الصهيونية والعنصرية : “قانون القومية” في “إسرائيل” ليس “حديث الولادة” ويكرس ما قبله

وصول وزير النفط المصري إلى العراق بعد توقف إمدادات “أرامكو” السعودية
لبنان : تكليف النائب عاصم قانصوه الإشراف على عملية توحيد حزب البعث في لبنان
ارتفاع سعر الجنيه المصري بعد تراجع السوق السوداء

توالت التصريحات العربية والأجنبية المنددة بقانون القومية الإسرائيلي الجديد الذي صدر في 19 تموز/ يونيو الحالي. والغريب في الأمر، أن الجميع يندد وكأنهم لم يكونوا يتوقعونه، أو كأن القرار قد خرج فجأة من القمقم؛ مع أن من يعرف اسرائيل يعرف كيف تقوم بإعلان قوانينها وكيف تضعها حيز التنفيذ. وأنها ماتفتأ في كل مرحلة تشعر بها بأنها في دائرة الخطر بسبب انتفاضات الشعب الفلسطيني، تبدأ بإطلاق المزيد من الإجراءات والقوانين المؤجلة، والتي تعقد بها حياة الفلسطينيين في أرضهم أكثر فأكثر. واعتادت اسرائيل أن تمرر قوانينها وعدوانها على مسمع ومرأى المنددين، والذين يتابعون القرارات الإسرائيلية منذ اللحظة التي تعلن فيها النوايا، إلى اللحظة التي تميط اللثام عنها.

قوانين الفصل العنصري التي ابتدعتها الدولة العبرية منذ اعلان تأسيسها حتى اليوم، لم تكن متنافية مع الممارسات العنصرية التي فرضتها دول الاستيطان الأوروبي كما: فرنسا في الجزائر أو بريطانيا في أميركا الشمالية واستراليا، وغيرها. واسرائيل تتماهى معها، والأوروبيون والأميركيون يفهمون حاجتها لفرض وجودها في بلد ليس لها. فقانون التقسيم بين المناطق الفلسطينية والتي أقيمت بحسب اتفاق اوسلو ستمنع بعد اقرار قانون "القومية اليهودية" والذي ستكون يده فوق يد الديمقراطية، يعد باجراءات اقصائية أكثر بحق كل من هو ليس يهودياً في فلسطين، أي العرب، وسيقسم المناطق الفلسطينية ويعزلها عن بعضها البعض وسيمنع الفلسطينيين من التواصل مع أقرانهم في المناطق المختلفة، وخاصة في الضفة الغربية، والتي سيعلن قريباً ضمها نهائياً إلى ما يسمى بدولة اسرائيل. مما سيجعل حياة الفلسطينيين أكثر صعوبة من أجل دفعهم، كما تظن اسرائيل، نحو مغادرة فلسطين، وعندها سنندد من جديد.

القانون الإسرائيلي الجديد ليس حديث الولادة. اذا كانت الحكومة الإسرائيلية قد قدمت مشروع القرار للكنيست منذ العام 2011 والذي طرحه آنذاك، عضو الكنيست آفي ريختر، وهو الرئيس السابق للشاباك، جهاز الأمن الداخلي في الكيان الصهيوني. واليوم مع مجيء ترامب وصهره جاري كوشنر تضاعف الدعم الأميركي لإسرائيل، ولذا بات من السهل تمرير هكذا قانون. ولكن لم تُتخذ منذ العام 2011 وحتى اليوم خطوات عملية من أجل وقف اقرار قانون القومية في العالمين العربي والغربي. الأمر ذاته والخطوات ذاتها أعيدت وتكررت في توقيع نقل السفارة الأميركية ومشروع ضم القدس ومشروع ضم الجولان، فالتحركات الإسرائيلية تأتي أولاً كجس نبض، وعندما لا تتأتى عن إعلاناتها العنصرية ردات فعل أو أية إجراءات لردعها تقوم حينئذ بتنفيذ قراراها في الوقت المناسب لها دون أن تخشى أية ردة فعل تذكر. فأوروبا حتى اليوم لم تقم سوى بمقاطعة خجولة للبضائع الإسرائيلية في المستوطنات والتي أقيمت فوق أراضي الفلسطينيين كمواجهة للنظام العنصري الذي تمارسه اسرائيل إن كان من خلال بناء جدار الفصل العنصري أو من خلال طرد الفلسطيننين العزل من بيوتهم وأراضيهم أو حتى قتلهم.

"أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، من منا لا يعرف أمثولة وقصة ابن المقفع، التي تحمل في طياتها كل ما تتعرض له القدس وفلسطين والعالم العربي من خذلان واضطهاد فيما يتعلق بالقضية الأم: فلسطين. فمنذ أن احترق المسجد الأقصى في 21 آب/ أوغسطس من العام 1969، والذي لم يتحرك العرب نصرة له، قالت غولدامائير يومها: "لم أنم طوال الليل، كنت خائفة من أن يدخل العرب اسرائيل أفواجاً من كل مكان، ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي علمت أن باستطاعتنا أن نفعل اي شي نريده"، وهذا ما كان. واذا ما كانت ام الصبي، وهم العرب، لا يتحركون فمن البديهي أن يقبل العالم الذي صوت لإقامة دولة اسرائيل بالقبول بكل ما تأتي به من قوانين لتهديم مساجدها وكنائسها وما يشهد على التاريخ العربي في فلسطين من أجل تكريس يهوديتها. واليوم لم يحمل القانون الجديد جديداً، فقد جاء ليكرس كما قبله نظام الفصل العنصري، الذي بني عليه منطق الفكر الصهيوني  وهو أن: "دولة اسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي" وأن "حق تقرير المصير في دولة اسرائيل يقتصر على الشعب اليهودي". اعلان اسرائيل أقر في وقت تتهافت فيه دول عربية ودون شروط مسبقة لتدخل جماعات وفرادى في اتفاقيات السلام والتطبيع مع الدولة العنصرية الأولى في العالم.

واليوم لا تخرج عمليات القصف المستمر على غزة والتي يذهب ضحيتها العشرات في كل يوم وما نفعله لا يخرج عن إطار عد أرقام الضحايا من شهداء وجرحى. ونحن نحيي ونهلل للعمليات البطولية الفلسطينية، التي بقي أصحابها منفردين في ساحات الوغى يقاتلون بصدور عارية. عندما لم تنم غولدا مائير طوال الليل لابد أنها كانت تتذكر ثورة البراق في العام 1919 والتي هبت فيها الجموع العربية وجاءت القدس من كل صوب لتدافع عن حائط البراق الذي انتهك حرمته المصلين اليهود، والذي أدى إلى قتال دام لأيام، قتل خلالها أعداد كبيرة من الصهاينة. دخل العرب يومها للدفاع عن المسجد الأقصى على الرغم من جميع الإجراءات القمعية والقاسية التي وضعتها سلطات الإنتداب البريطاني أنذاك. واليوم تنتهك باحات وساحات الأقصى في كل يوم والعرب نيام.

المصادقة على قانون "الدولة القومية للشعب اليهودي وأن "حق تقرير المصير فيها حصري للشعب اليهودي فقط"،  صوت له الكنيست في ايلول/ سبتمبر من العام الماضي. وتأتي المصادقة اليوم متزامنةً مع العمليات الإسرائيلية المكثفة على غزة خوفاً من تحركات مماثلة لتلك التي شهدها إعلان ترامب حول القدس. اذ يظن الإسرائيليون أنه بالتهديد تارة وبالوعود تارة، كالعودة إلى واقع مدني واقتصادي معقول مقابل وقف كامل لعملية اطلاق الطائرات الورقية الحارقة، والتي أطلقها ليبرمان في 20 تموز/يوليو، زاعماً فيها أن مطلقي الطائرات الورقية والبالونات الحارقة ليسوا أطفالاً أومجموعات مدنية وإنما هم  قادة حماس، في محاولة لتأليب الفلسطينيين على بعضهم البعض، ظاناً أنه بذلك يستطيع هو أو غيره تغيير موقف الفلسطينيين في غزة والقطاع، والذين لم يبقى أمامهم سوى القتال أو الموت داخل أسوار الحصار.

عبير بسام، صحافية وكاتبة عربية من لبنان
أوائل آب 2018
 

Please follow and like us: