كشفت صالونات السياسة تشكيلة الرئيس سعد الحريري التي عرضها على الرئيس العماد ميشال عون في بعبدا. يعرف المواطنون الآن، بالتفصيل الممل، أن رئيس الجمهورية طرح "ملاحظاته" على التشكيلة الحكومية التي حملها إليه الرئيس المكلف، وقد دعاه، فوراً، إلى تعديلها بالتفاوض مع الأطراف. بينما مصادر الحريري عكفت على تبرير المزاجية الدستورية لديه. تدعي أنه سلّم التشكيلة وينتظر ملاحظات بعبدا، وهو سيزورها في غضون يومين. استحت هذه المصادر من القول أن عون أسقط التشكيلة المقترحة، وأنه، بكل لطف، رماها أرضاً، بعد أن قرأ فيها مخطط انقلاب سياسي على نتائج الإنتخابات النيابية. الأرجح أن تطول معاناة المواطنين من المزاجية الدستورية …
الأخبار
عون: العدلية لجريصاتي لا للقوات
لرئيس الجمهورية حق دستوري بقول لا أو نعم
حرب الصلاحيات اشتعلت على كل الجبهات. ما يريد قوله هذا وذاك، يصدر بالمواربة، ما دام لا مصلحة بالاشتباك المباشر، على خلفية الحاجة المتبادلة إلى الأختام والتواقيع في مسار التأليف المتعرج الذي يزداد صعوبة يوماً بعد يوم.
من ينتظر من؟ في بعبدا، نقل زوار رئيس الجمهورية ميشال عون عنه أنه أعطى ملاحظاته بالتفصيل على الصيغة المبدئية التي حملها إليه الرئيس المكلف سعد الحريري، وأن الحريري طلب مهلة لإعادة صياغة الصيغة الحكومية مجدداً، في ضوء التشاور مع القوى السياسية المعنية، على أن يعود إلى بعبدا في وقت قريب. في المقابل، خرج زوار رئيس الحكومة المكلف بانطباع مفاده أنه ينتظر انتهاء رئيس الجمهورية حتى ينتهي من درس الصيغة ووضع ملاحظاته عليها، خلال 48 ساعة، حتى يلتقيا مجدداً. وبين انتظار وآخر، بدا الحريري منزعجاً من التسريبات التي أدت إلى كشف أسماء الوزارات التي اقترحها للقوات اللبنانية في الصيغة التي قدمها إلى عون.
وفيما حاذر رئيس الجمهورية والرئيس المكلف إطلاق مواقف سياسية، ركز المحيطون بهما على موضوع الصلاحيات. هذه النقطة، من المتوقع أن تستثير ردود فعل من الطرفين، خصوصاً إذا طال أمد التكليف، وهو أمر عبّرت عنه أوساط في «كتلة لبنان القوي» بقولها إن الاحتمالات مفتوحة، ومنها أن يوجه رئيس الجمهورية رسالة إلى المجلس النيابي. وردّت أوساط في كتلة المستقبل بالقول إن التكليف ليس مقيداً بأي سقف زمني، وحذرت من وجود نيّات لتخريب العلاقات بين الرئاستين الأولى والثالثة.
وعكست مقدمة نشرة أخبار تلفزيون المستقبل، ليل أمس، مناخ الحريري في موضوع الصلاحيات والصيغة التي قدمها إلى رئيس الجمهورية، وقد تضمنت إشارة إلى أن الحريري قدم إلى عون صيغة «يراها الأنسب لولادة حكومة ائتلاف وطني تراعي مقتضيات الوفاق المطلوب وحماية الاستقرار السياسي من الضياع»، وأضافت أن الحريري، «لن يسلِّم بتجاوز الأصول في هذا الشأن، ومساعيه ستتواصل مع كل المعنيين لإعادة الأمور إلى جادة الصواب، والعمل على تشكيل حكومة تتحمل مسؤولياتها الكاملة في تحقيق الإصلاح المنشود والنهوض الاقتصادي. الأمر ببساطة يتطلب تضحيات متبادلة، تخرق جدار الشروط المتبادلة. وحصة الرئيس الحريري في سجل التضحية باتت معروفة… وعلى الآخرين أن يبادروا».
ملاحظات عون: العدل وجريصاتي
وعلمت «الأخبار» أن رئيس الجمهورية وضع سلسلة ملاحظات على الصيغة الحريرية، أولها، رفض طبيعة الحقائب التي اقترحها الحريري للقوات اللبنانية، وفي طليعتها حقيبة العدل، وهو أصرّ على أن تكون هذه الحقيبة من ضمن حصة رئيس الجمهورية، وستكون من نصيب وزير العدل الحالي سليم جريصاتي (كاثوليكي). وعندما أوضح الحريري أنه كان قد تفاهم على هذه النقطة مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، أجابه رئيس الجمهورية بأنه هو من يقرر في موضوع وزارة العدل، كما سيقرر في موضوع نائب رئيس الحكومة (صار الاسم محسوماً لمصلحة نجاد عصام فارس). وأبلغ عون الحريري أنه يصر على تسمية وزير سني من ضمن حصته، وهذه النقطة لحَظها الرئيس المكلف في تصوره ـــــ صيغته التي سلّمها لرئيس الجمهورية، مقابل حصوله هو على مقعد ماروني لمصلحة الوزير غطاس خوري.
الملاحظة الثانية التي أثارها عون، رفضه أن لا يلحظ الرئيس المكلف وزارة دولة للقوات اللبنانية أسوة بغيرها من مكونات الحكومة، ما يعني أن هناك ضرورة لإعادة نظر في مجمل حصة القوات.
الملاحظة الثالثة، رفض إسناد وزارة الأشغال العامة والنقل إلى تيار المردة، وهذه النقطة كان قد أثارها الوزير باسيل مع الحريري، قبل أن يتوجه الأخير إلى بعبدا للاجتماع برئيس الجمهورية.
الملاحظة الرابعة، رفض حصر المقاعد الوزارية الدرزية الثلاثة برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. رفض عون، وقبله باسيل، أن تكون هذه الحصرية مقدمة لإثارة مشكلة ميثاقية في مجلس الوزراء مستقبلاً، إذ إنه إذا قرر الوزراء الدروز الثلاثة مقاطعة مجلس الوزراء، تكون النتيجة تعطيل الجلسات، من زاوية مراعاة الميثاقية.
بري: الوضع خطير
من جهته، قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري، إن لبنان في غرفة العناية الفائقة، وهو لا يشبه تركيا ولا إيران (في موضوع العقوبات)، داعياً خلال لقاء الأربعاء النيابي الجميع إلى التواضع، ورأى أن الوضع الاقتصادي خطير، ولا يمكن أحداً تجاهل هذا الواقع، وحثّ الجميع على تقديم تنازلات في موضوع تأليف الحكومة لمصلحة الوطن. وشدد بري على أن هناك قضية تستوجب تحرك الدولة، وذلك بعد ورود معلومات عن تعاقد الإسرائيليين مع شركة يونانية (إينيرجيان) للبدء بالتنقيب في حقل كاريش القريب من الحدود اللبنانية في آذار 2019، مجدداً تحذيره من محاولات إسرائيل للسطو على البلوكات النفطية اللبنانية (8 و9 و10). وقال إن المطلوب التحرك بسرعة لمنع الاعتداء على الحق اللبناني، وخصوصاً أن هناك احتمالات كبيرة لمكامن مشتركة، عدا عن الدراسات والخطط الموضوعة لتلافي أو لاحتواء أي خلل يؤدي إلى تسرب للنفط يطاول الساحل الجنوبي، وصولاً إلى صور خلال ثلاثة أيام، وشدد على أن واجبنا هو التحرك بأقصى سرعة «للدفاع عن ثروتنا النفطية وسيادتنا الوطنية وحدودنا البرية والبحرية».
