تمتد عدوى أزمة النظام الطائفي إلى الحراك الشعبي وإلى "الحراك السياسي".
الحراك الأول، يضم اليسار الوطني بكل أطيافه "التاريخية"، مع كتلته الشعبية المشتتة. قوى هذا اليسار تتردد حتى الآن، في التحول إلى قطب وطني، يناظر بحضوره، من موقع اجتماعي ـ سياسي مختلف، حضور الأقطاب الطايفية في النظام. وهذا ما يهدد الحراك الشعبي بتقزيم دوره وتضييع الفرصة التاريخية التي مثلت أمامه منذ يوم 17 تشرين الأول الماضي.
أسباب التردد ودوافعه ليست خافية. لكن سنأتي على شرحها لاحقاً. مع التأكيد على أن الفرصة السياسية لا زالت متاحة. إلا أن الوقت، لا يلعب، كثيراً، لصالح قوى الحراك الشعبي، لأن أقطاب النظام خرجوا من لحظة الصدمة، ويستعيدون زمام المبادرة، تدريجياً، على الأقل في جمهورهم الموالي. وهذه الصدمة بانت على أشدها في حركة أمل والتيار الوطني الحر وحزب المستقبل، لا سيما في الأيام الأولى، لتفجر التمرد الإجتماعي.
الحراك الثاني، يضم اليمين الطائفي، المؤلف من جعجع وجنبلاط، مع ثقلهما المذهبي التقليدي، وفي ذيلهما حزب "الإخوان" وبقايا حزب آل الجميل وقوى مشابهة، من بينها بعض أجزاء الحريرية السياسية.، لأن الرئيس سعد الحريري لا زال يخشى أو يأبى الإلتحاق بـ "الثوريين الجدد". المهم أن القوة الإضافية البارزة لدى "الحراك السياسي" لهذا اليمين المحلي الرجعي، هي اصطفاف كتلة اليمين الجديد من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية معه. وهذا ما جعل وزنه في حشود الشارع ظاهراً وإيقاعياً. نقول اليمين الجديد لأن الحشد الجمعياتي والمنظماتي في "الساحات" لا يعترض على المطالب الطائفية / المذهبية لحليفيه جعجع وجنبلاط.
راجعوا المؤتمر الصحفي لجعجع يوم أمس. يقول أن "هناك إنتخابات نيابية أخرى جرت في 17 تشرين الأول [2019] وفي 18 و19 و20 و25 منه أجدد [أحدث] من تلك الإنتخابات التي تتكلمون عنها في أيار الـ2018، وعلينا اتخاذ نتائج هذه الإنتخابات بعين الإعتبار أيضا". وهذا الكلام واضح المعنى. فاليمين "الثوري الجديد"، خرج، بهذا "الحراك السياسي"، على قانون الإنتخابات الطائفي الذي وقع عليه، من سنتين، وطبقه. خرج عن التوازن السياسي في النظام الطائفي من البرلمان والحكومة إلى الشارع، حيث يريد أن يفرض توازناً طائفياً جديداً، يعترف لجعجع وجنبلاط بحق الفيتو الماروني والدرزي على الحكومة. هذا "الحراك السياسي" يحمل أزمة النظام في جوهره، لأنه يريد الإستيلاء على حقوق المحاصصة في التمثيل الماروني والدرزي أو تأكيدها وحسب، داخل بنية النظام الطائفي.
يتخفى "الحراك السياسي" اليميني وراء الحراك الشعبي اليساري. عشرات التصريحات لجعجع وجنبلاط والجميل و"أزلامهم" و"أذيالهم" تدعي وقوفهم مع "وجع الناس". مع أنهم من المسببين "التاريخيين"، لهذا "الوجع"، الذي دفع المواطنين إلى الإحتجاج في الشوارع. هدف هذه التصريحات إخفاء الطبيعة الطائفية والمذهبية لـ"الحراك السياسي"، باعتباره جزءاً من النظام الطائفي ذاته، وكذلك تهديد وجود ودور الحراك الشعبي والإستيلاء على قضيته الإجتماعية وتدمير قضيته الوطنية.
الأخبار
فرنسا تختار ممثلي الحراك الشعبي ومرشحيها للحكومة
نصر الله: أميركا تخنق لبنان وعلينا التوجّه شرقاً
الحريري وباسيل: لقاء «سرّي» يحقق تقدّماً؟
يصل الى بيروت اليوم مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو، موفداً مكلفاً «استطلاع الوضع في لبنان ولقاء مسؤولين في الحكومة وقوى الحراك». وبحسب مصدر فرنسي، سيعدّ الدبلوماسي «تقريرا حول الواقع والمشكلات التي تواجه السلطة السياسية وتطلعات الشعب والقوى المدنية، وإبداء الرأي حول إمكان أن تبادر فرنسا الى وساطة او مهمة تأخذ في الاعتبار ضرورة وقوف المجتمع الدولي الى جانب لبنان».
الموفد الفرنسي طلب مواعيد لمقابلة الرؤساء الثلاثة وبعض السياسيين. لكن الدوائر المعنية في سفارة فرنسا في بيروت اعدت له لقاءات مع «ممثلي الانتفاضة الشعبية، على ان يعقد اجتماعين، الاول مع مجموعة تمثل المجتمع المدني، والثاني مع مجموعة من الخبراء الاقتصاديين والماليين».
ويرافق الموفد الفرنسي مندوبون عن الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) التي تتولى تمويل عدد غير قليل من المنظمات غير الحكومية، وتهتم بملف الكهرباء في لبنان.
وتولت السفارة في بيروت الترتيبات وأجرت الاتصالات بالشخصيات «المرشحة من قبل السفارة» للاجتماع مع الموفد. وتبين ان ممثلي «المجتمع المدني» الذين وافقوا على الاجتماع مع الموفد الفرنسي – اختارتهم السفارة «وفقا لمعلومات تستند الى الواقع الشعبي» – هم مندوب عن جمعية «كلنا إرادة» التي تضم مجموعة من رجال الاعمال اللبنانيين تربطهم علاقات قوية مع الحكومة الفرنسية، وكانت جمعيتهم الجهة الوحيدة غير الحكومية التي سمح لها بالمشاركة في مؤتمر «سيدر» في باريس؛ اضافة الى ممثلين عن «حزب سبعة» و«المفكرة القانونية» و«لِوطني». اما في ما يتعلق بالاجتماع الاخر مع الخبراء الاقتصاديين، فيبدو ان لائحة المدعوين ستكون مختارة – بحسب المصدر المطلع – من لائحة خبراء وقعوا على بيان يقترح خطة بديلة لادارة الاقتصاد اللبناني. ويتكل الفرنسيون على دور خاص للاستاذ في الجامعة الاميركية جاد شعبان ومرشح آخر من الجامعة اليسوعية.
وبحسب مصادر فرنسية، فان بعض المدعوين قد لا يوافقون على الاجتماع لاسباب تتصل بطبيعة الدعوة وطبيعة التمثيل الذي قررته السفارة الفرنسية للمدعوين. لكن يبدو ان الامور تتجاوز فكرة الاستطلاع السياسي. وهذا ما اظهرته اتصالات مع مطلعين في العاصمة الفرنسية.
وعلمت «الاخبار» ان باريس شهدت لقاءات غير معلنة بين مسؤولين فرنسيين وشخصيات لبنانية بينها ممثلون لقوى حزبية، وان تيارات قوية في الحكومة الفرنسية تقرأ ما يحصل في لبنان على انه فرصة لادخال تغيير على الوضع العام لنظام الحكم في لبنان.
وتضيف المعلومات ان الفرنسيين يحاولون الامساك بالمبادرة من دون تدخل اميركي واضح. لكن الاكيد ان الجانب الاميركي ليس بعيدا عن هذه الاتصالات، علما ان الاوروبيين ينتظرون نتائج المهمة الفرنسية. وفي حال فشلها، ستُسند المهمة الى جهة تمثل الاتحاد الاوروبي وتكون على تنسيق خاص مع الادارة الاميركية. وبحسب المصدر، فإن هولندا هي الطرف المرشح لتولي هذه المهمة، حيث يتوقع لسفيرها في بيروت يان والتمانس ان يلعب دورا خاصا الى جانب دبلوماسيين اوروبين اخرين.
وتقول المعلومات ان الموفد الفرنسي يريد الضغط من بوابة «سيدر»، للقول إن اموال «سيدر» لن تأتي «قبل اجراء اصلاحات شاملة، وان الحكومة المستقيلة لم تكن على قدر المسؤولية، وكذلك بقية المسؤولين في الدولة والمجلس النيابي. وانه حان الوقت لتشكيل حكومة اختصاصيين وخبراء يحظون بثقة الحكومات المانحة». وهو ما يفسر الضغوط على الرئيس سعد الحريري «للاصرار على حكومة اختصاصيين لا يكون للاحزاب تمثيل فيها». ومن هنا، يشرح المصدر، «اهمية اللوائح والترشيحات القائمة الآن من قبل منظمات غير حكومية».
من جهة أخرى، تبين ان دول الاتحاد الاوروبي تعمل منذ الاسبوع الاول لانطلاق التحركات الشعبية على «رصد اتجاهات الجمهور». وقد عقدت سلسلة من الاجتماعات في مكتب سفارة الاتحاد الاوروبي مع مندوبين عن «منظمات مدنية ناشطة في الحراك، ويشارك في الاجتماع موظفون ودبلوماسيون اوروبيون من رتب متدنية». ويجري التداول بواقع الحراك وحجم اتساعه والشعارات والمطالب بالاضافة الى الاضاءة على اهم الناشطين والشخصيات التي تتحرك بين الناس.
وكان سفير فرنسا في لبنان برونو فوشيه اشاد امس بـ«جميع اللبنانيين المشاركين في الحراك»، قائلا «شجعنا السلطات على بذل قصارى جهدها ليتمكن المحتجون من الإستمرار بالتعبير بأمان. وإنني معجب بالتزام الشبيبة القوي، تلك الشبيبة التي قيل إنها مستقيلة أو لا مبالية والتي تظهر لنا كل يوم رغبتها في بناء مستقبل أفضل لبلادها». وأضاف «من المهم أن يسمع المسؤولون هذه الآمال والدعوات. وتأمل فرنسا بقوة أن تبصر حكومة لبنانية جديدة النور في أقرب وقت ممكن لإتخاذ التدابير الضرورية من أجل انتعاش البلاد التي تمر بوضع اقتصادي مقلق للغاية».
نصر الله: أميركا تخنق لبنان وعلينا التوجّه شرقاً
لم يدخل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في كلمته في «يوم الشهيد» أمس، في تطورات الحكومة وتفاصيل التشكيل «لأن المفاوضات لا تزال مستمرة». ولفت الى أنه رغم وجود «اختلافات» في الشارع حول عدد من العناوين، إلا أن هناك إجماعاً «عابراً للطوائف والمناطق» على مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة، مشدداً على أن «مقاومة الفساد تتطلب قضاءً نزيهاً وقانوناً يعتمد عليه القضاء. والحديث عن ثورة في البلد مرهون بالقضاء ومجلس القضاء الأعلى»، وعليهما «رفع الحصانة عن أي مسؤول متورط»، و«أنا بصفتي أميناً عاماً أتوجه الى القضاء إذا كان هناك ملف له علاقة بأي مسؤول بحزب الله ابدأوا به»، مؤكداً أن «الفاسد كالعميل لا طائفة له ولا دين».
