نال مشروع "تشريع زراعة الحشيشة" في بعلبك ـ الهرمل الذي اقترحه الرئيس نبيه بري تأييداً "سياسياً" عاجلاً، من أوساط النائب وليد جنبلاط وحزبه، وكذلك من أوساط "حزب القوات" الذي يرأسه [العميل “الإسرائيلي” السابق] سمير جعجع. ومن المتوقع أن يتكاثر السياسيون المؤيدون لهذا المشروع، الذي يهدد المجتمع البعلبكي ـ الهرملاني بأخطار اجتماعية ـ اقتصادية مريعة. لكن السؤال الكبير هو عن معارضي هذا المشروع، وخفوت صوتهم، بدلاً من أن يقوموا بدورهم في انتقاده علمياً وسياسياً، وأن يقترحوا بدائل تنموية نافعة للمواطنين …
اللواء
أسبوع آخر من المراوحة: الحريري يعود وباسيل يسافر!
أرسلان يصعِّد بوجه جنبلاط.. و«القوات» تتمسك بالشراكة المسيحية كاملة
أكثر من موضوع يتصدر الاهتمام في الأسبوع الطالع:
1- المسار الحكومي، واحتمالات تحريكه، عملياً، بالتزامن مع عودة الرئيس سعد الحريري. ولئن بدت مطالب الكتل على حالها، مع تمسك «القوات اللبنانية» بخمس حقائب، بينها واحدة سيادية، واشتداد الحملات بين النائب طلال أرسلان والنائب السابق وليد جنبلاط وحزبيهما.
2 – عودة النازحين السوريين، من زاوية الاتفاق الاميركي- الروسي، ومسارعة الرئيس الحريري إلى تكليف مستشاره للشؤون الروسية جورج شعبان الاتصال مع المسؤولين الروس، للوقوف على تفاصيل الاقتراحات التي أعلنتها موسكو بخصوص إعادة النازحين السوريين من لبنان والأردن.
3- متابعة الوضع الاقتصادي والنقدي في ضوء القلق الذي يعيشه اللبنانيون والاوساط الاقتصادية والقطاعية، على الرغم من النفي الرسمي السياسي والنقدي من وجود صعوبات جدّية، تتعلق بالسيولة، وبوضع الليرة، وعمليات الاقراض ووضعية السياحة، الآخذة بالتراجع، قياساً على الأعوام السابقة.
وعلى وقع الغارات الإسرائيلية، من الأراضي اللبنانية، على منطقة مصياف في ريف حماه، في عدوان بات روتينياً، من المتوقع ان يشهد الوضع اسبوعاً آخر من الانتظار والمراوحة، لا سيما وان وزير الخارجية والمغتربين يتوجه غداً إلى الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في مؤتمر «الحرية الدينية» وذلك عندما يكون الرئيس الحريري عاد من اجازة عائلية، بدأت بمدريد.
واستبعد مصدر وزاري حدوث حلحلة هذا الأسبوع، خلافاً لما راج في الساعات الماضية، وان كان الكاردينال الماروني مار بشارة بطرس الراعي طالب «السلطة السياسية في لبنان الخروج من عالم المصالح الشخصية والفئوية الصغير، والإنطلاق نحو عالم أوسع، فتؤلف حكومة ذات رؤية وفاعلية تخص لبنان وتقويه وتنميه».
مراوحة حكومية
باستثناء ما كشفه وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال ملحم رياشي، من ان «القوات اللبنانية» لن ترضى بأقل من خمسة وزراء في الحكومة العتيدة، ولن تقبل بأقل من حصتها بتمثيل حجمها ووزنها السياسي، لم يطرأ أي تطوّر على صعيد مفاوضات تشكيل حكومة، التي بقيت تراوح مكانها في ظل غياب الرئيس الحريري الذي يرتقب ان يعود إلى بيروت اليوم من لندن ومدريد، وكذلك سفر رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل إلى واشنطن، على ان يعود منها الجمعة.
ومن غير المتوقع بروز أية مؤشرات إلى حلحلة ما بالنسبة إلى التأليف في هذا الاسبوع، الا إذا تأكدت المعلومات من ان الرئيس الحريري ينوي تقديم صيغة لتشكيلة حكومية جديدة إلى الرئيس ميشال عون، لكي يتم التفاهم عليها، وبالتالي إصدار مراسيمها.
غير ان المعطيات المتوافرة لا توحي بقرب التوصّل إلى تفاهمات على هذا الصعيد، خصوصا بعدما كشفت «القوات اللبنانية» أوراقها من انها تريد حصة حكومية من خمسة وزراء، الأمر الذي يناقض ما كان متداولاً من معلومات، حول ان الحجم الأقصى لما يُمكن ان تأخذه «القوات» لا يتجاوز الأربع حقائب، ليس من بينها حقيبة سيادية، في حين يرى الرئيس عون ان حجمها السياسي الطبيعي لا يتعدى الثلاثة وزراء استناداً إلى كتلتها المؤلفة من 15 نائباً.
وفي تقدير مصادر سياسية، ان رفع سقف الحصة الوزارية للقوات، يعني عودة الحديث بقوة إلى «العقدة المسيحية» التي حاول «التيار الحر» تغطيتها من خلال إبراز «العقدة الدرزية» باعتبارها «أم العقد»، وانه حينما يتم حل هذه العقدة يُمكن حل سائر العقد الأخرى، ومنها العقدة المسيحية.
ولا تستبعد المصادر ان يكون التصعيد السياسي الذي يقوم به الوزير طلال ارسلان، من خلال دأبه على التهجم على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، جزءاً من خطة «التيار العوني» للعب على حبال التوتر الطائفي في الجبل، بحسب ما اشارت إليه «اللواء» السبت الماضي، لغرض مكاسب سياسية لحليفها النائب أرسلان، عبر الضغط على الرئيس المكلف لتوزيره في الحكومة الجديدة، وهو ما يدركه جنبلاط ويرفض الانغماس في هذه «اللعبة الجهنمية».
وفي المعلومات ان جنبلاط اوعز أمس إلى نواب حزبه بعدم الرد على البيان العنيف اللهجة الذي أصدره أرسلان وساق فيه عبارات غير مألوفة سياسياً وقاسية جداً في حق جنبلاط، حيث وصفه تارة «بالغدار» وتارة أخرى بأنه «يقتل القتيل ويمشي بجنازته» وبأنه «يحب السفاهة» ويحلو له «الطعن بالظهر»، فيما وصف الحزبيين من أنصار جنبلاط «بالاوباش»، متعهداً بأنه «يحضّر لائحة اسمية بعشرات أو مئات الذين تمت تصفيتهم من حاصبيا الى الشوف وعاليه وإلى بيروت وراشيا والمتن، والذين يتحمل زعيم المختار مسؤولية تصفيتهم».
وسألت المصادر عمّا إذا كانت حقيبة وزارية بالزايد أو بالناقص تستأهل كل هذا العنف الكلامي والتهجم بالشخصي، من أجل استدراج عروضها بالدم وبالفتنة؟ علماً ان «ابناء الطائفة الدرزية قالوا كلمتهم بوضوح وقرروا من خلال صندوق الاقتراع من هم نوابهم، ومن هي الجهة التي يجب ان تمثلهم في الحكومة المقبلة»، بحسب ما جاء في بيان الأمين العام لكتلة «التنمية والتحرير» النائب أنور الخليل أمس.