لرئيس الجمهورية حق دستوري بقول لا أو نعم
«صيغة أفضل الممكن» حكومياً لم تتوافر حتى الآن، وهي تحتاج إلى وقت، أقله من جانب رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي استمع على مدى ساعة وربع الساعة، يوم الاثنين الفائت، لملاحظات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في شكل واضح وبما لا يقبل أي التباس أو اجتهاد. لم يطلب رئيس الجمهورية وقتاً إضافياً، بل على العكس، سمع من الحريري أنه يحتاج إلى وقت إضافي في ضوء الملاحظات الرئاسية، يفترض أن يستغله لإجراء مروحة جديدة من المشاورات السياسية، وعندما تتجمع لديه حصيلة جديدة، سيعود إلى القصر الجمهوري، حاملاً صيغة معدلة في أقرب وقت ممكن من أجل مناقشتها بالتفصيل مع رئيس الجمهورية، خصوصاً أن زمن «القوالب الحكومية الجاهزة» قد انتهى، وسقط معها كل ما من شأنه أن لا يقيم وزناً للمسار الدستوري والبرلماني والديموقراطي المفترض أن يكون هو الناظم للحياة السياسية في لبنان (مقال داود رمال).
ثلاثة أيام على زيارة رئيس الحكومة المكلف إلى بعبدا، كان يفترض أن تحفل بالمشاورات لا بحفلة من ردود الفعل تتباكى على صلاحيات الرئاسة الثالثة. رئيس الجمهورية يرصد ردود الفعل على مختلف المستويات «لأنه في ضوء الفاصل الزمني عن اللقاء المرتقب مع الرئيس المكلف أيضاً ستتكون لديه صورة عن المواقف والنيات المرتبطة بإرادة الفرقاء المعنيين بحيث تتكامل مروحة اتصالات الحريري مع متابعة الرئاسة الأولى مما يسهل عرض النتائج التي على ضوئها يبنى على الشيء مقتضاه، لجهة تحقيق هدف التعديل والتحسين واحترام المعايير في الصيغة المبدئية المقترحة من الحريري».
في هذا السياق، ترى بعبدا أن رؤساء الحكومات السابقين «قرأوا الدستور في شكل مجتزأ، بعدما أهملوا المواد الصريحة التي تحدد صلاحيات رئيس الجمهورية، فالدستور واضح في مسألة شراكة رئيس الدولة ورمز وحدة البلاد في تشكيل الحكومة، وتكفي الإشارة إلى المادة 53 منه التي تنص على أن رئيس الجمهورية يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مراسيم تشكيل الحكومة وقبول استقالة الوزراء وإقالتهم… وبالتالي، ليس الأمر محصوراً بالتوقيع على المرسوم فقط، إذ إن عبارة «بالاتفاق» تعني التفاهم بين الرئيسين، أي لرئيس الجمهورية الحق الدستوري بقول لا أو نعم، وتوقيع رئيس الجمهورية ليس شكلياً».
وكل من التقى رئيس الجمهورية، لا يساوره شك بمدى حرصه على صلاحيات رئيس الحكومة وهذا الأمر يدركه الحريري ولعل التجربة الممتدة بينهما على مدى سنتين تثبت ذلك، و«يوم ضغط البعض لقبول استقالة الحريري من خارج (تشرين الثاني 2017) واعتبارها قانونية ودستورية والدعوة لاستشارات نيابية ملزمة للتكليف، يومذاك، رفض رئيس الجمهورية ذلك رفضاً قاطعاً قبل جلاء ظروف الاستقالة وعودة رئيس مجلس الوزراء إلى لبنان، ولسان حال بعبدا اليوم هو حاله بالأمس، ومثلما لا يقبل الرئيس عون إطلاقاً المس بصلاحيات رئيس الحكومة، على الآخرين رفض المس بصلاحيات رئيس الجمهورية».
توقيع عون ليس شكلياً وهو ينتظر حصيلة مشاورات الحريري
والمستهجن في بعبدا «نقل النقاش من تشكيل الحكومة وفق معايير حددها رئيس الجمهورية بالاتفاق مع الحريري، وبالتالي وجوب الإسراع في ولادة الحكومة، إلى موضوع الصلاحيات، علماً أن هذا النقاش ليس مطروحاً في قاموس رئيس الجمهورية الذي من حقه إبداء ملاحظاته على أي صيغة حكومية، خصوصاً أن الحكومة التي يُشتغل على تشكيلها تأتي بعد انتخابات نيابية كسرت احتكار التمثيل النيابي وأمّنت إلى حد بعيد عدالة التمثيل الذي لا يمكن تجاوزه في الحكومة الجديدة، لذلك لا بد من استمرار التشاور للوصول إلى صيغة حكومية نهائية».
وثمة خشية في بعبدا «أن يكون تعمّد إثارة موضوع الصلاحيات هدفه المباشر والوحيد صرف النظر عن الأولوية الوحيدة المتمثلة بتشكيل الحكومة فوراً وبلا إبطاء، وأقل ما يوصف به موضوع الدفع بالصلاحيات إلى الواجهة بأنه خطوة غير موفقة، لأن أحداً ليس بوارد المس بصلاحيات رئيس الحكومة لا في عملية التشكيل ولا في أي موضوع آخر، وما يحكم نوايا الرئاسة الأولى هو الإيجابية المطلقة والحرص الشديد على نجاح الرئيس الحريري في تخطي الصعوبات في الوصول إلى حكومة تحترم الإرادة الشعبية التي عبّرت عن نفسها في صناديق الاقتراع». المعايير التي حددها رئيس الجمهورية لا تزال هي نفسها: عدالة التمثيل، عدم تهميش أيّ مكون، احترام الأحجام الحقيقية، عدم الاحتكار، والأهم التوصل إلى تأليف حكومة وفاق وطني تعكس نتائج الانتخابات النيابية الأولى من نوعها وفق القانون النسبي.
اللواء
«تنازُع صلاحيات».. وبعبدا تتّجه لنقل أزمة التأليف إلى برّي
الحريري متمسِّك بالتسوية مع عون.. وفريق العهد يُعلن الحرب على الطائف
يتخاطب المعنيون، إما عبر مقدمات نشرات المحطات المسائية، التابعة لكل طرف، وإما من خلال نواب أو مصادر، تتحدث وتكشف وكأن التخاطب المباشر بات محظوراً بين بعبدا وبيت الوسط.
وبين غرفة «العناية الفائقة» التي تحدث عنها الرئيس نبيه برّي، كما نقل حديثه نواب «لقاء الأربعاء» وما يصفه مراقبون بأنه اهتزاز العلاقات بين ركني تسوية 2016 (تيّار المستقبل والتيار الوطني الحر)، تجاوزت مسألة تأليف الحكومة، ما يمكن اعتباره الخطة «أ» أي تأليف الحكومة، الي خطط أخرى، تتعدّى «ب» إلى «ج»، و«د» وأكثر إلى إعادة استحضار تاريخ الأزمات، ونبش الأحداث، وفتح أبواب الخيارات والصلاحيات.. وكأن أحد فريقي تسوية 2016 الرئاسية، قال لا للطائف ونقطة على السطر..
اعتبر فريق بعبدا، ومعه التيار الوطني ووزراء ونواب «تكتل لبنان القوي» مباشرة، ومن ورائه فريق 8 آذار ردّ رؤساء الحكومة السابقين، على بيان المعايير التي اشترطها رئيس الجمهورية لقبول الصيغة التي رفعها إليه الرئيس المكلف سعد الحريري، بأنه بمثابة تشليح الرئيس صلاحياته، أو استهداف، وفقا لما أبلغه نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي لمحطة «O.T.V».
ووصفت مصادر سياسية مطلعة عبر «اللواء» بيان رؤساء الحكومات السابقين بأنه خطوة غير موفقة لأن الملاحظات التي ابداها الرئيس عون لم تمس بدور الرئيس الحريري بل اعطته فرصة لتحسين الصيغة واستمرار المشاورات مع الافرقاء وهذا ما تم الاتفاق عليه,اذ سيعرض الرئيس الحريري الصيغة وملاحظات الرئيس عون على الافرقاء المعنيين ليعود ويتشاور معه حول ما توصل اليه.