وحمّل السيد نصر الله الولايات المتحدة مسؤولية «منع لبنان من الخروج من أزمته»، مؤكداً أن «لدينا بدائل وآفاق»، منها «الشركات الصينية الحاضرة للقدوم والاستثمار، لكن العلاقة التجارية مع الصين خط أحمر بالنسبة إلى الإدارة الأميركية». وسأل: «لماذا يجب أن نخضع للأميركي في مسألة يمكن أن تنفع بلدنا»، وخاصة أن «الشركات الصينية جاهزة للعمل، كذلك الشركات الإيرانية، وأيضاً يمكن استدراج عروض لشركات روسية». كما سأل «لماذا لا يُشارك لبنان في إعادة إعمار سوريا» وهو ما «سينهض باقتصادنا لعشرات السنوات المقبلة». وشدّد على أن «العقوبات على القطاع المصرفي هدفها إحداث فتنة، وهي لا تضر المقاومة بل تعطّل عجلة الاقتصاد في البلد». ورأى أن «الاستمرار في سياسة الاقتراض ستزيد الأزمة، ويجب العمل لتنشيط القطاعين الزراعي والصناعي وفتح أسواق جديدة أمام لبنان، كالسوق العراقي، لأنه قادر على استيعاب الإنتاج الزراعي والصناعي اللبناني». ولفت إلى أن «أحد أسباب الغضب على رئيس الحكومة العراقية هو إصراره على فتح معبر البوكمال وعقد اتفاقات مع الصين». وشدّد على «أننا عندما نطالب بحكومة سيادية فهذا يعني أن تتخِذ القرارات بعيداً عن الضغوط الأميركية» المسؤولة «أيضاً عن إعاقة ملف النفط». وأضاف: «بومبيو لا يرى في لبنان إلا النفوذ الإيراني. هل النفوذ الإيراني في القطاع المصرفي؟ أم في الجيش؟ في قوى الأمن الداخلي؟ في النفط والتلزيمات؟ النفوذ الإيراني بالنسبة الى الأميركي يعني المقاومة»، مؤكداً أن «كل ما يريده الأميركي هو التخلص من المقاومة».
إقليمياً، لفت نصر الله الى أن «على دول المنطقة أن لا تبني حساباتها على أساس حرب على إيران، ولذلك نشهد تبدلات في لغة دول المنطقة، وخاصة بعض دول الخليج». وأكد قدرة إيران على «التغلب على الصعوبات»، وأن «استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع إيران فشلت، واحتمالات الحرب انتهت»، مشيراً إلى أن «اكتشاف إيران آباراً جديدة من النفط سيزيد التأزم لدى ترامب، ومحور المقاومة خرج قوياً مقتدراً».
في الملف اليمني، دعا الى التوقف عند «الموقف الشجاع» للسيد عبد الملك الحوثي الذي هدّد بالرد على أي اعتداء إسرائيلي «بأقصى الضربات». وأهمية هذا الموقف أنه «يصدر عن قائد لجبهة تقاتل منذ خمس سنوات قوى العدوان المدعومة أميركياً وبريطانيا وغربياً، وهذه الجبهة باتت تمتلك أسلحة متطورة جداً وشجاعة استخدامها، وقد استخدمتها بالفعل من منطلق حق الدفاع عن النفس».
نصر الله كرّر أن «المقاومة اليوم في أوج قوتها وحضورها وفعاليتها وأهميتها كجزء من محور المقاومة في المنطقة، وهي تشارك من موقع متقدم في صنع مستقبل المنطقة ولبنان وفلسطين».
الحريري وباسيل: لقاء «سرّي» يحقق تقدّماً؟
مع كُل بداية أسبوع جديد، تتقدّم البلاد خطوة نحو مزيد من التوتر على كل الأصعدة. البلبلة في قطاع المصارِف انتقلت الى قطاعات المحروقات والصحة والمواد الاستهلاكية المستوردة، بينما لا يزال الجمود مسيطراً على الاتصالات السياسية بشأن الحكومة.
أبرز ما استجدّ على صعيد الاتصالات، الاجتماع غير المعلن الذي ضمّ أمس رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، وهو اللقاء الثالث بينهما خلال عشرة أيام، وقد غادره باسيل الى قصر بعبدا. وفي المعلومات أن «تقدّماً قد حصل كسر حلقة الجمود. وشهد اللقاء تقديم أفكار عديدة قد تفتح الطريق إلى حل وإلى تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة»، على أن «يتولى باسيل القيام بحركة مكوكية بين مختلف الأطراف».
وبعدما أُعلن عن إطلالة للرئيس عون اليوم في حوار تلفزيوني يتناول فيه التطورات الراهنة، تردّد أن رئيس الجمهورية سُيعلن خلاله موعد الاستشارات النيابية الملزمة. وأوضحت مصادر مطّلعة أن عون «يُمكن أن يعلن يوم الجمعة موعداً للاستشارات، إفساحاً في المجال أمام مزيد من التفاوض في اليومين المقبلين».
لكنّ مشكلة فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحزب الله وحركة أمل مع الحريري تكمن في أنه «لا يقول بصراحة ماذا يُريد». ويوضح مصدر مشارك في الاتصالات أن الحريري في لقائه الأخير مع وزير المالية علي حسن، وبرفقة المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، «أضاع ثلثي الوقت في الحديث عن الأرقام والمال والدولار. وفي بقية الوقت سمع من ضيفيه تأكيداً للرغبة في أن يكون هو على رأس حكومة تكنو – سياسية». لكنّ الحريري أجاب بأنه «لا يرى أزمة سياسية في البلد بل أزمة اقتصادية – مالية تحتاج الى حكومة اختصاصيين لإدارتها، كما أن ضخّ المال في الداخل يحتاج الى إيداعات من الخارج، وهو سيتكفّل بذلك، على أن يكون معه فريق وزاري يفهم في هذه الأمور»، فيما أكد الرجلان وجهة نظرهما بأن «الحكومة يجب أن تكون مطعّمة بوجوه سياسية، وليسَت تكنوقراط صافية. فالبلد من حيث موقعه الجغرافي مُحاط بالكثير من الأزمات السياسية، فضلاً عن كثير من الملفات التي لا يُمكن وزير تكنوقراط أن يبتّها.
وكان الرئيس بري لفت في أول إطلالة له منذ بدء الحراك الشعبي الى «ضرورة استعجال تشكيل حكومة جامعة لا تستثني الحراك»، معتبراً بعد اجتماع كتلة «التنمية والتحرير» أن «الوقوف ضدّ الجلسة التشريعيّة البرلمانيّة يهدف الى الإبقاء على الفراغ السياسي». وقال إن «الوقوف ضد الجلسة التشريعية ليس بسبب اقتراح قانون العفو، إنما الحملة لإبقاء الفراغ السياسي، وهي ليست من مصلحة مخطّطي الفراغ». وأشار الى أنّ «الهدف من الجلسة التشريعية البدء بعملية انتخاب داخلية ينص عليها الدستور وتتحول بعدها الى جلسة تشريعية على جدول أعمالها قوانين في غاية الأهمية تشكل مطالب شعبية». وسأل بري «ما معنى رفض جلسة لإقرار قوانين لمحاربة الفساد ولضمان الشيخوخة، وقانون إنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية تشمل صلاحياتها الجميع، رؤساءً ونواباً ووزراء حاليين وسابقين، وهي مطالب رفعها الحَراك نفسه». وطلب من الجميع في الكتلة «رفع السرية المصرفية عن حساباتهم»، وكذلك «من وزراء الكتلة الحاليين والسابقين»، وأعلن بري، نظراً إلى الوضع السائد، «إرجاء جلسة غد التشريعية الى الثلاثاء المقبل الواقع في الـ19 من الشهر الجاري بجدول الأعمال نفسه من دون تبديل أو تعديل».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللواء
الحریري لن یقبل بـ«وزارة یرفضھا الحراك» .. وبرّي يُرجئ جلسة التشريع
سلامة يتعهّد بحماية أموال المودعين.. ونصر الله يُبقي أبواب المشاورات حول الحكومة مفتوحة
هل يُطلق الرئيس ميشال عون الاستشارات النيابية مساء اليوم؟ ومن سترسو عليه الاستشارات الملزمة، في وقت ما تزال تتفاعل فيه عدم دعوة الرئيس سعد الحريري للمشاركة في الاجتماع المالي- الاقتصادي- الوزاري في بعبدا؟
مبرّر هذا السؤال، الذي شغل الأوساط السياسية والاقتصادية والحراكية، فضلاً عن الوسط الدبلوماسي العربي والدولي، هو الحالة الخطيرة التي وصل إليها الوضع السياسي الذي ترك انعكاسات سلبية ومدمرة على الاقتصاد والنقد، وشح «العملة الخضراء»، إذ تحوّلت الىسلعة، تخضع لحسابات العرض والطلب، تحت رحمة احتدام الاشتباك الأميركي- الإيراني، الذي بلغ لهيبه لبنان، الذي بقي لسنوات خمس خلت خارج الحرائق في عموم الشرق الأوسط، لا سيما في المنطقة العربية، من اليمن إلى العراق وسوريا.
وفقاً لمصادر المعلومات، يقف البلد، بدءاً من اليوم عند «الحدّ الفاصل بين الإمعان في سياسة الهروب إلى الامام بمواجهة مطالب الحراك الشعبي المسلّم بها من الطبقة السياسية، التي تتعرض لأسوأ حملة شعبية ضدها في الشارع منذ الطائف والمحاولات البائسة، وغير الجديّة للخروج من المأزق الخطير، المفتوح على محطات ليس من السهل انتظارها في هذا البلد..
وسواء، إذا نفذ إضراب اليوم أم لا، فإن البلد يعيش أكثر من 25 يوماً حالة من الشلل، طالت المصارف والمؤسسات والإدارات العامة وحتى المطاعم والمقاهي، مع انتقال جماعات الحراك من منطقة إلى منطقة ومن شارع إلى شارع، ومن محطة إلى محطة، ومن قطاع إلى قطاع.
وعلى وقع هذه الصورة المضطربة، استمر البحث عن مخارج تسمح بالتفاهم على تصوُّر الحكومة إنقاذ مصغرة، حيادية، تكنو-سياسية لكن يتعين ان تحظى بقبول الحراك في الشارع، وفقا لتصور الرئيس سعد الحريري، الذي التقى ليل أمس وزير المال علي حسن خليل، أجرى مع الرئيس الحريري جولة مطولة من المحادثات، لإخراج محادثات الازمة من المأزق أو «العقم» على حدّ تعبير مصادر رسمية رفيعة، أكدت لـ «اللواء» على ان النتائج لم تكن بمستوى الجهود التي بذلت في الأيام الماضية.
