أوهام “العثملية الجديدة” : هل بدأت أميركا وأوروبا بتحجيم اردوغان و”إخوانه” في تركيا

la CIA et les vertueux insurgés de Benghazi
لماذا يدفع دحلان ديّات شهداء قتلتْهم حماس؟!
الدفاع الروسية عن “ماكيفكا” : استخدام الجنود للهواتف المحمولة كشف تجمّعهم للعدو

كشف خبراء غربيون عن أن التحركات الشعبية التي اندلعت ضد حكومة أردوغان في تركيا، نتجت إلى حد كبير عن انخراط هذه الحكومة في تنفيذ السياسة الغربية ضد سوريا. لا يمكن تجاهل الأسباب الداخلية التي فجرت هذه التحركات ضد حكومة حزب العدالة والتنمية “الإخواني” في اسطمبول وأنقرة ومدن أخرى، بعدما صارت السياسات والبرامج “الأردوغانية” مصدر تأزم وانقسام بين الأتراك بسبب طبيعتها الإجتماعية ـ الإقتصادية النيوليبرالية. لكن السياسة الخارجية التي اتبعها أردوغان في “المسألة السورية” قد انقلبت عليه.

نتذكر مواعيده الملفقة التي حددها لسقوط النظام السوري، ثم تهديداته العسكرية الفارغة بإقامة منطقة حظر جوي، والتلويح بتحريك الجيش التركي لتحقيق هذه السياسة الإقليمية الجديدة. لقد اعتمد أردوغان خطابا قوميا ـ مذهبيا (عثمانيا) متطرفا في التعبير عن مواقفه، بغرض كسب رضى جمهوره المحلي، واصطناع صورة “البطل الإسلامي” في الدول العربية الغارقة في الفوضى السياسية. وبرأي هؤلاء الخبراء فإن حركة الإحتجاج الشعبي التي اندلعت منذ نحو 20 يوما، تبرهن أن حكومة أردوغان تخسر صدقيتها في المجتمع التركي.

باتت السياسة الخارجية التي يسير فيها الحزب “الإخواني” الحاكم، منذ حوالي 10 سنوات، موضع شك، ومصدر خوف لدى الأتراك القلقين من التسهيلات التي قدمتها حكومتهم لإرهابيي وتكفيريي جماعات “الجهاد الدولي” للإقامة في بلادهم. وهذه السياسة دفعت حرائق “المسألة السورية” إلى نواصي شوارعهم وعتبات بيوتهم، ما هدد أمن الأتراك وهز استقرارهم، على غرار ما وقع في بلدة الريحانية. لكن تعمدت الدول الغربية إدخال تركيا في “مأزق سوري” صعب.

شجعت الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي أردوغان على التدخل السياسي والأمني والإعلامي الواسع في الشؤون الداخلية السورية. بل إن واشنطن، وكذلك بروكسل، قد “نفخت” رئيس الحكومة التركية ووضعته لدى اندلاع الأحداث في سوريا، رهن انتظار إشارة الموافقة “الأطلسية” على التدخل العسكري المباشر لإسقاط حكومة الجمهورية العربية السورية، وإقامة حكم “إخواني” في دمشق يكون مواليا لأنقرة والغرب ومتصالحا مع “إسرائيل”.

لكن الإشارة لم تصل، وضاعت “فرصة” أردوغان لغزو الأراضي السورية بجيوش حلف شمال الأطلسي. فقد أحدث صمود سوريا وحلفائها لأكثر من 28 شهرا، ركودا واضحا في سياسة أميركا وأوروبا لحل “المسألة السورية” بالحرب، والتدخل العسكري المباشر. فاشتدت أزمة أردوغان مع الشعب التركي بسبب عجزه، وكذاك العجز الغربي ـ “الإسرائيلي” امام سوريا و”محور المقاومة” المتحالف الممتد إلى موسكو وبكين وعواصم كبرى في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية. وبدا رئيس الوزراء التركي بخطابه “العثملي” المتعالي، أشبه بصوت طبل أجوف. فالتهديدات التي أطلقها بوجه القيادة السورية، رسخت صورة أردوغان في الوعي العربي والإسلامي الراهن، بأنه الخائن الوضيع لمصالح العرب والشعوب الإسلامية.

إن تضليل الرأي العام العربي المعادي للصهونية باتخاذ مواقف “استعراضية” حيال القضية الفلسطينية، بدءا من “منبر دافوس” وحتى “السفينة مرمرة”، لم تبدل قناعة أبناء الأمة العربية وجماهير المسلمين، بأن حكومة أردوغان ليست سوى ألعوبة (marionette) “أطلسية”. لكن مشكلة أردوغان وأركان حزبه “الإخواني” هو في انتفاخ أو تضخم أوهام النفوذ الإقليمي التركي في عقولهم. فقد ظن “الأردوغانيون” أن التلاعب بعواطف الجمهور العربي والإسلامي في “المسألة السورية”، ومن قبل في “القضية الفلسطينية”، ودفع رياح “الربيع العربي” وفق ما يشتهي التنظيم الدولي لـ”الإخوان” كاف لتحقيق أحلام “العثمليين الجدد” في أنقرة.

بينت جولة أردوغان في دول المغرب العربي، مؤخرا، أن “حلفاءه” الأميركيين لا يسمحوا للنظام التركي بأكثر من دور الألعوبة (marionette) الإقليمية، وليس بدور اللاعب أو الفاعل الإقليمي. كانت الجولة فاشلة. يمنع الأميركيون بسط النفوذ التركي في المغرب وتونس وليبيا ولا في مصر، رغم “الحكم الإخواني” هناك، ولا في فلسطين أيضا، رغم المصالحة بين أردوغان ومجرم الحرب الصهيوني بنيامين نتنياهو برعاية الرئيس الأميركي باراك أوباما. حتى العلاقات السرية التي يقيمها وزير خارجيته داوود أوغلو مع الإنفصاليين الأكراد في شمال العراق، تخضع لرقابة واشنطن و… منافسة السعودية و”إسرائيل”.

ويكشف هؤلاء الخبراء عن أن تشابه ما جرى في شوارع المدن التركية، وما جرى في عواصم عربية وأوروبية في وقت سابق. حيث يتبين أن قوى منظمة تقف بشكل ما وراء الإحتجاجات الشعبية هناك، بغض النظر عن مدى جدية أو جذرية البرامج السياسية لها. ويضيفون أن جزءا كبيرا من مصادر تمويل التظاهرات والتحركات الشعبية التي انفجرت بوجه حكومة أردوغان، ضد مشروع ميدان تقسيم، جاءت من مصادر أوروبية وأميركية. فالولايات المتحدة التي يتراجع دورها الإقليمي العربي و”الشرق أوسطي” تريد استثمار ظروف الفوضى السياسية العربية أو ما يسمى بـ”الربيع العربي”، من أجل وقف هذا التراجع.

إن أحلام “العثمليين الجدد” في أنقرة بإقامة منطقة نفوذ إقليمي تركي “شرق أوسطية”، لا تحظى بقبول الأميركيبن. وبرأي هؤلاء الخبراء، فإن تمويل التظاهرات والإحتجاجات ضد حكومة أردوغان ودعمها إعلاميا وسياسيا من جانب القوى الغربية، يؤكد أن استراتيجية واشنطن الحالية تتلخص بمنع هيمنة أي قوة إقليمية على “الشرق الأوسط” في الوقت الراهن (لا تركيا ولا مصر ولا إيران، ولا السعودية طبعا) بالإضافة إلى ضمان أمن “إسرائيل” وتأمين مصادر النفط.

يأتي تمويل ودعم هذه التحركات ضد أردوغان وحكومته، ضمن جهود أميركا واوروبا لتحجيم الطموحات الإقليمية التركية. بل إن التعاطف الأوروبي ـ الأميركي مع جموع المحتجين وحشود الغاضبين في تركيا، يشكل رسائل تهديد واضحة إلى أردوغان بإمكانية اقتلاعه سياسيا، وبأن مصيره لن يكون أفضل من حسني مبارك أو زين العابدين بن علي، ناهيك عن العقيد معمر القذافي. لقد كان هؤلاء “حلفاء” لأميركا قبل أن تتخلى عنهم بضغط من الشارع الغاضب عليهم. واردوغان ليس استثناءا من هذه “القاعدة”، ولذا فإن عليه أن يلزم حده في الإقليم العربي و”الشرق أوسطي”.

COMMENTS