الخطوة السعودية مع موقف سلبي غير مُعلن من أداء الرئيس سعد الحريري. من يعرف المملكة حق المعرفة يؤكّد أنها تترك رئيس الحكومة على هواه، يفعل ما يحلو له أو يعتبره صحيحاً، وكأنه «تحت التجربة» إلى أن تقرّر هي التجاوب معه ودعمه أو … التخلي عنه. لكن هذا الانتظار والترقب للخطوات التي يقوم بها رئيس تيار المستقبل ليس يتيماً. في المقابل، تعمد المملكة إلى إرسال إشارات مفادها بأن السقف الزمني للاختبار ليس مفتوحاً… وربما هناك خيارات أخرى. قد تكون زيارة المشنوق ــــ بكلّ ما تعنيه ــــ الأكثر تعبيراً عن هذا الاستنتاج. وإن كان ليسَ من الضرورة أن يكون هو الخيار الآخر الوحيد، لكنه واحد من الخيارات!
الثابت الوحيد في هذه الزيارة حتى الآن، هو أن «هناك هجمة سعودية إيجابية على لبنان» بحسب المطلعين على موقف المملكة. فالرياض «استدركت بأن ترك الساحات أمام المحور الآخر (إيران) ليس مجدياً». وبناء عليه «يستعجِل السعوديون تشكيل الحكومة للعودة إلى المشهد اللبناني من أبواب عدة، سياسية واقتصادية وسياحية حتّى». إذ «لا يُمكن أن تعود حركة المسؤولين السعوديين إلى بيروت، ويترك الباب موصداً أمام المواطنين السعوديين الراغبين في زيارة هذا البلد».
اللواء
مَنْ يلعب على حِبال التوتُّر الطائفي؟
برّي وحزب الله: ما زلنا ضمن مهلة التأليف .. وجنبلاط يرفض تدخُّل باسيل في «البيت الدرزي»
أسمع الرئيس نبيه برّي مَن يعنيه الأمر كلاماً واضحاً، انه لن يسمح لأحد، ايا كان، بأن يلعب مجددا على خطوط التوتر، بين الطوائف والمذاهب.
ونقل عن الرئيس برّي انه عندما التقى الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة، أكّد له احترامه الكامل للميثاقية ولاتفاق الطائف، وللتكليف الذي يعبّر عن الإرادة النيابية بأن الرئيس سعد الحريري هو الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، وفقاً للدستور الذي ينص على ان المراسيم تصدر بتوقيع كل من رئيسي الجمهورية والحكومة.
ونقل عن رئيس المجلس ايضا ان الجلسة النيابية التي جرى التداول بشأنها، لتبادل الرأي حول الوضع في البلاد، لا تعني بأي شكل من الاشكال ممارسة أي ضغط نيابي، يستهدف الرئيس المكلف، أوسواه، لأنه الوقت هو لتسريع التأليف، وليس للمشكلات الداخلية، لا سيما بين المسلمين والمسيحيين، أو بين المسلمين والمسلمين سنّة أو شيعة.
وفي السياق نفسه، قال قيادي بارز في الثنائي الشيعي (حزب الله – أمل) لـ«اللواء» «اننا ما زلنا ضمن المهلة المقبولة والمعقولة.. لم يستنفد الوقت بعد، وليس هناك ما يدعو إلى القلق» (راجع ص 3).
الحريري في مدريد
ولكن، وعلى رغم الجمود الحاصل على خط التأليف، فإن الرئيس الحريري بقي على تفاؤله، وهو أكّد امام عدد من الطلاب اللبنانيين في جامعة IE لإدارة الأعمال في مدريد، ان تشكيل الحكومة بات قريبا، مشددا على أهمية احترام التوافق بين معظم المكونات والأحزاب بسبب التنوع والتعددية في لبنان. وقال انه «لا يُمكن تشكيل حكومة على قاعدة أكثرية وأقلية، وقد جربنا هذا الأمر في الماضي ولم ننجح، لذا فالتوافق هو الحل الوحيد في البلد».
وأشار إلى ان دوره كرئيس مكلف هو جمع مختلف الأطراف، على الرغم من كل الخلافات السياسية الموجودة، والتي يجب علينا ان نضعها جانباً، ونركز عملنا على النهوض بالبلد وتطوير مختلف القطاعات، مشيرا إلى انه إذا عدنا إلى الماضي القريب نرى انه عندما نضع خلافاتنا جانبا ننجح في تحقيق العديد من الإنجازات التي تخدم مصلحة لبنان والمواطنين، ولكن لا يمكننا ان ننجح في هذا الأمر الا إذا بدأنا بمحاربة الفساد فعليا، لافتا الى ان الشروع بتطبيق مقررات مؤتمر «سيدر» من شأنها ان تحفز النمو وتنشط الوضع الاقتصادي، الأمر الذي سينعكس على الاستقرار في لبنان»، معتبرا ان وجود مليون ونصف مليون نازح في لبنان هو أمر منهك لبلدنا، لكن وجودهم ليس هو السبب الوحيد لمعاناتنا اليوم، فلو استثمرنا قبل سنوات في قطاعات النقل والتكنولوجيا والصحة والتربية، لكنَّا وفرنا على انفسنا الكثير مما نشهده الآن.
وكان الرئيس الحريري أجرى صباحا محادثات مع نظيره الاسباني بيدرو سانشيز بيريز كاستيخون، تناولت التطورات في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين، ودون كلمة في سجل الشرف أكّد فيها أنه يتطلع لتطوير العلاقات الثنائية، شاكرا اسبانيا على مساهمة جنودها الموجودين في إطار قوات «اليونيفل» في تأمين السلام للبنان.
ومن مدريد انتقل الحريري مساء إلى لندن، حيث سيشارك في مأدبة عشاء لكلية الأركان التي يدرس فيها نجله حسام.
