شد أمين عام "حزب المستقبل" أحمد الحريري رِحَال تصريحاته الساخنة إلى طرابلس الشام. دخل "معركة" استعادة المقعد النيابي الذي خسره حزبه في المدينة، رافعاً شعار "رفض" العلاقة مع سوريا و"إدانة" العلاقة مع حزب الله. شعار فاشل. يريد هذا الشاب أن يلمّ جمهور "حزبه" بالنَّط عن الحقائق السياسية الطرابلسية واللبنانية. أن يعمل بـ"العدة" القديمة. جاء النائب فيصل كرامي وصدمه. ردَّ عليه بأن الرئيس سعد الحريري على "علاقة" مع سوريا ومع حزب الله. وأنه ما كان ليصير رئيساً للحكومة لولا تأييد حزب الله له. لا نعرف إذا كان أحمد الحريري سيفهم مغزى الرد الكرامي القاسي، فعلاً. هذه مسؤوليته وواجبه. مسؤولية الحريري وواجبه تذّكر الحقائق. أن يفهم أن العلاقات بين لبنان وسوريا، وبين اللبنانيين أنفسهم، لا تساس بشعارات مستوردة من بعض عواصم الغرب والخليج العربي. فلكل عاصمة ميزانها.
اللواء
الملك سلمان يؤكِّد إهتمام المملكة بالإستقرار.. وتوقيت زيارة بومبيو مدار تشاور
فتح باب الترشيحات لانتخابات طرابلس وسط حماوة ملحوظة .. والمحكمة الدولية تدقق في حيثيات الحكم المرتَقَب
عاد الرئيس سعد الحريري إلى بيروت، بعيد منتصف الليل، بعد زيارة إلى المملكة العربية السعودية، استقبله خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
استقبال الملك سلمان للرئيس الحريري، الذي جرى في قصر اليمامة في الرياض أمس، شارك فيه كل من عضو مجلس الوزراء وزير الدولة الدكتور مساعد بن محمد العيبان، ووزير الخارجية الدكتور إبراهيم العساف، والمستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، وسفير المملكة في لبنان وليد بخاري، والسفير اللبناني في المملكة فوزي كبارة.
وأكّد الملك سلمان استمرار المملكة بالوقوف إلى جانب لبنان، ودعم استقراره وامنه، وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) انه جرى خلال الاستقبال، بحث سبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، ومستجدات الأوضاع في المنطقة، وبخاصة على الساحة اللبنانية.
وكشفت معلومات خاصة بـ«اللواء» ان وجود الرئيس الحريري في الرياض، كان فرصة لمواكبة اجتماعات اللجنة اللبنانية – السعودية التي اختتمت مساء أمس أعمالها على المستوى التقني، حيث تمّ التوصّل إلى اتفاق على 17 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات عدّة، وأصبحت جاهزة للتوقيع، بعد اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في كل من البلدين.
وفي المعلومات أيضاً، انه تم التوافق على تفعيل الاتفاقات الموقعة سابقا بين لبنان والمملكة العربية السعودية، وقد سلم الجانب اللبناني الجانب السعودي مذكرتي تفاهم لدراستهما من قبل الجانب السعودي وتتعلقان بالتعاون في المجال التجاري والمعارض.
كما اتفق الجانبان على ان تتولى وزارة الاقتصاد والتجارة في الجمهورية اللبنانية ووزارة المالية في المملكة العربية السعودية، متابعة البنود الواردة في المحضر النهائي من اجل وضعها موضع التنفيذ في اقرب وقت ممكن.
وبالنسبة للوفد الرسمي الذي سيرافق الرئيس الحريري إلى بروكسل، فلم تتأكد بعد المعلومات التي تحدثت عن وجود اتصالات لضم وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب إلى الوفد، لتجنب أزمة حكومية، ظهرت مؤشراتها في دعم وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي لإشراك الغريب في الوفد، وتأكيده بأنه سيعود ويرافق الوفد اللبناني، لكن الغريب نفى لـ«اللواء» علمه بوجود مثل هكذا اتصالات، وقال انه لم يتبلغ أي شيء بهذا الخصوص، وليس لديه معلومات، كذلك نفى الوزير السابق غطاس خوري ومستشار الرئيس الحريري النائب السابق عمار حوري ان تكون لديهما معلومات حول الموضوع.
الا ان مصادر قريبة من أجواء بعبدا، علقت على تغريدة الوزير جريصاتي بخصوص ابعاد الغريب عن الوفد، بأن «جريصاتي لا يغرد خارج سربه، وهو يُدرك توجهات الرئيس عون، بأنه بالإمكان استدراك الأمر عبر إعادة ضم الوزير إلى الوفد، واصفة عدم اشراكه بأنها «عملية ابعاد» نظراً لعلاقاته مع النظام السوري، ورداً على تفرده بزيارة دمشق دون علم مسبق».
وقالت انه بإمكان الرئيس الحريري ان يصطحب الغريب معه، رغم عدم وجود سياسة حكومية واحدة من ملف النازحين السوريين.
وعزا وزير التربية والتعليم العالي اكرم شهيب وجوده ضمن الوفد مع وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيموجيان، إلى كونهما المعنيين بأزمة النزوح على صعيدين تربوي واجتماعي، مشيراً إلى ان تشكيل الوفد من صلاحية رئيس الحكومة والجهة الداعية، أي الاتحاد الأوروبي.
وبحسب مصادر الوزيرين فإن لبنان يأمل ان يوفّر مؤتمر بروكسل دعماً مالياً بمليارين و500 مليون دولار يكفي احتياجاته لتغطية أعباء النازحين الموجودين على أرضه، علماً ان لبنان لم يحصل من المؤتمرين السابقين على أموال كافية لمساعدته في تحمل اعبائهم.
تجدر الإشارة هنا، إلى ان وزير الزراعة حسن اللقيس ينوي زيارة سوريا «في إطار تسهيل تصدير المحاصيل الزراعية اللبنانية إلى الداخل السوري ومن خلال معبر نصيب إلى الدول العربية»، الا ان اللقيس لم يُحدّد بعد موعد الزيارة، الا ان الإعلان المسبق عنها، أعطى انطباعاً بأن الزيارة ستكون منسقة رسمياً على مستوى مجلس الوزراء، بخلاف زيارة الغريب التي فاجأت كثيرين..
وحرص اللقيس، عندما كشف عن زيارته على «عدم تسييسها والنظر إليها كمسألة تقنية محض تخدم مصلحة اللبنانيين».
إلى ذلك، علمت «اللواء» ان لقاءً عقد بعيداً عن الإعلام بين رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الدفاع الوطني إلياس بو صعب، دار البحث في خلاله حول موضوع تعيين المجلس العسكري، لكن لم ترشح أية معطيات، خصوصاً وأن ما من جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع، مثلما اشارت «اللواء» أمس، كما ان البحث جار عن اسم بديل عن العميد محمود الأسمر الذي كان مرشحاً لتولي منصب الأمانة العامة للمجلس الأعلى للدفاع، بعد ورود ملاحظات على ترشيحه.
ومن جهة ثانية، تأكد ان زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إلى بيروت، لن تتم هذا الأسبوع، مثلما كان تردّد سابقاً، بل هي متوقعة الأسبوع المقبل، وتحديداً في 22 و23 الشهر الحالي، أي قبل أيام قليلة من الزيارة التي يعتزم الرئيس عون القيام بها إلى موسكو في 25 آذار.
الفساد
وبينما حرصت مصادر وزارية تسنى لها زيارة قصر بعبدا أمس التأكيد لـ«اللواء» بأن «الرئيس عون يولي ملفات الاقتصاد ومكافحة الفساد والنازحين السوريين أولوية، مشددة على انه مصمم على السير في ملف مكافحة الفساد حتى النهاية»، واصلت لجنة المال النيابية اجتماعاتها في ساحة النجمة لمتابعة ملف التوظيف العشوائي، وركزت أمس على التوظيف الذي حصل في وزارة الاتصالات وهيئة «اوجيرو» في حضور الوزير محمّد شقير.
