“إسرائيل” تخطط لحرب الغاز‏ في المتوسط : شركات غربية متواطئة مع الكيان الصهيوني‏

“قانون القومية” : الأيديولوجيا الصهيونية واصطناع هوية يهودية
“أمازيغ” المغرب بين الإستهداف “الإسرائيلي” والإستغلال “الدولي” (دراسة وندوة)
السعودية لإصدار سندات بالدولار ومخاوف من تعثر في السداد

بخلاف العربدة الإسرائيلية فوق سطح البحر الابيض المتوسط والتي غالبا ما تنتهي بإطلاق الغاز المسيل للدموع في وجه نشطاء حقوق الإنسان‏,‏ هناك عربدة من نوع آخر تجري تحت السطح تتمثل في سعي إسرائيل لوضع اليد علي حقول الغاز‏,‏ لتتربع علي عرش بورصته العالمية ولتبحر السفن العربية نحو شواطئ المحافل الدولية لتقديم سندات ملكيتها لثرواتها الضائعة في صالات المضاربة بين توني بلير وآرئيل شارون واسحق تشوفا الملقب بملك الغاز‏,‏ والذي يحلم بشرب نخب النفط بالقدس‏.‏
شهدت بورصة الغاز بالشرق الأوسط صعودا جنونيا لمؤشر الصراع مسجلا أعلي درجات الغليان‏,‏ إثر تهديد وزير البني التحتية الإسرائيلي عوزي لندوا باستخدام القوة للسيطرة علي حقول الغاز التي اكتشفت شرقي البحر الأبيض المتوسط‏,‏ الأمر الذي رفضه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري مؤكدا حق لبنان الإفادة بشكل كامل من الثروة في حقلي الغاز‏,‏ وأن أفضل رد علي التهديدات الإسرائيلية يكمن بالإسراع في إجازة قانون التنقيب وإسناده للشركات المتخصصة‏.‏خصوصا أن إسرائيل تتجاهل حقيقة أن الحقل يمتد بحسب الخرائط إلي المياه الإقليمية اللبنانية‏.‏
فقد أعلنت شركة‏’‏ نوفيل إنيرجي‏’‏ التي تتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية مقرا لها‏,‏ أخيرا عن احتمال عال لوجود غاز طبيعي بمنطقة تسمي‏’‏ لغيتان‏’‏ بنسبة‏50%‏ بتقدير مبدئي يصل إلي نحو‏450‏ مليار كوب من الغاز الطبيعي و‏1.7‏ مليار برميل نفط‏,‏ وتجري الشركة استعداداتها لجلب آلة حفر لمواصلة أعمال التنقيب والتي قد تستغرق نحو العام‏.‏ وتبع ذلك إعلانها عن أن كميات الغاز الطبيعي في الحقل البحري‏’‏ تمارا‏’‏ قرب شواطئ حيفا تزيد بنسبة‏30%‏ علي الكمية التي قدرتها الشركة في المراحل الأولي‏.‏
ويتطلع كل من إسحق تشوفا أكبر المساهمين بشركة ديلك والملقب بملك الغاز‏,‏ حيث وصلت ثروته إلي بليوني دولار واحتل المرتبة السادسة بين أغني أغنياء إسرائيل‏,‏ وجون براون صاحب شركة‏ZionOil‏ للعثور علي نفط بالأراضي المقدسة وهو ما تجري بصدده الأبحاث حاليا‏.‏
وفي جريدة‏’‏ هاآرتس الإسرائيلية‏’‏ كتب حال لوفت‏,‏ المدير التنفيذي لمركز دراسات الأمن العالمي ومؤلف كتاب‏’‏ النفط يتحول إلي ملح‏’‏ الصادر عام‏2009‏ عن دار نشر بووكسبيرج‏-‏ كتب يقول‏:’‏ إن تلك التقديرات إن صحت فإن قواعد اللعبة الجيوسياسية بالشرق الأوسط سوف تتغير‏,‏ حيث ستصبح إسرائيل قوة عظمي للطاقة حيث تشير بعض التقديرات إلي أن منطقة شرق البحر المتوسط عائمة علي بحيرة غاز توازي خمس احتياطيات الغاز الطبيعي بالولايات المتحدة الأمريكية‏.‏ وهو ما يأتي في توقيت حساس لإسرائيل لقرار رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان إبقاء إسرائيل خارج إطار مشروع الغاز الروسي العملاق المسمي‏’‏ بالسيل الجنوبي‏’.‏ فضلا عما سيوفره لها الغاز من القدرة علي الانتقال إلي الطاقة النظيفة في محطات توليد الطاقة والمشاريع الصناعية‏’.‏
