في مطلع شباط الجاري أعلنت شركة «سعودي أوجيه» في بيان أنها حصلت على تسهيلات ائتمانية من مجموعة مصارف بقيمة 1.03 مليار دولار ولمدّة 4 سنوات، بهدف تمويل دين قديم استخدمته لشراء اسهم في البنك العربي. هذا الإعلان جاء في وقت حرج بالنسبة إلى آل الحريري الذين ورثوا هذه الشركة إلى جانب ثروة هائلة تضم عشرات الملكيات العقارية والاجتماعية والمصرفية وسواها، عن رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري؛ إذ باتت أعتاب قصور بعضهم مقصداً للمطالبين بتحصيل الدين. كيف تبدّدت كل المليارات الموروثة؟ وهل نجح أفراد العائلة المنفصلين عن المسار السياسي لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري؟
أحدث المعلومات المعلنة والمكشوفة عن الوضع المالي عن آل الحريري، تشير إلى أن بعض أفرادها يعانون ضائقة مالية كبيرة تدفعهم إلى التخلي عن بعض ملكياتهم في لبنان والعالم. بعضهم عمد إلى رهن عقارات جديدة لإعادة جدولة ديون سابقة، نظراً إلى عدم قدرتها على سداد الدين، مثل ما حصل مع سعد الحريري وأيمن الحريري في سعودي أوجيه. البيان الصادر عن هذه الشركة يكشف عن أمرين: الأول هو أنها لا تزال قادرة على إعادة تمويل بعض ديون العائلة بسبب ما تملكه من ثروات غير منقولة يمكن رهنها، والثاني يشير إلى أنها لم تتمكن من سداد الديون السابقة والهائلة، التي حصلت عليها لشراء أسهم في البنك العربي على مراحل مختلفة. لكن هذه الأسهم اشتراها آل الحريري بمعدل إجمالي يبلغ 27 ديناراً أردنياً للسهم الواحد (38 دولاراً) ظناً منهم أن السعر آيل إلى الارتفاع. غير أن سعر السهم انخفض إلى أقل من 7.5 دنانير، أي بنسبة تزيد على 72%.
صفقة شراء الأسهم كانت تنطوي على رهن الاسهم أو الاستدانة على أساس نصف قيمتها المسجّلة، وفي حال انخفاض القيمة بنسبة 50% فإن المقترض مدعو إلى سداد العجز، وإلا فإن المقرض مضطر إلى تصفيتها. هذا الوضع، وفق رواية عاملين في البورصة، وضع «سعودي أوجيه» تحت عبء مالي كبير.
تلخص هذه الحالة الوضع في «سعودي أوجيه» إمبراطورية الرئيس رفيق الحريري التي انتقلت إلى ورثته قبل 8 سنوات. الشركة لم تعد ملكاً لجميع أفراد العائلة. الرئيس سعد الحريري حصل على ــ إضافة إلى الإرث السياسي ـــ الجزء الأكبر من حصة والده في «أوجيه» وفي «بنك ميد»، يشاركه فيها (وفي عدد من العقارات)، أخوه أيمن. أما بكر العائلة، بهاء، فقرر الانفصال نهائياً عن إخوته، لـ«يدير باله» بهدوء على أعماله التي نجت من التعثّر خلال السنوات الثماني الماضية. أخوه الأصغر فهد، آثر أيضاً الانفصال، مفضلاً الحصول على حصة عقارية كبيرة. بدورها، باعت هند لأخيها سعد حصتها في «بنك ميد» (لأسباب ترتبط بتوجهاتها الدينية) وفي سعودي أوجيه. اما والدتها نازك، فنالت الجزء الأكبر من حصتها من الميراث على شكل عقارات (بينها قصر قريطم). في المحصلة، جرى توزيع الأملاك، ليبقى مشتركاً بين الورثة الجزء الأكبر من المحفظة العقارية التي تقدّر قيمتها بأكثر من 3 مليارات دولار.
وعلى مدى السنوات الماضية بدأت الصالونات السياسية والسوق المالية والتجارية والعقارية تضجّ بأخبار عن أوضاع الفرع السياسي للعائلة، وتآكل سيولته ومشاكله الكبيرة في السوق السعودية. لم يصل الأمر إلى درجة وصف الورثة السياسيين لرفيق الحريري بأنهم باتوا مجموعة فقراء، فهم يملكون في لبنان وحول العالم ثروة هائلة. لكن الغريب واللافت في وضع «الفرع السياسي» أنه بدّد جزءاً كبيراً من الثروة الموروثة في غضون سنوات وتحوّل من موقع «الآمر الناهي والمموّل» إلى موقع «الباحث عن جدوله دون شركاته وتمويلها».