وأكد رئيس اللجنة إبراهيم كنعان بعد الاجتماع ان اللجنة تثبتت من صحة رقمي الـ453 متعاقداً الذين وردوا في تقرير التفتيش المركزي والـ54 موظفاً في وزارة الاتصالات، مؤكداً «متابعة الموضوع مع الوزارة وأوجيرو حول أسباب التوظيف ومخالفة المادة 21 من قانون سلسلة الرتب والرواتب».
ولفت إلى ان الوزير تحدث بكل شفافية، وقال ان هناك ما بين 400 و500 شاب وصبية جرى توظيفهم في شركات الخليوي ويتقاضون رواتب من دون عمل.
وأشار إلى ان اللجنة طلبت ايضاحات عن أسباب توظيف الـ453 شخصاً في «أوجيرو».
دعم سلام للسنيورة
وفي سياق متصل، تلقى الرئيس فؤاد السنيورة جرعة دعم قوية من الرئيس تمام سلام خلال زيارته له في مكتبه، مؤكداً تضامنه معه في وجه الحملة التي استهدفته بالنسبة لفتح ملف حسابات الدولة، وقال ان «السنيورة ليس بحاجة لا إلى حصانة نيابية ولا إلى حصانة طائفية ولا حصانة سياسية من أي جهة كانت، فهو لديه من الحصانة الوطنية الضامنة له ولنا ولكل من يريد مصلحة هذا الوطن».
وأوضح سلام ان الرئيس السنيورة كانت له محاولة قد تكون فريدة من نوعها عام 1998 عندما تقدّم بتصور إصلاحي على المستوى الإداري والمالي، لو اعتمد وطبق في وقتها لكان وضعنا اليوم على مستوى إدارة البلد أفضل بكثير مما نحن فيه.
اما الرئيس السنيورة، فأكد «انه واثق جداً بما قام به، وان ما قام به كان لمصلحة الدولة والخزينة العامة»، وقال: «لو عاد بي الزمن ثلاثين سنة إلى الوراء لقمت بنفس العمل الذي قمت به على مدى السنوات التي كنت اشغل فيها وزارة المالية، وكنت فيها رئيساً للحكومة».
وإذ لاحظ ان هذه المعركة مقصود منها صرف انتباه النّاس عن الإصلاح الحقيقي، وهي محاولة من البعض من أجل ان يكتسبوا ثقة لا يتمتعون بها، أوضح انه سبق ان ارسل مشروع قانون إلى مجلس النواب في 25 آذار من العام 2006 يخضع جميع حسابات الدولة اللبنانية إلى التدقيق من قبل المؤسسات الدولية، بحيث لا تكون هناك خيمة على أي إنسان في الدولة، وقال ان «هذا إثبات على ان حكومته آنذاك وهو شخصياً تلتزم بهذا الموقف الذي يحرص على ان يكون هناك تدقيق».
سخونة في انتخابات طرابلس
في هذا الوقت، بدا واضحاً ان معركة الانتخابات الفرعية في طرابلس، ستتم بسخونة لافتة، بدأت طلائعها تظهر عبر المواقف النارية السياسية، إضافة إلى وجود مرشحين لا هدف لهم سوى منع حصول تزكية تؤمن للمرشحة ديمة جمالي العودة ثانية إلى ساحة النجمة، وهذا يعني سياسياً ان المعركة ستكون ضد تيّار «المستقبل»، علماً ان اوساطه تدرك ذلك، وهي تتعامل مع الانتخابات الفرعية بجدية كبيرة، على اعتبار انها ستكون بمثابة امتحان من غير المسموح خسارته أو السقوط فيه.
وفيما أكّدت المرشحة جمالي استمرارها في خوض المعركة بدعم من «المستقبل» والرئيس الحريري، مشددة على ان تكون شريفة ونزيهة من دون إساءات وتضليل للرأي العام، حسم سامر كبارة، ابن شقيق النائب محمّد عبد اللطيف كبارة، موقفه بالنسبة للترشح، وأعلن انه سيعقد في السادسة من مساء غد الأربعاء مؤتمراً صحافياً في فندق «كواليتي إن» لاعلان ترشيحه انطلاقاً من رفضه التزكية، مؤكداً ان معركته حقوقية وليست سياسية، ومن أجل احترام خصوصية طرابلس.
لكن اللافت في مؤشرات تسخين المعركة، حتى قبل تحديد مهل قبول الترشيحات وسحبها، الهجوم الذي شنّه النائب فيصل كرامي على الرئيس الحريري شخصياً، من باب الرد على الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري الذي قال انه يريد ان يكسر «حزب الله» في طرابلس، فقال كرامي انه لا يريد الرد على الأمين العام، بل على الرئيس الحريري شخصياً، متهماً اياه بالتعامل مع «حزب الله»، وانه مغطى منه، وأصبح رئيساً للحكومة بفضله، وانه (أي الحريري) هو من غطى الجيش اللبناني في معركته في عرسال مع الجيش السوري، وعين سفيراً للبنان في سوريا، واستجرّ الكهرباء ودفع أموالاً للدولة السورية، ويجتمع بشكل دوري مع وزير الداخلية السابق والحالي مع امنيين من «حزب الله» كل اسبوع هو أنت وليس نحن.
ونفى كرامي ما وصفه «بهجوم الذباب الالكتروني التابع لتيار «المستقبل» وما تردد عن تحالف بينه وبين اللواء اشرف ريفي، في أعقاب زيارته له في منزله»، مؤكدا ان الزيارة مجرّد واجب اجتماعي ولا علاقة لها بالانتخابات، خاصة وان ريفي لم يعلن حتى الساعة ترشحه للانتخابات.
إلى ذلك، علمت «اللواء» ان وزيرة الداخلية ريّا الحسن ستصدر اليوم مجموعة قرارات بخصوص مهل قبول الترشيحات وسحبها، والشروط التي يجب ان تتوفر للمرشحين بموجب القانون، في حين نفت مصادر في الداخلية وجود إشكاليات تتعلق بهيئة الاشراف على الانتخابات، على اعتبار ان هذه الهيئة ما زالت قائمة، طالما ان القانون يفرض وجودها سواء في انتخابات عامة أو فرعية.
المحكمة الدولية
على صعيد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، احالت المحكمة تقريرها السنوي العاشر إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى الحكومة اللبنانية، وجاء فيه ان غرفة الدرجة الأولى في الوقت الراهن ستعرض الأدلة المتوافرة لديها وتتداول في مسألة ما إذا كان الادعاء قد قدم أدلة تثبت قضيته ضد المتهمين الأربعة بلا شك معقول. ويرد في التقرير أيضاً ان التوقيت الدقيق لصدور الحكم سيتوقف على الطابع المعقد للمسائل القانونية والوقائعية المطروحة في المداولات لغرفة الدرجة الأولى.