وكشف مصدر مطلع على أجواء المفاوضات الجارية إنها قطعت شوطاً، لكن التفاصيل ما تزال تخضع للبحث، الأمر الذي كشف عنه بطريقة غير مباشرة الأمين العام لحزب الله في خطابه لمناسبة يوم شهيد «حزب الله» يوم أمس.
وفي السياق، دعا الرئيس عون السفراء العرب المعتمدين في لبنان إلى الاجتماع به اليوم، لوضعهم في قراءة العهد لما يجري، من زاوية بعض الضغوط الدولية على لبنان، والطلب إليهم نقل صورة الوضع إلى حكوماتهم.
ثم يجري حوار تلفزيوني، يتولى الزميلان سامي كليب ونقولا ناصيف طرح الأسئلة خلاله، وربما ينضم إليهما زميل آخر، ويتناول سائر المواضيع، من الحراك الشعبي إلى الوضع السياسي والحكومي والاقتصادي من دون ان تجزم مصادر ذات صلة، بإعلان تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة.
وذكرت مصاد رسمية ان الاتصالات لا زالت قائمة حول موضوع الحكومة خاصة بالنسبة للتكليف، لكن لم يحصل تقدم يُذكر، حيث يصر الرئيس الحريري على تشكيل حكومة تكنوقراط، بينما معظم القوى السياسية تريد حكومة تكنو- سياسية، «لأن طبيعة المرحلة السياسية التي يمر بها لبنان وتأثيراوضاع المنطقة وصراعاتها، تحتاج الى وجود سياسيين يتعاملون مع الوضع وتحدياته، ومع الضغوط التي يتعرض لها لبنان بكل الاتجاهات وفي كل المجالات».
وفهم من مصادر مطلعة على موقف بعبدا لصحيفة اللواء انه اذا استقرت الأمور على حل معين في ما خص الملف الحكومي سواء بعزوف الرئيس الحريري او بالأصرار او الوصول معه الى نقطة التقاء فإن الرئيس عون سيدعو الى الأستشارات النيابية وهي ستتم بأعلان رسمي بصيغة رسمية حيث تتحدد مواعيد الكتل النيابية وهو لن يدعو اليوم اليها انما الدعوة الى هذه الأستشارات تتم وفق الصيغة المذكورة.
الى ذلك لاحظت المصادر ان الأمين العام لحزب الله تجاوز في خطابه الموضوع الحكومي لإن المشاورات فيه بلغت مرحلة دقيقة قد يكون الرئيس الحريري فيها على قاب قوسين اما من الإعتذار او قبول التكليف من دون شروط وضم الجميع الى حكومته بما فيها الحراك.
الموفد الفرنسي خبرته الجيلية الصفراء
وكشفت المصادر ان مدير دائرة شمال افريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية، كريستوف فارنو الذي يصل الى بيروت اليوم ويلتقي الرؤساء الثلاثة، فضلاً عن احزاب لبنانية كالكتائب والقوات والحزب الاشتراكي اضافة الى ممثلين عن الحراك واشارت مصادر دبلوماسية مطلعة على حيثيات زيارة الموفد الفرنسي ان مهمته لن تحمل مبادرة محددة حول الأزمة الحكومية، وإنما ستنحصر حول ما إعلان باريس استعدادها لتقديم المشورة والمساعدة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المتأزمة في لبنان، انطلاقاً من معالجتها قضية «جيليه الصفراء» في فرنسا.
وقالت المصادر ذاتها ان باريس، التي لديها علاقات مهمة مع إيران كما مع أميركا، ستعبّر المسؤولين عبر موفدها الذي يصل اليوم، عن مخافوها من التدهور الاقتصادي والمالي في لبنان، مفضلة عدم التدخل في الشأن اللبناني الداخلي، وتحديداً ما يتصل بتشكيل حكومة جديدة.
تأجيل الجلسة
وعلى وقع دعوات للاضراب العام، وفي ضوء تقارير أمنية، أبرزها برقية من قوى الأمن الداخلي برفع الجهوزية إلى درجة 100٪ خرج الرئيس نبيه برّي بعد اجتماع كتلة التنمية والتحرير إلى الإعلان ان ارجاء الجلسة التشريعية «بسبب الوضع الأمني المضطرب»، وليس لأي سبب آخر..
وجاء القرار اثر انتقادات واسعة لادراج مشروع قانون معجل مكرر حول العفو العام على جدول الأعمال.
وقال الرئيس برّي أن «الحملة التي قامت ضد الجلسة التشريعية تهدف لإبقاء الفراغ السياسي القائم حاليا أولا، وثانيا هي ليست من مصلحة مخططي الفراغ هؤلاء»، طالبا من «الجميع في الكتلة، رفع السرية المصرفية عن حساباتهم، ورفع الحصانة إزاء أي محاسبة تتعلق بالمال العام»، داعيا الى «استعجال تأليف حكومة جامعة لا تستثني الحراك الحقيقي»، معلنا «إرجاء جلسة الغد(اليوم) الى التاسع عشر من الشهر الجاري بجدول الأعمال عينه».
أما «كتلة المستقبل» فثمنت مواقف الرئيس سعد الحريري ومساعيه في التهيئة لمرحلة انتقالية تتحمل فيها حكومة اختصاصيين مسؤولية استعادة الثقة، وذلك بعد اجتماع عقدته أمس برئاسة النائب بهية الحريري، عرضت خلاله مجمل الأوضاع العامة والتطورات، وتداولت في الأوضاع التي يمر بها البلد، وثمنت عاليا المواقف المسؤولة للرئيس سعد الحريري تجاه المحافظة على حرية الناس في التظاهر والتعبير عن رأيهم بشكل سلمي. بالاضافة إلى مساعيه الدؤوبة في التهيئة لمرحلة انتقالية تتحمل فيها حكومة اختصاصيين مسؤولية استعادة الثقة، والعمل على معالجة مشاكل الناس الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، حرصا منه على التجاوب مع المطالب المحقة للحراك الشعبي».
اعلن تكتل «لبنان القوي» انه مع حكومة اختصاصيين يوافق عليها المجلس النيابي لتستطيع ان تقلّع ويتمثل فيها الحراك».
واكد ان «الحاجة هي للتشاور للوصول الى حلول مقبولة، تحترم الدستور ويكون لها مشروع قابل للتنفيذ».
واعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، بعد اجتماع لتكتل «الجمهورية القوية» في المقر العام للحزب في معراب ان «الانتفاضة الشعبية التي نشهدها حقيقية»، وقال: «لا ثقة بالتركيبة الحاكمة الحالية عدا عن أن المجتمع الدولي ايضاً فقد ثقته بالتركيبة الحالية والبعض يأخذ الأزمة إلى أماكن أخرى، مثلا البعض يفترض ان لو الصين استثمرت في لبنان لما كنا وقعنا في الأزمة الاقتصادية، وأنا لست مع هذا الرأي على الإطلاق».
وجددت كتلة اللقاء الديمقراطي دعوتها إلى «الإسراع في تشكيل حكومة إنقاذ حيادية تستعيد الثقة وتطلق أوسع حملة إصلاحات سياسية وإقتصادية جدية طال إنتظارها».
نصر الله: الباب المفتوح
وقال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إن المحادثات السياسية مستمرة من أجل تشكيل حكومة جديدة وإنه لن يبحث الأمر علنا لأنه يريد «ترك الباب مفتوحا».
وقال نصر الله في حديث نقله التلفزيون «في ما يتعلق ببحث الحكومة والتكليف والتأليف، اللقاءات متواصلة والنقاشات الدائرة في البلد. أنا لن أتحدث في أمر لسنا مضطرين الآن لكي ندلي بأي كلام أو وسنترك الباب مفتوحا».
أنّه إذا كان هناك من ملف يتعلق بأيّ مسؤول في حزب الله فـ«سنرفع الغطاء عنه». وسأل: من يضغط على المصارف؟ حزب الله؟ أميركا ترسل كل فترة مسؤولا أميركيا لتهديد المصارف من اجل اغلاق حسابات المسؤولين في الحزب ولكن نقول لهم ان اموالنا ليست في المصارف وهم يعلمون من أين أموالنا وكيف نأتي بالاموال والعقوبات على القطاع المصرفي عقوبات على لبنان والشعب اللبناني وهذه العقوبات هي لاحداث فتنة بين الشعب اللبناني والمقاومة من اجل تحميل الحزب المسؤولية».
أولويات سلامة وإضراب المصارف
نقدياً، أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن الاولوية اليوم هي للحفاظ على استقرار الليرة اللبنانية، معلنا عن اتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية أموال المودعين في ظل أزمة سيولة في البلاد. وطمأن في مؤتمر صحافي عقده في البنك المركزي إلى أن الهدف الأساسي لمصرف لبنان «في هذه الظروف الاستثنائية.. هو الحفاظ على الاستقرار بالليرة اللبنانية» إضافة إلى «حماية الودائع في لبنان وهذا موضوع أساسي ونهائي واتخذنا مما يقتضي من اجراءات لئلا يتحمل المودعون أي خسائر».
وقال سلامة إنه طلب من كافة المصارف أن تعيد النظر باجراءات اتخذتها منذ انطلاق الاحتجاجات، بما في ذلك السماح للبنانيين بتسديد الأقساط المترتبة عليهم أساساً بالدولار، عبر الليرة اللبنانية والابقاء على السقوف التي كانت معتمدة سابقاً في ما يتعلق بالبطاقات الإئتمانية وتلبية السيولة الضرورية لذلك. وسمح المصرف المركزي للمصارف، وفق سلامة، باستلاف الدولار من مصرف لبنان «بفائدة 20 في المئة لتلبية حاجتهم من السيولة بالدولار» على أن تكون «غير قابلة للتحويل الى الخارج».
وأكد سلامة أنه «لا يمكن أن يمرّ أي قانون يقتطع من الودائع التي هي ملك اللبنانيين المقيمين في لبنان وخارجه»، وأن «تقييد التحويلات بشكل قانوني غير وارد». وشدد على أن «الظروف الاستثنائية راهناً لا تسمح بهندسات مالية بل إدارة للسيولة الموجودة بشكل تحمي الوضع الائتماني في البلد».
وجاء المؤتمر الصحفي لسلامة، غداة الاجتماع المالي- الاقتصادي في بعبدا برئاسة الرئيس عون، حيث جرى التركيز على أهمية التنسيق بين حاكم مصرف لبنان الذي حضر الاجتماع وجمعية المصارف التي شاركت برئيسها سليم صفير، وإعطاء الجمعية إلى جانب وزيري المال علي حسن خليل والاقتصاد منصور بطيش وعدد من المستشارين.
وجرى تأكيد على ان أموال المودعين محفوظة، وان ما يحصل لا علاقة له بالملاءة، وبالتالي لاداعي للهلع.