وما يدلّ على صعوبة أوضاع «الفرع السياسي» لآل الحريري، أنهم كانوا يملكون عبر «سعودي أوجيه» أسهماً في شركة «أوجيه تيليكوم» التي تملك محفظة استثمارات واسعة في قطاع الاتصالات في عدد من بلدان العالم وأبرز استثماراتها 55% من أسهم «تورك تيليكوم» المشّغلة لخطوط الهاتف الثابت والمالكة بدورها لنحو 81% من ثالث أكبر مشغل للخطوط الخلوية في تركيا. وقد عرضت هذا الاستثمار للبيع، وشارفت على إنجاز هذه الصفقة بقيمة تتجاوز 2.5 مليار دولار… غير أنها علّقت كل ذلك بناءً على طلب سياسي سعودي بعدم الموافقة على خيار التخلي عن هذا الاستثمار.
لكن السؤال هو: لماذا يحتاج الفرع السياسي للعائلة إلى مثل هذا المبلغ ويدفعه إلى التخلي عن «استثمار استراتيجي»؟ ببساطة، يجيب المقربون من العائلة ومن الأوساط القيادية في تيار المستقبل، بأن الديون المترتبة على العائلة، أو القسم السياسي منها، قد تصل إلى 3 مليارات دولار، وأنه بات مطالباً بالديون. هذا فضلاً عن الديون الهائلة المستحقة على «سعودي أوجيه».
وما يزيد الأمر سوءاً، أن الشركات المملوكة مباشرة أو غير مباشرة لآل الحريري صرفت عدداً كبيراً من موظفيها. وغالبية عمليات الصرف التي جرت تحت عنوان إعادة الهيكلة كان يشرف عليها رئيس مجلس إدارة «بنك ميد» محمد الحريري، الذي كان على علم بأن قسماً كبيراً منهم لم يسدّد أيّاً من القروض التي أخذها من «بنك ميد». لكن المؤشّر الأبرز في هذا المجال، أن هناك تعميماً شفهياً بين المصارف على أن لا يُمنَح أي من موظفي الشركات التابعة لآل الحريري أي قرض مهما كان صغيراً أو كبيراً، باستثناء موظفي «بنك ميد».
أيضاً، تناقل سماسرة العقارات في الجنوب أحاديث كثيرة عن أن عدداً من أفراد عائلة الحريري يعرضون عقارات للبيع، منها بساتين مزروعة. والمعروف أن العائلة باعت قبل سنوات حصّة تملكها بصورة غير مباشرة في شركة «ميدغلف» بقيمة 400 مليون دولار، لسداد قسم من الديون. لكن ما تقدم لا يعني أن ورثة رفيق الحريري على حافة الإفلاس. فمجلّة «فوربس» لا تزال تضعهم في قائمتها لأثرياء العالم (كان سعد الحريري في المرتبة 595 عالمياً و 14 عربياً في عام 2011 بثروة ملياري دولار، لكن ترتيبه أصبح في عام 2012، 764 عالمياً و 16 عربياً بثروة 1.7 مليار دولار. أما ثروة فهد الحريري فهي 1.3 مليار دولار وثروة أيمن الحريري 1.3 مليار دولار).
«أنا الموقعة أدناه هند رفيق الحريري…». هذه العبارة الواردة في توكيل منظّم لدى القنصل العام في جدّة (السعودية)، زياد عطاالله، تلخّص الكثير من أوضاع آل الحريري المالية. فالأخت الصغرى للرئيس سعد الحريري أصدرت أمر اليوم إلى محاسب العائلة ومحاميها ببيع كل العقارات التي تملكها في لبنان. قد يكون انسحاباً من هذه السوق التي لا تعني لهذا القسم من عائلة آل الحريري أي شيء، وقد يكون انسحاباً مالياً. على كل حال، تنشر «الأخبار» نص الوكالة التي تحدد العقارات الـ46 الموزعة على مناطق عرمون والنبطية الفوقا وأنصارية وقرقف وزيتون طرابلس والحارثية وبقسطا وحيتولي.
والموكلون في تفويض هند الحريري، لديهم صلاحيات كل ما يلزم وما لا يلزم لبيع هذه العقارات، لا بل لديهم توكيل بتوكيل الغير «بكل أو بعض ما وكلا به والعزل». وهذه الوكالة نُظّمت في مبنى القنصلية يوم 19 أيلول 2012 بحضور هند الحريري.
(نسخة عن الوكالة)
COMMENTS