وفي تقدير مصادر مطلعة على أجواء «بيت الوسط» ان الرئيس المكلف وضع لنفسه معايير جديدة لتشكيل الحكومة، تقوم على مبادئ ثلاثة هي:
1 – حكومة توافق وطني تضم الجميع، أي معظم المكونات والأحزاب، ومن دون استبعاد أحد ومن دون طغيان فريق على آخر.
2 – تفادي التصعيد مع الجميع، والعمل على تهدئة الأجواء السياسية، ووضع الخلافات السياسية جانباً.
3 – التمسك بصلاحيات الرئيس المكلف، بحسب منطوق الدستور، واعتبار ان دوره هو جمع مختلف الأطراف.
الا ان التفاؤل الذي ابداه الرئيس الحريري من مدريد، لا يعني ان هناك حكومة في المدى المنظور، أقله في الأسبوع المقبل، حيث نقل انه يعمل على مسودة حكومية سوف يقدمها إلى رئيس الجمهورية بعد عودته من لندن مطلع الأسبوع.
وفيما انتقل الرئيس نبيه برّي إلى المصيلح في الجنوب في إشارة إلى توقف محركات تأليف الحكومة، أعربت مصادر في الثنائي الشيعي، التي نقلت عن الحريري هذا الكلام، عن اعتقادها بأن الخلاف حول الاحجام وتوزيع الحصص يبقى مجرّد تفصيل ثانوي أمام التفصيل الأساسي المتعلق بنوعية الحقائب التي سوف يختلف عليها الفرقاء حكماً، والتي لم يبدأ الحديث الجدي عنها بعد.
وأكّد قيادي في هذا الفريق لـ «اللواء» إصرار ثنائي «حزب الله- امل» على عدم التفريط بحصة تيّار «المردة» تحديداً، وقال: «اذا كانت هناك إمكانية ولو ضئيلة جداً في تنازلهم عن وزارة الاشغال فإن هناك استحالة في قبولهم أو قبولنا الا بالحصول على وزارة أساسية بديلة من وزنها، واصفاً مطالبة الوزير جبران باسيل بالمداورة في وزارتي المالية والداخلية «بالنكتة» وبالكلام الذي «لا يقدم ولا يؤخر»، ما يعني ان حصة الثنائي الأساسية باتت محسومة على صعيد الحقائب أي «الصحة» و«المالية» سواء تشكّلت الحكومة اليوم أو بعد سنة، وانه لا داعي للأخذ والرد في هذا الموضوع لا في العلن ولا في السر.
وجاءت هذه المواقف، في ظل ارتفاع منسوب التوتر بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» اثر انهيار الهدنة الإعلامية بينهما، بسبب تجدد تبادل التراشق بين الطرفين، ولا سيما بين الوزير باسيل ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، بما يؤشر إلى ان مفاوضات رأب الصدع بين الطرفين لم تنجح تحقيق اختراق يؤدي إلى جمع الرجلين معا.
وفيما أكدت مصادر قواتية على ان لا حديث مع باسيل بعد اليوم، غرد وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي عبر «تويتر»، قائلاً: «كم تجن يرتكب باسمك أيتها الهدنة، مشكلتكم مع جبران انه دخل في الوجدان الوطني والمسيحي بالموقف الحازم من القضايا المصيرية وبالشرعية الشعبية الأقوى، هذه العقدة لا حل لها عند جبران لأنها ملكه».
اما باسيل، فأكد من جهته، خلال جولة له في قضاء البترون انه سيكون أكثر تصلبا في كل معركة سياسية تمس دور التيار السياسي الذي قاتل كثيرا من اجل استرداده، واصفا المرحلة بأنها «جدية لتكريس الدور من خلال وجود المسيحيين في المؤسسات الدستورية، والإدارية، وفي كل معالم الدولة لنقول له اننا شعب متساو».
وذكر باسيل ان «الحركات التكفيرية لم تميز بين مسلم ومسيحي. المسيحيون دفعوا الثمن وخصص لهم المزيد من الاستهداف، وهذا ليس مسؤول عنه الحزب التكفيري بل ايضا من يدعمهم والسياسات التي تسمح بخلق دول احادية الدين»، مؤكدا انه «لا يُمكن الحديث عن إرهاب دون حركات نزوح، ولا حركات نزوح كثيفة دون زيادة التطرف، وزيادة التطرف أي الحد من الحريات الدينية».
العقدة الدرزية
على صعيد العقد، بقيت الدوائر المغلقة والمفتوحة تتحدث عن التجاذب الحاصل في ما خصَّ توزير النائب طلال أرسلان، الذي شنّ حملة على النائب وليد جنبلاط، متهماً اياه ان النواب السبعة الذي حصل عليهم، كان له ذلك بفضل عضلات الرئيس نبيه برّي وليس بقوته.
وإذ، رفضت مصادر اشتراكية الخوض في ما اسمته متاهات، معتبرة ان اللقاء الديمقراطي، يتعامل مع الملف الحكومي انطلاقاً من نتائج الانتخابات، ضمن معيار وزير لكل أربعة نواب، فيكون للقاء وزيرين، إنما الثالث فنتيجة الكسر، وتدويره بحيث يصبح ثلاثة.
لكن قريبين من المختارة، يعتقدون ان للمسألة اوجهاً أخرى، تتعلق بعدم السماح لأحد بالتدخل في شؤون الجبل، لا سيما البيت الدرزي، وهنا تكمن مشكلة التدخل الذي يحاور الوزير باسيل اقامته لإحداث توازن بوجه تحالف الحزب التقدمي الاشتراكي مع «القوات اللبنانية» يقابله تحالف التيار الوطني الحر مع الحزب الديمقراطي اللبناني، الذي يرأسه النائب طلال أرسلان، والتحالف قبل الانتخابات وبعدها مع التيار الوطني الحر.
آلية محلية ودولية لعودة النازحين
إلى ذلك أعلنت المديرية العامة للأمن العام أنها «ستقوم بتأمين العودة الطوعية لمئات النازحين السوريين من منطقة عرسال الى سوريا عبر حاجز وادي حميد، يوم الاثنين المقبل، اعتبارا من الساعة الثامنة صباحا، على أن تكون نقطة التجمع في وادي حميد– عرسال».