وكانت جمعية المصارف التي اجتمعت بعد ظهر أمس، سعت إلى ثني نقابة موظفي المصارف عن المضي في الإضراب المفتوح، والاكتفاء بيوم واحد للاضراب اليوم.
وكان اتحاد نقابات موظفي المصارف دعا إلى إضراب اعتباراً من اليوم لدواع أمنية.
وقال جورج الحاج رئيس الاتحاد ان القرار اتخذ خلال اجتماع للكيان الممثل لأحد عشر الفا من موظفي البنوك. ودعا الموظفين للالتزام بقرار الاتحاد، مشيرا إلى انه لا يعلم عدد البنوك التي قد تغلق أبوابها نتيجة لذلك.
وقال الاتحاد في بيان «يعلن مجلس الاتحاد الإضراب العام في القطاع المصرفي ودعوة الزملاء إلى التوقف عن العمل من صباح يوم الثلاثاء 12 تشرين الثاني 2019 حتى عودة الهدوء إلى الأوضاع العامة التي يحتاجها القطاع المصرفي لمعاودة العمل بشكله الطبيعي المعتاد».
بلبلة في المدارس
تربوياً، على الرغم من بيان وزير التربية والتعليم العالي في الحكومة المستقيلة أكّرم شهيب بإقفال المدارس الرسمية والخاصة والجامعات اليوم الثلاثاء، بسبب الإضراب العام، فإن المدارس الكاثوليكية، والمصطفى ومؤسسات «امل» التربوية أعلنت انها قررت فتح أبوابها امام التلامذة على الرغم من تأكيد الوزير على قراره بإقفال المؤسسات التربوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء (لم توزع الوكالة الوطنية افتتاحيتها اليوم)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النهار
الودائع "في أمان" وأيام حاسمة للاستحقاق الحكومي
وسط معطيات رجّحت أن تكون الأيام المقبلة الفاصلة عن نهاية الأسبوع الجاري مهلة مفصلية لبت الاتجاهات التي ستتخذها الاتصالات والمشاورات الناشطة في كواليس الأزمة السياسية المتعاظمة وفي ظل المخاوف الكبيرة من الانهيار، بدا في الساعات الاخيرة أن المواجهة بلغت ذروتها بين تعبئة متواصلة ومتسعة للانتفاضة الشعبية التي تكتسب زخماً تصاعدياً كبيراً بعد مرور اليوم الـ26 على انطلاقتها واستنفار سياسي غير مسبوق ترجم أمس في حركة لقاءات ومواقف كثيفة شملت معظم القوى السياسية.
واذا كانت الانتفاضة في اتجاهها الى اضراب واقفال وقطع طرق اليوم قد تسببت بارجاء انعقاد جلسة مجلس النواب الى الأسبوع المقبل وتعليق مصير الجلسة في انتظار ما ستسفر عنه تطورات الاستحقاق الحكومي العالق، فإن الانظار التي اتجهت أمس الى مواقف الأفرقاء السياسيين وقادتهم ولا سيما منهم الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الذي تريّث في إعطاء أي إشارة واضحة حيال مآل المفاوضات الجارية بين رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وممثلي "أمل" و"حزب الله"، فإن الأنظار ستتجه الى مقابلة تلفزيونية مفاجئة تقرّر أن يجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الثامنة والنصف مساء اليوم وينتظر أن يتحدث خلالها عن موقفه من الانتفاضة الشعبية والتطورات الداخلية والاستحقاق الحكومي، من غير أن يتأكد ما إذا كان سيحدّد الموعد المحتمل أو المؤكد للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة. ذلك أن المشاورات الجارية لم تتوصل بعد الى أي خرق للأزمة إذ يتمسّك الثنائي الشيعي و"التيار الوطني الحر" بحكومة تكنو – سياسية مختلطة، فيما يتمسك الحريري بحكومة اختصاصيين من دون وجوه سياسية.
والحال أن التوتر السياسي بدا الى تصعيد كبير في ظل اضطرار رئيس مجلس النواب نبيه بري الى ارجاء الجلسة التشريعية التي كانت مقررة اليوم "بسبب الوضع الامني المضطرب" كما قال. وعبّر عن استيائه الواضح بقوله "إن الحملة ضد الجلسة التشريعية تهدف الى إبقاء الفراغ السياسي القائم حالياً أولاً، وثانياً فهي ليست من مصلحة مخطّطي الفراغ هؤلاء، إذا ما أقرت قوانين ضد الفساد وإنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية تشمل صلاحياتها الرؤساء والوزراء والنواب ومجالس الإدارة والبلديات، سواء كانوا في الخدمة الفعلية أم من السابقين وغيرهم، و(ضمان) الشيخوخة وغيرها، لكي تبقى المتاجرة بهم قائمة وذريعة لمن يريدون خطف المطالب المحقة".
وفيما يصرّ بري على بقاء الحريري على رأس الحكومة نقل عنه ما مفاده أنه "إذا بقي سعد على موقفه ورفض تسلم الحكومة، فسأكون على عداء معه الى الأبد. المصلحة تقتضي تعاوننا جميعنا للخروج من هذه الأزمة".
نصرالله
أما نصرالله فلم يتطرق في كلمته أمس الى الشأن الحكومي "لأن اللقاءات متواصلة والاستشارات قائمة ثلاثياً وثنائياً، والأبواب مفتوحة لنصل الى أفضل نتيجة ممكنة لبلدنا". ومع ذلك بدا لافتاً أنه تحدث طويلاً عن الملف الاقتصادي من باب اتهامه الولايات المتحدة بالتسبّب بالأزمة الاقتصادية في لبنان لينبري من خلال ذلك الى تسويغ إلحاق لبنان بمحور ممانعة اقتصادي يبدأ بايران والعراق وسوريا ويتمدّد الى الصين في ما فسّره البعض بأنه دفتر شروط ضمني ومسبق للحكومة العتيدة. وقال إن "الشركات الصينية تريد أن تستثمر مليارات الدولارات في لبنان وتقوم بمشاريع مهمّة وبأسعار مناسبة، لكن الولايات المتحدة ستمنع هذه الشركات من العمل في لبنان. وأحد أسباب الغضب الأميركي على رئيس الحكومة العراقية هو ذهابه الى الصين وعقد اتفاقات بما قيمته 400 مليار دولار". وأكد أن "الشركات الايرانية الرسمية والخاصة قادرة على أن تستثمر في لبنان وتؤمن فرص عمل، لكن الأميركي يمنع ذلك".
ورأى أن "الحل هو أن تتواصل الحكومة اللبنانية مع الحكومة السورية لإيصال المنتجات اللبنانية الى العراق عبر معبر البوكمال ولو أنّ الحكومة كانت حكومة حزب الله لكانت اتّخذت قراراً بزيارة سوريا".
وفي المقابل، لقي طرح حكومة الاختصاصيين المستقلين دعماً قوياً من رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي أعلن بعد ترؤسه اجتماع كتلة "الجمهورية القوية" مساء أن "المقصود بحكومة جديدة هو أن تتألف من أخصائيين وإنما مستقلين أيضاً ولب القضيّة هو أن يكونوا مستقلين باعتبار أن البعض يحاول اللعب على مطلب حكومة من أخصائيين من أجل الإتيان بأزلامهم من أصحاب الإختصاص والذين قرارهم السياسي مربوط بهم، إلا أن ليس هذا هو المطلوب في الوقت الراهن وإنما أخصائيين مستقلين وخصوصاً عن القوى السياسيّة الموجودة في السلطة". وأضاف: "من غير المقبول في الظروف التي نمرّ بها أن نصل إلى اليوم الـ14 ما بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري ولم يتم تعيين موعد للإستشارات النيابيّة الملزمة، ففي عز دين أيام الخير في لبنان كان يتم ذلك في اليوم التالي أو اليوم الذي بعده وفي أسوأ الحالات إن طال هذا الأمر فذلك لم يتعد يوماً الأسبوع الواحد وفقط في ظل أزمة سياسيّة، فهل من المقبول أن يطول تعيين الإستشارات إلى هذا الحد في خضم كل ما تمرّ به البلاد وإلى جانب ذلك كلّه فهل من المقبول أيضاً ألا نطبّق حداً أدنى من الإجراءات الدستوريّة بشكلها الطبيعي؟".
سلامة والتطمينات
غير ان الحدث الابرز أمس تمثل في الاطلالة الاعلامية المسهبة والاولى لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والتي على رغم انها حصلت على وقع تظاهرة صاخبة احتجاجا على السياسات المالية أمام مبنى المصرف، اتخذت دلالات مهمة وبارزة خصوصاً لجهة رسائل التطمينات التي اطلقها سلامة تجاه المودعين والتي قرنها بالتحدث تفصيلا عن الخطوات المتخذة تجنباً لأي مسّ بالودائع كما من خلال شرحه للملاءة المالية للمصرف المركزي بما يبدد المخاوف المتعاظمة من الانهيار المالي. ويمكن اختصار أبرز ما اعلنه سلامة في مؤتمره الصحافي بان مدخرات اللبنانيين في أمان. وأبرز ما تضمنه كلامه عن ماهية دور مصرف لبنان في حماية النقد الوطني وادارة العمليات المصرفية وفق قانون النقد والتسليف، وليس اتخاذ قرارات بصرف المال العام واعتماد ذلك في الموازنات السنوية الذي هو من مسؤولية الحكومة ومجلس النواب حصراً. وطمأن اللبنانيين عموما والمودعين خصوصا الى سلامة ودائعهم، وحضهم على عدم التهافت على سحبها إذ لا خطر يتهددها، والأهم ان لا نية لإجراء الـ Hair cut (اي اقتطاع جزء من الودائع ورفض مصرف لبنان وضع قيود على الودائع والتحويلات بما يعرف بالـ Capital control. وفي خطوة توحي بأن المركزي سيضخ مزيداً من السيولة للمصارف، حض الحاكم اداراتها على العودة عن قرارها وقف التسهيلات التي كانت تمنحها لعملائها، وطالبها بإعادة تفعيل بطاقات الائتمان والاعتماد وابقاء السقف نفسه، وقبض سندات الدين الصادرة بالدولار بالليرة اللبنانية وتسهيل حصول المودعين والتجار والمؤسسات على حاجاتهم من السيولة الضرورية.
و لمح سلامة الى ان المشكلة تكمن في السياسة وليس في النقد، وفي الفراغ الحكومي والتأخر في سبل معالجة الوضع الاقتصادي وليس في نقص السيولة.