وجاء في التقرير ان رئيسة المحكمة، القاضية ايفانا هردليشكوفا ختمت قائلة ان تركيز المحكمة سينصب في السنة المقبلة على المداولات القضائية واعداد الحكم الذي ينتظر صدوره المتضررون من اعتداء 14 شباط/فبراير 2005، والجمهور اللبناني، والمجتمع الدولي عامة. (راجع ص 5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء
بوتفليقة يؤجّل الانتخابات ويفوّض الإبراهيمي بالحوار… وروحاني يبدأ زيارته للعراق بسكك الحديد
تجاذبات وفد بروكسل وملفات الفساد تهزّ التسوية الحكومية… وأوجيرو إلى الواجهة
الحكومة تُنهي شهرها الأول بنتائج صفر… دون أي جدول أعمال لترجمة الوعود
نجح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة العائد من سفر للعلاج إلى الجزائر بالإمساك مجدداً بزمام المبادرة، بعدما عبر الشارع الجزائري الذي خرج لشهر متواصل مطالباً بعدم ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، عن فرحته احتفالاً بحزمة القرارات التي أعلن عنها بوتفليقة، بعد ظهوره تلفزيونياً يجتمع بعدد من القادة السياسيين والعسكريين، معلناً تغييراً حكومياً، بعدما حسم تأجيل الانتخابات الرئاسية وعدم ترشّحه للانتخابات المقبلة، وفاتحاً الطريق لإطلاق حوار وطني جامع، يتوقع أن تسند رئاسته للدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي، تمهيداً لوضع دستور جديد وعرضه للاستفتاء لتتم الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة خلال عام على أساسه.
المسار الجزائري الذي سيكون مليئاً بالمنعرجات والتعقيدات، خرج من دائرة خطر الوقوع في الفوضى وفقاً لما رأته مصادر جزائرية مطلعة، وقطع الطريق على مخاطر العبث بأمن الجزائر وأخذها إلى دوامة العنف الذي تتربّص له جماعات عديدة لها تاريخ طويل في الجزائر ومحيطها مع أعمال العنف، وهو ما قالت المصادر إنه كان موضع عناية الجيش ومقارباته للأزمة.
ملف إقليمي آخر حضر بقوة أمس، عبر زيارة الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني إلى العراق، وسط ترحيب شعبي وسياسي دفع العراقيين لاستذكار زيارة التسلل التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب من وراء ظهر الدولة العراقية منتهكاً سيادتها، ويعبر جدول الأعمال المتشعب للزيارة التي تمت على إيقاع رفض عراقي رسميّ للمشاركة في العقوبات الأميركية على إيران، عن حجم الملفات والاتفاقيات السياسية والاقتصادية والخدمية والثقافية والسياحية ونوعيتها، التي ستكون على طاولة البحث بين المسؤولين الإيرانيين والعراقيين خلال الزيارة، والتي افتتحها الرئيس روحاني بالإعلان عن التحضير لإنشاء وتشغيل خط سكك حديد للنقل السريع بين عدد من المدن الإيرانية والعراقية منها طهران وبغداد والنجف ومشهد.
لبنانياً، طغت على المشهد الحكومي التباينات والسجالات المتصلة بتشكيل الوفد الحكومي إلى بروكسل والتغييب المتعمّد لوزير الدولة لشؤون النازحين عن مؤتمر يشكّل ملف النازحين عنوانه، تحت ذرائع رغبة الجهة الداعية، بينما الأمر يتوقف على قرار الحكومة المغيّبة عن القرار، أو على الأقل لقرار رئيس الحكومة الذي سيشارك بوفد يتولى تشكيله ويفترض أن يتم ذلك بالتشاور مع رئيس الجمهورية على الأقل، وبيده تحديد قوام الوفد الحكومي الذي سيرافقه بمعزل عن مشاركة الوزراء الذين وصلتهم دعوات من الجهة الداعية، والتي هي للحكومة أصلاً، أو لرئيسها بالتشاور مع رئيس الجمهورية كحد أدنى، الموافقة على مشاركتهم من عدمها، وأزمة وفد بروكسل إذا تمّ تجاوزها تبقى علامة على هشاشة الوضع الحكومي، بعدما كانت الاتصالات الرئاسية لا تزال تدور حوله تفادياً لاندلاع أزمة بين الرئاستين الأولى والثالثة.
ملفات الفساد المفتوحة هي الأخرى تتكفّل بما تبقى من التماسك الحكومي الذي عبّرت حالة انقطاع الجلسات الحكومية عن درجة تهالكه، كما عبر فقدان أي جدول أعمال جدّي للجلسات التي عقدتها الحكومة عن درجة الهريان والتفسخ التي تعصف بالحكومة، وكان لافتاً غياب ملف التوظيف من خارج القواعد القانونية عن جلسات الحكومة ومواقف رئيسها، خصوصاً مع الأرقام التي تكشفها جداول التوظيف في شركة أوجيرو بقرار من وزير الاتصالات قبيل الانتخابات النيابية، والتي تقارب الألف حالة توظيف غير قانوني بين أوجيرو وشركتي الخلوي.
النتائج صفر، هي المعادلة التي وصفت من خلالها مصادر متابعة الشهر الأول بعد نيل الثقة من عمر الحكومة، الذي ينتهي بعد أيام قليلة، دون أن تكون الحكومة قد وضعت جدول أعمال لجلسة واحدة تتناول القضايا الكبرى التي تشكل وعودها أو التحديات التي أعلنت عزمها على مقاربتها، ودون أن تشكّل لجنة وزارية واحدة للتصدّي لأي من هذه العناوين التي ينتظرها اللبنانيون، بما فيها الشؤون الخدمية الملحّة كأزمات الكهرباء والنفايات والنازحين.
يبدو أنّ التغييب القسري والمتعمّد لوزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب عن وفد لبنان إلى مؤتمر بروكسل 3 للنازحين السوريين لن يمرّ مرور الكرام في بعبدا، فرسالة الاعتراض والامتعاض التي وجّهها رئيس الجمهورية الى رئيس الحكومة عبر الوزير سليم جريصاتي، كانت كافية لدفع الرئيس سعد الحريري للبحث عن مخرج لهذا الأمر الذي قد يتسبّب بأزمة بين الرئاستين.
وأشارت معلومات الى أنّ «الحريري يمكن أن ينزع فتيل الأزمة عبر ضمّه الغريب الى عداد الوفد المرافق له للمؤتمر»، لكن مصادر «البناء» «نفت التوصل الى اتفاق بهذا الشأن حتى مساء أمس»، إلا أنّ جهة معنية بالملف، بحسب المصادر، فضلت الانتظار حتى اليوم للبناء على الشيء مقتضاه وقبل اتخاذ أيّ موقف.
واستغربت مصادر نيابية في 8 آذار تعاطي الاتحاد الأوروبي مع لبنان بهذه الطريقة غير اللائقة، كما استغربت موقف رئيس الحكومة وقبوله باستبعاد وزير في حكومته، وأشارت المصادر لـ «البناء» الى أنّ «الوزير الغريب هو المعني الأول بملف النازحين واستبعاده يرسم شكوكاً حول مشاركة الوفد ويؤكد وجود غايات مشبوهة في نتائج المؤتمر في ظلّ رفض أميركي أوروبي لأيّ سياسة حكومية جديدة لإعادة النازحين الى سورية واستمرار السياسة القائمة التي تؤدي في نهاية المطاف لإبقاء النازحين في لبنان»، وأوضحت المصادر أنّ «استثناء الغريب من الوفد هو استكمال للهجمة على زيارته إلى سورية»، وتساءلت: «لماذا وافق الحريري على تعيين الغريب وزيراً لشؤون النازحين إذا كان سيعترض على عمله وزياراته؟» وأكدت المصادر أنّ «رئيس الجمهورية وفريقنا السياسي لن يسمح بإعادة إحياء السياسات الحكومية الماضية لا سيما في أزمة النازحين ولا بتجميد عمل الحكومة».
أما اللافت فهو استنفار الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في لبنان قبيل الزيارة المرتقبة للرئيس ميشال عون إلى روسيا ما يؤشر الى محاولات للتشويش على الزيارة وعلى نتائجها، إلا أنّ مصادر معنية أشارت لـ «البناء» الى أنّ «زيارة رئيس الجمهورية الى موسكو قائمة ولن تؤثر الزيارات الأميركية الى لبنان عليه»، موضحة أنّ «الزيارة ستكون حاسمة في مسار حلّ أزمة النازحين إضافة الى تفعيل العلاقات الروسية اللبنانية على كافة الصعد لا سيما العسكرية».