ويبلغ عدد افراد الدفعة التي ستغادر الاثنين نحو300 شخص من اصل نحو 1200 سجلوا اسماءهم ستتم اعادتهم تباعا بعد تحضير ملفاتهم.
وذكرت مصادر رسمية متابعة لملف النازحين السوريين ان آلية عودة الراغبين منهم الى قراهم في القلمون السوري وريف دمشق انما تتم عبر المديرية العام للامن العام، حتى الذين يتولى «حزب الله» عبر لجانه المختصة ترتيب استماراتهم وتسجيل اسمائهم وتحضيرهم للعودة، انما سيتولى الامن العام التدقيق في اسمائهم ورفعها للسلطات السورية التي تدقق بدورها بالاسماء وترسل الاسماء التي تتم الموافقة عليها للجانب اللبناني حيث يتولى الا من العام تسوية اوضاعهم القانونية ،قبل ان يتم التنسيق المباشر بين الامن العام والسلطات السورية لترتيب الامور اللوجستية لنقل العائدين.
واوضحت المصادر ان دور «حزب الله» وبعض الاحزاب الاخرى التي تشارك في عملية الاعادة الطوعية، هي تحضير الاستمارات للنازحين عبر اللجان التي شكلتها وتسجيل الاسماء، والتنسيق مع الجانب السوري ومع الامن العام اللبناني.
الى ذلك، أعلنت الامم المتحدة امس الجمعة، ان نحو 750 الف نازح داخل سوريا عادوا الى بلداتهم في النصف الاول من 2018 اي قرابة العدد الاجمالي للعائدين العام الماضي.
وقالت مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة في بيان ان غالبية النازحين عادوا الى مناطق استعادتها القوات الحكومية من فصائل المعارضة بينها حلب وحمص وريف دمشق.
وتخطت نسبة العادئين هذا العام تلك المسجلة في 2017، عندما عاد نحو 760 الفا الى بلدات اجبروا على مغادرتها.
وقالت المفوضية انها «عززت امكانياتها داخل سوريا» في 2017 تحسبا لعودة اعداد اكبر من النازحين الى مناطق معينة مع تغير معطيات النزاع.
لكن المفوضية قالت: إن الزيادة الكبيرة في اعداد العائدين تتزامن مع ارتفاع في اعداد المهجرين في مناطق اخرى. حيث اعلن مكتب الامم المتحدة للشؤون الانسانية في سوريا الشهر الماضي، أنه في الاشهر الاربعة الاولى من العام 2018، اضطر 920 الف شخص على الفرار من منازلهم، في نسبة هي الاعلى في النزاع المستمر منذ 7 سنوات.
وفي موسكو، نسبت وكالة الإعلام الروسية إلى وزارة الدفاع قولها امس، إنها أرسلت مقترحات مفصلة لواشنطن بشأن تنظيم عودة اللاجئين لسوريا بعد اتفاقات توصل إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الأميركي دونالد ترامب.
وأشارت وزارة الدفاع الروسية إلى أن أكثر من مليون و700 ألف سوري سيتمكّنون من العودة إلى ديارهم في المستقبل القريب. وأن موسكو اقترحت على واشنطن تنظيم مجموعة روسية– أميركية– أردنية لإعادة اللاجئين من الأردن إلى سوريا، وكذلك لجنة مماثلة بخصوص اللاجئين في لبنان.
ولفتت الانتباه الى ان نحو 7 ملايين سوري تركوا البلاد خلال 7 سنوات من العمليات القتالية.
البناء
مواقف مندّدة بقانون «الدولة اليهودية»… و«القومي»: حرب إبادة لا تصدّها إلا المقاومة
موسكو تضع عودة النازحين في خطة للتفاوض مع واشنطن… وللبنان نصيب
الحريري من مدريد يرى الحكومة قريبة… والجميع في بيروت يراها سراباً
صعد ملف عودة النازحين السوريين إلى الواجهة الدولية، بفصله عن ملف الحلّ السياسيّ، بقوة المبادرة التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من منصة قمة هلسنكي التي جمعته بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعدما حوّلت وزارتا الخارجية والدفاع الروسيتان التفاهم المبدئي بين الرئيسين خطة أرسلت إلى واشنطن للدراسة والتفاوض، بصورة تضمن عودة أكثر من مليون ونصف مليون نازح من لبنان والأردن، بالتوازي مع توفير خطط تمويل لإعادة إعمار البنى التحتية المدمرة في العديد من الأماكن المرشحة للعودة. وانطلقت مقدمات الخطة الروسية من جاهزية النازحين للعودة من جهة، وفقاً لما قالته الوثيقة الروسية، وجاهزية الوضع الأمني في مناطقهم التي نزحوا منها من جهة ثانية، وجاهزية الدولة السورية لاتخاذ الإجراءات السياسية والقانونية والخدمية التي تشجعهم على العودة من جهة ثالثة. وتدعو الوثيقة إلى تشكيل لجان ثلاثية روسية أميركية لبنانية، وروسية أميركية أردنية، ولا مانع من ضمّ ممثلين للمنظمات الأممية إليها، لضمان توافر المساعدات الإنسانية وخطط تجهيز البنى التحتية. وترى الوثيقة أن العودة تشكل التشجيع الأهم على الحل السياسي. وهي سبب له وليست نتيجة لتحقيقه. فالعودة تجعل التعدد السياسي تفاعلياً وإيجابياً لا عدائياً وتناحرياً. والعودة غير المشروطة بالحل السياسي تُخرجها من طابع التحدّي وتخرج التفاوض نحو الحل السياسي من صفة الابتزاز، وتتعهّد روسيا بموجب الوثيقة بضمان أمن العائدين وحرياتهم السياسية، مقابل ضمان أميركي وأممي للتعاون في إطلاق صندوق دولي لرعاية العودة وتأمين مستلزماتها.