الى ذلك، وبعد قرار اتحاد موظفي المصارف الاضراب المفتوح بدءاً من اليوم، اكدت جمعية المصارف بعد اجتماع طارئ عقدته مساء أمس أنها ستعمل مع المسؤولين على إيجاد اطار للعمل الطبيعي لحفظ كرامة الموظفين وتأمين حماية لهم باعتبارها أولوية للمصارف. وعلم أن المصارف ستقفل ابوابها اليوم فقط، على أن تعاود العمل غداً بعد التواصل مع اتحاد الموظفين، وتجري الجمعية اتصالات مع المعنيّين لتأمين الحماية الامنية لهم. أما بالنسبة الى الاضراب العام الذي دعت اليه الانتفاضة الشعبية فإن مواقف متعارضة برزت حياله ليلاً ويبدو ان الاضراب التربوي سيكون شاملا المدارس الرسمية فيما المدارس الكاثوليكية قررت فتح ابوابها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجمهورية
إطلالة عون: تساؤلات حول الإستشارات.. والمفــاوضات لم تُليِّن الحريري
مع دخول الحراك الشعبي أسبوعه الرابع، تبرز حقيقة ماثلة امام أعين كل اللبنانيين، وتتجلى بسَير البلد مسرعاً نحو أسفل الدرك سياسياً واقتصادياً ونقدياً، وسط عجز واضح من جهة عن تلبية مطالب المحتجين، ويقابله من جهة ثانية، عجز سياسي مريع على تجاوز الازمة بتشكيل حكومة إنقاذية تقود اللحظة المصيرية التي بلغها البلد، وتوجّه سفينته في الاتجاه المعاكس وتجنّبها الارتطام بصخرة السقوط المريع، وبالتالي التحطّم، وفي أحسن الاحوال التفسّخ الذي تستحيل معه إعادة لململة أجزائها المتناثرة.
سياسياً، وفي ظل الشلل الذي أصاب المساعي الجارية من اجل التمهيد للاستشارات النيابية الملزمة، يطلّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عند الثامنة والنصف مساء اليوم، في لقاء حواري متلفز يتناول فيه المستجدات على الساحة اللبنانية.
وأكدت مصادر مطلعة لـ"الجمهورية" انّ الاطلالة ستتمحور حول التطورات الاخيرة.
وحيال ما تردد عن تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة، أوضحت المصادر: انّ للدعوة الى الاستشارات النيابية أصولاً تُعتمد، ولا يتناولها رئيس الجمهورية في مقابلة متلفزة.
الّا انّ معلومات ترددت في المقابل حول توجّه لدى رئيس الجمهورية لأن يبادر، خلال الايام القليلة المقبلة الفاصلة عن نهاية الاسبوع الجاري، الى تحديد الموعد الملزم بمعزل عن أي توافق على اسم الشخصية التي سيرسو عليها التكليف، وأشارت الى انّ عون قد يعلن عن الموعد يوم الخميس.
وسألت "الجمهورية" معنيين بحركة الاتصالات عما اذا كانت قد طرأت مستجدات إيجابية يستند اليها رئيس الجمهورية لتحديد موعد الاستشارات، فنفى هؤلاء وجود أي إيجابيات يُبنى عليها، خصوصاً انّ مفاوضات الايام الاخيرة بين الرئيس المكلف سعد الحريري والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب الوزير علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله" الحاج حسين خليل، ظلّت عالقة في دائرة السلبية والفشل.
واذ كشف هؤلاء انّ إطلالة رئيس الجمهورية جاءت مفاجئة لهم، اذ لم يكن اي من الاطراف السياسيين في أجواء هذه الخطوة، طرحت تساؤلات عن الغاية من تحديد موعد الاستشارات – إنْ صحّ تَوجّه الرئيس اليها – في غياب التوافق المسبق على اسم الشخصية، كما على شكل الحكومة المقبلة، وهل من شأن تحديد الموعد في ظلّ السلبيات التي ما زالت قائمة، أن يؤدي الى حلحلة ام الى مزيد من التعقيد؟
إنسداد
الى ذلك، الإنسداد الواضح في الافق اللبناني، حَشر البلد ومعه كل مكوناته من دون استثناء، في زاوية ضيّقة، يبدو جلياً انّ خيارات الخروج منها ما زالت معطّلة، كما لم تبرز من أيّ طرف أيّ مبادرة جديّة لرسم خريطة طريق الخروج من هذه الزاوية، بالطريقة التي تحظى بالمقبولية على ضفتي الأزمة الراهنة. بل انّ الحراك السياسي المستمر على مستوى السلطة، في موازاة هذه الازمة المتصاعدة، ما يزال يدور حول عناوين وتفاصيل سياسية تخشى معها مكونات الحراك من استبطانها محاولات احتوائية لكل ما تحقق منذ 17 تشرين الاول، ونسف لكل المطالب التي رفعت في الساحات في وجه سلطة الازمة.
باقون في الساحات
إزاء هذا الواقع، يبرز جلياً تمسّك الحراك الشعبي بإصراره على الثبات في وجه السلطة، وإحباط اي رهان لها على تعب الحراك، وذلك بعدم مغادرة الساحات، مع اعتماد تكتيكات جديدة ضاغطة على الفريق الحاكم، مُبقياً الكرة في ملعب السلطة السياسية، ريثما ترتسم في الاجواء الداخلية صورة جديدة لسلطة جديدة، بأداء جديد يحاكي نبض الناس ومطالبهم المحقة بالعيش في ظل دولة محصّنة، وليس كما كان عليه الحال في دولة منهوبة، باعتراف كل مكوناتها، عنوانها الفساد والمحاصصات والصفقات.
وسط هذه الاجواء، يفتح الاسبوع الرابع من الحراك على مزيد من المخاوف المالية والاقتصادية، يزامنه إرباك مصرفي، يعبّر عنه إقفال المصارف، وتعطيل للدراسة. ويتوازى ذلك مع شلل واضح في المؤسسات والادارات، ومن دون الحد الادنى من تصريف الاعمال في الوزارات، ما حوّل الدولة الى ما يشبه دولة كسيحة على كل المستويات. ويزيد من عتمة هذا الوضع، فشل السلطة السياسية في فتح ثغرة في الجدار الحكومي المقفل، ما يُبقي التكليف والتأليف معلّقين على حبل متين من التعقيدات والطروحات المتناقضة.
"التيار"
الى ذلك، وفيما اكدت مصادر "التيار الوطني الحر" لـ"الجمهورية": "اننا نواصل عملية التسهيل من اجل ان تكون لنا حكومة في أسرع وقت ممكن وفقاً لمقتضيات الدستور وانسجاماً مع مطالب الناس"، مشيرة الى انه "قد يكون هناك باب فرج باتجاه التكليف المقرون بتسهيل التأليف، وهذا هو جوهر ما يقوم به رئيس الجمهورية".
عبّرت عن التناقض نفسه في المفاوضات التي تسارعت في الساعات الثماني والأربعين الماضية على خط رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري والثنائي الشيعي، حيث فشل الوزير علي خليل والحاج حسين خليل في إقناع الحريري القبول بحكومة "تكنوسياسية" مختلطة بين سياسيين واختصاصيين، ولا تتضمن اسماء يمكن اعتبارها "مستفزّة" لهذا الطرف او ذاك.
لا تراجع
وبحسب المعلومات، فإنّ الخليلين أكدا للحريري دعمهما له في ترؤس الحكومة الجديدة، وانّ حراجة الوضع في لبنان تستوجب ان يكون على رأس الحكومة الجديدة، معبّرين عن استعدادهما الكامل للتعاون معه لتمكين البلد من تجاوز أزمته وإشاعة اجواء اطمئنان في نفوس اللبنانيين القلقين.
وتشير المعلومات الى انّ الحريري لم يبد رفضاً قاطعاً لعودته الى رئاسة الحكومة، خلافاً لِما تردد في الاوساط السياسية في الايام الاخيرة، الّا أنه وبعد استعراض الاسباب التي حملته على تقديم استقالته وعدم قدرته على "الشغل" في الجو الذي كان قائماً، لم يتراجع عن موقفه من حكومة يختارها، بل أكد استعداده العودة الى رئاسة الحكومة إنّما وفق شرط أساسي وهو ان تكون حكومة تلبّي مطالب الناس، اي حكومة تكنوقراط بالكامل من غير الحزبيين، بحيث لا تحوي أيّاً من القوى السياسية التي كانت مشاركة في الحكومة السابقة، مع إبداء مرونة حيال كيفية تسمية الوزراء الاختصاصيين.
وبحسب أجواء "الخليلين" فإنّ فشل اللقاء مع الحريري لا يعني انّ المشاورات ستنتهي، علماً انهما لم يستمهلاه لوقت معيّن لإعطاء جواب نهائي، خصوصاً انه مصرّ على موقفه بتشكيل حكومة يريدها بشروطه، اي حكومة تكنوقراط، مع الاشارة الى انّ حكومة من هذا النوع لا تحظى بقبول الثنائي الشيعي، خصوصاً انّ اللجوء الى حكومة كهذه معناه محاولة فرض أعراف جديدة، أقلّه إلغاء نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة. صحيح انّ 200 او 300 الف شخص نزلوا الى الشارع في الحراك المستمر منذ 17 تشرين الاول، إنما هناك في المقابل ما يزيد على مليوني شخص شاركوا في الانتخابات النيابية وانتخبوا ممثليهم، فهل يمكن ان تلغي هؤلاء بشحطة قلم؟ هذا الامر لا يمكن القبول به. وفي الخلاصة حكومة التكنوقراط مرفوضة "وما بتمشي"، لأنها تنسف نتائج الانتخابات النيابية.
لا بديل
وبَدا واضحاً رفض الثنائي الشيعي الذهاب الى أي خيار بديل للرئيس سعد الحريري، حتى ولو كان شخصاً آخر من آل الحريري يختاره الرئيس المستقيل. وفي هذا السياق، كشفت مصادر معنية مباشرة بحركة الاتصالات انّ الرئيس المستقيل لا يملك، او بالأحرى لم يطرح "اسماً ثقيلاً" كبديل له في تشكيل الحكومة، بل انّ من طرحهم حتى الآن لم يحظوا بالقبول من قبل مفاوضيه. واشارت الى انّ اسم النائب بهية الحريري قد طرح لتشكيل الحكومة الجديدة، على هامش هذه المفاوضات، الّا انه اعتُبَر طرحاً غير جدي.
وقالت المصادر انّ المسلّم به لدى الثنائي الشيعي وحلفائهما "انّ الاولوية تبقى لتشكيل حكومة برئاسة الرئيس الحريري، لرمزيته سياسياً ونيابياً وعلى المستوى السني في هذه المرحلة. أمّا في ما خَصّ ّالشروط التي تطرح، فإنها لا تعجل بالتشكيل، بل يمكن ان تزرع المزيد من العقد في طريق الحلول، إذ انّ لكل طرف شروطه، ما يعني انّ الشروط ستقابلها شروط، وعندما تتلاطَم الشروط وتتصادم ببعضها البعض يصبح المسار أصعب، كما أنّ المشكلة الكبرى تتجلى إذا بدأ أيّ طرف يتعاطى على قاعدة المبالغة في قراءة المشهد الداخلي، فيعتبر انّ ثمة فريقاً قد انتصر، وانّ فريقاً آخر قد هزم، هنا تصبح المسألة أكبر وأعمق.