رياشي
وكان الوزير الرياشي، أعلن مساء السبت في عشاء منسقية جبيل في حزب «القوات اللبنانية» لمناسبة الذكرى 13 لخروج رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع من السجن، ان «كل ما يهم «القوات» على أبواب تشكيل الحكومة الجديدة ان يأتي التمثيل الصحيح وفق الاحجام الصحيحة». لافتا إلى ان «اتفاق معراب اصيب بعطب أساسي، لكن طرفيه المسيحيين الأساسيين اصرا على ان لا يصيب العطب المصالحة المسيحية التاريخية التي وصفها القادة الذين صنعاها الرئيس ميشال عون والدكتور جعجع بالمصالحة المقدسة والتاريخية، لأن هذه المصالحة هي التي ستستمر، فيما الاتفاقات السياسية مرحلية».
وقال إذا افترضنا ان تكتل «الجمهورية القوية» يمثل 31 في المائة من الناخبين، وتكتل «لبنان القوي» يمثل 50 في المائة، مع اصدقائه وحلفائه، فهذا يعني ان الـ30 في المائة يعني الثلث وثلث الـ15 نائباً هو5 وأقل من 5 وزراء لن نأخذ، ولن نقبل أقل من حقنا بتمثيل الحجم والوزن السياسي والمطلب الشعبي لتحسين البلد وتطويره».
التيار العوني
في المقابل، بقي «التيار الوطني الحر» على موقفه من ان العقدة المسيحية لم تعد قائمة في ملف تشكيل الحكومة. وقال عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ماريو عون لـ«اللواء»: ان التصعيد الدرزي الذي طرأ أمس من شأنه ان يؤخر عملية الحلحلة. ولفت عون الى ان ما يطلق من مواقف قواتية واخرها من الوزير الرياشي عن حصة للقوات من 5 وزراء يهدف الى رفع السقف في عملية التفاوض مكررا القول: لم نعد نرى العقدة المسيحية والمطالبة بـ5 وزراء للقوات يعني ان من حق التيار بـ10وزراء.
واعتبر ان التفاؤل بولادة الحكومة قرييا يتقدم على التشاؤم وان هناك تجاوزا لموضوع التشاور في تأليف الحكومة لان زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري الى قصر بعبدا تعني ان هناك تشكيلة ستقدم. ونفى وجود اي توتر في العلاقة مع الرئيس الحريري.
وردا على سؤال اعلن عن التمسك بتمثيل الوزير ارسلان في الحكومة وعدم احتكار التمثيل الدرزي بالنائب جنبلاط.
تحريك دولي لملف النازحين
في غضون ذلك، ووفقا لما اشارت إليه «اللواء» أمس الأوّل، طغى الاتفاق الاميركي- الروسي على العمل سويا لإعادة ملايين النازحين السوريين من داخل سوريا وخارجها الى قراهم، على الحدث السياسي المحلي في غياب اي تطور ايجابي حول تشكيل الحكومة، لا سيما بعد موافقة الرئيس الحريري على ايكال ملف العودة الى روسيا بدل التفاوض او الاتصال بالسلطات السورية، حيث اكد مستشار رئيس حكومة تصريف الاعمال لشؤون النازحين نديم المنلا انه «تم الاتفاق على تشكيل لجنة روسية- لبنانية بالتنسيق مع الامم المتحدة لعودة النازحين قد تنضم اليها الولايات المتحدة». وكشف في حديث تلفزيوني السبت، انه من المتوقع ان تعقد اول اجتماع لها هذا الاسبوع في بيروت.
وفي حين لم تُعرف بعد اية تفاصيل عن الاتفاق ولا عن اللجنة اللبنانية– الروسية، ممن ستتشكل ومن اية وزارات او ادارات او شخصيات، قال المستشار المنلا ل «اللواء»: انه من السابق لأوانه الكلام عن هذه التفاصيل فاللجنة لازالت فكرة ستتم ترجمتها بالاتصالات مع الجانب الروسي، وبعد عودة الرئيس الحريري سيبدأ البحث في كل التفاصيل وهو سيتابع الموضوع مع الروس. لكن المهم في الموضوع ان تشكيلها هو الخطوة الاولى في المسار ولا نعلم كم سيستغرق تشكيلها ولا طبيعة عملها ولا الضمانات التي يمكن ان يطلبها الروسي من النظام السوري ومدى استجابته، لكن الروسي سيكون هو المسهّل حتى لا نقول الوسيط مع النظام السوري لإعادة النازحين.
اضاف: انها المرة الاولى التي نشهد فيها اكبر عملية تنسيق بين دولتين عظميين بالتنسيق مع الامم المتحدة لمعالجة ازمة النزوح السوري ككل، وهذا تأكيد على موقف رئيس الحكومة بأن اعادة النزوح لا يمكن ان تتم بمعزل ومن دون رعاية الامم المتحدة والدول الكبرى.
واوضح ان الموضوع طرحه الرئيس الحريري منذ تسعة اشهر مع الجانب الروسي وقبل قمة هلسنكي الاميركية– الروسية، وقد استجاب الروس للطلب اللبناني وباشروا اتصالاتهم لتوفير ظروف العودة بضمانات دولية. وقد اثمر تحرك الحريري في قمة هلسنكي بالاتفاق على ان لا حل سياسيا للازمة السورية بلا عودة كل النازحين.
وردا على سؤال عن عودة القرار النهائي الى الجانب السوري؟ قال المنلا: «صحيح، لكن هذه اللجنة هي امنية – تقنية وليست سياسية، وتعمل بالتنسيق مع الامم المتحدة بالتنسيق مع الجانب الروسي، والروسي ينسق مع لبنان.
وعن دور الامن العام اللبناني في هذا الموضوع، قال: طبعامن البديهي ان يكون للامن العام دور اساسي في ترتيبات العودة امنيا ولوجستيا، ومنها عودة دفعة جديدة من نازحي عرسال اليوم.
ومن جهتها، قالت مصادر وثيقة الصلة بأجواء بعبدا لـ «اللواء؛ ان موضوع دخول روسيا على خط النازحين السوريين يتابعه رئيس الجمهورية الذي كان اول من تحدث به وسبق له ان طرحه مع السفير الروسي الذي زاره منذ فترة لكن المداولات لم تسرب نظراً لطلب السفير في مراجعة دولته. وافيد ان هناك متابعة متواصلة من الرئيس عون كما ان هناك خطوات لاحقة في الموضوع.
وذكرت مصادر وزارة الخارجية لـ«اللواء»: ان الوزير باسيل سيطرح الموضوع مع المسؤولين ورؤساء اللجان في وزارة الخارجية الاميركية خلال زيارته الى واشنطن التي تبدأ غدا الثلاثاء وتنتهي الخميس ويعود الجمعة، حيث يشارك في المؤتمر الدولي حول حرية الاديان.
واوضحت المصادر ان ما قامت به روسيا هو فتح مكاتب استقبال للنازحين لتسجيل طلبات الراغبين في العودة وبالتنسيق مع السلطات السورية، واذا نجحت الفكرة يمكن تعميمها في لبنان «بنفس الروحية»، بفتح مكاتب استقبال وتسجيل طلبات العودة، عبر لجان اهلية سورية في اماكن تجمعات وتواجد النازحين بكل بلدة او قرية، وتسجيل المعلومات عن كل عائلة ومن اي منطقة وما هي ظروف البلدة وهل المنازل مؤمنة للايواء، وترسل الى الجانب السوري للتدقيق والموافقة عليها، لا سيما لجهة تحديد المطلوبين اومن يفترض تسوية وضعه ضمن اطر المصالحات الجارية على كل الاراضي السورية، على غرار ما قام به «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» قبل أيام.
وكانت وزارة الخارجية الروسية قداعلنت مساء السبت، أن نائب وزير الخارجية الروسي، مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوغدانوف، التقى مستشار الرئيس الحريري جورج شعبان، بطلب من الأخير. وأن الطرفين بحثا «الأوضاع الاجتماعية السياسية المترتبة في لبنان عقب الانتخابات البرلمانية في البلاد والتي جرت في أيار الماضي وموضوع تشكيل حكومة لبنانية جديدة».