لبنان المعني الأول بهذا التحوّل الذي يشكل انتصاراً لموقف رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ومسساعيهما ومواقفهما الداخلية والدولية تحت هذا العنوان، تلقى كلاماً أممياً داعماً للعودة بالمفهوم اللبناني، بعدما كانت المعارضة الأممية الابتزازية موضع تصادم بين وزارة الخارجية والمفوضية العامة لشؤون اللاجئين، لكن لبنان بلا حكومة تستطيع تلقي هذا التحوّل، كما هو بلا حكومة تستطيع الاستثمار على مصالحه الاقتصادية في مرحلة ما بعد فتح الحدود السورية مع الأردن والعراق كبوابات للترانزيت اللبناني نحو العراق والخليج، وجسور لتسويق الإنتاج اللبناني، في ظل اختناق الأسواق الداخلية بفائض زراعي وتجاري يبحث عن أسواق. ولبنان يعيش لعبة مزايدة في الموضوعين المرتبطين بالانفتاح على التعاون مع الحكومة السورية بفعل ارتهان بعض قادته لحسابات خارجية وأحقاد لا تخصّ الشعب اللبناني ولا مصالحه. ويتمسك بعض سياسييه على سبيل المثال بالحديث عن القانون رقم 10 في سورية كعائق أمام العودة، رغم أن الرئيس الأميركي قبل التفسير الذي قدّمه الرئيس الروسي للقانون كما قبله رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وطلب من الرئيس بوتين حثّ الدولة السورية على شرح القانون وتبديد الهواجس حوله، بينما لا يزال القانون قميص عثمان يبرّر به البعض مواقفهم العدائية.
فيما تتراكم من حول لبنان الفرص التي تهدّد بتحولها فرصاً ضائعة، تتعقد مساعي تشكيل الحكومة، بحسابات قالت مصادر متابعة إنها لا تتصل بمعارك افتراضية على رئاسة الجمهورية المقبلة، ولا على ملفات إقليمية بدأت التحولات الدولية بتسخيف الرهان على المكابرة لمنعها كملف النازحين والانفتاح على الحكومة السورية، ولذلك تقول المصادر إن القطبة المخفيّة في مكان آخر. وهو السعي لتأمين ثلث معطل لمنع تعديل قانون الانتخاب بصورة تعزّز التعددية في قلب الطوائف والمناطق، حيث تتلاقى مصالح تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، على منع تعديلات على قانون الانتخابات تسمح للمقترعين بالانتخاب من أماكن إقامتهم واعتماد البطاقة الممغنطة. وهي إجراءات تفيد القوى التي لا تملك بلوكات جاهزة للتحميل إلى صناديق الاقتراع، وتعتمد على شعبية عائمة وهلامية، تمنعها كثيراً الأوضاع المغلقة السائدة في مناطق الاقتراع من المشاركة. واللافت على المسار الحكومي أن الرئيس المكلف سعد الحريري أطلق من مدريد توقعاته برؤية قريبة للحكومة الجديدة، بينما كان إجماع في بيروت أن لا جديد يفسر هذا التفاؤل، وأن الوعد بالحكومة لا يزال سراباً.
في لبنان، كما في المنطقة انشغال بالقانون الذي أقره كيان الاحتلال حول الهوية اليهودية لكيانه، مؤكداً بخطوة جديدة تعقب اعتماد القدس عاصمة له، ابتعاده عن خيارات التسوية، وإغلاقه فرص التفاوض، في ما الحرب على غزة بين التصعيد ومساعي الهدنة، والمقاومة تردّ وتقتل ضابطاً في جيش الاحتلال، والمواقف العربية والفلسطينية المندّدة بالقانون الصهيوني الجديد، لقيت مثلها في لبنان، حيث صدرت بيانات عن حزب الله وحركة أمل والأحزاب الوطنية، وتيار المستقبل ونواب التيار الوطني الحر، بينما أعلن الحزب السوري القومي الاجتماعي موقفاً متكاملاً من القانون ربطه بعنصرية كيان الاحتلال والدعوة لإعادة الاعتبار للقرار الأممي بتصنيف الصهيونية كشكل من أشكال العنصرية، معتبراً أن القانون يشكل إعلاناً لحرب إبادة بحق الشعب الفلسطيني، خصوصاً في المناطق المحتلة عام 1948، داعياً للاستثمار على خيار المقاومة كشكل وحيد للرد على هذا التحدي المصيري والتاريخي.
«القومي»: قانون الدولة اليهودية امتداد للقوانين العنصرية
أكد عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي معن حمية أنّ «إقرار الكنيست الصهيونية لما يُسمّى بقانون «الدولة القومية اليهودية» هو امتداد لقوانين عنصرية مماثلة، لا سيما ما يُعرَف بقوانين العودة وأملاك الغائبين وغيرهما، وكلّها تمثل النهج العنصري الاستيطاني الذي يعتمده العدو الصهيوني منذ احتلاله فلسطين. ولذلك فإنّ مواجهة هذا النهج الصهيوني العنصري الإجرامي، لا تتمّ بمواقف الإدانة والاستنكار وحسب، بل بخطوات جادة وعملية، وحراك واسع النطاق، وخطة للمواجهة ترتكز على حق الفلسطينيين الثابت بالمقاومة سبيلاً وحيداً لتحرير فلسطين، كلّ فلسطين».
وأشار حمية في بيان إلى أن «القانون» «الإسرائيلي» المذكور، يشكل تحدياً صارخاً للمواثيق الدولية التي تؤكد حق الشعوب في مقاومة الاحتلال وحق تقرير المصير، فإنه أيضاً يشكل تهديداً وجودياً للفلسطينيين إذ يطلق مرحلة جديدة من العدوان الصهيوني عن طريق تنفيذ جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين بهدف الوصول إلى «الدولة القومية اليهودية» المزعومة!