ونظرا لتزامن الإعلان عن تلك الاكتشافات والاعتداء الإسرائيلي علي أسطول الحرية التركي ربطت بعض الكتابات الغربية بين الحصار البحري لغزة والأطماع الإسرائيلية في الغاز‏.‏ فتحت عنوان‏’‏ إسرائيل تسرق غاز العرب‏’‏ كتب بوب نيكولاس‏-‏ مراسل جريدة سان فرانسيسكو‏-‏ يقول‏’‏ أعتقد أن الهجوم الهيستيري لإسرائيل بمجزرة مرمرة يخفي رغبة إسرائيلية لقطع يد كل من تسول له نفسه الاقتراب من كنز الثروات الطبيعية خصوصا الغاز‏,‏ والشاهد علي ذلك أن القافلة التركية كانت علي بعد أميال قصيرة من آلات الحفر الإسرائيلية‏’.‏
وفي أحدث كتبه‏’‏ آمال وتطلعات‏’‏ يري الكاتب الأمريكي اليهودي ناعوم تشومسكي أنه من المنطقي أن يعتقد المرء أن النية الإسرائيلية للسيطرة علي تلك الثروات‏,‏ هي الدافع إلي منع قوارب الصيد الغزاوية من دخول مياه غزة الإقليمية‏,‏ حيث بدأت الاعتداءات التي تمارسها السفن الإسرائيلية علي قوارب الصيد الفلسطينية عقب اكتشاف شركة‏BG‏ البريطانية حقول نفط طبيعية في مياه غزة الإقليمية‏.‏ والأخطر ما يكشفه تشومسكي من قيام وزير المالية الإسرائيلي بمنح شركة‏IsraelElectricCorp‏ الإذن بشراء كميات من الغاز الطبيعي من شركة‏BG‏ أكبر من تلك التي جرت الموافقة عليها أساسا‏.‏ وفي السنة الماضية وافقت الحكومة الإسرائيلية علي شراء الشركة الإسرائيلية‏800‏ مليون متر مكعب من الغاز من أحد الحقول البحرية الواقعة علي المتوسطي لقطاع غزة‏,‏ ولم تلبث الحكومة الإسرائيلية إن غيرت سياستها وقررت منحها حق شراء كل كمية الغاز المستخرج من حقل غزة البحري‏.‏
ولعل أول من كشف النقاب عن علاقة الأطماع الإسرائيلية للسيطرة علي الاحتياطيات الإستراتيجية من الغاز التي اكتشفت عام‏2000,‏ بسواحل غزة وعملية‏’‏ الرصاص المصبوب‏’‏ ديسمبر‏2008,‏ المحلل العسكري الشهير مايكل تشوسودوفسكي‏,‏ ففي دراسة خطيرة له بعنوان‏’‏ الحرب الإسرائيلية علي غزة والغاز الطبيعي‏’‏ كتب يقول‏’‏ إنه في نوفمبر‏1999,‏ وقعت الشركة المتحدة للمقاولات‏CCC‏ ومقرها أثينا وشركة‏BG‏ البريطانية اتفاقا مع السلطة الفلسطينية يقضي بمنحهما حق الامتياز للتنقيب عن النفط والغاز في شواطئ غزة لمدة‏25‏ عاما‏,‏ فضلا عن تطوير حقول الغاز وإنشاء خطوط الأنابيب‏.‏وبفضل هذا الترخيص أصبحت الشركة البريطانية تعمل في كامل منطقة الشاطئ البحري لغزة‏,‏ وحفرت الشركة عام‏2000‏ بئرين لاستخراج الغاز من تلك المنطقة قدر إحتياطهما بحوالي‏1.4‏ تريليون قدم مكعب فيما يمثل حوالي‏4‏ مليارات دولار بحسب ما صرحت به الشركة نفسها‏.‏ واستغلت إسرائيل الأحداث التي تلت وفاة الرئيس ياسر عرفات لتنفرد بالتعامل مع الشركة البريطانية‏’.‏