وأضاف البيان: تم التطرق أيضا لمهمة توفير الظروف اللازمة لعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، والبالغ عددهم نحو مليون شخص في لبنان وحده، في ظل الجهود المبذولة لتسوية الأزمة السورية في أسرع وقت.
وسيعود شعبان إلى بيروت اليوم لاطلاع الرئيس الحريري على نتائج لقاءاته.
وذكرت وكالة «سبوتنيك» الروسية بأن روسيا «أنشأت مؤخرا مركزا لاستقبال وإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم»، مشيرة إلى ان لبنان يعد «من بين أكثر الدول في الشرق الأوسط تضررا من أزمة تدفق النازحين السوريين على أراضيه».
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد اعلنت منذ يومين، أن أكثر من مليون و700 ألف سوري سيتمكّنون من العودة إلى ديارهم في المستقبل القريب. وأن موسكو اقترحت على واشنطن تنظيم مجموعة روسية– أميركية– أردنية لإعادة اللاجئين من الأردن إلى سوريا، وكذلك لجنة مماثلة بخصوص اللاجئين في لبنان.
البناء
غارة مصياف تكشف حدود القدرة «الإسرائيلية»… والفشل بإخراج إيران وحزب الله
عقد داخلية أمام الحكومة بعد هلسنكي والتفاهمات حول نصر سورية وملف النازحين
هجوم أرسلاني عنيف على جنبلاط… وجعجع يحاول تخفيف وهج انتصار باسيل في قضية النزوح
بدأت معالم ما رُسم في قمة هلسنكي بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين بالظهور في انعكاساتها على لبنان وسورية، حيث التطبيع في العلاقة مع الدولة السورية سيتمّ غربياً وأميركياً من بوابة التعاون في ملف عودة النازحين، الذي يمكن توظيفه كعنوان إنساني يبرّر الكثير في السياسة، وبدا أنّ تفكيك جهاز المخابرات البريطانية لمنظمة التجسّس التي شكلت عصب التدخل الخارجي في الحرب على سورية، والمسمّاة بالخوذ البيضاء تحت العنوان الإنساني، والدور «الإسرائيلي» والأردني في إجلاء عناصرها من سورية، علامات واضحة على مرحلة جديدة تدخلها سورية. وبالتوازي جاءت الغارة «الإسرائيلية» على موقع سوري قرب بلدة مصياف بريف حماة من الأجواء اللبنانية، تأكيداً لمعادلة الردع التي رسمتها الدفاعات الجوية السورية لمنع انتهاك الطائرات «الإسرائيلية» أجواءها منذ إسقاط الطائرة «الإسرائيلية» «أف 16»، وهي الدفاعات التي تصدّت للصواريخ التي أطلقتها الطائرات هذه المرة ونجحت في إسقاط ثلاثة من أربعة منها، وفقاً لما قاله مصدر عسكري سوري، بينما كشفت الغارة التي قال «الإسرائيليون» إنها استهدفت موقعاً لإيران وحزب الله، إنّ الرهان على نجاح قمة هلسنكي بالتفاهم على انسحاب إيران وحزب الله من سورية قد أصيب بالخيبة.
الانعكاس اللبناني لقمة هلسنكي يتمثل مباشرة بزوال الوظيفة المنوطة بحلفاء واشنطن باستخدامه في المواجهة مع الدولة السورية، بعدما قرّر الأميركي الذهاب للتطبيع مع هذه الدولة تحت شعار تسهيل عودة النازحين، ما يعني زوال واحدة من العقد الرئيسية في طريق تشكيل الحكومة كان يمثلها الخلاف على ملف النازحين وربط أيّ عودة بالحلّ السياسي وفقاً للشروط التي وضعتها واشنطن والتزمتها أوروبا والأمم المتحدة، وكان يستدعي سعياً لتكبير الحصص من الفريق الملتزم بالضوابط الأميركية، لمنع أيّ قرارات لا ترتضيها واشنطن وحلفاؤها في ملف النازحين والعلاقة بالدولة السورية.
محاولات التموضع من حلفاء واشنطن جاءت باهتة، ومحكومة بحفظ ماء الوجه، وتصوير التفاهم الروسي الأميركي انتصاراً لطلبهم بضمانات دولية لعودة النازحين، كما حاول القول رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وجورج شعبان مستشار الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، وكأنّ التفاهم الروسي الأميركي الذي جاء بقبول أميركي لخطة روسية سيتمّ تنفيذه دون التعاون مع الحكومة السورية، فيما هو البوابة لتبرير هذا التعاون، الذي لا يزال مجرّد التفكير بحدوثه يثير الذعر لدى بعض الأطراف اللبنانية، رغم كونه حاجة ومصلحة يومية تتزايد الحاجة إليها سواء في ملف النازحين أو في ملف تسويق الإنتاج اللبناني وتنشيط تجارة الترانزيت عبر المعابر التي تربط سورية بالعراق والأردن، بعدما صارت تحت سيطرة الدولة السورية.
العقد التي تحول دون ولادة الحكومة هي محلية ما بعد قمة هلسنكي، وفقاً لمصادر متابعة، وهي ليست شكلية، ففيها مستقبل صورة الجبل والعلاقات بين القوتين الرئيسيتين في تمثيل جناحيه الدرزي والمسيحي، تمثلها العلاقة بين الحزب التقدمي الإشتراكي والتيار الوطني الحر، التي باتت مربوطة بعلاقة زعيم الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بالنائب طلال أرسلان، وهي علاقة تتدهور وتعيش أسوأ مراحلها في ضوء سجالات متبادلة كان آخرها هجوم عنيف شنّه أرسلان على جنبلاط وأركانه، وفيها مستقبل الزعامة المسيحية بين الطرفين الرئيسين في الشارع المسيحي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وقواعد التقاسم السياسي لهذه الزعامة من البوابة الحكومية، ومن بوابة التنافس الرئاسي المقبل الذي يبدو حاضراً في حسابات الطرفين.
يبدو أن الخرق في عملية التشكيل الحكومي مفقود. فما يجري أشبه بالقطبة المخفية لا سيما في ضوء ما نشهده ونسمعه من مواقف باتت أشبه بتبادل الأدوار بين الأطراف المعطلة. وفيما لا يزال الرئيس المكلف تشكيل الحكومة خارج لبنان مصراً على تفاؤله بالتأليف القريب، رغم ان الاجواء كلها تشير الى ان الامور تراوح مكانها، يتوجه الوزير في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل الى نيويورك اليوم للمشاركة في المؤتمر الذي تعقده وزارة الخارجية الاميركية حول الحرية الدينية، حيث سيلتقي باسيل على هامش المؤتمر نظيره الاميركي مايك بومبيو وسيلتقي ايضاً الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس وسيتناول اللقاء بين باسيل والمسؤول الاممي ملف النازحين السوريين.
وبينما يُجمع كل من الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات على أن اداء الوزير باسيل وسياسته هادفة الى إلغاء الآخرين يقفان عائقاً امام التشكيل، تشدد مصادر في التيار الوطني الحر لـ«البناء» على أن باسيل يقوم بدوره كرئيس حزب ورئيس أكبر كتلة نيابية.
وهو يتعاطى بموضوع تأليف الحكومة انطلاقاً من هذه الصفة وهذا الموقع، كما يفعل سائر رؤساء الكتل النيابية. فلماذا يحق لرؤساء الكتل المكوّنة من ثلاثة وخمسة وسبعة وتسعة وخمسة عشر نائباً التعاطي في التأليف ووضع الشروط ورفع المطالب، ولا يحقّ لرئيس أكبر كتلة نيابية في البرلمان والزعيم المسيحي الأول أن يعلن تصوّره ومطالب تكتله من التأليف، مشدّدة على أن لا أحد مختلف أن التأليف منوط بالرئيس المكلف ورئيس الجمهورية.