واضاف: «أنّ ما قام به الاحتلال الصهيوني، هو إعلان حرب إبادة جماعية ضدّ أبناء شعبنا، والمسؤولية عن هذا الإعلان تتحمّلها الولايات المتحدة الأميركية والدول التي اعترفت بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال، والمسؤولية الأكبر تقع أيضاً على كلّ الدول المشاركة في مخطط تصفية المسألة الفلسطينية من خلال «صفقة القرن»، وعلى وجه الخصوص عرب التطبيع الذين أخرجوا علاقتهم مع العدو الصهيوني من السرّ إلى العلن».
ولفت الى أنّه «أمام هذا التحدي الخطير، نجدّد تأكيد أهمية التمسك بالثوابت والخيارات النضالية دفاعاً عن شعبنا وأرضنا، والتمسك بحق شعبنا في مقاومة الاحتلال والعنصرية ومخططات الاستيطان والتهويد، وضرورة أن تتوصّل كلّ القوى والفصائل الفلسطينية إلى برنامج موحّد مرتكز على ثوابت الحق ومسار نضالي عماده المقاومة وخوض مواجهة مفتوحة ضدّ كيان الاحتلال الصهيوني العنصري الذي دخل مرحلة الإجهاز على المسألة الفلسطينية بهدف تصفيتها نهائياً».
وتابع: «إنّ إعادة الاعتبار لخيار الكفاح المسلح في الصراع المصيري ضدّ العدو الصهيوني، عدو فلسطين والأمة، يُعيد المسألة الفلسطينية إلى الصدارة، ليلتفّ حولها مجدّداً أبناء شعبنا والشعوب العربية التي غرق بعضها في وحول «الربيع العربي» المتأسرل».
ما هو مطلوب اليوم، ليس فقط إطلاق مواقف تدين الاحتلال الصهيوني وعنصريته وإجرامه، بل آليات للمواجهة، وحشد للطاقات، وبذل للجهود، وخطاب متحرّر من كلّ مفاعيل الاتفاقات والتسويات التي جلبت المزيد من الويل على فلسطين والفلسطينيين.
وقال: «في ظلّ وقوف الولايات المتحدة والغرب إلى جانب «إسرائيل»، فإنّ المطلوب أيضاً، تحرّك باتجاه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتتحمّل مسؤولياتها حيال ما يتهدّد شعبنا وقضيتنا، ودعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تثبيت قرارها رقم 3379 بمساواة الصهيونية بالعنصرية واعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. وهو القرار الذي تمّ إلغاؤه في العام 1991 في بداية مرحلة التفرّد الأميركي بالهيمنة على العالم».
واعتبر عميد الإعلام في «القومي» أنّ «الإعلان «الإسرائيلي» المتمثل بما سمّي قانون «الدولة القومية اليهودية»، يحتّم على شعبنا المواجهة، وعلى الشعوب العربية أن تتحرّك وتضغط، وعلى العالم أجمع أن يتحمّل مسؤولياته، فالصهيونية العنصرية إرهاب، والإرهاب خطر على الإنسانية جمعاء».
باسيل: سنكون أكثر تصلباً في حقوقنا
وإذ لم يخرج مسار تأليف الحكومة من دائرة المراوحة، أصرّ الرئيس المكلف سعد الحريري الموجود في مدريد على تفاؤله بولادة حكومية قريبة، إلا أن أي خرق لم يسجل أمس، على صعيد العقدتين المسيحية والدرزية وسط ارتفاع جدار المواقف ومزيد من تصلب القوى السياسية لا سيما من الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر مع إعلان رئيسه الوزير جبرن باسيل أمس، «اننا سنكون أكثر تصلباً في كل معركة سياسية تمس دورنا السياسي الذي قاتلنا كثيراً من أجل استرداده».
وما يزيد الوضع تعقيداً هو الأصوات العونية التي بدأت تخرج الى العلن التي تتوجه بالعتب على تيار المستقبل بأنه لم يبادل التيار الحر الوفاء بالشأن الحكومي بعد وقفته مع الرئيس سعد الحريري في أزمة 4 تشرين الثاني الماضي، ومقارنة موقف المستقبل بموقف حزب الله الذي بادل العونيين الوفاء بانتخابات رئاسة الجمهورية. ما يعكس تباعداً سياسياً بين التيارين البرتقالي والازرق بدا يطفو على سطح الخلاف الحكومي. فعن أي حكومة يتحدّث الحريري؟ وأي معطيات يستند عليها وعلى ماذا يراهن؟
«المستقبل»: لن نتنازل عن الموقع والصلاحيات
أوساط قيادية في تيار المستقبل تصف الكلام المنقول عن التيار الحرّ بكلام «نسوان الفرن» وليس كلاماً سياسياً مسؤولاً، «لأنّهم يعرفون أن لبنان بلد التوازنات ولا يستطيع الرئيس المكلف تحديد أحجام الأطراف السياسية ولا يستطيع ايضاً التبرّع من كيسه لإرضاء كافة الكتل النيابية»، وإذ رفضت الدخول في سجال مع التيار الحر، شدّدت الأوساط المستقبلية لـ«البناء» على أن «الحريري يسعى قدر طاقته الى تأليف حكومة تحقق الاستقرار السياسي وتواجه الأزمات الاقتصادية وتنجح العهد بعيداً عن العنتريات والكلام الذي يزيد منسوب التوتر»، وردّت على الوزير باسيل بالقول: «التصلّب لا ينفع في بلد كلبنان وإذا استطاع رئيس التيار تأليف حكومة وحده فليفعل. الدستور واضح».