وتبعاً لذلك، أجملت المصادر نتائج المفاضات الاخيرة بالقول: جَو المفاوضات ودي وصريح، أمّا في موضوع البحث فلا يمكن القول انّ المسألة مقفلة نهائياً، بل انّ الابواب ما زالت مفتوحة، والايام القليلة المقبلة كفيلة بحَمل الجواب، خصوصاً انّ هناك قراراً بالاستمرار في محاولة إقناع الحريري بتحمّل المسؤولية والدخول في شراكة جديدة مع سائر المكونات في محاولة انتشال البلد من قعر الأزمة.
مخاوف على الطائف
وربطاً بمستجدات الأزمة وصولاً الى فشل الوصول الى حلول، أبدى مرجع مسؤول تخوّفاً شديداً على اتفاق الطائف.
وقال المرجع لـ"الجمهورية": كل الاداء من هذا المستوى الرئاسي او ذاك، سواء عن قصد او عن غير قصد، يعزّز الخشية على اتفاق الطائف، عبر محاولة فرض أعراف جديدة تنسف أسس الطائف.
وأعطى المرجع مثالَين، الأول عبر أداء طرف رئاسي يمارس صلاحيات غير موجودة تعود الى ما قبل الطائف، ويحاول مقاربة بعض الامور بمعزل عن رئيس الحكومة، على ما جرى في الاجتماع الذي عقده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل ايام حول الوضع المصرفي، بحضور وزير المال ووزير الاقتصاد وحاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف، ومن دون أن يوجّه الدعوة الى رئيس الحكومة، وهو أمر ترك تساؤلات في الكثير من الاوساط السياسية، وأثار استياء شديداً في أوساط الرئاسة الثالثة.
والمثال الثاني، يضيف المرجع، يتجلى بأداء طرف رئاسي آخر، يسعى الى فرض أعراف جديدة، تطيح باللعبة الديموقراطية، وتتجاوز نتائج الانتخابات، ويضع شروطاً لتشكيل حكومة هو يشكّلها بمعزل عن سائر القوى السياسية، علماً انه هو واحد من المكونات السياسية.
وخَلص المرجع الى التحذير من انّ هذا النمط المتّبَع يفتح البلد على شتى الاحتمالات السلبية، أقلها الفوضى – حتى لا نقول الفتنة – التي قد لا يعرف المدى الذي ستبلغه، وأي لبنان سيكون إن تم دفعه اليها؟
لاءات سلامة
أطلق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أمس، مجموعة لاءات يفترض ان تشكل نوعاً من الطمأنينة في الاسواق المالية، من دون ان يعني ذلك انّ القلق زال، خصوصاً انّ الاجراءات التي اتخذتها المصارف، والتي شملت قيوداً على التحويل والصرف والسحب، ساهمت في الايام الماضية في مضاعفة القلق، وولّدت حالاً من الذعر أدّت الى زيادة الضغوطات على القطاع المصرفي.
وفي اختصار لما أورده سلامة في مؤتمر صحافي عقده في المصرف المركزي، على وقع أصوات المتظاهرين المعترضين في الخارج، يمكن إيراد اللاءات التالية:
– لا تغيير في سعر صرف الليرة وستبقى ثابتة. لكن، وفي المقابل، ستبقى السوق الموازية (الصيارفة) قائمة بدورها.
– لا نية ولا قدرة قانونية على فرض قيود على حركة الرساميل (Capitals control)، ولكنّ التحاويل الى الخارج ستبقى مقيدة ومحصورة بالضروريات بسبب الاوضاع الاستثنائية القائمة.
– لا نية ولا قدرة قانونية على اقتطاع نسب من الودائع المصرفية (Haircut).
في الموازاة، طمأن سلامة المودعين الى انّ ودائعهم آمنة ومضمونة، وانّ كل الاجراءات التي تتخذ اليوم تهدف الى ضمان سلامة هذه الودائع.
كذلك أشار حاكم المركزي الى انّ القيود الصارمة التي اتخذتها المصارف في شأن التسهيلات سيُعاد النظر فيها لجهة تخفيفها، وإعادة بعضها الى الوضع الطبيعي. في النتيجة، أوضح سلامة اننا حالياً في فترة إدارة للسيولة، وبالتالي كل الاجراءات المتخذة تهدف الى اجتياز هذه الظروف الاستثنائية بأقل خسائر ممكنة.
المصارف مقفلة اليوم
الى ذلك، استبق موظفو المصارف المؤتمر الصحافي لسلامة، وأعلنوا الاضراب المفتوح بسبب ما سمّوه ظروف العمل القاسية وغير الطبيعية التي خضعوا لها في الايام الاخيرة، خصوصاً تعرّض قسم منهم لاعتداءات طاولت كراماتهم، ووصلت أحياناً الى حد الاعتداء الجسدي.
وفي بيان أصدرته جمعية المصارف لاحقاً، وعدت بالتواصل مع نقابة الموظفين لمعالجة الاشكاليات القائمة، وتأمين المناخ المناسب لاستئناف العمل.
وبالتالي، ستكون المصارف مغلقة اليوم الثلاثاء، في حين انّ المعلومات التي توافرت تفيد بأنّ المصارف قد تعاود فتح ابوابها غداً، في حال تم التفاهم مع نقابة الموظفين.
بري
الى ذلك، طلب رئيس المجلس النيابي نبيه بري، باسم كتلة التنمية والتحرير، من الجميع في الكتلة (رئيساً، ووزراء سابقين وحاليين ونواباً) رفع السريّة المصرفية عن حساباتهم، ومن وزراء الكتلة السابقين والحاليين رفع الحصانة إزاء أية محاسبة تتعلق بالمال العام.
وإذ أكد بري، بعد اجتماع كتلة التحرير والتنمية أمس، ضرورة تأليف حكومة جامعة لا تستثني الحراك الحقيقي، أعلن تأجيل الجلسة التشريعية التي كان مقرراً عقدها أمس، الى 19 تشرين الثاني الجاري وبنفس جدول الاعمال. وقال: أولاً، إنّ الحملة التي قامت ضد الجلسة التشريعية تهدف لإبقاء الفراغ السياسي القائم حالياً.
وثانياً هي ليست من مصلحة مخططي الفراغ هؤلاء، سائلاً إذا ما أقرّ قانون ضد الفساد وقانون إنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية تشمل صلاحياتها الرؤساء والوزراء والنواب ومجالس الإدارة والبلديات سواء كانوا في الخدمة الفعلية أم من السابقين وغيرهم وغيرهم، وإقرار قانون الشيخوخة وغيرها من القوانين المهمة أيضاً، وذلك كي تبقى المتاجرة بهم قائمة وذريعة لمَن يريدون خطف المطالب المحقة.
الراعي
الى ذلك، اكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، في افتتاح أعمال دورة البطاركة والاساقفة الكاثوليك "انّ الانتفاضة التي يقوم بها الشعب اللبناني "تاريخية ولا تخضع لطائفة، هم اصطفوا تحت راية الوطن، وهكذا بَيّنوا للجميع انّ الانتماء بالمواطنة يفوق اي انتماء آخر، وعادوا بنا الى القاعدة الاساسية التي قام عليها النظام اللبناني الذي قام على الانتماء بالمواطنة وليس بالدين".
أضاف الراعي: قال الشباب والشعب كلمتهم بصوت حضاري وبصوت واحد، إنهم فقدوا الثقة بالقادة السياسيين ويريدون أشخاصاً معروفين بكفاءتهم ونزاهتهم. طالبوا بحكومة حيادية متحررة من السياسيين والاحزاب كي تستطيع إجراء ما يلزم من إصلاحات في البنى ومكافحة الفساد وضبط المال العام، ومن المؤسف انّ هناك من لا يعنيه صوت الشباب والشعب وانهيار الدولة فيعرقل مسيرة النهوض. فنقول لهم لا يحق رهن مصير الدولة بمصلحة شخص أو فئة مهما توهّموا انهم أقوياء او راسخون".
نصرالله
بدوره، أشار الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، في كلمة لمناسبة "يوم الشهيد"، الى انّ "المباحثات ما زالت جارية لنخرج بأفضل حلّ لبلادنا".
وقال: "اللقاءات متواصلة والاستشارات قائمة، ولسنا مضطرين لإبداء أيّ موقف حالياً في تشكيل الحكومة".
واعتبر أنّ "هناك فاسدين، والهدف هو محاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة منهم، وهذا يحتاج الى جهاز قضائي نزيه ولا يخضع لضغوط القوى السياسية".
ورأى أنه "يجب أن يكون هناك قاض نزيه وآليّات لاسترداد الأموال المنهوبة وسجن المتورطين". وقال إن "مكافحة الفساد تحتاج محاكمات عادلة".
وخاطَب القضاء في لبنان وقضاته: "المطلوب اليوم موقف من مجلس القضاء الأعلى في موضوع مكافحة الفساد، وأتوجّه الى مجلس القضاء الاعلى والقضاة المعنيين اذا كان هناك ملف متعلّق بـ"حزب الله" فابدأوا فينا… المطلوب منكم خطوة شجاعة وإنقاذية وعدم الرضوخ لأيّ ضغوطات". وشدّد على أنّ "الفاسد كالعميل لا طائفة له ولا دين".
خرق أمني في طرابلس
وليلاً، أدى إطلاق نار عند دوار مرج الزهور في محلة أبي سمراء، إلى إصابة 3 أشخاص بطلقات نارية في الرأس وسائر أنحاء الجسم، وعمل عناصر جهاز الطوارئ والإغاثة في "الجمعية الطبية الإسلامية" بالتعاون مع أبناء المنطقة على نقلهم إلى مستشفيات المنطقة، وما لبث أحدهم أن فارق الحياة. وعلى الفور أغلقت وحدات من الجيش المنطقة، وفرضت طوقاً أمنياً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نداء الوطن (لم توزع الوكالة الوطنية افتتاحيتها اليوم)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرق
سلامة: ما دام "الاحتياطي" بخير فالليرة بخير
أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، أن الودائع مؤمنة والمصارف في لبنان لديها أموال موظفة في الخارج ومع الدولة ومع القطاع الخاص، وقال إن كلفة ديون القطاع الخاص من المصارف تساوي 10% من حجم الاقتصاد.
وأشار سلامه، إلى أن إحتياطي مصرف لبنان من دون الذهب يقارب 38 مليار دولار بما فيه اليوروبوند واستثمارات المركزي. وقال إن القدرة النقدية "الكاش" بحدود 30 مليار دولار.
وأضاف، أن المصرف يحاول المحافظة على الإستقرار في سعر صرف الليرة الموجود حالياً في المصارف، وقال إن هناك فروقات بين السعر الموجود في مصرف لبنان والسعر الموجود لدى الصرّافين.
كلام الحاكم سلامة جاء في مؤتمر صحافي عقده في المقرّ الرئيسي للبنك المركزي، في حضور رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط "ميدل إيست" محمد الحوت، نقيب الصحافة عوني الكعكي وأعضاء في النقابة.