وتشدد المصادر على ضرورة أن يعتمد الرئيس المكلف قاعدة ثابتة وفق معيار واحد في موضوع الحكومة، مشددة على ان تكتل لبنان القوي متمسك بصلاحيات رئيس الجمهورية القوي في دوره بالتأليف.
وأكد وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي في حديث تلفزيوني، أن الحكومة المرتقبة ستؤمن نوعاً من الاستقرار والثقة، لافتاً إلى أن العراقيل المصطنعة يجب أن تصطدم بإرادة قوية لتأليف الحكومة بأسرع وقت وهذه الارادة موجودة لدى رئيس الجمهورية.
وأمام هذه الأجواء الملبّدة الحكومية، فإن الرئيس بري لن يتراجع عن عقد جلسة تشاور للبحث في الوضع الحكومي. وبينما يحاول البعض التصويب على الجلسة من منظار أن المجلس في دورة استثنائية، فإن مصادر دستورية، تقول لـ»البناء» ما دامت الحكومة معتبرة مستقيلة في ضوء بدء ولاية مجلس النواب، فإن البرلمان يكون بحالة انعقاد حكمية لغاية تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة، الأمر الذي يعني أن الاجتماعات التي يعقدها مجلس النواب راهناً هي قانونية، وجلسة التشاور التي سيدعو إليها بري هي للتداول في موضوع مآل تأليف الحكومة، ولكن لا يبدو أنّها تتجه إلى اتخاذ قرارات معينة في ضوء نفي رئيس المجلس أن يكون هدفها الضغط على رئيس الحكومة المكلّف أو سواه، او أن يكون هدفها بحث مصير تكليف الحريري. وتشدّد مصادر كتلة التحرير والتنمية على أن الرئيس بري يعي جيداً الوضع الاقتصادي غير المريح. ومن هذا المنطلق سيدعو الى الجلسة التشاورية التي ستضع الجميع أمام مسؤولياتهم في ضوء الأزمة الاجتماعية والمعيشية والحياتية التي يواجهها المواطن.
وقال البطريرك الماروني بشارة الراعي أليس من المريب، أمام الأزمات الاجتماعية، المعيشية والسكنية والتربوية والاستشفائية والبنى التحتية ولا سيما الماء والكهرباء والطرقات وأزمة الفساد الأخلاقي والسياسي والإداري، أن تكون عقدة تأليف الحكومة الجديدة محصورة بتوزيع الحصص من أجل المغانم والمكاسب بدلاً من إيجاد حكومة تضم خبراء تكنوقراط يحققون الإصلاحات في الهيكليات والقطاعات كما حدّدها مؤتمر باريس CEDRE، ويوظفون المساعدات المالية الموعودة بين قروض ميسّرة وهبات بقيمة أحد عشر مليار ونصف المليار دولار أميركي!؟
وعلى صعيد الجهد اللبناني الرسمي لعودة النازحين السوريين لا سيما أن لبنان يُعدّ من بين أكثر الدول في الشرق الأوسط تضرراً من أزمة تدفق النازحين على أراضيه تقوم المديرية العامة للأمن العام بتأمين العودة الطوعية لمئات النازحين السوريين من منطقة عرسال الى سورية عبر حاجز وادي حميد اعتباراً من الساعة الثامنة صباحاً.
وفي السياق، التقى نائب وزير الخارجية الروسي، مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف، مستشار رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، جورج شعبان، بطلب من الأخير، وبحثا الأوضاع الاجتماعية السياسية المترتبة في لبنان عقب الانتخابات البرلمانية في البلاد والتي جرت في أيار من العام الحالي، في إطار تشكيل حكومة لبنانية جديدة، تم التطرق أيضاً لمهمة توفير الظروف اللازمة لعودة النازحين السوريين إلى وطنهم، والبالغ عددهم نحو مليون واحد في لبنان وحده، في ظل الجهود المبذولة لتسوية الأزمة السورية في أسرع وقت». ويأتي هذا اللقاء مع إنشاء روسيا مؤخراً مركزاً لاستقبال وإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. وشدّدت مصادر تيار المستقبل لـ«البناء» على أن اللجنة ستكون لجنة أمنية، بالتعاون والتنسيق مع الأمن العام بشخص مديره اللواء إبراهيم.
واعتبر وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال غازي زعيتر، أن خطوة الحريري تعد أمراً إيجابياً. ورأى ضرورة أن يكون هناك موقف لبناني موحّد حول استخدام «إسرائيل» الأجواء اللبنانية من أجل الاعتداء على سورية، معتبراً أن على الدولة اللبنانية حماية أجوائها من خرق أي طيران معادٍ، لافتاً إلى أن هناك وسائل متعددة منها المثلث الذهبي «الجيش والشعب والمقاومة». وشدّد وزير الزراعة على أن مختلف الاتفاقيات بين لبنان وسورية لا تزال قائمة، مشيراً إلى أن هناك مقاطعة من قبل بعض اللبنانيين لسورية، مؤكداً أن هذا الأمر لا يخدم المصلحة اللبنانية.
واعتبرت مصادر وزارية في التيار الوطني الحر لـ»البناء» أن خطوة الحريري مهمة وإيجابية ولو أتت متأخرة، مشددة على ان اللجنة التي شكلها التيار الوطني الحر لمتابعة ملف النازحين هدفت الى مساعدة النازحين لتسهيل عودتهم الى بلدهم. وفي الوقت نفسه هدفت الى العمل من اجل تخفيف الأعباء عن الاقتصاد اللبناني.
الجمهورية
النازحون يتقدمون.. والمؤلِّفون يتراجعون.. والأزمة تراوح
تنتظر «الخارجية» تبليغاً رسمياً من واشنطن وموسكو حول تفاصيل التفاهم بينهما على عودة النازحين
تقدَّم مجدّداً ملفّ عودة النازحين السوريين في لبنان إلى بلادهم على ما عداه من ملفّات في ضوء الاتفاق الأميركي – الروسي في قمّة هلسنكي على معالجة أزمة النازحين السوريين، خصوصاً في لبنان والأردن وتركيا، والذي تلاه بعد هذه القمّة حديثٌ عن تأليف لجنة مشتركة لبنانية – أميركية – روسيّة تتولى ترتيبَ عودة النازحين السوريين الموجودين في لبنان إلى سوريا. وبدا أنّ هذا الملف يطغى على أزمة تأليف الحكومة التي ما تزال عالقة في عُقدِ الأحجام والأوزان التمثيلية والنزاع على الثلث، بل «الأثلاث» المعطِّلة، وما يَكمن خلفه من إرادات إقليمية ودولية لم تتّفق بعد على إطلاق العجَلة الحكومية اللبنانية بحلّتِها الجديدة ترجمةً لنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة ودفعاً للبلاد نحو آفاقٍ جديدة يُفترض أن تلاقي التسويات المنتظرة للأزمات الإقليمية والتي يتردّد أنّ قمّة هلسنكي قد أسّست لها. ومع أنّ المراقبين يعوّلون على تحريكٍ جديد لملف التأليف الحكومي مع عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من الخارج، والمنتظَرة اليوم، إلّا أنّهم استبعدوا تبَلوُر أيّ خطوات ملموسة قريباً، حيث إنّ رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل سيتوجّه اليوم إلى واشنطن، في وقتٍ لم يظهر في الأفق أيّ مؤشّر على لقاءٍ قريب بين الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يُمكن أن يتناول بالبحث مشروع تشكيلةٍ وزارية جديدة يمكن أن يُبنى عليه لتأمين ولادة الحكومة العتيدة.