وبشأن ملكية تلك الحقول استعرضت الدراسة سلسلة من الأحداث‏,‏ لعل أهمها‏’‏ أن انتخاب رئيس الوزراء الإسرائيلي آرئيل شارون مثل نقطة تحول رئيسية في هذا الشأن‏,‏ حيث إن سيادة السلطة الفلسطينية علي تلك الحقول كانت محل تجاذب أمام المحكمة العليا الإسرائيلية‏,‏ حيث أعلن شارون بشكل قاطع أن إسرائيل لن تشتر الغاز من الفلسطينيين‏,‏ في إشارة واضحة إلي أن ملكية تلك الحقول لإسرائيل‏.‏ورفض في عام‏2003,‏ الموافقة علي اتفاق مبدئي يسمح للشركة البريطانية تزويد إسرائيل بالغاز الطبيعي‏.‏ وفي عام‏2007,‏ وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي علي اقتراح قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ينص علي شراء الغاز من السلطة الفلسطينية بما قيمته‏4‏ مليارات دولار‏,‏ بهامش ربح ملياري دولار‏,‏ ويحصل الفلسطينيون علي مليار واحد فقط‏.‏ ولأن إسرائيل ليس لديها نية اقتسام عائدات الغاز مع الفلسطينيين‏,‏ فقد قام الوفد الإسرائيلي بالتفاوض مع الشركة البريطانية بشكل أحادي الجانب متجاهلا الجانب الفلسطيني‏,‏ بغية إبطال اتفاق‏1999,‏ والتعامل مع الفلسطينيين وفق سياسة الغاز مقابل السلع والخدمات‏.‏ وتجدر الإشارة إلي أنه طبقا لاقتراح‏2007,‏ يتعين مد خط أنابيب تحت البحر لنقل الغاز المستخرج من شواطئ غزة إلي ميناء عسقلان‏,‏ وبذلك يصبح نقل الغاز خاضعا لإسرائيل كما هي الحال في بيعه لها‏.‏ إلا أن الصفقة لم تتم حيث عارضها كل من مائير داغان رئيس الموساد آنذاك مدعيا أن ذلك يعود لأسباب أمنية‏,‏ وكذلك جلعاد أردان العضو بالكنيست الإسرائيلي‏,‏ وانتهي الأمر بانسحاب الشركة البريطانية وإغلاق مكتبها في يناير‏2008′.‏
ويستكمل تشوسودوفسكي روايته للأحداث قائلا‏:’‏ اللافت للنظر تزامن قرار إسرائيل استئناف المفاوضات مع الشركة البريطانية والتخطيط لاجتياح غزة فيما يوحي بحرص إسرائيل علي التوصل إلي تسوية مع الشركة لترتيب الأوضاع قبل الغزو‏.‏ فطبقا لمصادر عسكرية رفيعة المستوي بالجيش الإسرائيلي أعدت خطة‏’‏ الرصاص المصبوب‏’‏ في يونيو‏2008‏ وفي نفس الشهر قامت السلطات الإسرائيلية بإبلاغ الشركة البريطانية برغبتها في استئناف المفاوضات بشأن شراء الغاز من غزة وذلك بناء علي رغبة مدير عام وزارة المالية ياروم آرياف‏,‏ ومدير عام وزارة البنية التحتية حيزي كوجلار‏.‏ وردت الشركة بإبلاغ إسرائيل إيفاد فريق من موظفيها إلي إسرائيل لبحث الأمر‏.‏ وفي نوفمبر من العام نفسه أصدرت وزارتا المالية والبنية التحتية تعليماتهما لهيئة الكهرباء الإسرائيلية للتفاوض مع الشركة البريطانية لشراء الغاز اعتمادا علي الامتياز الممنوح للشركة‏’.‏
وفي طليعة المتربحين من بيزنس الغاز بالشرق الأوسط السيد توني بلير‏-‏ رئيس وزراء بريطانيا السابق ومبعوث الرباعية الدولية‏-‏ والذي فضحته جريدة‏’‏ الديلي ميل‏’‏البريطانية‏,‏ بنشر خطاب كان قد أرسله بلير إلي نظيره الإسرائيلي شارون بتاريخ‏25‏ يوليو‏2003,‏ لم يتطرق عبره لعملية السلام إلا علي استحياء‏,‏ حيث لم تتجاوز السطر الواحد‏!‏ ومضي بلير يستحث شارون علي السماح للشركة البريطانية بمواصلة أعمال التنقيب عن الغاز بغزة وفقا لاتفاق قيمته‏4‏ بلايين جنيه إسترليني‏.‏