وفي سياق ذلك، عُلم أنّ وزير الخارجية جبران باسيل لن يشارك في مؤتمر بروكسل، لكنه سيوفد مدير الشؤون السياسية في الوزارة السفير غدي خوري. كما لفتت مصادر وزارة الخارجية لقناة «أو تي في» إلى أنّ «باسيل لم يحضر أيّ نسخة من مؤتمرات بروكسل»، مشيرةً إلى أنّ «الخارجية لن تغيب عن المؤتمر وستقوم بالتنسيق مع رئاسة الحكومة بهذا الشأن».
وانتقد وزير الزراعة حسن اللقيس استبعاد الغريب وقال في حديث إذاعي: «كان بالحري أن يشارك الوزير صالح الغريب»، لافتاً الى أنّ «لبنان يعاني من وجود أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري وعلى الجميع التكاتف لإعادتهم الى بلادهم ولا تجب المزايدة في هذا الموضوع».
وبعد الزيارة الأولى للغريب الى سورية منذ تأليف الحكومة الحالية، يعتزم اللقيس زيارة دمشق، حيث أشار الى أنّ زيارته «تندرج في إطار تسهيل عملية تصدير المحاصيل اللبنانية الى الداخل السوري ومن خلال معبر نصيب الى الدول العربية». ودعا الى «عدم تسييس هذه الزيارة والنظر إليها كمسألة تقنية محضة تخدم مصلحة اللبنانيين»، موضحاً «ألا حاجة الى موافقة مجلس الوزراء على زيارات تقنية كهذه».
كما كانت لافتة الزيارة المفاجئة للحريري الى السعودية قبيل توجّهه الى بروكسيل، لا سيما أنها جاءت بلا موعد مسبق كما علمت «البناء»!
والتقى الحريري الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في قصر اليمامة في الرياض، وتمّ البحث في سبل تعزيز التعاون بين البلدين، ومستجدات الأوضاع في المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً، بحضور وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مساعد بن محمد العيبان، وزير الخارجية إبراهيم بن عبد العزيز العساف، المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، السفير السعودي في لبنان وليد بن عبدالله بخاري، والسفير اللبناني لدى المملكة فوزي كبارة.
لجنة المال
على صعيد آخر، واصلت لجنة المال النيابية اجتماعاتها في ساحة النجمة، حيث ركزت أمس على التوظيف في وزارة الاتصالات وأوجيرو. وأكد رئيسها إبراهيم كنعان بعد الاجتماع انّ اللجنة تثبّتت من الـ 453 شخصاً الذين وردوا في تقرير التفتيش المركزي وحوالى 50 في وزارة الاتصالات، موضحاً أنّ رئيس اوجيرو أجاب في اللجنة أنّ العقد مع أحد المستشارين «الذي هو في الوقت نفسه مدير في إحدى الشركات» لم يُعمل به وقد أنهي. وقال كنعان: «وردني أنّ هناك طلبات توظيف في وزارة ومؤسسة وسأخاطبهما وفق الأصول والإجراءات ستكون حاسمة والتوظيفات توقفت بأكثر من 80 بالمئة وأيّ حاجة تتحدّد بتقارير جدية ومسح شامل». وأعلن أنّ «الرئيس نبيه بري اتصل بي وقال لي إنه على رغم أنّ المجلس النيابي لا يخضع لمجلس الخدمة المدنية ولا للتفتيش المركزي، سيُخضع كلّ التعاقد والتوظيف في المجلس إلى لجنة المال والموازنة».
ونقل زوار بري عنه قوله لـ «البناء» ضرورة أن تخضع التعيينات الجديدة في مجلس الوزراء الى معايير الكفاءة لا التحاصص السياسي كما كان يحصل في السابق، كما أشار بري بحسب زواره إلى أنه يعتزم إعادة فتح النقاش حول موضوع قانون الانتخاب، إذ إنّ القانون الحالي لم يأتِ على قدر طموحات اللبنانيين، بل يجب استكمال ما أنجز في هذا القانون بإصلاحات جديدة نصّ عليها دستور الطائف عبر قانون يعتمد النسبة الكاملة ودوائر موسّعة تمهيداً لاعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة».
ريفي يعلن ترشيحه الخميس
الى ذلك، يبدو أنّ المعركة الانتخابية الفرعية في طرابلس قد بدأت، فبعد تصريحات الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري ضدّ خصومه السياسيين، ردّ النائب فيصل كرامي على الحريري في احتفال في طرابلس، وقال: «مَن تعامل مع حزب الله ويتعامل معه ومغطّى من حزب الله وأصبح رئيساً للحكومة بفضل حزب الله هو أنت وليس نحن. ومن غطّى الجيش اللبناني في معركته بعرسال مع الجيش السوري هو أنت وليس نحن، ومن أرسل سفير لبنان الى سورية وعيّن سفيراً في سورية هو أنت وليس نحن، ومن استجرّ طاقة وكهرباء ويدفع مالاً للدولة السورية هو أنت وليس نحن، ومن يجتمع بشكل دوري مع وزير الداخلية السابق والحالي مع أمنيين من حزب الله كلّ أسبوع هو أنت وليس نحن، ومن يجتمع أسبوعياً خارج إطار الحكومة مع حزب الله هو أنت ليس نحن».
إلى ذلك، وفي خطوة قد تخلط أوراق التحالفات أعلن الوزير السابق اللواء أشرف ريفي أنه سيعقد مؤتمراً صحافياً الخميس المقبل يعلن فيه ترشحه للانتخابات الفرعية في طرابلس.
وإذ نفت مصادر تيار الكرامة لـ «البناء» التحالف بين كرامي وريفي لفتت الى أنّ «مرشح جمعية المشاريع الخيرية طه ناجي لم يقرّر بعد ترشحه»، كما أشارت مصادر «اللقاء التشاوري» لـ «البناء» إلى أنّ «اللقاء سيدعم أيّ خطوة تقرّرها جمعية المشاريع»، بدورها نفت مصادر ريفي لـ «البناء» فرضية التحالف مع كرامي، مشيرة الى أنّ «ريفي يملك قاعدة شعبية واسعة في طرابلس وسيواجه تحالف المستقبل»، وأوضحت أنّ «ريفي يرفض احتكار طرابلس وتهميش القوى الأخرى، فالمرشحة ديما جمالي لم تفز في الانتخابات فلماذا إعادة ترشيحها؟» مشيرة الى أنه «لو قرّر المستقبل ترشيح النائب السابق مصطفى علوش لكان ريفي أعاد النظر بقرار ترشّحه»، فيما تشير مصادر «البناء» الى «انقسامات وفوضى تسود أوساط التيار الأزرق لا سيما في الشمال وتململ قواعده من قرار الحريري ترشيح جمالي».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار
«الشراكة» مع القطاع الخاص: يطعمكم الحجة والناس راجعة!
«الشراكة» بين الدولة والقطاع الخاص: فرنسا تصدّر لنا بضاعتها الفاسدة
الأمين العام (السابق) للمجلس الأعلى للخصخصة: أنا ضد الخصخصة!
أزمة «وفد بروكسيل» مستمرة
«موضة» السياسات الاقتصادية في لبنان تُسمى، حالياً، «الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص». هي «موضة» عالمية تُقدّم كوصفة لحل الأزمات الاقتصادية، خصوصاً في الدول النامية. وفي لبنان، يحملها القيمون على تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» كشرط لازم للحصول على الأموال. أكثر المتمسكين بهذا الشرط هي الدولة الفرنسية. تبشّر بـ«الشراكة»، فيما دول الاتحاد الأرووبي تشهد «ردّة» عنها، واستعادةَ القطاع العام لإدارة مشاريع الخدمات الأساسية للسكان. في أوروبا – فرنسا وألمانيا بالدرجة الأولى – تتعرّض «الشراكة» لهجوم حاد، نظرياً وعملياً، من زاوية عدم جواز المخاطرة بتسليم «حقوق الناس» (المياه، الطاقة، إدارة النفايات…) إلى شركات لا تبغي سوى الربح. موجة من فك العقود تجتاح القارة العجوز، فيما تصرّ فرنسا على تسويق بضاعتها الفاسدة في بلادنا. فاسدة، باعتراف المؤسسات الرسمية الفرنسية والأوروبية (مقال صباح أيوب).