على وقع الحديث عن لجنة لبنانية ـ أميركية ـ روسية لعودةِ النازحين السوريين إلى بلادهم، تستعدّ دفعة جديدة من هؤلاء لمغادرة مخيّمات عرسال ومنطقة شبعا في الأيام المقبلة. لكن يبدو أنّ قضية العودة هي موضع خلاف ومزايدات بين بعض الأفرقاء السياسيين، تسيء الى وحدة لبنان وصيغته.
في هذه الأثناء تنتظر وزارة الخارجية تبليغاً رسمياً من واشنطن وموسكو حول تفاصيل التفاهم بينهما على عودة النازحين، لأنّ ما قيل حتى الآن عن هذا الموضوع لا يتعدّى العموميات لدى الدولتين، أمّا التفاصيل فنُسِبت إلى مصادر روسيّة.
وكشَفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» أنّ هذا التفاهم بين واشنطن وموسكو لم يدخل في التفاصيل حتى الآن، سواء بالنسبة إلى الأعداد أو بالنسبة إلى وجهة النازحين النهائية. ففي حين تعتبر واشنطن أنّ العودة تحصل بمجرّد بلوغ النازحين الأراضي السورية، فإنّ موسكو تعتقد من خلال وجود القوات الروسية على الأرض، أنّ هناك مجالاً كبيراً لأن يعود النازحون إلى مساقط رؤوسهم.
باسيل
ويُنتظر أن يتلقّى لبنان مزيداً من المعلومات إذا تمكّنَ وزير الخارجية جبران باسيل الذي سيسافر إلى واشنطن اليوم، من الاجتماع مع المسؤولين الأميركيين الكبار، علماً أنّ الدوائر الأميركية، حتى الساعة، لا تزال بعيدة عن نتائج قمّة هلسنكي بين الرئيسين، الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، وقد ذهب المسؤولون الكبار، بمن فيهم مدير الاستخبارات الأميركية دان كوتس، إلى إبداء انزعاجهم من عدم معرفة ما دار بين الرَجلين، أو ما اتّفقا عليه، ولا يزال الإعلام الأميركي غارقاً في مضمون التصريح الذي أدلى به ترامب بعد مؤتمره الصحافي المشترك مع بوتين من دون القدرة على إعطاء نتائج محدّدة عن القمّة.
وعدا قضية النازحين السوريين، علِم أنّ هناك تفاهماً أميركياً ـ روسيّاً على أن ينتشر الجيش السوري على طول الحدود السورية ـ الأردنية ـ اللبنانية من الجهة السورية، على طول 80 كلم لضمان تنفيذِ اتّفاق الهدنة الموقّع سنة 1974.
وفي هذا الإطار، حافظت إسرائيل على استمرار حرّية القيام بعمليات عسكرية داخل الأراضي السورية ضد إيران و«حزب الله»، وتمَّ تحييد قوات النظام السوري، بناءً على طلبٍ روسي، في حين ستحافظ الولايات المتحدة الاميركية على وجودها في شمال شرق سوريا حالياً في انتظار تبَلوُر موضوع الوجود الإيراني و«حزب الله».
كذلك تمّ تعزيز قوات حفظِ السلام الدولية (الاندوف) والبالغ عددُها اليوم نحو 1100 مراقب، وإعادة انتشارِهم على جانبَي الحدود، بعدما انتقل هؤلاء في سنة 2013 إلى الجانب الإسرائيلي عقب انتشار مسلّحي «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» في المنطقة الموازية للجولان، وخطفها عشرات العناصر من «الاندوف» وقد أمكن إعادتهم لاحقاً.
«المستقبل»
ووصَف القيادي في تيار «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش التصريحات الروسية بـ«الإيجابية»، وقال لـ«الجمهورية»: «أمّا كيف سيتجاوب معها النظام السوري، وماذا ينتظر النازحون عند عودتهم، وكيف ستحصل التصفيات مع الذين قاوموا بشّار الأسد؟ كلّ ذلك تفاصيل لم تظهر بعد. لذلك، إنّها بداية جيّدة عملياً، ومِن واجب لبنان تلقّفُها إيجاباً والاستفادة منها إلى أقصى ما يمكن، لكن تبقى العبرة في التنفيذ». وأضاف: «موقف لبنان من هذا الملف «بعِمرو ما رَح يكون موَحّد»، فالبعض يتّخذ من المسألة وسيلةً لفتح بابِ علاقة لبنان على مصراعيه مع نظام بشّار الأسد الذي يدرك الجميع أنّه آخِر شخص تهمّه عودة النازحين. والمهم أن تكون عودتهم بناءً على خيارات تحميها دولٌ كبرى ومِن ضِمنها روسيا. أمّا خلاف ذلك، فقِسم من النازحين لا نعرف عددهم، لن يعود إلى سوريا».
«القوات»
في السياق نفسِه أكدت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» أنّ «بعض الملفات يُفترض أن تكون فوق الانقسامات والخلافات، ومِن بينها ملف النازحين السوريين، وهناك فرصة حقيقية اليوم لعودة القسم الأكبر منهم، ويجب بذلُ كلّ الجهود لتحقيق هذا الهدف، خصوصاً وأنّ المجتمع الدولي على بَينةٍ من أوضاع لبنان والأسباب الموجبة التي تستدعي إعطاءَ الأولوية للنازحين على أرضه». ونوّهت بجهود رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وعوّلت على دور وزير الخارجية.
«الكتائب»
وقال مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية»: «الحكومة تأخّرَت تسعة أشهر عن تلقّفِ المبادرة الروسية التي سبقَ لرئيس الحزب النائب سامي الجميّل أن تحدَّث في شأنها مع المسؤولين الروس في تشرين الاوّل الماضي خلال زيارته إلى موسكو». وأضاف: «لقد بُحَّ صوتُنا منذ ذلك الحين ونحن ندعو الحكومة إلى الاتّصال بموسكو لوضع أسسِِ عملية لإعادة النازحين السوريين، لكن يبدو أنّ الأولويات كانت منصَبّة على الصفقات والمحاصَصات والتعيينات وغيرِها مِن الأمور التي تعود بالنفع على أركان السلطة وليس على المصلحة الوطنية العليا. فخيرٌ أن تتحرّك الحكومة متأخّرةً من أن لا تتحرّك أبداً، لكنّ السؤال الذي يحتاج جواباً: من يتحمّل مسؤولية الخسائر والأضرار التي لحقت بلبنان واقتصادِه ومجتمعِه نتيجة هذا التأخير؟ ومن يحاسب المسؤولين عن هذا التقصير؟».
الوضع الحكومي
ويُفترض بكلّ هذه التطوّرات أن تحرّك الوضع الحكومي إيجاباً، لكن يبدو أنّ عودة الحريري إلى بيروت في الساعات المقبلة، سَبقها عودة التشنّج الدرزي ـ الدرزي إلى الواجهة مجدّداً عبر استئناف الوزير طلال أرسلان هجومه العنيف على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، في حين عقِد اجتماع طارئ لمشايخَ دروزٍ سعياً إلى التهدئة.
وفي حين رفضَت مصادر «الاشتراكي» الردَّ على أرسلان، قال الأخير لـ«الجمهورية»: «أنا مستعدّ لأن أتحمّل وأصبرَ في السياسة مهما تطوّر الخلاف مع جنبلاط، أمّا أن يستسهلوا التعرّضَ لكرامتي الشخصية فهذا أمر ممنوع ولا يمكن أن أقبل به أو أسكتَ عنه، حتى لو كانت ستخرَب الدنيا». وأضاف: «يتّهمونني تارةً بأنّني «زلمة» جبران باسيل، وطوراً بأنني أصبحتُ مارونياً.. عيب، لقد تجاوزوا الخط الأحمر، وعلى وليد جنبلاط وجماعتِه أن يعلموا أنّني متى شعرتُ بأنّ هناك استهدافاً لكرامتي فأنا أصبِح مثل الذئب الكاسر». (راجع ص 5).