وعن حصة رئيس الجمهورية لفتت الأوساط الى أن «لا الحكومة ولا الحصص ملك لرئيسي الجمهورية والحكومة، إذ إن لا الدستور ولا الاعراف تمنح رئيس الجمهورية 5 وزراء»، موضحة أن في الحكومات السابقة مُنِح رؤساء الجمهورية 3 وزراء فقط لأنهم لم يملكوا حزباً سياسياً وكتلة نيابية كبيرة كحال الرئيس ميشال عون اليوم، مضيفة: «يمكن أن يتنازل رئيس الجمهورية عن حصته الى 4 وزراء»، وتضيف الأوساط «لم تعد القضية تنازل الحريري بل موقع وصلاحيات رئاسة مجلس الوزراء ولن نتنازل عن حقوق دفعنا ثمنها كثيراً منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري»، ولفتت الى أن «الحريري يراهن على صبره وسعة صدره وقدرته على تدوير الزوايا وعلى يقينه بأن الكتل ستخفض مطالبها وشروطها في نهاية المطاف».
وعن موقف الحريري من العقدة الدرزية وتوزير النائب طلال ارسلان، لفتت الى أن «حل العقدة الدرزية تكون بتوزير أرسلان لكن بموافقة جنبلاط».
وإذ أكدت الأوساط تمسك فريق 14 آذار بالثلث المعطل في الحكومة، لاحظت بأن «المستقبل بات أقرب الى القوات من التيار الحر، لأنها تتمسك فعلياً باتفاق الطائف، لكننا متمسكون أيضاً بالتسوية مع الرئيس عون». ولفتت الى أن»تحديد مهلة للرئيس المكلف خرق للدستور ويندرج في إطار التهويل لأن أي أمر من هذا النوع يحتاج الى تعديل دستوري غير ممكن الآن، موضحاً أن «تيار «المستقبل» منفتح على كل بحث دستوري، وبالتالي أي تعديل يجب ان يُدرس داخل مجلس النواب بعد أن تتألف الحكومة». لكن مصادر رأت في كلام المستقبل مناورة، إذ أن أي تعديل دستوري يحتاج الى موافقة ثلثي الحكومة. الأمر غير المتوفر في الحكومة العتيدة في ظل نيل فريق 14 آذار الثلث المعطل».
وأكد الرئيس الحريري «ان تشكيل الحكومة بات قريباً، وشدد على أهمية احترام التوافق بين معظم المكونات والأحزاب بسبب التنوع والتعددية في لبنان. وقال خلال لقائه صباحاً عدداً من الطلاب اللبنانيين في جامعة IE لإدارة الاعمال في مدريد «لا يمكن تشكيل حكومة على قاعدة اكثرية وأقلية، وقد جربنا هذا الأمر في الماضي ولم ننجح، لذا فالتوافق هو الحل الوحيد في البلد».
خرق للهدنة بين التيار والقوات
الى ذلك سجل يوم أمس، خرق للهدنة بين التيار الحر والقوات اللبنانية، وذلك بعد تراشق إعلامي بين رئيس القوات سمير جعجع وباسيل أمس الأول، ورد وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي على جعجع، وقال عبر «تويتر»: «كم تجنٍ يرتكب باسمك أيتها الهدنة. مشكلتكم مع جبران أنه دخل في الوجدان الوطني والمسيحي بالموقف الحازم من القضايا المصيرية وبالشرعية الشعبية الأقوى. هذه العقدة لا حلّ لها عند جبران، لأنها لم تعد ملكه».
في المقابل، أفادت مصادر إعلامية نقلاً عن أوساط في القوات: أن «هجوم جعجع على باسيل جاء بعدما خرق باسيل اتفاق التهدئة الذي أتى به اجتماع الديمان»، وشددت على أنه «لا حديث مع باسيل بعد اليوم، لأنه لا يريد ذلك وعليه أن يتحدث مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لأنه يعلم مطالبه».
الجمهورية
الحكومة وعود ولا تأليف… إسرائيل تؤكد يهــوديتها ولبنان يستنكر ويرفض التوطين
وعد جديد أطلقه الرئيس المكلف سعد الحريري من مدريد بأنّ تشكيل الحكومة بات قريباً. ولكن في انتظار اقتران هذا الوعد بالتطبيق الجدي، تبقى كل طرق تأليف هذه الحكومة مقفلة، مفتوحة فقط على السفرات الخارجية والإجازات الشخصية والاستجمام. وفي هذا الوضع الاستخفافي باستحقاق مهم كتأليف حكومة، لا احد من بين المعنيين، يبدو قادراً على التنبؤ بأيّ قدر من الدقة، متى سيوضع حدّ لهذه المهزلة، ومتى سيستجيب الطبّاخون للحد الأدنى من المسؤولية، فيُفرجون عن الحكومة المحبوسة بالنزوات ورغبة الاستئثار والسباق على الوزارات.
كأنّ هؤلاء الطباخين على مستوياتهم كلها، غائبون عن الوعي؛ وعي تطورات الوضع الداخلي المهدّد اقتصادياً وينذر بالتفاقم على كل المستويات، وعي الخطر المتأتّي من قنبلة النازحين، الذي يتعاظم على مدار الساعة، والأخطر من كل ذلك وعي الخطر الاكبر، الذي حملته رياح إسرائيلية مسمومة تجاه لبنان، وإعادة نكء جرح التوطين، الذي يهدد الجسم اللبناني حاضراً ومستقبلاً ومصيراً، وكذلك تجاه المنطقة كلها، بما يفتحها على مرحلة خلط أوراق، ليس في الامكان تقدير تداعياتها او رسم خريطة حدود لسلبياتها.
كل هذا يجري، وطبّاخو الحكومة كل منهم متربّع على شجرة مطالبه وشروطه ورغباته، وأمّا على الارض، فحقيقة مرّة، تعكسها دولة مريضة وسلطة معطلة وغير قادرة على اتخاذ قرار حتى حول أصغر الامور البسيطة، فكيف على مستوى امور كبرى لها علاقة بمستقبل البلد ومصيره؟!
هاجس التوطين
في هذه الأجواء، أطلّ هاجس توطين الفلسطينيين في لبنان، برأسه. من تطور خطير صاغه قرار إسرائيلي، أخطر ما فيه انه يسقط حق العودة للفلسطينيين بشكل نهائي.