في نيسان 2018، وفي تشرين الأول من العام نفسه، استضافت باريس وفدَين أجنبيَّين رسميَّين «باعَتهما» نموذجين نقيضين لإدارة شؤون القطاعات العامة: النموذج الأول كارثيّ على جميع المستويات، كانت العاصمة الفرنسية (ومدن أخرى) جرّبته وعانت منه ثم عدَلت عنه، أما النموذج الثاني فـ«ممتاز» يُعتمد في فرنسا منذ فترة وتفتخر به باريس كإنجاز تباهت به أمام زوّارها.
الضيف الأول كان لبنان في مؤتمر «سيدر»، باعته فرنسا مشاريع «إنقاذية» بشروط أمْلَتها على المسؤولين اللبنانيين وأقنعتهم، من دون عناء، بأنّ ما تعرضه عليهم هو الحلّ الأنسب والوحيد لإدارة الشؤون الاقتصادية في لبنان في ظلّ أزمته وعجزه. النموذج هذا اسمه «الشراكة بين القطاع العام والخاص» Partenariat public – privé (ppp) الذي تضمّنته شروط «سيدر»، والذي جال منادياً بضرورة الإسراع في تطبيقه السفير الفرنسي بيار دوكان في جولته على المسؤولين اللبنانيين الأسبوع الماضي.
ضيف باريس الثاني، بعد 6 أشهر من «سيدر»، كان اليابان. وزراء في الحكومة اليابانية، عُمدة مدينة هاماماتسو (حوالى 800 ألف نسمة) وممثلون عن «بنك اليابان للتنمية»، زاروا بلدية باريس في تشرين الأول ليستفسروا عن (ويستفيدوا مِن) تجربة ناجحة حققتها العاصمة الفرنسية في السنوات العشر الماضية. التجربة الباريسية اسمها: فسخ «الشراكة بين القطاع العام والخاص» أو التخلص من نموذج ppp، وتحديداً، استرداد القطاع العام حصرية إدارة مرافق حياتية مهمّة كقطاع المياه. مياه مدينة باريس عادت منذ 2010 الى كنف الدولة (القطاع العام) بعد تجربة شراكة مع القطاع الخاص دامت لأكثر من 25 سنة تحكّمت خلالها شركتان خاصتان في حياة أكثر من مليوني نسمة في العاصمة الفرنسية، ما أنتج تجربة كارثية على الصعيد الاقتصادي والإنمائي والإنساني.
ما «باعه» الفرنسيون والأوروبيون إذاً كـ«مشروع إنقاذي» لأزمة لبنان الاقتصادية في مؤتمر «سيدر» هو فعلياً ما تتخلى عنه مدن فرنسية وأوروبية وأميركية وآسيوية عديدة منذ سنوات، بسبب ما أفرزه، بعد تجربتهم، من نتائج سلبية (وأحياناً كارثية) على الاقتصاد والخدمات على المدى البعيد. ما قَبِل مسؤولو لبنان به وروّجوه للبنانيين على أنه «الحلّ السحري» لأزماتهم هو بالضبط ما تحذّر منه، حرفياً، المفوضية الأوروبية في كتابها الأخضر (2004) الذي يقول بوضوح «صحيح أن الشراكة بين العام والخاص قد تكون إيجابية على الصعيد الميكرو ـــ اقتصادي إذ تسمح بتنفيذ مشروع ما بأفضل شكل من حيث النوعية / السعر مع الحفاظ على أهداف الصالح العام، إلا أن اللجوء الى الـ ppp لا يمكن أن يُقدَّم كحلّ سحري للقطاع العام الذي يواجه مشاكل في ميزانيته».
كيف كذب المسؤولون اللبنانيون على المواطنين مجدداً ولأي هدف؟ لماذا تبنّوا نموذجاً تسعى دول عديدة للتخلي عنه؟ ولماذا تشهد الدول المتقدّمة وعدد من الدول النامية منذ سنوات موجة إعادة الخدمات الأساسية وبعض المرافق الحياتية والاقتصادية الى القطاع العام؟ لن تجد الجواب في خطابات الرؤساء والمسؤولين الذين بات وصولهم الى المناصب مرتبطاً بمدى استعدادهم لتطبيق السياسات الاقتصادية الليبرالية والالتزام بقواعد وشروط البنك الدولي والشركات الخاصة، وستجد في الإعلام العالمي «جيشاً» من المحللين يدافعون عن النموذج نفسه معتمدين في دفاعهم على ظاهرة ازدياد عدد عقود «الشراكة» المبرمة في السنوات الأخيرة. لكن الجواب الأكثر إقناعاً يكمن في التجارب الفعلية على أرض الواقع، حيث سجّل العالم حتى عام 2017 (حسب تقرير Transnational Institute) نحو 835 حالة، استردّ فيها القطاع العام خدمات ومرافق كان وقّع فيها اتفاقيات «شراكة» مع القطاع الخاص. 1600 مدينة في 45 دولة ركبوا ما بات يعرف بموجة «الاستعادة» أو «الاسترداد» remunicipalisation أي استعادة الدولة / البلدية / شركات القطاع العام إدارة وتنظيم المرافق العامة بعد أن كانوا سلّموا إدارتها كاملاً أو جزئياً أو من خلال اتفاقية «شراكة» للقطاع الخاص. بعبارة أخرى، دول العالم الغربي بالدرجة الاولى، وعدد من الدول النامية، عادت إلى ممارسة «التأميم»!
جدل أوروبي ــ دولي بعد تجارب كارثية
الجدل في أوروبا حول مبدأ «الشراكة» وماهيتها ومخاطرها وجدواها حُسم عند بعض الباحثين الاقتصاديين منذ زمن، ومنتقدوه كُثر يستندون في رفضهم له الى تجارب خيضت في بلدان عديدة في أوروبا والولايات المتحدة وبريطانيا وأميركا اللاتينية وآسيا منذ أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات. بحسب دراسات أكاديمية وأبحاث اقتصادية، فإن تلك التجارب كانت سلبية بمعظمها في الدول الغنية كما النامية، والنتائج الكارثية على الاقتصاد والمجتمع والخدمات كانت مشتركة عند الجميع.
الجدل في الغرب حول الـ ppp يبدأ من التسمية، فالتسميات «لا تكون أبداً بريئة»، إذ يرى البعض تسمية «الشراكة» (وهي عبارة «على الموضة») فيها تضليل ومواربة، لأن المصطلح يوهم بأن هناك دوراً ندّياً للقطاع العام مع القطاع الخاص في الاتفاقيات، ويوحي بوضع متساوٍ في الحقوق والواجبات والصلاحيات ونسب الأرباح. إلا أن ذلك ليس سوى كذبة كبيرة، إذ إن بعض المحللين لا يرون فيه سوى شكل آخر من «الخصخصة» مع كل ما تعنيه من سيطرة للشركات الخاصة على المرافق العامة والتحكّم فيها وفق شروطها ولمصلحتها حصراً.