الخرق الممكن
وإلى ذلك أكّدت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» أن «لا جديد حكومياً، لكنّ الخرق ممكن في أيّ لحظة، لأنّ العُقد معروفة ومِن طبيعة محلّية، وفي اللحظة التي يتّفق فيها جميع الأطراف على تدوير الزوايا يمكن تحقيق الخرقِ المنشود، ويدُ «القوات» ممدودة دائماً إلى الجميع، وردُّها على الوزير باسيل جاء من منطلق توضيح النقاط التي أثارَها، وهي كانت وما زالت ملتزمةً بالهدنة الأولى التي أعلِنت على أثر لقاء الدكتور جعجع مع الرئيس عون، والهدنة الثانية التي أعلِنت برعاية البطريرك الراعي».
الراعي
وكان الراعي قد تمنّى لو «أنّ أصحاب السلطة السياسية يتحلّون بالتجرّد عن مصالحهم الخاصة، ويتعالون عن مكاسبهم المالية غيرِ المشروعة وصفقاتِهم وتقاسمِ المغانم على حساب المال العام وحقوق المواطنين، ويتفانون في خدمة الخير العام ويعملون على قيام الدولة المنتِجة ودولة العدالة والقانون والمؤسسات، ويكرّسون طاقاتهم وأحزابَهم وانتماءَهم الديني والمذهبي لتكوين الكيان اللبناني التعدّدي في الوحدة». وقال: «لو سلكَ أصحاب السلطة بحسب نهجِ التجرّد والتفاني لَما كنّا وصَلنا إلى الأزمات التي تتآكلنا»، وسأل: «أليس من المريب، أمام كلّ هذه الأزمات، أن تكون عقدة تأليف الحكومة الجديدة محصورة بتوزيع الحصص من أجلِ المغانم والمكاسب، بدلاً من إيجاد حكومة تضمّ خبَراء تكنوقراط يحقّقون الإصلاحات في الهيكليات والقطاعات كما حدّدها مؤتمر «سيدر»، ويوظفون المساعدات المالية الموعودة بين قروض ميسّرة وهبات بقيمة أحد عشر مليار ونصف مليار دولار أميركي».
الأخبار
العلاقات اللبنانية ــ السورية: عودة إلى شعار التكامل السياسي والاقتصادي
على خط بيروت ــ دمشق… عتب كثير
تقترب سوريا من المرحلة النهائية في معركة إخراج المجموعات الإرهابية من أراضيها. هزيمة الجنوب المدوية انعكست نفسياً وعملانياً على المجموعات المنتشرة في إدلب وفي مناطق الشمال الشرقي. وها هي أبرز الدول المعنية على الأرض، أي تركيا، باشرت مفاوضات جدية مع الحكومة السورية بواسطة روسيا وإيران لإنتاج تسوية جديدة تتجاوز معطيات المرحلة السابقة. يجري ذلك في الوقت الذي عاد فيه الانقسام بقوة إلى صفوف الأكراد بين فريق اكتوى من مرّ العلاقات مع الولايات المتحدة والقوى الخليجية والأوروبية، وبات يرى أن التسوية الآن مع النظام السوري تحفظ وتحافظ له على مواقع كثيرة، وبين مجموعات أخرى تعاني من البلبلة والارتباك، بعنادها وافتراضها أنه لا يزال بالإمكان إنضاج عملية انفصال الأكراد عن سوريا (مقال إبراهبم الأمين).
القوات الهجومية من الجيش النظامي وقوات الحلفاء من حزب الله ومجموعات الحرس الثوري وفصائل عراقية، ستنتقل تدريجاً إلى مناطق الشمال. سيكون هناك توزع غير سري بين كل المنطقة المحيطة بإدلب وعلى تخوم المناطق الصحراوية أو المناطق السكنية في الشمال الشرقي. وقد أعدت الخطط اللازمة، في انتظار قرار الرئيس بشار الأسد الذي لم يوقف مشاوراته مع روسيا وإيران بهذا الصدد، وهو بعث برسائل واضحة إلى الجانب التركي ومن خلفه إلى دول غربية، بأن القرار هو استعادة السيطرة على كل الأراضي السورية، وأن خيار التسوية السلمية هو المفضل، ولكن إذا تعذر، وأراد البعض «التشاطر» فسيكتشف حقيقة أنه متى قرر الجيش والحلفاء تحرير منطقة نجحوا في ذلك.
في هذه الأثناء، تدور معارك دبلوماسية على الهامش. الدول المحيطة بسوريا بادرت إلى وضع خطط لاستئناف التواصل مع الحكومة السورية، كما هو حال عواصم بعيدة، سواء في الجزيرة العربية أو في شمال أفريقيا.
ومع أن دمشق لا تغلق أبوابها بوجه أحد، إلا أن دفتر الشروط عند النظام السوري لا يتعلق بحسابات متصلة بإغراءات عملية إعادة الإعمار، بل بحسابات استراتيجية ناجمة عن قناعة الأسد بالتمسك بمساره السياسي الاستراتيجي، لكن مع تعديل مهم في مساره الاقتصادي الاستراتيجي، وسط مؤشرات قوية على نيته إقفال الأبواب التي فتحت خلال العقد السابق للأزمة أمام ليبرالية تبيّن أنها كانت سبباً في جانب من الأزمة الاقتصادية الداخلية، عدا عن كونها استغلت من قبل دول وجهات لأجل الدخول إلى قلب المجتمع السوري، وهي الدول والجهات التي تبين أنها لعبت دوراً في تسعير الأزمة.
الغريب في الأمر، أن دولاً مثل الأردن وتركيا وقطر، وحتى الإمارات العربية المتحدة، كما مصر وتونس وليبيا والجزائر، تدرس مصالحها براحة تامة، وتريد إعادة وصل ما انقطع مع دمشق. لكن الدولة الوحيدة التي تواجه إرباكاً مُذلاً، هي لبنان. فالحكومة التي يترأسها سعد الحريري مع حلفائه من القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وشخصيات قريبة من الغرب، لا يزالون يعتقدون بأنه لا يمكن تطبيع العلاقات اللبنانية ــــ السورية قبل حصول تطور على صعيد علاقات سوريا مع الغرب، وكذلك مع السعودية.
ما يعرفه هؤلاء، أن القوى ذات الوزن الشعبي على الأرض، لن تنتظر هؤلاء حتى تعيد بناء علاقات وثيقة مع سوريا. وستثبت المرحلة المقبلة أن تدخل جهات مثل حزب الله والتيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار المردة، وحتى حركة أمل، سيساعد على رفع وتيرة عودة مئات الآلاف من النازحين السوريين إلى بلادهم. وسيصار إلى فرض واقع تواصل شعبي مع سوريا لا تقدر أي حكومة في لبنان على منع حصوله مهما مارست من ضغوط. حتى إن مؤسستي الجيش وقوى الأمن الداخلي ستتعبان كثيراً إن فكرت قيادتهما في عرقلة مثل هذا التطبيع.
لكن ماذا عن المساهمة اللبنانية في مشاريع إعادة إعمار سوريا؟
الانتهازية، وهي سمة أصحاب المصالح الكبرى، عادت لتطل برأسها من زاوية وجود قدرات لبنانية، على مستوى القطاع المصرفي والتجار ورجال الأعمال والمتعهدين والمقاولين على أنواعهم، وهؤلاء يبحثون عن طريقة للدخول إلى سوريا. وبعضهم بادر إلى إنشاء شركات في دول خارجية، بعضها معلوم وبعضها غير معلوم، بما في ذلك دول لا تشارك في العقوبات على سوريا، بغرض استغلال الأمر والتسلل إلى سوريا.