كما رأت المصادر أن بيان رؤساء الحكومات السابقين الذي يعتبر الملاحظات التي أبداها رئيس الجمهورية على الصيغة الحكومية التي قدمها إليه الرئيس المكلف بأنها «تستند إلى مفهوم غير موجود في النصوص الدستورية المتعلقة بتشكيل الحكومات في لبنان»، ما يظهر بأن « رؤساء الحكومات السابقين قرأوا الدستور ولا سيما المادة 53 منه بشكل مجتزأ، لأن هذه المادة أعطت لرئيس الجمهورية الحق بالإتفاق مع رئيس الحكومة المكلف بإصدار مراسيم تشكيل الحكومة، كما من حقه ترؤس جلسات مجلس الوزراء والدعوة إليها وترؤس جلسات المجلس الاعلى للدفاع، وهذا يعني أن لرئيس الجمهورية دور في تشكيل الحكومة وليس فقط التوقيع على مرسوم التشكيل، ولا يمكن لأي مرسوم أن يصبح نافذا إذا لم يحمل توقيع رئيس الجمهورية».
واكدت المصادر ان رئيس الجمهوريه لا يقبل اطلاقا المساس بصلاحيات رئيس الحكومة وفي الوقت ذاته لن يغض الطرف عن اي مس بصلاحيات رئاسة الجمهورية.قائلة ان الرئيس عون يتوقف عند اثارة البعض صلاحيات الرئاسة الثالثة وفتح الباب في هذا المجال عوضا عن السعي الى تزخيم الجهود لجعل الحكومة تبصر النور.
واوضحت ان ما يهم الرئيس عون هو التأكيد ان من حقه ابداء الملاحظات على الصيغة التي قدمت اليه وهو اساسا لم يرفضها كما حصل في عهد الرئيس ميشال سليمان الذي رفض تشكيلة الرئيس الحريري ثم اعيد تكليفه. وبالتالي هناك مشاورات يجب ان تستكمل بعدما سجل عون ملاحظاته لجهة تأمين عدالة التمثيل واحترام ما افرزته الانتخابات النيابية وفق النسبية وعدم تهميش اي فريق واحترام الاحجام وتوزيع الحقائب الخدماتية ووزراء الدولة بشكل عادل بين الافرقاء وعدم حصر التمثيل الدرزي بفريق واحد وهو الحزب الاشتراكي وكذلك الامر بالنسبة الى الفريق السني الاخر خارج كتلة «المستقبل» والذي لم تلحظه الصيغة.
الرسالة الرئاسية
في هذا الوقت، طغى على المشهد ما يجري التحضير له في بعبدا، لجهة لجوء رئيس الجمهورية إلى البند «10» من صلاحياته، التي تنص عليها المادة 53/د وفيها ان الدستور استناداً إلى هذه المادة، يعطي الرئيس الحق بتوجيه رسائل إلى مجلس النواب، والنص الحرفي «يوجه عندما تقتضي الضرورة رسائل إلى مجلس النواب».
والسؤال: ماذا تعني الضرورة، هنا، هل تتعلق باستنكاف المجلس عن القيام بدوره؟ وما هي الحالات التي تقتضيها هذه الضرورة، وهل من بينها تأخير تأليف الحكومة، لأسباب لا تتعلق بالرئيس المكلف، بل بكل الأفرقاء، ومنهم رئيس الجمهورية ما دامت الحكومة حكومة وحدة وطنية.
والسؤال الاخطر: ماذا يتعين على رئيس المجلس ان يفعل؟ هل يدعو المجلس إلى الاجتماع للاستماع إلى رسالة الرئيس التي تسلّم إلى رئيس المجلس، أم يحضر الرئيس إلى المجلس ليوجه رسالته مباشرة..
ووفقاً للمادة 149 من النظام الداخلي، فإن رئيس المجلس ليس بإمكانه تجاهل الرسالة، وبالتالي فإنه سيدعو إلى جلسة نيابية..
الثابت، وفقاً لمصادر نيابية فإن رئيس الجمهورية يرمي الكرة إلى المجلس النيابي، الذي لا يوليه الدستور أي دور في ما يتعلق بعملية التشكيل، ليقحمه في دور، تارة تحت تحديد المهلة الزمنية أو سحب التفويض للرئيس المكلف أو تقرير كيف يمكن ان تتوزع الحقائب.
نهج تخريبي
في هذا الوقت، حذّرت مصادر سياسية مراقبة من خطورة الاستمرار في النهج الحالي الذي يدفع البلاد نحو المزيد من الانزلاق نحو الهاوية، خصوصاً وأن مسار الأمور يوحي بأن لا أحد من القوى السياسية المعنية بملف تشكيل الحكومة، يُبدي استعداداً للتراجع خطوة إلى الوراء وتقديم تنازلات من أجل المصلحة الوطنية، بل ان الجميع، بمن فيه فريق العهد يمضي في اتجاه التصعيد والسخونة، من دون الانتباه إلى ان هذا النهج يجر البلاد عموماً نحو أزمة صلاحيات مسيحية – سنية تعيد الصراع إلى حقبة الماضي البغيض الذي اخرجنا منه اتفاف الطائف.
ويبدو ان محاولات الرئيس الحريري تهدئة الأمور في أعقاب رفع صيغة جديدة لتشكيلة حكومته إلى رئيس الجمهورية، لم تؤد إلى النتيجة المرجوة، بدليل اندلاع تراشق وسجال كلامي عنوانه صلاحيات رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، دخل على خطه عدد كبير من نواب ومسؤولي «التيار الوطني الحر» حاملين على رفض احترام دور بعبدا في التشكيل، وفق ما جاء في بيان رؤساء الحكومة السابقين، إلا ان أحداً من نواب تيّار «المستقبل» لم يرد على هذه الحملة العونية، باستثناء المقدمة النارية التي بثها تلفزيون «المستقبل» في نشرته الإخبارية مساء أمس، والتي هاجمت ما اسمته «العقارب السياسية» التي تحرّكت لتخريب العلاقة بين الرئيس ميشال عون وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، في إشارة واضحة إلى الفريق البرتقالي الذي دأب على العزف على صلاحيات رئيس الجمهورية للمس بصلاحيات رئيس الحكومة المكلف.
لكن الأهم في المقدمة النارية، جاء من خلال التأكيد على ان الصيغة التي رفعها الرئيس الحريري إلى الرئيس عون الاثنين الماضي، هي الأنسب لولادة حكومة ائتلاف وطني تراعي مقتضيات الوفاق المطلوب لحماية الاستقرار، وانه (أي الرئيس الحريري) لن يسلم بتجاوز الأصول في هذا الشأن، مشددة على ان هذا الأمر يتطلب ببساطة تضحيات متبادلة تخرق جدار الشروط المتبادلة، وتلفت في هذا المجال إلى ان الرئيس الحريري قدم تضحية من حصته، باتت معروفة، وعلى الآخرين ان يبادروا، في دعوة واضحة إلى الفريق العوني الذي هاجم الصيغة معتبراً إياها لمجرد «رفع عتب»، بحسب ما جاء في بيان تكتل «لبنان القوي» الثلاثاء الماضي.
وهذه الدعوة إلى التضحية، قابلها الرئيس نبيه برّي بدعوة مماثلة، إذ أكّد ان «اي طرف لا يستطيع ان يصل إلى ما يراه أو يريده في تشكيل الحكومة، وعلى الجميع دون استثناء ان يقدموا التنازلات لمصلحة الوطن والخروج من هذه الأزمة، مشيراً إلى ان لبنان اليوم في غرفة العناية، والوضع الاقتصادي خطير ولا يمكن تجاهل هذا الواقع، مع الإشارة إلى أن لبنان هو غير تركيا وإيران.
وتناول بري في لقاء الاربعاء امس موضوعا آخر لا يقل أهمية عن موضوع الحكومة هو المعلومات المتوافرة عن ان اسرائيل تعمل على تكثيف نشاطاتها البترولية بالقرب من الحدود اللبنانية وتحديدا حقل «كاريش»، وقد تعاقدت مع شركة يونانية «أنيرجيان» للبدء بالتنقيب في آذار 2019.
وقال ان «المطلوب من الدولة اللبنانية ان تتحرك بسرعة لمنع الاعتداء على الحق اللبناني، وخصوصا ان هناك احتمالات كبيرة لمكامن مشتركة، عدا عن الدراسات والخطط الموضوعة لتلافي او لإحتواء اي خلل يؤدي الى تسرب النفط يطاول الساحل الجنوبي وصولا الى صور خلال ثلاثة ايام».
وشدد على أن «واجبنا التحرك بأقصى سرعة للدفاع عن ثروتنا النفطية وسيادتنا الوطنية وحدودنا البرية والبحرية».