وبدأ سلامة كلمته بتوجيه الاعتذار من الصحافيين الذين لم تتم دعوتهم إلى المؤتمر الصحافي، وقال: مصرف لبنان عمل عبر السنوات في بيئة صعبة وشهدنا وقطعنا في مراحل لكانت دول أخرى تعثرت بنتيجتها، واستطعنا المحافظة على الاستقرار في سعر صرف الليرة.
إن الحرب في سوريا ومنذ اندلاعها، حوّلت ميزان المدفوعات من فائض إلى عجز، وتراجع النمو الاقتصادي من 8 إلى 2 في المئة. كما أننا واجهنا العقوبات الأميركية بدءاً من العام 2015، وكان لها تأثير عل حركة الأموال إلى لبنان وحركة العمل المصرفي. واتخذنا التدابير اللازمة ليبقى لبنان منخرطاً في العولمة المصرفية.
كذلك واجهنا مشكلات داخلية، ونتذكّر الفراغ في سدّة الرئاسة وفي المرة الأخيرة دام فترة طويلة امتدت لسنتين تقريباً، إضافة إلى الصعوبات في تشكيل الحكومات في لبنان، وعشنا فراغات كبيرة وطويلة مراراً في كل مرة يصار فيها إلى تشكيل حكومة، والمرة الأخيرة كانت في العام 2018 خلال تسعة أشهر، فيما كنا في أمسّ الحاجة إلى إصلاحات ومبادرات. كذلك عشنا جواً من تأجيل الانتخابات النيابية مرات عديدة. وفي تشرين الثاني 2017 كانت استقالة الرئيس سعد الحريري في السعودية فتركت آثاراً كبيرة على الوضع النقدي في لبنان. ومنذ تلك الفترة شهدت الأسواق اللبنانية تراجعاً في السيولة الذي نتج عنه ارتفاع في معدلات الفوائد، وليس العكس. وهذه الفائدة ارتفعت منذ ذلك الحين إلى اليوم، بمعدل 3 في المئة.
أضاف: كل ذلك تزامن مع توسّع أكبر في حجم القطاع العام، فوصلنا إلا عجز مرتفع خلال العام 2018 وصل إلى أكثر من 11 في المئة نسبةً إلى الناتج المحلي في وقت أن الاقتصاد كان بحاجة إلى تمويل ليتمكن من النمو.
كذلك لاحظنا تراجعاً في التصنيف الائتماني للبنان حيث خفضت وكالات دولية عدة تصنيف لبنان الائتماني، وشهد تقارير متتالية ومستمرة سلبية تصف الواقع إنما بوتيرة متلاحقة مستمرة ما أدى إلى زعزعة الثقة بالبلد. كل ذلك إلى جانب الشائعات وترويجها بطريقة ممنهجة وبث أخبار من قِبل أشخاص ربما يعلمون لكن غايتهم سلبية، أو من قِبَل أشخاص لا يعلمون. كل ذلك أثّر على معنويات الأسواق.
وتابع: في ظل كل تلك المعطيات كان هدف مصرف لبنان أن يلعب دوره كما حدّده القانون، وكما كان القرار على صعيد البلد ككل، وهذا الدور كان المحافظة على الثقة ولا سيما الثقة بالليرة اللبنانية. وهذا الأمر أساسي لأن الليرة اللبنانية هي أداة للتمكّن من تحقيق نمو اقتصادي ممكن، واستقرار اجتماعي. نعلم أن نِسَب التضخم ترتفع بشكل مهم جداً، والقدرة الشرائية تراجع إذا كانت الليرة اللبنانية تنحدر.
وقال: أعتقد أن هذا النجاح في المحافظة على الليرة اللبنانية نقيسه بقدر ما خدم اللبنانيين، وأمّن لهم حداً معيناً من العيش الكريم. إنما التراجع في الحركة الاقتصادية والنمو الذي بلغ الصفر في العام 2019، هذا التراجع زاد من معدل البطالة وأثّر على فئات عديدة من الشعب اللبناني ولمسناه من خلال التعثر في تسديد القروض السكنية، حيث ارتفع التعثر بشكل لافت.
وهنا طلبنا من المصارف أن يكونوا مرنين قي التعاطي مع هذا النوع من القروض، وهذا ما حصل.
وتابع سلامة: نحن في اقتصاد مدَولر، بمعنى أنه إذا لم يتوفر الدولار الأميركي في الأسواق، لن يكون هناك اقتصاد، لذلك الليرة اللبنانية وثباتها هي عنوان ثقة أيضاً كي يستمر دخول الدولارات إلى لبنان.
أضاف: لقد قمنا بكل ذلك، لأننا استطعنا القيام بهندسات مالية ساعدت لكنها ربما لم يفهمها البعض أو لم يطلع عليها، وقد يكون حوَّر في معالمها البعض الآخر.
وسأتوقف الآن أمام الهندسة المالية التي يتم الحديث عنها، والتي تعود إلى العام 2016. هذه الهندسة المالية، سمحت بالفعل بأن أكوّن احتياطات كبيرة دعمت الليرة وسمحت بتكوين رسملة لدى المصارف والتي ساعدت في تطبيق المعايير الدولية في العمل المصرفي، كما ساعدت في استمرار وجود ملاءة في المصارف ونحن نعيش تراجعاً في التصنيف الائتماني، كما ساهمت في المحافظة على إمكانات تمويل البلد.
وهنا سأدخل في تفاصيل الأمور، وقال: الودائع بالدولار الأميركي التي أخذناها من المصارف دفعنا عليها فائدة بين 15،6 و89،6 في المئة. وللتذكير الفائدة اليوم تفوق الـ15 في المئة في الأسواق العالمية. أي أننا كسبنا أموالاً بالدولار بفوائد مقبولة.
أما في ما يتعلق باستخدام المال العام في تلك الهندسات فأكد سلامة أن ذلك "لم يحصل، بل على العكس. فقد قبضت الدولة ضرائب من نتائج هذه الهندسات في حدود 800 مليون دولار. وحسم مصرف لبنان من الفوائد على الأوراق التي أخذها بالليرة اللبنانية ما يساوي 5 مليارات دولار. فمَن يطالب اليوم بإعادة أموال الهندسات المالية يكون كلامه ليس دقيقاً. وإذا أردنا أن نُعيد هذه الأموال فذلك يعني أن الدولة ستدفع 800 مليون دولار للمصارف وأن يُعيد مصرف لبنان الـ5 مليارات.
فهذا الكلام يجب أن يكون واضحاً ونعلم تماماً تفاصيل هذه الهندسة، وهي منشورة على الموقع الإلكتروني لمصرف لبنان.
وقال: بسبب التطورات الأخيرة دخلنا في ظروف استثنائية. فعلياً كانت الأمور النقدية تتحسّن، إذ ارتفعت موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية بين تموز ومطلع أيلول، بما يساوي ملياريّ دولار. إنما في أوائل أيلول عدنا ودخلنا في انتكاسة بدأت مع تسمية مصرف على لائحة "أوفاك"، الأمر الذي كان له ردات فعل في الأسواق اللبنانية لمسناها من خلال التوجّه إلى سحب نقدي بمبالغ كبيرة بالليرة اللبنانية من صناديقنا في مصرف لبنان.
ففي خلال أشهر أيلول وتشرين الأول وتشرين الثاني، تم سحب أوراق نقدية بالليرة اللبنانية فاق ما تم سحبه في خلال السنوات الثلاث الأخيرة. الأمر الذي أثّر على سوق الأوراق النقدية بالدولار الأميركي. لذلك لاحظنا ارتفاعاً للدولار الأميركي لدى الصيارفة. والظاهرة كانت عند اللبنانيين أن يدّخروا أوراقاً نقدية في منازلهم. ووصلت تلك المبالغ إلى ما يساوي الـ3 مليارات دولار انسحبت من القطاع المصرفي.
هذا عنصر أساسي لنقول إن الوضع استثنائي لأن الاقتصاد اللبناني حرّ واقتصاد سوق، ونحن نؤمن بأنه يجب أن يبقى كذلك، وحرية التداول تطاول كل السلع ومنها النقدي.
خلال الـ27 سنة الماضية، اعتمد مصرف لبنان أهدافاً وسياسات ساعدت لبنان في ظل الأجواء التي ذكرتها في بداية حديثي، لم تكن أجواء تساعد عمل البنك المركزي، ونأمل أن تكون كل هذه السياسات قد خدمت اللبنانيين في المحافظة على قدرتهم الشرائية ومن خلال قيامنا بضخّ السيولة والذي استفادت منه شرائح عديدة من المجتمع اللبناني وقطاعات اقتصادية عديدة.
أضاف: لقد دعمنا قروضاً سكنية لأكثر من 125 ألف مسكن، ودعمنا الصناعة والسياحة بالمليارات والطاقة البديلة والبيئة كلها خلقت فرص عمل وحركة في البلاد.
استمر مصرف لبنان في هذه العملية ولو بوتيرة مختلفة ولكن هذا الأمر فُرض عليه منذ أن بدأت السيولة تتراجع في العام 2017، وكان الهمّ الأساسي ألا تكون هناك سيولة تخلق تضخماً وخطراً على الليرة اللبنانية، لذلك كان يقوم بضبط تلك المبادرات.
وقال: نحن اليوم أمام مرحلة جديدة أحب أن أؤكد فيها أننا سنحافظ على استقرار سعر صرف الليرة. هذا الاستقرار موجود، والمصارف تتعاطى بالسعر الذي أعلنه مصرف لبنان. بالطبع هناك فارق بين السعر الموجود في مصرف لبنان وذلك الموجود لدى الصرافين.
مصرف لبنان لم يُرد هذا الفارق إنما جاء نتيجة عرض وطلب، وأن مصرف لبنان لا يتعاطى بالأوراق النقدية بالدولار، ولن يكون لديه مخزون بالأوراق النقدية بالدولار لأسباب عديدة ولن يذهب إلى الصرافين ليعطيهم الدولار بهدف المحافظة على السعر.
المواطن يعلم ما هي مصلحته، وأيضاً ربما لدى الصيارفة هناك عمليات لا تتعلق فقط بالادخار، إنما بتمويل بعض العمليات التجارية والاستيراد الصناعي. وهذا يعود إلى المؤسسات ذاتها.
وهذا الواقع هو ظاهرة لأن الوضع استثنائي ولأن سيولة كبيرة بالليرة اللبنانية انخفضت. وهذه الظاهرة ستتراجع عندما يتراجع الطلب على النقد بالليرة اللبنانية وعندما يحصل ارتياح أكبر إلى وضع البلد، ورؤية ونظرة للمستقبل.
في هذه الظروف الاستثنائية التي نتحدث عنها، مصرف لبنان إذاً هدفه الأساسي والأول، هو الحفاظ على الاستقرار بالليرة اللبنانية وإمكاناتنا متوفرة لذلك.
ولدينا هدف أساسي أيضاً، وأخذنا التدابير من أجله، هو حماية المودعين، وحماية الودائع في لبنان. وهذا موضوع أساسي ونهائي. وأخذنا مما يقتضي من إجراءات لتجنيب المودِعين أي خسائر.