لكن الأكيد، بحسب مصادر سورية رفيعة المستوى، أن الحكومة السورية باشرت عملية تدقيق واسعة تشمل كل من يعرض خدماته، وهي قررت أنه لن يكون لكل الجهات المالية والاقتصادية والعقارية والصناعية والتجارية المحسوبة على قوى 14 آذار أي دور في سوريا، حتى إنه وصلت تنبيهات إلى بعض رجال الأعمال، محذرة من محاولة الالتفاف على هذا القرار.
وبرغم أن هذا القرار من شأنه إصابة قطاعات لبنانية بضرر كبير، إلا أن دمشق قررت، عن سابق إصرار، التخلي عن خدمات هذه الجهات، ولو اضطرت إلى دفع أكلاف إضافية مع شركات تأتي من أمكنة بعيدة في العالم. مع الإشارة هنا، إلى أن العقود الكبيرة التي تخصّ أعمال البنى التحتية في مجالات الطاقة والنفط والطرق والمنشآت الرسمية العامة، ستُنجزها شركات روسية وصينية وإيرانية وعراقية. وتدرس دمشق حالياً إمكانية اللجوء إلى مصادر لتوفير حاجاتها في قطاعي النقل والاتصالات من دول لا تشارك عادة ولا تتأثر بمنظومة العقوبات الأميركية، خصوصاً أن دمشق ليست في وارد تغيير سياساتها الخارجية، ولا سيما الملف المتعلق بالصراع مع إسرائيل ومواجهة مركز العقل التكفيري في السعودية.
هذا من جانب دمشق، لكن ماذا عن جانبنا؟
الواضح أن صبيانية في سلوك القوى المؤسسة لفريق 14 آذار ستفرض مواجهة داخلية كبيرة. وسيكون مستقبل العلاقات اللبنانية ــــ السورية بنداً خلافياً حاداً قد يوازي بند الاستراتيجية الدفاعية. وإذا كان الرئيس ميشال عون، لم يقرر خوض المواجهة المباشرة الآن، فإن حساباته وتقديراته للموقف، ستدفعه إلى خطوات مغايرة في وقت ليس ببعيد. وهو انتظر الحريري أكثر من اللازم، وسيجد نفسه مع الوقت مضطراً إلى اتخاذ قرار بتعيين موفد رئاسي بصورة رسمية، مهما كانت انعكاسات القرار على بقية الشركاء في الحكم.
الجانب الآخر هو ترقب ردود فعل مجموعات كبيرة من اللبنانيين، المحسوبين طائفياً على القوى المعرقلة لبناء العلاقات الجيدة مع سوريا. وهؤلاء من أبرز المتضررين الآن من كثافة النزوح السوري ومن وقف الصادرات الزراعية والصناعية الخفيفة عبر سوريا. بالإضافة إلى أنه يوجد في لبنان شريط سكاني حدودي مع سوريا يمتد من شبعا جنوباً حتى عكار شمالاً، مروراً بالبقاع شرقاً، لا يمكنه رهن مستقبل حياته اليومية لدولة لا تهتم بأبسط حقوقه.
المنطق يقول أن يكون شعار اللبنانيين من الآن فصاعداً: نحن جزء من سوريا سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً، فهناك الاستقرار وهناك باب الازدهار وفرص العمل، وهناك العروبة الحقيقية!
على خط بيروت ــ دمشق… عتب كثير
التريث اللبناني في التطبيع الرسمي الكامل مع سوريا، يرتد على لبنان أولاً. الملفات الحيوية للبنان كثيرة بدءاً من ملف النازحين وانتهاء بملف التصدير البري. هل يتخذ رئيس الجمهورية ميشال عون قراراً شجاعاً أم أن الأمر رهن الحكومة الجديدة وبيانها الوزاري (مقال غادة حلاوي)؟.
أن يعلن رئيس الجمهورية ميشال عون ضرورة التواصل الرسمي بين الدولتين اللبنانية والسورية، ويؤكد عبر «الأخبار» أن قنوات الحوار سارية ومنتظمة مع سوريا في ملفي النازحين والأمن وأنه كلف اللواء عباس إبراهيم إدارة هذا الحوار الرسمي، فهذا يشكل نقلة ولو أنها متأخرة وغير كافية في مسار إعادة تطبيع العلاقات اللبنانية – السورية. تظهير هذا الموقف وقبله تشديد وزير الخارجية جبران باسيل على عودة الحوار السياسي مع سوريا لا يمكن فصله عن معطيات الميدان السوري الآخذة بالتدحرج لمصلحة النظام السوري.
بعيد الانتخابات النيابية، توجه أحد المعنيين بملف العلاقات بين سوريا ولبنان بسؤال محدد إلى عون: «لماذا لا تكون الاتصالات بين البلدين معلنة»، فكان الجواب: «انتهى مفعول صدمة استعادة سعد الحريري من السعودية وأنا مقتنع بأن السعودية تريد تطويق العهد ولجم انطلاقته، لذلك، من الأفضل في هذه المرحلة، أن نسعى إلى تطوير العلاقة مع سوريا تدريجاً، لكن من دون إعلان».
وعلى رغم كلام عون وباسيل الانفتاحي، غير أن لبنان الرسمي لم يخطُ حتى الآن خطوة جريئة باتجاه سوريا. العلاقة محكومة بالخجل من بعض الحلفاء أو برهان أخصام سوريا، خصوصا الرئيس سعد الحريري على تطور الموقف السعودي والخليجي مستقبلاً «حتى يبنى على الشيء مقتضاه».
في المقابل، ووفق التوصيف السوري فإن العلاقة مع لبنان «باردة وكان يمكن مع وجود الجنرال ميشال عون على رأس السلطة أن تأخذ منحى أكثر دفئاً وحرارة»، لا سيما أن دولاً عربية وأوروبية عدة تعيد النظر بالعلاقة وتفتح خطوط تواصل مع دمشق، وها هو رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون يستعد لأن يكون له موفده الرئاسي إلى سوريا، بدءاً من نهاية آب المقبل.
بداية أزمة الثقة
ما إن بدأت الأزمة السورية، حتى اهتزت العلاقات التي تم ترميمها جزئياً في مرحلة «السين ــــ سين». توقفت الزيارات الرسمية بين المسؤولين في البلدين، ولم يكن خافياً أن بعض أهل السلطة شجع تدفق السلاح والمسلحين عبر الحدود اللبنانية، ولم يبال هذا «البعض» بالشكاوى السورية من استخدام لبنان منصة وممراً لاستهداف سوريا. لاحقاً، وبحجة الوضع الأمني في دمشق، ترك السفير ميشال خوري السفارة في العاصمة السورية، في خطوة فسرها السوريون على أنها «سحب مبطن للسفير اللبناني»، أسوة ببقية الدول العربية والغربية.
صحيح أن البلدين محكومان بمعاهدة أخوة وتعاون وتنسيق بينهما موقعة عام 1991 وبسلسلة اتفاقيات وبمجلس أعلى له أمانته العامة التي تتولى التنسيق بين البلدين، إلا أن مرحلة الأزمة في العلاقات، وتحديداً في العام 2005، ارتدت على عمل المجلس الأعلى بخفض موازنته وعدد موظفيه وتراجع مهامه.
بعيد انتخابه بأسابيع قليلة، جال العماد عون في عدد من عواصم الخليج بدءاً من الرياض، ثم زار المملكة مرة ثانية، في نيسان الماضي، في إطار مشاركته في القمة العربية. سلوك غير مألوف إذ جرت العادة أن تكون دمشق وجهة أي رئيس للجمهورية غداة انتخابه، فكيف مع عون الذي تحمست له سوريا وأعطته؟ من الواضح أن «الجنرال» يتجنب زيارة سوريا بعد انتخابه لاقتناعه بأن ارتدادات الزيارة قد تصيب علاقات لبنان العربية والدولية، لكن المبررات اللبنانية قد لا تقنع السوريين بالكامل.
آلية التواصل: لبنان يتمهل
قبل توزيره وبعده، تكررت زيارات وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول إلى دمشق ناقلاً رسائل من رئيس الجمهورية إلى نظيره السوري بشار الأسد، لكن ثمة قناة أساسية ورسمية يعتمدها الجانب اللبناني بشكل منتظم منذ سنوات عدة هي المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي أوكلت إليه مهام أمنية عدة (تبادل الأسرى والراهبات ومجموعة أعزاز إلخ) فضلاً عن متابعته الحثيثة في الآونة الأخيرة لملف عودة النازحين السوريين إلى ديارهم.
بدوره، يشكل السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي قناة اتصال وتواصل مع شخصيات سياسية وديبلوماسية وروحية واقتصادية واجتماعية، على عكس سفير لبنان في سوريا سعد زخيا الذي يعد الحلقة الأضعف في التواصل بين البلدين. فقد اقتصر نشاط زخيا الوحيد على تسليم رسالة من وزير خارجية لبنان جبران باسيل إلى نظيره السوري وليد المعلم. ويواظب زخيا على التواجد في مكتبه في السفارة بدمشق يومياً، باستثناء عطلة نهاية الأسبوع التي يمضيها عادة مع عائلته في لبنان.
أما رئيس المجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري، فيشكل قناة تنسيق بين الوزارات في البلدين، خصوصاً أن واقع العلاقات الحياتية والاقتصادية يفرض نفسه، فقد عقدت لقاءات عدة بين الجانبين على مستوى المدراء العامين، وفق ما يقول الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري، مشيرا إلى أننا «جهدنا لعدم حصول انقطاع في العلاقة بين البلدين على رغم كل التوتر الذي ساد بينهما ولم نتوقف عن متابعة تنفيذ ما اتفق عليه سابقاً وأحياناً نقوم بمهمات غير مطلوبة منا وغير معلنة»، وعلى رغم كل التوتر وتجميد عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري منذ عام 2005، يتحدث خوري عن «رغبة الجانب السوري بالتواصل لكن الجانب اللبناني متمهل».
التريث اللبناني لا يتعارض وتنسيق الحد الأدنى بين الجانبين في ملف النازحين، وفي موضوع الكهرباء الذي يشهد مداً وجزراً وتقاذفاً للكرة بين وزارتي الطاقة والمالية في لبنان، فضلاً عن وجود ملفات أخرى قيد المعالجة.
حيوية معبر نصيب لبنانيا
إلا أنه وبذريعة تفهم سوريا للضغوطات، لم يبادر لبنان جدياً إلى ترميم العلاقات، وهو تغاضى عن وجود ملفات من مصلحة لبنان البت بها لمواجهة ازمته الاقتصادية والتي تستلزم تنسيقاً مباشراً بين المسؤولين في البلدين، كإعادة فتح معبر نصيب خصوصاً أن نصف صادرات لبنان البرية تمر عبر هذا المعبر. وتقول جهات اقتصادية إن صادرات لبنان كانت قبل الأزمة السورية أكثر من 4 مليارات، لكنها تراجعت بعد الأزمة إلى نحو مليارين و700 مليون دولار، ذلك أن لبنان كان يصدر عبر البر السوري بقيمة 300 مليون دولار صادرات زراعية ونحو 500 مليون دولار صادرات صناعية، وهذه الأخيرة خسرناها كلها بعد عام 2011.
مع التحولات التي تشهدها سوريا ومنها الإمساك بمعبر نصيب وبدء الحديث عن عودة جدية للنازحين، هل يجوز أن يستمر عدم التناسب بين هذا الخلل في العلاقات من جهة وبين مصلحة البلدين في صياغة صفحة جديدة بينهما وهل يصح استمرار إهمال دور المجلس الأعلى وبالتالي رمي الملف على اللواء إبراهيم من أجل معالجة كل الملفات الشائكة بين البلدين ومن خلف الستار لا في العلن؟
يؤكد مسؤول لبناني معني بملف العلاقات اللبنانية السورية أن لبنان «يقارب النأي بالنفس بطريقة ساذجة ومن يدقق بهذه السياسة يتبين له أن لا نأي بالنفس فعلياً إلا عن سوريا، المعضلة أن لبنان يفتقد رؤية سياسية موحدة للملف السوري بكل أبعاده»، ويضيف: «لبنان يراعي في تعاطيه مع الملف السوري، الحسابات الخارجية أكثر مما يراعي مصلحته الوطنية. ويكفي موضوع الكهرباء وما يخفيه من تفاصيل كارثية ليستدل على طبيعة تعامل اللبنانيين مع قضايا بالغة الحساسية».
في ملف الإعمار
ويشكل ملف إعادة إعمار سوريا ميداناً مهماً للاستثمار اللبناني حيث يقدر بعض خبراء الأمم المتحدة حجمها بحدود 300 مليار دولار، «وهي تتطلب مقاربة من السلطات اللبنانية لنقاط القوة والضعف بين البلدين ما قد يشكل عاملاً من عوامل إعادة استنهاض الاقتصاد اللبناني المترنح، وعنصراً مفيداً لسوريا من أجل توفير الوقت وتأمين مستلزمات لا يمكن أحداً غير لبنان أن يؤمنها»، ويقول المرجع المعني إن سوريا لن تتعامل بسلاسة معنا على رغم أن المسألة «لا تحتاج إلى اكثر من قرار يحاذر لبنان في اتخاذه إكراماً لدول قررت أن تستخدمه في مواجهة سوريا سابقاً وربما نجدها تهرول للتطبيع قريباً».
هذا التعاطي اللبناني يدفع سوريا إلى التدقيق في هوية الشركات التي تبدي استعداها للمشاركة في ورشة إعادة الإعمار «هناك فريق عمل مهمته درس الملفات والتدقيق بهوية الشركات التي تتقدم للاستثمار، لا سيما بعد أن سعت أطراف لبنانية محسوبة على السعودية لاستجلاب الصينيين إلى لبنان والدخول عبرهم إلى سوريا، وقد تم بالفعل طرد شركات حاولت دخول سوريا عبر هذه الطرق الملتوية»، على حد تعبير مصدر متابع للملف، ويشير إلى أن «المشكلة في أن البعض لا يزال يعتقد أن الإعمار في سوريا سيحصل عن طريق البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والصحيح أننا سنكون أمام نموذج مختلف، يمكن أن يكون أقرب إلى نظام عمل مؤسسة وعد في لبنان لكن ليس تماماً».
أكثر من عتب
ومع التغيرات التي تحصل في سوريا «لم يعد المنطق اللبناني في التعاطي مع سوريا يجدي نفعاً. اللغة التي تتردد في سوريا أن الاكتفاء بقنوات التواصل الراهنة ليس كافياً والمطلوب التنسيق فوق الطاولة وليس تحت الطاولة».
من يقصد العاصمة السورية في هذه الأيام يلمس وجود «أكثر من عتب سوري» على فريق التيار الوطني الحر والحلفاء استطراداً «ممن كان خطابهم بالنسبة للسوريين مؤذياً وكان يمكن التخفيف من أذاه لو اتخذت خطوات تصالحية أو تواصلية بين الجانبين».