«بيت الوسط»
اما زوّار «بيت الوسط»، فقد نقلوا عن الرئيس الحريري تأكيده بأنه هو من وضع الصيغة ولا أحد يعلم ما تضمنته سوى الرئيس عون، مكرراً وصفها بأنها «عادلة وتحمل تنازلات من قبل الجميع»، بما فيهم «تيار المستقبل».
وشدّد الحريري، بحسب ما نقل عنه زواره لـ«اللواء» انه مقتنع بالصيغة المقدمة وهي منطقية لأنها تحمي البلد، خصوصاً وأنه يرى بأنها تصلح لتشكيل حكومة وفاق وطني يسعى للوصول إليها من أجل تنفيذ السياسة التي هندسها من خلال حكومة استعادة الثقة.
ولفت الزوار الى ان الرئيس المكلف غير مغلق على مواصلة اي اتصالات او مشاورات تكون مفيدة للبلد من اجل المساهمة في تسهيل تشكيل الحكومة، وهو على استعداد لمناقشة الاراء والافكار التي تطرح سواءً مع رئيس الجمهورية او مع اي طرف سياسي اخر.
واشارت المصادر الى ان الرئيس الحريري متمسك ومصر على أن تبقى علاقته برئيس الجمهورية علاقة مميزة ومتينة، ولفتت الى ان التشاور والتفاهم سيبقى هو الاساس بينهما، لذلك فهو لا يريد اقحام نفسه بالردود على ما ينشر من هنا، ويسرب من هناك، لا سيما بالنسبة الى المواقف التصعيدية لأنه يرى انه من الطبيعي بأن السجالات لن تصل سوى الى زيادة التشرذم السياسي، وبالتالي عرقلة عملية تشكيل الحكومة.
وتؤكد مصادر سياسية متابعة لملف تشكيل الحكومة بأن الرئيس الحريري مرتاح على وضعه، وهو يكثف اتصالاته باتباعه سياسة الهدوء والتروي رغم الضغوط الكثيفة التي تمارس عليه، وهو في هذا الإطار استقبل امس بعيدا عن الاعلام وزير «المردة» يوسف فينيانوس وبحث معه اخر المستجدات المتعلقة بعملية التأليف.
ملاحظات عون
وازاء ذلك، توقعت مصادر سياسية ان تمر البلاد بفترة انتظار بسيطة قبل ان يتبلغ الرئيس عون من الرئيس المكلف رده على ملاحظاته على التشكيلة الحكومية التي قدمها له، مع ان التسريبات التي صدرت عن مصادر بعبدا حددت بكثير من الدقة والتفصيل ملاحظات الرئيس على التشكيلة شكلا من حيث الحصص ومضمونا من حيث توزيع الحقائب.
وقالت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية لـ«اللواء»: ان الرئيس عون استمع من الرئيس الحريري الى الصيغة التي اعدها وابلغه بوجود ملاحظات عليها وشرحها له بالتفصيل وبخاصة لجهة اعطاء «القوات اللبنانية» اربع حقائب خدماتية واساسية من دون حقيبة دولة اسوة بباقي الاطراف وعدم وجود توازن في التشكيلة، ودعاه لتطويرها عبر التشاور مع الاطراف السياسية المعنية ومن ثم يعود للبحث بها، ورد الحريري بأنه سيطلع الاطراف على ملاحظات الرئيس ويعود بالجواب.
ونفت المصادر وجود اي تجاوز لصلاحيات رئيس الحكومة، مشيرة الى ان كل ما جرى هو ابداء ملاحظات من رئيس الجمهورية على التشكيلة، وابدت خشيتها من ان يكون اثارة موضوع الصلاحيات هو للتغطية على امور اخرى، وقالت ان الموضوع ليس في الصلاحيات بل في الملاحظات على التشكيلة التي قدمها الحريري. وبالتالي فان الرئيس ملتزم بالخطوات الدستورية ولا توجد مشكلة في هذا المجال.
ولكن عضو كتلة المستقبل النيابية الدكتور محمد الحجار قال لـ»اللواء»: ان هذه التسريبات عن ملاحظات الرئيس عون ليست رسمية ولا بد ان يسمعها الرئيس الحريري من الرئيس عون شخصيا ليبني على الشيء مقتضاه. وهو ينتظر لقاء رئيس الجمهورية عندما يصبح جاهزا، فإذا طلب منه تعديل الصيغة التي قدمها واقتنع بها الرئيس الحريري يحصل التعديل واذ لم يقتنع لكل حادث حديث.
واوضح الحجار ان الرئيس المكلف استمع الى اراء كل الكتل السياسية وبناء عليها وضع تصوره للحكومة بما يراه مناسبا، وهناك الية دستورية لتشكيل الحكومات يتّبعها الرئيس الملكف بدقة حيث يتم تشكيل الحكومة بالتعاون بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف حصرا، والرئيس المكلف استمع الى الكتل السياسية للوقوف على رأيها النهائي وبناء عليه اكتملت صيغة معينة حملها الى رئيس الجمهورية من دون اسماء بل فقط حقائب، واذا وافق عليها رئيس الجمهورية يعود الرئيس المكلف الى الكتل للتشاور معها في التوزيع النهائي للحقائب والاسماء، هذه هي الالية التي يتبعها الرئيس المكلف، برغم كل الكلام الذي يقال.
وقال ان من حق رئيس الجمهورية ان يقول ملاحظاته على التشكيلة ومن حق الرئيس المكلف ان يقبل او يرفض لكن ثمة امكانية لتعديل الصيغة اذا اتفق الرئيسان..
وكان عضو تكتل «لبنان القوي» النائب سليم عون نقل عن الرئيس برّي، خلال «لقاء الأربعاء» النيابي، انه يتوقع وصول رسالة من رئيس الجمهورية إلى المجلس في أية لحظة، وانه سيدعو لعقد جلسة لها، فيما جزم نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي بأن رئيس الجمهورية لن يوقع على حكومة تجهض نتائج الانتخابات، ملوحاً بإمكانية استخدام الرئيس عون حقه الدستوري بالعودة إلى مجلس النواب في حال تعذر تأليف حكومة.
وقالت قناة «الجديد» ان هناك تحضيرات في بعبدا لإرسال كتاب إلى مجلس النواب لرمي كرة النار بين أحضان الرئيس برّي والنواب بهدف وضع إطار عام لتوزيع الحقائب أو وضع إطار زمني لتشكيل الحكومة، وهو ما كان رفضه النواب المسلمون في مؤتمر الطائف، قبل ان يتم التوافق على عدم حصر الرئيس المكلف بأي مهلة زمنية.
تحذيرات الخارجية الأميركية
إلى ذلك، كشفت مصادر دبلوماسية لوكالة الأنباء «المركزية» بأن ما يتم تداوله من تحذير وزارة الخارجية الأميركية رعاياها من السفر إلى لبنان، ليس بجديد، حيث لم يطرأ أي تعديل، وكل ما حصل هو عبارة عن تحديث الصفحة الإلكترونية الخاصة بلبنان من ضمن التحديثات التي تجريها بشكل دوري الدوائر القنصلية في الخارجية الأميركية على تصنيفات البلدان بحسب خطورة أوضاعها. مؤكدة ان معايير سياسة الولايات المتحدة القنصلية تجاه لبنان لم تتغير.
وأوضحت المصادر ان «لبنان لا يزال في قائمة تصنيف الدول بحسب مستويات الخطورة، يحافظ على المستوى الثالث الذي يدعو المواطنين الاميركيين الى اعادة النظر بالسفر، وهو المستوى ما قبل الرابع والاخطر الذي يعني «عدم السفر» بشكل قاطع، فبعد ثمانية اشهر على استحداث الخارجية الاميركية للصفحة الخاصة بالسفر التابعة على موقعها الإلكتروني والتي تضم لائحة تصنيف الدول، عمدت مساعدة وزير الخارجية للشؤون القنصلية ميشيل توس مع فريقها الى تحديث صفحة لبنان مبقية على المستوى الثالث.
الحريري إلى لاهاي الثلاثاء
علمت «اللواء» ان الرئيس سعد الحريري سيشارك شخصياً في جانب من جلسات المرافعة الختامية للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تبدأ يوم الثلاثاء المقبل وتنتهي يوم الجمعة في 21 أيلول الحالي.