وأكد سلامة أنه لن يكون هناك ما يسمّى بالـ"Haircut" على الودائع، وقال: هذا الأمر غير وارد، أولاً لأن مصرف لبنان ليست لديه صلاحية قانونية ليقوم بذلك، كما أنه لا يريد ذلك بالطبع، ولن يحصل ذلك. ولا أعتقد أنه سيمرّ قانون يسمح باقتطاع ودائع موجودة لأنها ملك اللبنانيين، المقيمين أو في الخارج. من هنا ليس هناك أي نوع من الـ"Haircut".
وقال: الآلية التي وضعناها هي لحماية المودِع من خلال عدم تعريض أي مصرف للتعثّر. فبالفعل عندما تحصل خسائر في الودائع تكون ناتجة عن تعثّر أحد المصارف، عندها يأخذ المودِعون ما تبقى في هذا المصرف.
عندما نقول إنه لن يكون هناك مصارف متعثرة، نكون تلقائياً حمينا الودائع الموجودة في لبنان.
من أجل ذلك، أعلمنا المصارف أن في إمكانها أن تستلف من مصرف لبنان حاجاتها من السيولة بالدولار الأميركي بفائدة 20 في المئة. لكن الأموال التي تستدينها المصارف من البنك المركزي غير قابلة للتحويل إلى الخارج. بل إنها أموال يحق لأي مودع أن يستعملها في لبنان وينقلها من مصرف إلى آخر أو استثمارها… إلخ، إنما لأنها أموال مصرف لبنان، لا يمكنه أن يحوّلها إلى الخارج.
إن عملية التحاويل إلى الخارج تعود إلى العلاقة القائمة بين المصارف وزبائنها، وتتم من حساباتهم في الخارج. ولكن في الظروف الاستثنائية يجب أن تكون التحاويل حتى لو من أموال المصارف أن تلبّي الضرورات. وهنا طلبنا من المصارف تلبية العمليات الضرورية، لأن للوهلة الأولى وعندما فتحت المصارف في ظروف صعبة حيث لا حلول سياسية للأزمات السياسية التي يعيشها لبنان، اتخذت المصارف قرارات متحفظة.
وهنا طلبنا من المصارف:
1- العودة إلى ممارسات تساوي بين الوضع الاستثنائي والضرورات وتلبية حاجات اللبنانيين ليس فقط في الداخل ولكن أيضاً في الخارج.
2- أن تدرس كل التسهيلات التي خفضتها من 17 تشرين وتعيد النظر فيها، وتعيدها تبعاً لدراستها إلى وضعها وتلبي الشيكات المرتجعة الناتجة عن تخفيض تلك التسهيلات.
3- ألا تخفض التسهيلات عندما يكون هناك تسليف وتكون سقوف التسليف أقل.
4- الإبقاء على سقوف البطاقات الائتمانية وتلبية السيولة لهذا الغرض.
5- أن يستطيع اللبناني ولو بقروض التجزئة، أن يغطي دينه، وإذا كان بالدولار أن يغطيه بالليرة، لا أن يُطلب منه التوجّه إلى الصيارفة لتأمين الدولار من أجل سداد القسط المتحق عليه.
أضاف سلامة: كل هذه الأمور، ستعقد جمعية المصارف اجتماعاً للبحث فيها وإقرارها وتنفيذها فوراً، لأنها ضرورية ليبقى الاقتصاد على حركته المطلوبة لتأمين حاجات اللبنانيين.
في ما يتعلق بأسعار الدولار والصيرفة والاستيراد، قال: أصدر مصرف لبنان تعميماً سمح بتلبية الاحتياجات بالدولار الأميركي لاستيراد البنزين والقمح والأدوية. وبدأ تنفيذه. والاعتمادات الخاصة بها هي سارية المفعول طالما المصارف تتعامل مع المصارف المراسلة.
الودائع مؤمّنة، ولكن هناك إدارة للسيولة، وهي لا تعني أن ملاءة القطاع المصرفي انخفضت أو أنها تشكّل مخاطر على الودائع.
طبعاً عندما تكون هناك أوضاع استثنائية، على القطاع المصرفي أن يتخذ تدابير لإدارة سيولته. وبهذه التدابير يكون يحمي جميع المودعين، ولهذه التدابير أسس تعرف كيف تتعاطى بها مع زبائنها.
ليس كل أموال المصارف موضوعة في مصرف لبنان، هذه المقولة غير دقيقة، بل مصارف لبنان لديها أموال توظفها في الخارج وأخرى توظفها مع الدولة، وأموال توظفها مع القطاع الخاص. ويجدر الذكر أن المصارف أقرضت القطاع الخاص اللبناني بما يساوي 110 في المئة من حجم الاقتصاد.
والأموال التي تُدخلها المصارف إلى البنك المركزي تعود وتخرجها من مكان آخر. وإذا أردنا التوازن بين الأموال التي دخلت البنك المركزي من المصارف عام 2019 وتلك التي خرجت منه إلى القطاع المصرفي، فالنتيجة تظهر أن مصرف لبنان ضخّ أموالاً للمصارف أكثر مما أخذ منها.
وأصدر مصرف لبنان تعميماً طلب فيه من المصارف زيادة التقديمات النقدية للمصارف بالدولار الأميركي وبنسبة 20 في المئة، على أن تكون الـ10 في المئة قبل آخر السنة الجارية، و10 في المئة في حزيران 2020. وهذه مبالغ مهمة تزيد من رسملة القطاع المصرفي وتطمئن المراسلين العاملين معه، وستزيد من السيولة المتوفرة بالعملات الأجنبية. وستظهر مدى التزام المساهمين بمؤسساتهم وهذا أمر طبيعي أن يقف أصحاب المصارف مع مصارفهم.
سنحاول في هذه الفترة وفي إطار تنظيم السيولة، تخفيض الفوائد وهذا أمر مهم، حفاظاً على استمرارية المصارف في لبنان، وملاءة الاقتصاد اللبناني والقطاعات.
طلبنا من المصارف أن تعقد اجتماعات مع جمعية الصناعيين وجمعية تجار بيروت من أجل التفاهم على كيفية العمل إن من حيث تأمين الاستيراد أو سداد القروض وأن تكون هناك مرونة في ذلك، وتوفير التسهيلات. وهذا نأمل أن يتم سريعاً.
مصرف لبنان لديه الإمكانات، إن كانت السيولة بالعملات الأجنبية، منها استثمارات وسندات للجمهورية اللبنانية وحركة على أساها لعب دور الممول ليس للقطاع الخاص قفط، بل للقطاع العام، وهذا أساسي.
وقال: نحن موّلنا، ولم نصرف. ومَن صرف هو مَن قرّر موازنات الدولة وراقبها، ومصرف لبنان لا علاقة له بهذا الموضوع. وهذا يجب أن يكون واضحاً للجميع.
نحن نؤمّن التمويل للبنان حفاظاً على استمرارية البلد الذي نحب، ولسنا نحن مَن يصرف الأموال.
على صعيد آخر، قام مصرف لبنان بمبادرات مهمة من خلال تواجده في الهيئة الخاصة لمكافحة تبييض الأموال ومن حيث أيضاً مساعدة الدولة في مكافحة التهرب من الضرائب. ومصرف لبنان هو الذي وضع الشبكة الأساسية التي حمت سمعة لبنان وهي التي فرضت أن تكن هناك دوائر امتثال وطرق للعمل بشفافية وضمن القانون اللبناني للعمل المصرفي وكافح واطلع على ملفات عدة تتعلق بالفساد وتبييض الأموال، وأقفل مصارف عدة لتعاطيها حركة أموال مشبوهة…
وأصدرنا تعاميم على كل المصارف بمؤشرات الفساد وكيفية التأكد من مصادر الأموال وعلى المصارف تنفيذ هذه التوصيات. كذلك وضعنا التقييم الوطني لمخاطر الفساد والجرائم الداخلية وطلبنا من المصارف وكتّاب العدل أن يتقدموا بشكواهم إلى الهيئة الخاصة التي تتلقى الشكاوى من الخارج ومن المصارف ومن القضاء اللبناني والآن من كتّاب العدل. ونحقق في كل شكوى من دون تردّد أو تأخر.
كذلك عملنا على تأسيس أسواق للأوراق المالية والنقدية الغاية منها خلق سيولة للقطاع الخاص.
وقال: نحن اليوم في وضع يحكى فيه عن Capital Control أو "تقييد التحاويل" بشكل قانوني في لبنان. هذا الأمر غير وارد. أولاً إن مصرف لبنان لا يملك صلاحية في قانون النقد والتسليف أن يقوم بذلك، كما أن لا يرغب فيه. لأن لبنان يعيش من التحاويل ويتموّل من تحاويل اللبنانيين غير المقيمين، ومن غير الطبيعي ألا يتمكن المحوّل من استعادة أمواله بحرية.
في ما يتعلق بالـBank Note قال: هناك شحن مرخص، ولا يحق لغير المرخص له أن يشحن، ومن يريد رخصة عليه التقدم من مصرف لبنان للحصول عليها. لكن طلبنا من المصارف أيضاً أن يكون للمودع Debit Card لحمايته من التزوير أو السرقة، لكن ذلك يبقى اختيارياً للمودعين في القطاع المصرفي.
يعيش لبنان اليوم في مرحلة تاريخية ونتمنى أن تنحى الأمور التي نعاني منها في لبنان، نحو مستقبل أفضل.
في رؤيتنا يجب أن تكون موازنة الدولة العامة خالية من العجز وأن يتحقق ذلك من دون إلحاق الضرر لا بالعاملين في القطاع العام ولا بالمواطن بتحميله الضرائب. ونأمل أيضاً إجراء إصلاحات أساسية في الخدمات التي يحتاج إليها المواطن. ونتمنى إعادة تفعيل القطاع الخاص وتكون هناك شراكة بين القطاعين الخاص والعام، في القطاع العام ولا بالمواطن بتحميله الضرائب. ونأمل أيضاً إجراء إصلاحات أساسية في الخدمات التي يحتاج إليها المواطن من كهرباء ومياه وبيئة… ونتمنى إعادة تفعيل القطاع الخاص وتكون هناك شراكة بين القطاعين الخاص والعام، وعمليات بيع مؤسسات للقطاع الخاص، لأن لبنان لديه الإمكانية في رسملة نفسه سريعاً، من دون أن يخسر سيطرته على القطاعات الأساسية وحماية المستهلك.
إنها عناوين مهمة لمستقبل لبنان والخروج من هذه الأزمة ونعود إلى استقطاب الاستثمارات وخلق وظائف في لبنان.
مصرف لبنان في خدمة كل اللبنانيين ونحن نعمل ضمن القانون، ولديه مبادرته وسياسته. ولكن في آخر المطاف، يتحمّل مصرف لبنان نتائج الأوضاع الاقتصادية أو المالية العامة، وهو الذي يستطيع معالجتها بالطريقة التي يراها مناسبة وهي المناسب عندما يكون يخدم مصلحة لبنان.