يقول هؤلاء إن هذا النوع من الاتفاقيات يسمح لمسؤولي الدول التي تقع في عجز اقتصادي بإخفاء جزء من الدين العام من خلال إيهام الناخبين بأنهم ينفذون المشاريع كما وعدوا، وبأن الوضع الاقتصادي في البلد بألف خير، بينما هم فعلياً يراكمون الديون ويسلّمون رقبة الدولة ورقاب المواطنين الى مقصلة الشركات الخاصة! وهذا ما سيوصل البلد المعني في المستقبل الى كارثة اقتصادية ـــ إنسانية أكبر من التي كان يعاني منها قبل اعتماد «الشراكة». هذا تحديداً ما دفع بديوان المحاسبة الفرنسي مثلاً إلى وصف الـ ppp في تقاريره منذ عام 2014 بـ«القنابل الموقوتة»، حسب صحيفة «ليبيراسيون». تعبير «القنابل الموقوتة» احتلّ عنوان تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي عام 2014 حذّر من المخاطر والأعباء المالية التي تحملها اتفاقيات «الشراكة» للقطاع العام ونتائجها التي قد تصبح «مضرّة جداً على الأجيال المقبلة (…) ما يجعلها قنابل موقوتة تنتظر أجيال المستقبل». وفي هذا الإطار يُنقل عن الرئيس الأول السابق لديوان المحاسبة الفرنسي فيليب سيغان قوله عندما سُئل عن رأيه باعتماد الدولة نموذج «الشراكة»، إن الدولة «برهنت أنها مصابة بقصر نظر مكلف جداً».
«انطلق الاتحاد الأوروبي، منذ 2004، في عملية تحويل مستعمراته السابقة الى مناطق تبادل تجاري مفتوحة بغية غزو أسواقها تحت مسمّى «الشراكات الاقتصادية»، من دون أن يستثني من هذه العملية طريقة إخضاع الدول وفرض القيود عليها»، يلفت في هذا المجال تحليل مفصّل صادر عن «مجموعة الأبحاث من أجل استراتيجية اقتصادية بديلة».
أحد تقارير ملف بحثي في «جامعة كيبيك في مونتريال» الكندية يشرح كيف أن بعض اتفاقيات «الشراكة» في مرافق خدماتية أساسية في كندا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأرجنتين لم تحسّن نوعية الخدمات كما وعدت بل رفعت أسعارها وانتهت بالتحكّم في الشروط والاستفادة فقط من تقديم الدول مقار مجانية لها. كما يثبت كيف أن اقتراض الدولة الأموال من نفسها لتحسين مرفق عام أوفر بكثير من تسليم إدارته لشركة خاصة ستفرض عاجلاً أو آجلاً أعباءً مالية إضافية على كاهل الدولة والمواطنين. هي في الحقيقة عملية «نقل (ملْكية) من العام الى الخاص وعبارة الشراكة وُضعت لتمويه هذا النقل»، يؤكّد البعض الآخر» كاشفاً عن جانب يسعى موقّعو «الشراكات» الى إخفائه، وهو جانب استحواذ القطاع الخاص على المرفق العام واستبعاد أي دور فاعل للدولة في عملية إدارته.
■ ■ ■
أبرز الملاحظات الموجّهة الى اتفاقيات «الشراكة» من قبل محللين واقتصاديين غربيين بعد مئات التجارب حول العالم:
● تسهم اتفاقيات «الشراكة» في تدمير ثقة المواطنين بالقطاع العام وتثبيت صورة مغلوطة مفادها أن الدولة لا تستطيع تلبية الحاجات الخدماتية بأي طريقة، وأن الشركات الخاصة هي الوحيدة القادرة على ذلك.
● خطورة تسليم شركات خاصة (تبغي الربح في نهاية الأمر) قطاعات مرتبطة مباشرة بحقوق المواطنين الأساسية (المياه، الكهرباء، إدارة النفايات، النقل).
● الكلفة الباهظة للعقود التي تفوق بأضعاف كلفة أن تموّل الدولة بنفسها مشاريع تطوير المرافق العامة.
● غياب الشفافية في الحسابات وعدم القدرة على مراقبتها، إذ إن التكاليف لا تسجّل في ميزانية الدولة الرسمية، إضافة الى خطورة أن تتجاوز مصاريف المشاريع الحدود المتفق عليها.
● تتحمّل الدولة والمواطنون في أغلب الأحيان تكاليف الصيانة كما المسؤولية المالية في حال حدوث أي طارئ على تنفيذ المشاريع.
● فقدان القطاع العام القدرة على تطوير خبراته وحصر ذلك الامتياز بأيدي الشركات الخاصة ولصالحها.
● نوعية الخدمات المقدّمة لم تكن أفضل بكثير، بل باتت أسوأ في بعض الحالات.
● تراجع الديموقراطية ومستوى تمثيل المواطنين في مؤسسات القطاع العام، وبالتالي غياب المشاركة المدنية في المراقبة والمحاسبة والمطالبة بالحقوق،
● مشكلة فضّ العقود: البنود الجزائية القاتلة والباهظة جداً التي تفرضها الشركات على الدولة في حال أرادت فكّ «الشراكة» بحيث تضطر معظم الدول إلى الانتظار حتى تنتهي مدّة العقود المتفق عليها لتنهيها، علماً أنه في بعض الحالات قامت بعض الدول بدفع المبالغ المالية الكبيرة المنصوص عليها لتوقف الاتفاقيات بشكل فوري، نظراً إلى مدى الضرر الذي كانت تحدثه «الشراكة» (كما حصل في مشاريع في بريطانيا، الهند، الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، كندا).
■ ■ ■
نموذج عملي: «استرداد» مياه باريس وأكثر من 100 مدينة فرنسية
فرنسا تصنّف «بطلة العالم» في إعادة مرفق المياه الى القطاع العام، حيث سجّلت بين 2001 و2017، 106 حالات استرداد من أصل 267 حالة استرداد في العالم. باريس ليست أوّل مدينة فرنسية ولا الأخيرة التي أوقفت اتفاقات «الشراكة» بين القطاعين العام والخاص في إدارة مياه الشفة والصرف الصحي، تُضاف اليها بين المدن الكبرى غرونوبل، نيس، رين ومونبولييه. الأخيرة (350 ألف نسمة)، استرجعت السيطرة على مرفقها الحيوي عام 2016. كانت تلك المدينة تُعَدّ معقلاً لشركتي خصخصة المياه (فييوليا Veolia وسوييز Suez). ولذلك، اعتُبر فكّ شراكتها مع القطاع الخاص في مرفق المياه تحديداً إنجازاً مهمّاً للقطاع العام الفرنسي، وله دلالات كبيرة بين المشاريع الاخرى. بعد فكّ «الشراكة» سجّلت مدينة مونبولييه انخفاضاً في سعر خدمات المياه بنسبة 10%.
تحذير من «أهل بيت» صندوق النقد الدولي!