وستخصص هذه الجلسات للاستماع إلى مرافعة المدعي العام لدى المحكمة نورمان فاريل، والتي ستكون عبارة عن تقرير اتهامي جديد في خصوص قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
البناء
ضغوط وتهديدات أميركية غربية «إسرائيلية» لإفشال قمة طهران…وعرقلة معركة إدلب
معركة الصلاحيات الرئاسية تفتح السجال الطائفي حول الطائف وتؤجّل الحكومة
الناشف: الحسم ماضٍ في سورية… وحكومة من دون «القومي» محاصصة طائفية
تكشفت الحملة الأميركية تحت عنوان معركة إدلب عن هدفها الحقيقي، بعدما بلغت التهديدات حدود التلويح بالنتائج الوخيمة لبدء المعركة، وليس لفرضية استعمال السلاح الكيميائي التي بدت ممجوجة بعد الوقائع التي كشفتها موسكو عن مساعي فبركة فيلم كيميائي لتبرير عدوان على سورية. فقد دعت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن مع توليها الرئاسة الدورية للمجلس لجلسة حول إدلب عنوانها الدعوة لوقف المعركة، وتحوّل هذا العنوان إلى نقطة تلاقٍ أوروبية أميركية بدا أنّها تدغدغ المواقف التركية القلقة من خسارة أوراق الحضور في الجغرافيا السورية مع نهاية دويلة جبهة النصرة في إدلب، وباستهداف الوصول لموقف تركي مائع يراهن الأميركيون على تعطيل قمة طهران التي تنعقد غداً وتضمّ رؤساء روسيا وإيران وتركيا، ويفترض أن تكون معركة إدلب على رأس جدول أعمالها.
مصادر واسعة الإطلاع على ما يتمّ تداوله في الكواليس الدبلوماسية قالت لـ «البناء» إن العرض الأميركي للأتراك هو اتخاذهم غطاء لبقاء الاحتلال الأميركي عبر إجراء تشريع الاحتلال التركي بقرار أممي ينقصه قبول روسيا، وينتج تشريعاً لدويلة جبهة النصرة بالنهاية، وبالتوازي دويلة كردية، وما يعنيه ذلك من تهديد مستديم للأمن التركي من جهة، ومن نجاح لمشروع تقسيم سورية. وقالت المصادر إن التوافق السوري الروسي الإيراني واضح وحاسم وتعبر عنه المواقف المعلنة، بأن المعركة ستبدأ بموافقة تركية أو من دون هذه الموافقة، فدويلة جبهة النصرة هي أكبر تجمع إرهابي في العالم، ولا يمكن قبول التعايش معه، ووحدة سورية خط أحمر لا يقبل المساومة. وقمة طهران هي الفرصة الأخيرة للرئيس التركي ليحفظ مقعداً له في المعادلة الإقليمية الجديدة، بعدما ذاق الأمرين من رهاناته على الأميركيين ووعودهم ومشاريعهم، وآخر المرارة يتذوّقها معه الشعب التركي من العقوبات الأميركية.
في لبنان، بدت الحكومة مؤجلة حتى إشعار آخر بعدما بدا أن فتح معركة صلاحيات رئيس الحكومة بوجه رئيس الجمهورية لمجرد إبداء ملاحظات على تشكيلة مقترحة من الرئيس المكلف، واستجلبت للحملة أصواتاً جديدة بصورة تفوح منها رائحة التحريض الطائفي والمذهبي، وصار واضحاً أنّ المطلوب إضاعة المزيد من الوقت بالمزيد من المعارك الجانبية، بدلاً من مسارعة الرئيس المكلف بالأخذ بمضمون ملاحظات رئيس الجمهورية لمناقشتها مع الأطراف المعنية، وتحريك الوساطات مع هذه الأطراف، طالما أنّ قدر كلّ رئيس جمهورية هو التفاهم مع كلّ رئيس يكلف بتشكيل الحكومة، ولكن قدر الرئيس المكلف هو التفاهم مع رئيس الجمهورية، والسعي للبحث عن حلول وسط هو قدر الرئيسين معاً، خصوصاً أنّ الاستعصاء سيدفع ثمنه لبنان أولاً، وأنّ التنازلات المتبادلة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، ستصير قدراً لاحقاً بعد استنزاف الوقت في التجاذبات والسجالات التي طالت الطائف واستدرجت لعبة ومتاريس الطوائف، بينما بقيت أسرار الانتظار معلقة على أسوار إدلب، ولاهاي، وربما يفسّرها الكلام الأميركي عن عدم التعامل مع أيّ وزارة يتولاها منتمون لحزب الله.
رئيس الحزب السوري القومي الإجتماعي حنا الناشف تناول الوضع الحكومي والوضع في المنطقة، مؤكداً أنّ المطلوب حكومة وحدة وطنية في لبنان، وأنّ أيّ حكومة من دون الحزب السوري القومي الاجتماعي هي حكومة محاصصة طائفية وليست حكومة وحدة وطنية، لتمثيل الحزب اللون العلماني المدني الذي تفقد الحكومة بتغييبه صفة الوحدة الوطنية. وتناول الناشف صفقة القرن ومشروع تصفية القضية الفلسطينية والتطورات في سورية والعراق، مؤكداً أن سورية ماضية في الحسم مع مشروع الإرهاب والتقسيم مهما كانت التعقيدات والتهديدات.
أكد رئيس الحزب السوري القومي الإجتماعي حنا الناشف ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة قادرة على تحمّل مسؤولياتها تجاه الناس ومعالجة الأوضاع كافة، خصوصاً أنّ لبنان يواجه العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والصحية والبيئية المستفحلة والتي تطال كلّ اللبنانيين من دون استثناء.
واعتبر الناشف أنّ أيّ تشكيلة حكومية لا تلحظ تمثيلاً للقوى المدنية اللاطائفية، وفي طليعتها الحزب السوري القومي الاجتماعي، هي حكومة محاصصة طائفية ـ مذهبية ولا يعوّل عليها في التأسيس لدولة المواطنة ومحاربة الفساد وتحقيق الإصلاح.
وخلال لقاء في مركز الحزب، مع مجموعة من المغتربين القوميين، لفت الناشف الى أن عودة النازحين السوريين إلى بيوتهم، رفعاً للمعاناة التي ينوء تحت وطأتها النازحون، وتحصيناً لانتصارات الجيش السوري على الإرهاب ورعاته، ولذلك نبذل جهوداً كبيرة في هذا الخصوص، وندعو إلى التعاطي الإنساني مع هذه المسألة. ونطالب الحكومة اللبنانية بالتنسيق مع نظيرتها السورية لتحقيق هذه العودة، لأنّ هناك مصلحة مشتركة سورية لبنانية. فلبنان هو المستفيد الأول من إعادة تعزيز العلاقات بين الدولتين، لأنّ دمشق هي بوابة لبنان لتصدير الإنتاج والصناعة اللبنانية».
واعتبر رئيس «القومي» أنّ الخطر الأكبر يتمثل بمخطط تصفية المسألة الفلسطينية، برعاية أميركية مباشرة، وبغطاء من الدول المنخرطة في «صفقة القرن» المشؤومة. ورأى أنّ قرار واشنطن بوقف تمويل «أونروا» يكشف صلف السياسات الأميركية ودعمها المعلن للاحتلال والعدوان والعنصرية والإرهاب. وهذه السياسات المتبعة تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين.
وتحدّث الناشف عن الأوضاع في الشام وأكد أنّ مسلسل الإنجازات والانتصارات الميدانية لن يتوقف حتى القضاء على الإرهاب وتحرير كلّ ذرة تراب من الأرض. وأنّ معركة تحرير إدلب ستكون حاسمة على المستويات كلها.
وأشار رئيس الحزب إلى أننا سنشهد تصعيداً كبيراً من قبل العدو الصهيوني وكلّ الدول المشاركة في الحرب على سورية، لكن كلّ هذا التصعيد والعدوان لن يثني سورية وحلفاءها عن مواصلة المعركة حتى القضاء على الإرهاب.
وفي الشأن العراقي دعا الناشف الى ضرورة أن تتحمّل الكتل السياسية العراقية مسؤولياتها، وتعمل على تحصين وحدة العراق بخطاب وطني جامع، لأنّ وحدة العراق هي مكمن قوته في مواجهة مشاريع التفتيت والتقسيم والانفصال.
«المملكة» توحّد أخصام الحريري في معركة التأليف
ورغم سقوط صيغة الرئيس المكلف سعد الحريري الجديدة قبل أن تولد، كما أن ملاحظات رئيس الجمهورية عليها باتت معروفة، إلا أن الحريري بحسب أوساطه ينتظر إبلاغه رسمياً هذه الملاحظات، ومن المرتقب أن يستدعي الرئيس ميشال عون الرئيس المكلّف إلى بعبدا لاطلاعه على التعديلات التي يراها عون مناسبة لتحقيق عدالة التمثيل وفق التوازنات النيابية الجديدة، وحتى ذلك الحين تستمرّ عاصفة السجالات السياسية والإعلامية بين بعبدا وبيت الوسط حول صلاحيات الرئاستين الأولى والثالثة، بينما بلغ التشنّج السياسي مداه لا سيما بين التيار الوطني الحر وكل من تيار المستقبل والقوات اللبنانية.
فبعد استدعاء رؤساء الحكومات السابقين وكتلة المستقبل والمكتب السياسي دخل الوزير السابق أشرف ريفي على خط التباكي و»ندب» صلاحيات رئيس الحكومة، معلناً وقوفه الى جانب الحريري في الدفاع عن صلاحياته الدستورية، ما يدعو إلى التساؤل عن الجهة التي تملك مفاتيح رؤساء الحكومات السابقين وريفي الخصم اللدود للحريري والقادرة على توحيدهم جميعاً حول الرئيس المكلف في معركة تأليف الحكومة! ما يؤكد تدخل السعودية في الشأن الداخلي في عملية تشكيل الحكومة، أما اللافت فهو نبرة التهديد في تصريحات المستقبليين بالصدام مع رئيس الجمهورية إذا مسّ بصلاحية رئيس الحكومة، فقط حذّر وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال محمد كبارة من أنّ «المسّ الأرعن بالتوازنات الوطنية سيسقط هيكل الدولة على رؤوس الجميع»، بينما أشار النائب السابق مصطفى علوش الى أنّ «مبدأ عودة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عن التكليف او الاعتذار هو غير وارد»، محذراً من أنّ «أيّ إجراء خارج الدستور سيؤدّي الى صدام».
رسالة بعبدا إلى المجلس النيابي
وإذ فضلت بعبدا الصمت وعدم الردّ على الحملات السياسية والإعلامية المستقبلية، تولّى مستشارو رئيس الجمهورية المهمة، فقد قال وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي عبر «تويتر»: «إن دموع التماسيح على الطائف، التي يذرفها الرئيس السنيورة في بكركي والفاتيكان لن تشفع به، وسوف نمسك بيده لنردّه عن ضرب الدستور». أضاف: «يا جماعة الخير الدستور يُضرَب من بيتكم وليس من قصر بعبدا، الذي أقسم سيّده يمين الإخلاص له. ما تسمّوه هرطقات دستورية لم تأتوا بدراسة دستورية علمية واحدة تعاكس مضمونها. لا تستقووا بالجهل والوهم والظلامة». وشدّد جريصاتي في تصريح آخر على أنّ «عهد صناديق البريد في بعبدا انتهى». بينما كان لافتاً تصريح نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي الذي حذّر من استهداف للكرسي الرئاسي، وقال: «إذا كان تأليف الحكومة فيه احتكار لفريق وابتعاد لفريق لآخر عندها تسقط نظرية حكومة العهد الأولى». ولفت الى أنّ «الكلام أنّ هناك مساً بالطائف هو المسّ بالطائف بعينه، لأنه يعرّض الطائف لإعادة النظر برمّته»، بينما دعا النائب الياس بو صعب رؤساء الحكومات السابقين الى الحرص والدفاع أيضاً عن صلاحيات رئيس الجمهورية.
وفيما تستعدّ بعبدا لإرسال كتاب إلى مجلس النواب تطلب منه التحرّك حيال التأخر في تشكيل الحكومة، رأت مصادر وزارية في التيار الوطني الحر لـ»البناء» أنّ «الخطوات التي سيتخذها الرئيس عون لن تكون إلا دستورية وتراعي وثيقة الوفاق الوطني». ولفتت المصادر إلى أنّ «الرئيس عون سينطلق في خطواته مما نصّ عليه الدستور لجهة أنّ مهمة الرئيس الحريري تشكيل حكومة مع رئيس الجمهورية وما عدا ذلك هو تخطٍّ لرئيس الجمهورية لا سيما أنّ الرئيس له صلاحيات ولن يوقع على مرسوم لا يحظى بموافقته».
بري: سنتعامل وفق الأصول
وبينما دعت المصادر إلى ترقب موقف عين التينة مع اتجاه الرئيس عون إلى الطلب من المجلس النيابي القيام بواجبه الدستوري، استغربت أوساط نيابية في كتلة التنمية والتحرير التسريبات الإعلامية والصحافية التي تتحدّث عن موافقة الرئيس بري على تشكيلة الحريري الجديدة مؤكدة لـ»البناء» بأنّ «الرئيس بري لم يوافق على تشكيلة الحريري ولم يكن على علم بها على الإطلاق»، محذرة من أنّ الهدف من ذلك هو تهرّب الرئيس المكلف من تهمة التعطيل ورمي الكرة الى ملعب رئيس الجمهورية ورئيس المجلس»، مبدية أسفها لتلطي الرئيس المكلف بصلاحيات رئيس الحكومة واستنفار الطائفة السنية متسائلة: مَن الجهة التي تمسّ بالصلاحيات؟ ولفتت الى أن «لبري ملاحظات عدة على صيغة الحريري لا سيما توزيع الحصص والحقائب وإقصاء المعارضة السنية وبعض الكتل الأخرى عن التشكيلة الحكومية». ولفتت المصادر الى أن «رئيس المجلس سيتعامل مع رسالة عون وفق الأصول الدستورية وبعد الاطلاع عليها سيعرضها على المجلس النيابي لمناقشتها واتخاذ توصيات بهذا الخصوص».
وعن رفض بيان كتلة المستقبل عقد جلسات تشريعية في ظل الفراغ الحكومي، شدّدت المصادر على أن «بري سيدعو إلى جلسة ومَن يقاطع يتحمّل المسؤولية لأن مصلحة المواطنين والوضع المالي والنقدي والمعيشي يقتضي ذلك».
وحضرت الأزمة الحكومية في عين التينة خلال لقاء الأربعاء النيابي في حين تنقل مصادر بري عنه لـ «البناء» تأكيده «ضرورة تقديم الجميع من دون استثناء تنازلات والإسراع في تأليف حكومة وحدة وطنية درءاً لتدهور الوضع الاقتصادي». وأشارت المصادر إلى أن «الرئيس بري سيتجه إلى دعوة الهيئة العامة لجلسة بعد انتهاء اللجان النيابية من دراسة اقتراحات ومشاريع القوانين وأنّه لن ينتظر تأليف الحكومة لا سيما أن لبنان ليس تركيا أو إيران».
وفي ما خص ملف النفط توقف بري عند عمل على تكثيف نشاطاتها البترولية بالقرب من الحدود اللبنانية وتحديداً حقل «كاريش»، وقد تعاقدت مع شركة يونانية «أنيرجيان» للبدء بالتنقيب في آذار 2019 وإرجاء شركة توتال الفرنسية التنقيب عن النفط من ربيع 2019 إلى 2020، معتبراً أن الأمر يستدعي من لبنان التحرّك حماية للثروة النفطية والغازية».
وقال «المطلوب من الدولة اللبنانية أن تتحرّك بسرعة لمنع الاعتداء على الحق اللبناني، خصوصاً أن هناك احتمالات كبيرة لمكامن مشتركة، عدا عن الدراسات والخطط الموضوعة لتلافي او لاحتواء اي خلل يؤدي الى تسّرب نفط يطاول الساحل الجنوبي وصولاً الى صور خلال ثلاثة أيام». ونقلت مصادر نيابية عن بري أنّه سيطلب من وزير الخارجية جبران باسيل التدخل لدى السلطات اليونانية في موضوع تنقيب شركة يونانية في موقع كاريش.
وزيرا الصناعة والزراعة في سورية
على صعيد آخر، وفي ظل الانقسام السياسي حيال الانفتاح على سورية سجّل يوم أمس زيارة لوزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال حسين الحاج حسن لإجراء محادثات مع المسؤولين السوريين والمشاركة في افتتاح «معرض دمشق الدولي» تلبية لدعوة وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية سامر خليل. وأشار الحاج حسن إلى أنّ «من الضروري والمهم أن يكون لبنان حاضراً في هذه المناسبة التي تجمع شركات من دول العالم». وقال: سنفتتح أيضاً الجناح اللبناني في المعرض، وتسجل هذه السنة مشاركة لبنانية أوسع وتشمل قطاعات صناعية وإنتاجية وإعمارية متخصّصة، وتعكس الرغبة والإرادة اللبنانية في المشاركة في عملية إعادة الإعمار في سورية ومن مصلحة لبنان فتح معبر نصيب». ومساء وصل وزير الزراعة غازي زعيتر إلى دمشق للمشاركة في المناسبة المذكورة.
وفي مسألة النازحين، اعتبر الرئيس عون خلال استقباله ممثل ولاية فرجينيا الأميركية السيناتور الأميركي ريتشارد بلاك أن «المبادرة الروسية فرصة لتنظيم هذه العودة ويفترض بالمجتمع الدولي أن يتعاون في سبيل تسهيلها».
الجمهورية
عون والحريري ينتظران «لقاءهما».. ومحاولات لإحداث خرق قبل سفرات الرئيس
بدأ البلد يتحضّر نفسيّاً للدخول في فترة طويلة من الفراغ الحكومي، بعد سقوط المسودات الحكومية التي أعدمتها لعبة الأحجام والتحجيم، وما تستبطنه من جنوح نحو الاستئثار والتحكّم بالقرار، وتوجيه الدفّة اللبنانية إلى هذا الاتجاه الإقليمي أو ذاك.
المشهد الداخليّ ما يزال تحت تأثير ارتدادات سقوط المسودة الأخيرة، ومطبخ التأليف يبدو خالياً من أيّ فكرة بديلة، تُخرج البلد من الزاوية التي حُشِر فيها، وتفتح باب تلمّس حلول تعيد لحم ما انكسر، وتضع حجر الأساس الصلب لبناء السلطة التنفيذية، بل انّ هذا المطبخ مشتبك مع نفسه، من خلف متراس رئاسي يعتبر المسودة الأخيرة، «أفضل الممكن»، مقابل متراس رئاسي آخر يعتبرها «أسوأ الممكن». ويزيد من حدّة الاشتباك تجمّع المطبّلين والمزمّرين خلف كلّ متراس، والذين أخضعوا البلد في الأيّام الأخيرة لسجال حول السياسة والدستور والصلاحيات، اتّخذ منحى طائفياً بغيضاً. غطّى على أزمة التأليف، وأظهرها كأنّها أزمة صلاحيات بين رئيس الجمهورية الماروني ورئيس الحكومة السنّي.
في هذا الجوّ، عكس زوّار عون ارتيابه من الحديث عن الصلاحيات وفتح جدل حولها، وتأكيده أنّه يستخدم صلاحياته كاملة بالحدّ المسموح به، ولم يمسّ بصلاحيات الرئيس المكلف التي يحترمها ويحرص عليها، معتبراً انّ التمنّي عليه إجراء المزيد من المشاورات واستمرار التواصل بينهما لا يمسّ صلاحياته، بل يشكّل حافزاً من أجل تشكيلة متوازنة».
بكركي
هذه الصورة السيّئة التي رسمها «سجال الصلاحيات»، حذّرت منها البطريركية المارونية، عبر البيان الشهري لمجلس المطارنة الموارنة الذي اجتمع أمس في الديمان برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، حيث استغرب «تأخير تشكيل الحكومة برغم التحديات المطروحة على لبنان».
وناشد السياسيين «تَحمُّل مسؤوليّاتهم وتسهيل تأليف حكومة تقوم بواجباتها الملحّة». على أنّ «الأدهى» في نظر المجلس، «أن تُفتح لدى كلّ استحقاق دستوري، قضايا في الدستور تكون طيّ الكتمان أو النسيان في أوقات الاستقرار الدستوري، وهو الوقت المناسب لطرحها ليتمّ التفكير فيها بهدوء بعيداً عن التحدّي والمنازلات السياسية».
برّي
والأمر نفسه، أكّد عليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي ينقل عنه استغرابه وصول الأمور الى هذا الانسداد، في وقت كان في الإمكان الذهاب الى حلول نوعية تُخرج الحكومة الى النور.
واذا كان برّي يعتبر أنّ الطريق السليم الموصل الى حكومة بالقدر الأعلى من التوافق، هو أن تبادر القوى السياسية الى قراءة المشهد اللبناني بعناية شديدة والتوقف مليّاً أمام التحدّيات والمخاطر التي تتهدّده، والأهم في كلّ ذلك، هو ان تُخضع هذه القوى نفسها لنعمة التواضع الذي يشكّل المفتاح المطلوب لكلّ العقد الماثلة في طريق الحكومة. ومن هنا جاء كلام برّي أمام «نواب الأربعاء» أمس، وتشديده على تنازلات مشتركة من قبل الجميع لمصلحة الوطن والخروج من هذه الأزمة. خصوصاً أنّ لبنان اليوم في غرفة العناية، والوضع الاقتصاديّ خطير. ولفت برّي الى أمر أكثر خطورة يتمثّل بتكثيف إسرائيل لنشاطاتها البترولية بالقرب من الحدود اللبنانية. مشدّداً على أنّ «المطلوب من الدولة اللبنانية أن تتحرك بسرعة لمنع الاعتداء على الحقّ اللبناني، فواجبنا أن نتحرك في أقصى سرعة للدفاع عن ثروتنا النفطية وسيادتنا الوطنية وحدودنا البرية والبحرية».
جمود سلبيّ
إلى ذلك، لا جديد على خطّ التأليف، ولا موعد محدّداً للقاء جديد بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، وإن كانت بعض التسريبات قد تحدّثت عن لقاء وشيك بينهما، وهو أمر لم تؤكّده مصادر الطرفين، إلّا أنّها اعتبرت اللقاء بينهما ممكناً في أيّ وقت، انطلاقاً من حرصهما المتبادل على التعاون معاً في بلوغ استحقاق التأليف خواتيمه الإيجابية.
الرئيسان ينتظران!
ونقل زوار رئيس الجمهورية أنّه ينتظر لقاء الحريري في بعبدا بعد إنهائه المشاورات التي تمّ الاتفاق عليها في آخر لقاء بينهما. وعكست أجواء «بيت الوسط» بأنّ الحريري ينتظر رئيس الجمهورية للبحث معه في ملاحظاته فور أن يطلب عون ذلك. كما عكست استغرابه لنشر مضمون لقاء الرئيسين والحديث عن ملاحظات، رغم تأكيد الحريري لعون استعداده لمناقشتها معه والتوسّع فيها.
سفرات
وأبلغت مصادر عاملة على خطّ التأليف «الجمهورية» أنّها تتوقع أنّ تنشيطاً ملحوظاً للمشاورات في الأيّام القليلة المقبلة بين الرئيسين، وكذلك بين الحريري وسائر القوى السياسية، لعلّها تُثمر قبل سفر عون في زيارات خارجية، بدءاً بستراسبورغ في 10 و11 و12 أيلول الجاري للمشاركة في افتتاح أعمال البرلمان الأوروبي، ثمّ نيويورك في 23 و24 و25 و26 أيلول حيث يترأس وفد لبنان الى اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ويُلقي كلمة لبنان فيها، وتليها سفرة الى يريفان في 11 و12 و13 تشرين الأوّل المقبل للمشاركة في أعمال قمّة المؤتمر الفرنكوفوني.
لكنّ أجواء مطبخ التأليف ومحيطه، تنسف نتائج أيّ مشاورات قد تحصل، فثمّة هوّة عميقة جداً تفصل بين عون والحريري، ونظرتهما الى تركيبة الحكومة. وكلاهما يرمي الكرة في ملعب الآخر، فعون كما يؤكّد المطّلعون على أجوائه، قدّم كلّ التسهيلات للحريري، التي تمكّنه من حزم أمره والمبادرة الى تشكيل حكومة بالتوافق معه، والمستغرب رئاسيّاً أنّ هذه التسهيلات لم تجد لها ترجمة كما يجب من قِبل الرئيس المكلف.
وبحسب المعلومات، فإنّ عون ليّن موقفه من حصّة «القوّات» التي لا يجب أن تزيد في رأيه عن 3 وزراء، فقبل بـ4 وزراء من بينهم وزير دولة. إذ ليس معقولاً أن تُحصر الحصّة المسيحية من وزراء الدولة برئيس الجمهورية و»التيّار الوطنيّ الحرّ». كما أنّه ليس في وارد القبول مهما كلّف الأمر بإسناد 3 وزراء دروز لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، مع الإشارة الى أنّ مقرّبين من العهد يشيعون انّ كتلة جنبلاط من 9 نواب، لا تخوّله الحصول على 3 وزراء. وثمّة كلام واضح من قبل هؤلاء بأنّه لا يمكن أن تمرّ تشكيلة حكومية لا تتوخى سوى مراضاة «القوات» وجنبلاط.
وتضيف المعلومات انّ الرئيس المكلّف غير مرتاح لسقوط المسودة، وتؤكد أوساط «تيار المستقبل» انّ الحريري يرغب بالتعاون الكامل مع عون، وحريص على أفضل علاقة معه، وعلى هذا الأساس تحرّك في مشاوراته. والمسودة الأخيرة التي وضعها كانت فرصة جديّة لحكومة متوازنة، وبالتالي هو قدّم أقصى ما عنده، ويشعر أنّ هناك من يتعمّد التخريب والتعطيل وسيأتي الوقت الذي يُشار إليهم بالإصبع.
المسودة
واذا كان مصير المسودة التي قدمها الحريري قد حُسم بصورة عامّة على انّها سقطت وانتهت، فإنّ مصادر قريبة من القصر الجمهوري لا تتحدث عن سقوطها، بل انّ رئيس الجمهورية وبعدما تبلّغها من الرئيس المكلّف، وضع ملاحظاته على تمثيل القوات وجنبلاط، وأبلغه انّه لن يرفضها، بل دعاه الى أن يعود للتشاور في شأنها مع القوى السياسية المعنية استناداً الى الملاحظات التي وضعها.
وبرغم تكتّم الحريري على المسودة، فإنّ «حنفيّة» مطبخ، سرّبت تشكيلة تمنح «القوّات»: التربية، العدل، الثقافة والشؤون الاجتماعية. الحزب التقدمي الاشتراكي: الزراعة، المهجرين، ووزير دولة. حركة «أمل»: المالية، الشباب والرياضة والتنمية الإدارية. «حزب الله»: الصحة، الصناعة، ووزير دولة لشؤون مجلس النواب. «تيار المردة»: الأشغال. رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» 10 وزراء: الإعلام، الدفاع، نائب رئيس الحكومة، وزير دولة من حصّة الرئيس. ومن المرجح أن يكون لـ»التيار»: الخارجية، الطاقة، البيئة، الاقتصاد، ووزير دولة. ومن حصة «تيار المستقل» رئيس الحكومة، وزارة الاتصالات، الداخلية والعمل.
وبحسب مؤيّدين لمسودة الحريري الأخيرة، فإنّهم يستبعدون أن يبادر الرئيس المكلّف الى تعديلها أو تبديلها، إذ انّها لم تأتِ غبّ الطلب كما يقول المزايدون، بل انّها مبنية على دراسة وتمحيص لواقع كلّ القوى وخصوصاً «القوات» والحزب الاشتراكي. وبالتالي، فإنّ المسؤولية تقع على رئيس الجمهورية لوقف محاولة تحجيم «القوّات» و«الاشتراكي»، ومتابعة التشاور مع الرئيس المكلّف والسير في هذه المسودة، والأهم هو احتواء الجوّ السلبي الذي ساد في الأيام الاخيرة وأدخل البلد في جوّ طائفي خطير لا مصلحة لأحد في الانزلاق اليه.
عون لـ«الجمهورية»
إلى ذلك، إستغرب النائب الان عون أن تصدر بيانات ردّاً على بيان رئيس الجمهورية الذي أعطى فيه ملاحظاته ورؤيته حول التشكيلة الحكومية، وسأل عبر «الجمهورية»: «ماذا يعني أن يكون لرئيس الجمهورية توقيع على مرسوم تشكيل الحكومة؟ ألا يعني ذلك أنّه شريك في التأليف؟ هل التوقيع هو «عملية بصم» على ما يصل إلى رئيس الجمهورية أم أنّ له الحقّ بإعطاء الرأي؟ وما معنى إعطاء الرأي؟ أليس أن يقول رؤيته ونظرته في مبادئ التشكيل؟ ولماذا يريد البعض اعتبار ذلك انتقاصاً من صلاحيات الرئيس المكلّف أو ضرباً لها وللطائف؟ هناك من يحاول أن يفتعل «فتنة دستورية» بين الرئاستين الأولى والثالثة، وإثارة نعرات طائفية وهذا لا يجوز.
وختم عون: «أن يكون لرئيس الجمهورية ملاحظات، هذا من حقّه، كما يحقّ لرئيس الحكومة المكلّف بوجهة نظر مختلفة. إنّما في نهاية المطاف، يجب أن يستكمل الرئيسان نقاشهما لإزالة التباينات الأخيرة والخروج بالصيغة النهائية. وأعتقد أنّ ما تبقّى ليس بكثير ويحتاج إلى جولة تفاوض أخيرة انطلاقاً من ملاحظات رئيس الجمهورية على الصيغة المبدئية التي رفعها الرئيس الحريري».
«القوات»
وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية»: المؤسف انّ هناك من يحاول أن يضع المشكلة لدى «القوات». علماً انّها عرضة للاستهداف ليس الآن فقط بل قبل ذلك. ففي الحكومة السابقة تعرّضت للاستهداف بمحاولات منع وزرائها من العمل، وفي مرحلة التأليف الحالية، تعرّضت للاستهداف بمحاولة إلغاء نتائج الانتخابات التي أظهرت «القوات» قوّة كبيرة لها تمثيلها السياسي والشعبي والنيابي الواسع، ثمّ استُهدفت بأن كان لها موقع نائب رئيس الحكومة فانتُزع منها، ثمّ استُهدفت بتحريمها من حقيبة سيادية، ثمّ استُهدفت في محاولة تحجيم حصّتها الوزارية ونوعية الحقائب التي ستُسند إليها.
وأشارت المصادر الى انّ «القوات» وصلت الى الحدّ الاقصى والنهائي من التنازلات التي قدّمتها، اذ طالبت بـ 5 وزراء وبموقع نائب الرئيس وحقيبة سيادية، ثم قبلت بـ 4 وزارات من دون نائب رئيس ولا حقيبة سيادية، شرط أن تكون هذه الوزارات وازنة. ولاحظت المصادر انّ ثمّة طرفاً يعتبر نفسه غير معنيّ بأن يقدّم ايّ تنازل، فيما هو يصرّ على أن يكون التنازل من قبل غيره، بحيث يقدّم التنازل تلو التنازل. من هنا نؤكّد انّ «القوات» وصلت بقبولها بالوزراء الـ 4، الى السقف الأعلى من التنازل والكرة ليست في ملعبها.
الّا انّ المصادر أشارت الى انّ القوات طلبت أن تُسند إليها وزارات العدل، الأشغال، التربية والطاقة التي تعتبرها معادلة لحقيبتين سياديتين. وقال: لا يمكن لـ«القوات» أن تناقش في موضوع الحقائب الـ 4 المقترحة، ونحن متمسكون بها من دون وزارة دولة (التربية، العدل، الثقافة والشؤون الاجتماعية)، إلّا إذا أُدرجت وزارة الطاقة من ضمن حصّة «القوات»، فهنا «القوات» على استعداد للنقاش بنوعية الحقائب الأخرى. علماً انّهم يطرحون حالياً ان تُنزع من «القوات» واحدة من حقيبتي الشؤون والتربية لاستبدالها بوزير دولة، وهو أمر نرفضه. وفي الخلاصة إذا فوتحنا بأيّ موضوع للنقاش، وتقديم تنازل إضافي، فهذا يبدأ من منحنا وزارة الطاقة وليس أقلّ من ذلك.