جاء ذلك، في خطوة بادر اليها الكنيست الاسرائيلي في الساعات الماضية، وبالتصديق على قانون وُصف بالعنصري، يجرّد غير اليهود من مواطني الاراضي المحتلة من حقهم الانساني بتقرير المصير، مثيراً من خلاله موجة سخط واسع. كونه يعرّف اسرائيل بأنها دولة يهودية اولاً واخيراً، وانها هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي وان حق تقرير المصير يخصّ اليهود فقط.
وفيما اعتبرت اسرائيل، على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، انّ التصديق على هذا القانون «لحظة حاسمة، حددنا فيها مبدأ وجودنا الاساسي»، أثيرت تساؤلات حول تداعيات هذا الامر، وخصوصاً بالنسبة الى مصير فلسطينيي الداخل، وفلسطينيي الشتات، الذين يرزح لبنان بثقلهم، وهم نحو نصف مليون فلسطيني في المخيمات.
وقد سقط هذا القانون، على واقع لبناني هش سياسياً وحكومياً، وأحيا القلق من هاجس التوطين، الذي صار يفرض، بحسب احد الخبراء بالشأن الاسرائيلي، إعلان حالة طوارئ لبنانية، لمواجهة هذا الخطر، وطبعاً هذا لا يعفي الفلسطينيين من مسؤولية المواجهة. الّا انّ لبنان قد يكون الاكثر تضرراً، وتضعه هذه الخطوة الاسرائيلية امام حتمية المواجهة، حتى لا يتجرع كأس التوطين المر.
عون
الى ذلك، ندّد لبنان بالخطوة الاسرائيلية وحذّر من خطر التوطين. في هذا السياق، إعتبر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الخطوة «عدواناً إسرائيلياً جديداً على الشعب الفلسطيني وحقّه بتقرير مصيره، وبدولة مستقلة عاصمتها القدس، وباستعادة كامل أراضيه». و«انتهاكاً صارخاً لقرارات الأمم المتحدة التي أكدت على حق العودة للفلسطينيين وفي مقدمها القرار رقم 194». وسأل: «ألم يحن الوقت بعد لتحقيق تضامن عربي يقف في وجه الممارسات الاسرائيلية ضد الكيان الفلسطيني، ولحقوق شعب شقيق اغتصبت أرضه؟»
بري
ودان رئيس مجلس النواب نبيه بري باسمه الشخصي وباسم المجلس النيابي قرار الكنيست الاسرائيلي، وطالب الاتحاد البرلماني الدولي والاتحاد البرلماني الأورو متوسطي بتَحمّل مسؤولياتهما «لإجراء المقتضى القانوني بحق دولة، للأسف هي عضو في هاتين المنظمتين اللتين نُجلّ ونحترم موقعهما ودورهما في إرساء قواعد القانون وحقوق الانسان ونشر الديموقراطية». وطالب اتحاد برلمانات الدول الاسلامية واتحاد برلمانات الدول العربية الملتئم في جلسة استثنائية تضامنية مخصصة للقدس في القاهرة، «بإدراج هذا المستجد الخطير المتعلق بمصير الجغرافيا والهوية الفلسطينية وأولى القبلتين القدس الشريف، بنداً رئيسياً على جدول أعمال الجلسة».
«الخارجية»
وحذرت وزارة الخارجية من تداعيات القرار «على حق العودة المقدس للاجئين الفلسطينيين في لبنان والدول المجاورة، إضافة إلى ما يشكله من خطر تهجير على ما تبقّى من فلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة». واكدت «انّ لبنان سيبقى يواجه هذه الاشكال الأحادية ويرفض نماذجها كونها تشجّع التطرف وتغذي الإرهاب، وكونه نموذجاً للتعدّد والقبول بالآخر، يشجع التسامح ويغذي السلام».
«التيار»
واعتبر «التيار الوطني الحر» أنّ القرار الإسرائيلي «يحمل أبعاداً خطيرة تستدعي من اللبنانيين موقفاً موحداً يتجاوز جميع الخلافات السياسية، لأنّ إسرائيل قد تكون مقبلة على قرارات عدوانية ضد الشعب الفلسطيني ربما تصل إلى طرد الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية وهم من غير اليهود، كما أنّ القرار يقفل أمام اللاجئين الفلسطينيين أبواب العودة ويكرّس الاستيلاء على مدينة القدس». وسأل: «إذا نجحت إسرائيل في فرض هذا القرار فأيّ مصداقية تبقى للأمم المتحدة وقراراتها؟.
«الحزب»
ودان «حزب الله» القرار العنصري وتبعاته، ورأى أنّ الشعب الفلسطيني «قادر على إفشال هذا العدوان الجديد وتحويله إلى نصر مؤزر». ورأى «في وحدة الموقف الفلسطيني أقوى رد على صلافة العدو وتشريعاته»، مضيفاً: «نشعر بالحزن لضعف الموقف العربي والإسلامي وانشغال بعض العرب بحروب عبثية ضد أحرار هذا الوطن، فيما يتسابقون على كسب ود العدو وتحقيق مصالحه».
«المستقبل»
واعتبر «تيار المستقبل» قرار الكنيست «الخطير بأنه يُضاف إلى سجل العدو الاسرائيلي الحافل بإحياء مفاهيم العنصرية والانغلاق والتطرف»، ودعا الأمم المتحدة الى القيام «بمسؤولياتها التاريخية تجاه إحقاق الحق في القضية الفلسطينية، ووضع حد لتمادي العدو الاسرائيلي في ضرب عملية السلام».
النازحون
من جهة ثانية، لعل الخطر الآخر الضاغط على لبنان يتمثّل بملف النازحين السوريين، والذي تتم مقاربته على جرعات، لا تقدّم ولا تؤخر على طريق الشفاء من هذا المرض الذي أصاب لبنان بما يقارب المليوني نازح.