يحذّر التقرير الذي أعدّه ماكسيميليان كويران، وهو محلل في قسم الشؤون المالية في صندوق النقد الدولي، من المخاطر المالية التي يجرّها نموذج الـ ppp فيعرض أرقاماً ونسباً معبّرة: 55% من مجمل اتفاقيات «الشراكة» يتمّ إعادة التفاوض عليها بعد سنتين من توقيعها؛ في 62% من الحالات بعد إعادة التفاوض تُفرض زيادة في تكاليف الخدمات؛ 69% تأجيل وتخفيض مسؤوليات القطاع الخاص تجاه المشروع قيد التنفيذ؛ قد تعلن الشركة المكلّفة إفلاسها بعد فترة وتطالب الدولة بإعفائها من مهامها أو مساعدتها مالياً
باريس (أكثر من مليوني نسمة) استرجعت بلديتها حصرية إدارة مياه الشفة والصرف الصحّي من شركتي «فييوليا» و«سوييز» عام 2010، وكانت تلك الشراكة بدأت عندما كان جاك شيراك عمدة للمدينة عام 1984 وكانت تربطه علاقة وطيدة بمدير إحدى الشركتين اللتين تولّتا إدارة مياه المدينة منذ ذلك الحين، كما يوضح تقرير «المركز الدولي للأبحاث والمعلومات حول الاقتصاد العام والاجتماعي والتعاوني» CIRIEC المفصّل عن مياه باريس. التقرير يشرح كيف أن الشركتين عدّلتا سنة بعد سنة بنود اتفاقية الشراكة لمصلحتهما وكيف فقدت بلدية باريس خبراتها المعرفية والتقنية في مجال المياه، وبالتالي قدرتها على «القيادة والسيطرة» في هذا المجال، لتسيطر الشركتان بالكامل لاحقاً على خدمات المياه في العاصمة الفرنسية. ثم في عام 2000 فتحت تحقيقات داخلية بشأن الشركتين ومسار الاتفاقيات، وتبيّن وجود خلل كبير في كيفية إدارة المرفق الحيوي. وفي الأول من كانون الثاني عام 2010 ألغي الاتفاق بالكامل مع الشركتين واستردّت شركة «مياه باريس» (قطاع عام) حصرية إدارة مرفق المياه، وشُكّل مرصد يشارك فيه ممثلون عن الهيئات المدنية والسكّان «من أجل مشاركة ديموقراطية فاعلة» في إدارة هذا المجال، وقد اعتمدت عدّة مدن لاحقاً نموذج «المرصد السكّاني» الذي أرسته باريس.
أولى المدن الفرنسية الكبرى التي استعادت حقها في إدارة المياه هي غرونوبل (نحو 320 ألف نسمة) التي فكّت شراكتها مع الشركات الخاصة منذ 2001 لتتوصّل لاحقاً الى استرجاع جميع خدمات الطاقة (نظام تدفئة عام مشترك، إضاءة الشوارع وغيرها من الخدمات…). أما تجربة مدينة نيس (نحو 345 ألف نسمة) فكانت صادمة للفرنسيين، لأن إدارة هذه المدينة المحافظة سياسياً أنهت عدّة «شراكات» مع القطاع الخاص، بدءاً بوسائل النقل عام 2012 ثم المياه عام 2015، لتنهي بذلك تاريخاً من إمساك القطاع الخاص بالمرفق الحيوي الذي يعود الى عام 1952. كما استرجعت قطاعات كإدارة المطاعم المدرسية وبعض النشاطات الثقافية والفنّية، مثل مهرجان الجاز.
للدلالة على المسار التي تتبعه بعض الدول المتقدمة، وأبرزها فرنسا التي تحمل شرط «الشراكة» لتفرضه على اللبنانيين عبر «سيدر»، تكفي الإشارة إلى أن فرنسا لم تشهد، على مدى السنوات الـ20 الأخيرة، أي عملية انتقال من القطاع العام الى الخاص في إدارة المياه!
ديوان المحاسبة الأوروبي 2018: تقرير تحذيري
التقرير الرسمي الصادر عن ديوان المحاسبة الأوروبي عام 2018 بعنوان «الشراكة بين القطاع العام والخاص في الاتحاد الأوروبي: قصور كثير وإيجابيات محدودة»، والذي درس اتفاقات «الشراكة» التي وقّعها الاتحاد الأوروبي مع دول أوروبية (فرنسا، اليونان، إيرلندا وإسبانيا) خلص إلى ملاحظات خطيرة أبرزها:
● اتسمت معظم «الشراكات» بنقصٍ في الكفاءة، ما أدّى إلى تأخير في بناء المشاريع وزيادة كبيرة في الأسعار؛
● لم تبنَ معظم «الشراكات» على أي تحليل يقارن بين خيارات أخرى. خيار القطاع العام مثلاً لم يُطرح. إذاً، لا يمكن القول إن الخيار الذي اعتُمد، أي «الشراكة» كان أفضل الخيارات لتحسين الموارد وحماية المصلحة العامة؛
إضافة إلى مخاطر أخرى تتعلّق بغياب الشفافية وصرف مبالغ طائلة بطريقة غير فاعلة، أوصى التقرير بالآتي:
● عدم تعزيز اللجوء المتزايد على اتفاقات الـppp وتوسيع انتشارها، ما دامت المشاكل المرفوعة (في التقرير) لم تُحلّ بعد ولحين أخذ التوصيات بالاعتبار.
● تخفيف التأثير المالي لحالات التأخير وإعادة التفاوض حول تكاليف الاتفاقيات التي يتحمّلها القطاع العام…
بريطانيا… عودة روبن هوود!
من أوائل الدول التي اعتمدت مبدأ «الشراكة» هي بريطانيا، حيث يُسمّى النموذجPrivate) Finance Initiatives (PFIs، أي «مبادرات التمويل الخاص».
لكن المملكة ماضية أيضاً بفض تلك «الشراكات» في مرافق عديدة، أبرزها النقل (7 حالات)، النفايات (7 حالات) والطاقة (5 حالات). بين عامَي 2008 و2010 أنهت بريطانيا عقوداً بقيمة 20 مليار جنيه استرليني مع شركات خاصة كانت موكلة تأهيل وتنفيذ مشاريع خطوط مترو العاصمة لندن، لأسباب تتعلق بـ: «سوء إدارة الشركات، عدم الكفاءة، عدم القدرة على السيطرة على التكاليف، غياب خطة واضحة للمستقبل وسوء الإدارة المالية…». أما قطاع الطاقة (الغاز والكهرباء) المخصخص بشكل كامل منذ عهد مارغريت تاتشر، فبدأ يشهد تغييرات كثيرة أدّت الى استرداد القطاع العام في عدد من المدن الكبرى لهذا المرفق الحيوي. بعض المدن البريطانية الكبرى أنشأت شركات عامّة تؤمّن الطاقة للسكّان بعدما لاحظت أنه لم يعد بمقدور جميع السكّان، وخصوصاً ذوي الدخل المنخفض، دفع تكاليف خدمات الغاز والكهرباء وهي خدمات حيوية لا يمكن التنازل عنها. نوتينغهام (532 ألف نسمة) أنشأت عام 2015 شركة «روبن هوود إينيرجي» لتوفير الطاقة بأسعار منخفضة وتوزيعها على كلّ السكّان. وبعد نجاح تجربة «روبن هوود» في نوتينغهام، انتقل النموذج الى مدن كبرى أخرى في كل أنحاء بريطانيا، حيث يؤمّنون اليوم الغاز والكهرباء بأدنى الأسعار لأكثر من مليونَي نسمة.
■ ■ ■
نفايات أوسلو
عام 2017، أنهت العاصمة النروجية أوسلو «شراكة» مع القطاع الخاص في إدارة النفايات دامت لمدة 20 سنة. بين 2016 و2017 تصاعدت الاحتجاجات في المدينة بسبب تقصير الشركة المكلّفة بجمع النفايات من شوارع المدينة. بعد تحقيق رسمي من قبل الدولة، اكتُشف أيضاً أن الشركة كانت تشغّل بعض عمّالها لمدّة 90 ساعة في الأسبوع، ما يتنافى مع قوانين العمل وحقوق العمّال. بداية 2017، أعلنت الشركة إفلاسها وحرّرت نفسها من كل المسؤوليات، من ضمنها دفع مستحقات موظفيها. ومنذ ذلك الحين، عادت إدارة النفايات في أوسلو إلى القطاع العام.
■ ■ ■
ليتوانيا وفضائح التلاعب بالأسعار
قررت العاصمة الليتوانية، فيلنيوس (نحو 545 ألف نسمة)، عام 2016 فسخ عقدها مع شركة تابعة للعملاقة الفرنسية Veolia في مرفق الطاقة الغازية وتأمين التدفئة، ورفضت تجديد العقد معها بعد 15 سنة من «الشراكة». إذ إن تحقيقاً داخلياً كشف أن الشركة الخاصة كانت تتلاعب بأسعار المحروقات لتزيد من سعر الخدمة المدفوع من قبل السكّان. بعد ضغوط شعبية واتهامات بالفساد وعدم الشفافية، رفضت بلدية العاصمة تجديد العقد مع الشركة، ما دفع بالشركة العملاقة الأم Veolia إلى المطالبة بتعويض قدره 100 مليون يورو من الدولة الليتوانية. الأمر الذي تبعه مسار قضائي دولي لم ينتهِ بعد، فيما أعلنت السلطات الليتوانية عام 2017 إعادة خدمات التدفئة نهائياً الى القطاع العام.