ومن جانبه لا يستبعد د‏.‏خالد الأزعر‏-‏ المستشار بسفارة فلسطين بالقاهرة‏-‏ احتمال أن تكون الرغبة الإسرائيلية في السيطرة علي تلك الحقول أحد الدوافع الكامنة خلف الحصار المفروض علي غزة وإن لم تكن الدافع الأهم أو الأوحد قائلا‏:’‏ قانونيا تقع تلك الحقول ضمن المجال الإقليمي لغزة ومعروف دوليا أن المياه الإقليمية تمتد من‏6‏ إلي‏12‏ كم‏,‏ وعندما أعلن عن اكتشافها قيل إنه من المتوقع أن تمثل أحد الموارد المهمة‏,‏ لذلك لا أستبعد وجود علاقة ما بين الحصار والثروات وإن لم تكن علاقة مباشرة‏.‏ أما الحقول التي تبعد لمسافة‏140‏ كم‏,‏ فلا تمت بصلة لإسرائيل فالتكييف القانوني لها أنها مياه دولية تحدد باتفاقيات خاصة‏’.‏
أما الدكتور طارق فهمي‏-‏ خبير الشئون الإسرائيلية بمركز دراسات الشرق الأوسط‏-‏ يرفض طرح القضية وفق هذا المنظور السببي قائلا‏:’‏ ثمة أسباب سياسية وإستراتيجية للحصار البحري لغزة‏,‏ تجعل الربط بينه وبين الغاز غير مقنع لا سيما أن إسرائيل تتعامل مع القطاع بوصفه ظهيرا إستراتيجيا لها ومن ثم سوف يحدث شكل من الربط الهيكلي بين اقتصاديات غزة والضفة الغربية وإسرائيل في حال إعلان الدولة الفلسطينية‏,‏ باعتبار الاقتصاد الإسرائيلي مستقل وتابع في ذات الوقت لقيامه علي الخدمات الإنتاجية والخدمية من جانب‏,‏ واعتماده علي برامج المساعدات الخارجية من جانب آخر‏.‏ ومنذ عام‏2004,‏ قدمت شركات سويدية ونرويجية عروضا للتنقيب عن الغاز بغزة وتم الكشف عن بعض الحقول بغير نسب محددة‏,‏ حيث كان أغلبها تقديرات عامة‏,‏ وأشار التقرير الإسرائيلي السنوي الصادر عن‏’‏ هيئة الإحصاء الإسرائيلي‏’‏ إلي أن غزة تمثل قطاعا واعدا بالموارد البشرية عامة كالغاز والمياه‏.‏ وفي ظل حكومة شارون رفضت إسرائيل شراء الغاز من غزة خشية أن يقود ذلك إلي فتح ملف المياه بالتبعية‏,‏ وفي عام‏2007,‏ وافقت اللجنة السباعية بإسرائيل علي استيراد الغاز من غزة وتم الاتفاق مع الشركة البريطانية‏BG‏ بقيمة‏4‏ مليارات دولار‏,‏ علي أن تأخذ سلطة أبو مازن مليارا واحدا فقط وذلك لمدة ‏15‏ عاما بحيث يتم استيراد كميات من غاز غزة بما يقل‏10%‏ من استهلاك الطاقة بإسرائيل وأحدث هذا الموضوع أزمة واسعة بإسرائيل لأن هذه الثروات في عرفهم ملك لهم‏,‏ وانتهي الأمر برفض الحكومة الإسرائيلية دفع المليار دولار للسلطة‏.‏ وتعد أهم الشركات الأمريكية والإسرائيلية العاملة الآن في عمليات المسح الشامل للأراضي المحتلة بحثا عن الغاز شركة نوفيل‏,‏ ديلك كيدو حييم ويسرائيل غد‏.‏ أما الحقل الذي تم اكتشافه عام‏2009,‏ أمام سواحل حيفا فيطلق عليه الإسرائيليون حيفا هت كفا والذي يعني بالعربية بئر الأمل‏,‏ ويعتبر هذا الحقل ملكا لفلسطين‏,‏ ولكن إسرائيل سوف تضع يدها عليه لأن لديها عجز وما تعلن عنه من اكتشافات لا يكفي لسد احتياجاتها‏,‏ فضلا عن أنه سيمكنها من الاستغناء عن مصادر كثيرة كدول الكومنولث لتوافر بديل أوفر لديها وسوف يفتح جدلا واسعا حول دور إسرائيل ببورصة الغاز بالشرق الأوسط‏’.‏

السبت 10 تموز 2010
http://arabi.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=wrld11.htm&DID=10369

COMMENTS