والمريب في الامر انّ الطاقم السياسي، يساهم، قصداً او عن غير قصد في استفحال هذا المرض. ومن الشواهد عن هذا الاستفحال، انّ المطالبة بعودة النازحين، التي تتبنّاها كل الجهات السياسية، تصطدم باختلافات وتناقضات هذه الجهات، بين فريق يحيل أمر معالجة هذا الملف على المجتمع الدولي، وبين فريق يرى انّ المعالجة لا تتم الّا بالحوار المباشر بين الدولتين اللبنانية والسورية.
8 آذار: محاورة «النظام»
وبحسب مصادر قوى 8 آذار، فإنّ التجربة مع المجتمع الدولي، منذ بدء ازمة النازحين، لا تشجّع على الرهان على مبادرات يمكن ان يلجأ اليها لمساعدة لبنان على إعادتهم بل بالعكس، لم يكن متحمّساً لعودة حتى أعداد قليلة منهم بحجة انهم قد يتعرضون للتهديد او للقتل من قبل النظام السوري، لكنهم عادوا ولم يحصل شيء.
وتضيف المصادر، انّ قوى أساسية مثل «حزب الله» و«حركة امل» والتيار الوطني الحر، وتيار المردة، والحزب القومي وشخصيات سياسية وروحية اسلامية ومسيحية، تعتقد انه لا بد من إعادة تفعيل التواصل مع سوريا وعلى وجه الخصوص في ملف النازحين المتفاقم.
والتنسيق الخجول، الذي يجري بين حين وآخر، يتم بلا قرار واضح من الحكومة اللبنانية، ومع ذلك أدى الى إعادة دفعات من النازحين الى اماكنهم في سوريا، التي صارت فيها مساحة الامان اكبر بكثير من اي وقت مضى منذ اندلاع الازمة السورية قبل 7 سنوات.
لا حوار ولا تطبيع
وأما في المقابل، فترتفع جبهة اعتراضية واسعة، على الدخول بحوار مع الدولة السورية، وقالت مصادر في 14 آذار لـ«الجمهورية»، انّ تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، مع العودة الفورية للنازحين والشرط الاساسي ان تكون هذه العودة آمنة.
وبشّار لم يتغيّر، لذلك، تطبيع العلاقات مع النظام السوري مرفوض، ولا يمكن ان نوافق على مَنحه اي شرعية او تغطية سياسية، او رسمية من قبل الدولة اللبنانية، تحت ضغط الابتزاز الذي يمارسه في ملف النازحين.
ويندرج في سياق الاختلاف، الاشتباك السياسي العنيف، الذي اندلع في الآونة الاخيرة، وتعرّض فيه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لهجوم قاسٍ من قبل القوات والحزب الاشتراكي ووزير شؤون النازحين معين المرعبي، على خلفية حديثه عن قرب استئناف الحساسية الاقتصادية بين لبنان وسوريا.
دفعة جديدة من النازحين
في هذه الاجواء، تتحضر دفعة جديدة من النازحين السوريين للمغادرة الى اماكنها في الداخل السوري، تقدر بنحو 1000 نازح، في وقت يواصل فريق من «حزب الله» تلقّي طلبات الراغبين بالعودة الطوعية، والتي تشهد تزايداً كبيراً، وصارت بالآلاف. بحسب ما تؤكد مصادر الحزب لـ«الجمهورية».
على انّ هذه العودة وبأعدادها المتواضعة بين 500 و1000 نازح والتي تتم مرة، كل اسبوع او اسبوعين، تعتبر في نظر المتابعين لهذا الملف خطوات جيدة، يُبنى عليها. ولكن التعمّق في هذه العودة المتقطعة بأعدادها الخجولة، لا تعدو بنظر كثيرين، اكثر من ابرة مسكنة، في ملف يكاد ثقله يزيد على المليوني نازح.
وبحسب معنيين بهذه العودة الخجولة، فإنها على أهميتها ليست كافية لمعالجة ملف ثقيل بهذا الحجم. فالعودة الفعلية، يجب ان تتم بالآلاف كل مرة، وليس بجرعات خفيفة. اذ انّ اعتماد سياسة جرعات العودة، معناه انّ هذا الملف سيتطلب سنوات طويلة لإنهائه، هذا اذا انتهى. وبعملية حسابية بسيطة يتبيّن انّ عدد النازحين يقارب المليونين. عاد منهم 1000 نازح في المرحلتين الاخيرتين و1000 يستعدون للمغادرة بعد ساعات.
واما الباقي، فإن اعتمدت هذه السياسة بقافلة كل اسبوع او اسبوعين، فهذا يعني انّ المليونين الّا الفين، يحتاجون الى 36 سنة بمعدل 1000 نازح اسبوعياً، اي 864 اسبوعاً، واذا كانت هذه العودة بمعدل 500 نازح اسبوعياً، فسيحتاجون الى 72 سنة، اي الى 1728 اسبوعاً. هذا من دون حساب الولادات التي تتم بوتيرة سريعة وبالآلاف منذ بدء النزوح السوري الى لبنان قبل 7 سنوات.
واذا كان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، يؤكد انّ هذا الملف يشكّل اولوية لمعالجته في اقرب وقت ممكن، فإنّ المصادر السياسية والرسمية ما زالت تشكو من انّ لبنان غير قادر وحده على معالجة هذا الملف، خصوصاً انّ المجتمع الدولي لا يولي مسألة النازحين في لبنان الاهتمام المطلوب باستثناء وعود تأتي من كل حدب وصوب بمساعدة لبنان، وهذا ما لم يحصل بعد.
موسكو
الجدير بالذكر هنا، ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية عن انّ «نحو 1.7 مليون سوري سيتمكنون من العودة إلى مناطقهم في سوريا قريباً»، مشيرةً إلى أنها أرسلت مقترحات مفصّلة إلى واشنطن بشأن تنظيم عودة اللاجئين لسوريا بعد اتفاقات تَوصّل إليها الرئيس فلاديمير بوتين مع نظيره الأميركي دونالد ترامب.