الأمين العام (السابق) للمجلس الأعلى للخصخصة: أنا ضد الخصخصة!
قبل استقالة الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك من منصبه الأسبوع الفائت، كان المجلس يعمل على ثلاثة مشاريع شراكة هي: بناء داتا سنتر، توسعة مطار بيروت وشق طريق خلدة ـــ ضبية ـــ جبيل.
لا تزال المشاريع الثلاثة في مرحلة الدراسة، إذ يتوقع أن يُنجز أولاً مشروع الداتا سنتر خلال سنتين، فالمطار خلال ثلاث سنوات وبعده الطريق السريع.
المتحمسون لتنفيذ قانون الشراكة يعتبرون أنه يحدّ كثيراً من الصفقات المعلّبة والتلاعب بالتلزيمات ودفاتر الشروط والعقود، كما يغلق منافذ المشاريع على السياسة أو التدخلات السياسية. لكن هل المرور عبر المجلس الأعلى للخصخصة يحدّ فعلاً من الفساد؟ يوضح الأمين العام السابق للمجلس أن تطبيق قانون الشراكة يعني تلقائياً سحب البساط من تحت مساعي أي جهة للتحكم في مسار التلزيم بشكل منفرد. يعود ذلك إلى إلزامية إشراك كل الجهات المعنية في مرحلة التصميم والتنفيذ. على سبيل المثال، يوضح حايك أن مشروع توسعة مطار بيروت يتم بالتنسيق والتعاون مع وزارات الداخلية والسياحة والأشغال والبيئة، إضافة إلى طيران الشرق الأوسط والجيش. وأكثر من ذلك، لا بد من إطلاع الشركات المؤهلة على دفتر الشروط وعقد الشراكة المفترض. هذا يعطيها الفرصة للحؤول دون إعداد المناقصة على قياس أي من المنافسين.
بالنسبة إلى حايك، فقد شكّل إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص انطلاقة جديدة للمجلس، الذي صار اسمه المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة، علماً بأن رئيس المجلس كان يأمل إسقاط كلمة الخصخصة من الاسم نهائياً، لأنه يعتبر أن لبنان ليس بحاجة إلى خصخصة أيّ من مرافقه، مستثنياً من ذلك قطاع الاتصالات (علماً بأن هذا القطاع ـــ وبصرف النظر عن أن أسعار خدماته باتت ضريبة مقنّعة على السكان ـــ يدر على الخزينة العامة اموالاً طائلة سنوياً تفوق مليار دولار). كما يعتبر عقود الإدارة، التي تُوقّعها الدولة مع الشركات الخاصة، أسوأ نموذج للتعاون مع القطاع الخاص، إذ إن هذه العقود لا ترتب على من يدير المرفق العام أي أعباء أو مخاطر، فيما الدولة تتحمّل كل المخاطر. لذلك، يرى أن من بين الخيارات الثلاثة للتعاون مع القطاع الخاص (الخصخصة والشراكة والإدارة) الشراكة مع القطاع الخاص هي أفضل نموذج يمكن للبنان أن يعتمده، حيث توزّع المخاطر بين الدولة والملتزم، كما تفرض الدولة رقابة صارمة على كل تفصيل من تفاصيل العمل. كذلك يعتبر حايك أن هذه الشراكة تسهم في استقطاب الرساميل الأجنبية وإدخالها في الكتلة النقدية الموجودة. لكنه يؤكد أنها لتكون مفيدة يجب أن تكون وجهتها القطاعات المنتجة حصراً وليس شراء العقارات أو الإيداع في البنوك لتحصيل الفوائد العالية.
واقع التلزيمات الحالية لا يبشر بالخير. المناقصات التي تجري هي في الغالب صورية. تبدأ بمبلغ وتنتهي بمبلغ آخر، بحجة ما يسمى «variation order» (ارتفاع أسعار المواد الأولية أو الكلفة أو تعديلات على المشاريع). كل تعاون مع القطاع الخاص كان على حساب الدولة والمواطن. نماذج الشراكات التي أجريت بين القطاع العام والخاص لا تبشر بالخير أيضاً. ولذلك من البديهي التشكيك في أي مشروع شراكة. في الطاقة، لا أحد يعرف كيف تلزّم المعامل ولا أحد يعرف يكف يلزم مقدّمو الخدمات. يكفي أن يقرر مجلس الوزراء مخالفة القانون، حتى يكون له ما يريد. في القطاعات الأخرى ليست الحال أفضل. كارثة النفايات واضحة للعيان، وتلزيمات الطرقات لا تعبّر عن الأموال الهائلة التي دفعت. حتى مغارة جعيتا تشكل نموذجاً مأسوياً للشراكة مع القطاع الخاصة. لكن بالرغم من كل ذلك، كان حايك يعد بتقديم نموذج مختلف مبني على الشفافية وإقفال مزاريب الهدر، لكنه استقال قبل أن ينفذ وعده.
أزمة «وفد بروكسيل» مستمرة
بدأت أزمة النازحين السوريين في لبنان تتبلور تباعاً، لتتحوّل إلى أحد الملفات الداخلية الأكثر جدلاً، على وهج الإنقسام اللبناني حولها. ففي ضوء الإستعدادات للمشاركة في مؤتمر بروكسل المخُصّص للبحث في شؤون النازحين، والذي سينعقد في 13 و14 من الشهر الجاري، لم يتأخر هذا الإنقسام في البروز بعدما سعت القوى السياسية الى القفز فوقه مرات عدّة. وما إن دقت ساعة الإستحقاق، حتى بدأت المكونات المعادية للدولة السورية التستّر وراء عباءة شروط المجتمع الدولي الذي يربُط عودة النازحين بالحل السياسي وإعادة الإعمار والعودة الطوعية والآمنة، مقابل إصرار الفريق الآخر على تغليب المصلحة اللبنانية القائمة على التنسيق التقني مع الجانب السوري في هذا المجال. وعشية إنتقال الوفد اللبناني الرسمي الى المؤتمر انفجر الخلاف حول الوفد المُشارك بعد أن عُلم بأنه سيتألف من رئيس الحكومة سعد الحريري ووزيري الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان والتربية أكرم شهيب، في مقابل استبعاد وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب. وبعدَ أن ابلغَ رئيس الحكومة الوزير جبران باسيل بأنه سيضم الغريب الى الوفد وسيبلغ الأخير بذلك، لم يبادر الحريري الى تنفيذ ما وعد به، ما دفع الغريب الى إطلاق تصريح اعتبر فيه أن «البعض لا يروق له ذلك، إما نزولاً عند رغبة بعض الأطراف الخارجية بشقّ الموقف الوطني الموحّد، وإمّا تغليباً لبعض المصالح المشبوهة الضيّقة أو الإثنين معاً». وفي هذ ا الإطار علمت «الأخبار» أن الحريري مستاء جداً من هذا التصريح، وهو ما يُمكن أن يدفعه الى تغيير رأيه. ومن باب تبرير استبعاد الغريب قال النائب مروان حمادة أن الاتحاد الأوروبي هو الذي لم يوجه الدعوة لوزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب إلى مؤتمر بروكسل»، مشيراً الى ان «ذهاب وزراء إلى المؤتمر للدفاع عن النظام السوري كإطلاق النار على أنفسنا»!