سفير روسيا في بيروت : يوجد كسر أكيد للأحادية الأميركية، ونتقدم الى عالم متعدّد الأقطاب. الحوار هو الطريق الى الحل في سوريا

التقدّم المدهش في العلاقة التركية – السورية… وضيق الأفق اللبناني
نحو عالم متعدد الأقطاب : ألمانيا ترى أن “الولايات المتحدة خسرت زعامة العالم” وهجوم بريطاني على ميركل
شؤون يهودية : دراسة تؤكد أن هتلر متحدر من جد يهودي نمساوي

يحرص ألكسندر زاسبكين سفير الاتحاد الروسي على التواصل مع الاعلام اللبناني منذ بداية مهمته في بيروت. تضاعفت مسؤوليته مع اندلاع الأزمة السورية والدور الروسي المحوري في قلب هذه الأزمة. لا يتردد السفير الروسي، الذي صار وجها مألوفا في الإعلام والسياسة اللبنانية، في نعي مرحلة الأحادية القطبية، حينما سيطرت الولايات المتحدة على النظام العالمي الذي ساد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. يلاحظ زاسبكين نشوء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب والمراكز. ويجزم بان موسكو تعتبر الحوار غير المشروط سبيلا وحيدا إلى حل الأزمة السورية. في الحوار تلميح إلى قزمية الدور التركي في هذه الأزمة. وانفتاح على دول “التعاون الخليجي”، ورفض للحل العسكري للملف النووي الإيراني. في ما يأتي نص الحوار:

ـ كيف تقرأون الأزمة السوريّة بعد عام على اندلاعها؟ وهل بات الوضع أفضل أم أن مخاطر الحرب الأهلية ما تزال قائمة؟

ـ لا نعتقد بأن الوضع صار أفضل وذلك بسبب استمرار أعمال العنف والإرهاب. روسيا تشدد على الحلّ السياسي، وهو النهج نفسه الذي اعتمدته منذ البداية، فنحن نريد إتاحة الفرصة للشعب السوري للخيار الديموقراطي ولإتمام الإصلاحات الداخلية، وينبغي العمل بهذا الأسلوب مع جميع أطراف النزاع وإذا لم تنجح الجهود السلمية، سيتدهور الوضع أكثر، لذا من الضروري التوصل الى اتفاق يوقف العنف وينظّم الحوار الوطني الشامل.

ـ فسّر البعض كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن الإصلاحات في سوريا كان يجب أن تحصل قبلا بأنه بداية تحوّل في موقف روسيا؟

ـ نعتبر مصير النظام شأنا داخليا لا نتدخل فيه. بالنسبة للإصلاحات، كنّا منذ البداية ننصح بالإسراع في إتمامها، وعندما تحدّث الرئيس ديمتري ميدفيديف مع الرئيس بشار الأسد منذ فترة أشار الى هذه الحاجة، ونحن وحتى اليوم، نعتبر أنه على النظام السوري القيام بالإصلاحات الداخلية بسرعة لتلبية مطالب الشعب، ولذلك فان توجيه النصائح بإجراء الإصلاحات أمر متواصل في السياسة الروسية.

ـ كيف تنظر روسيا الى المعارضة السورية وأدائها وخصوصا أن بعض الدول تطالب بتسليحها وهل من اجتماعات روسية مع معارضين سوريين؟

ـ لا أملك كل المعلومات في هذا الشأن، لكننا نعبّر عن رغبتنا بالتواصل مع المعارضة السورية، والأمر الأساسي هنا هو التوصل الى موافقة المعارضة السورية على إجراء الحوار مع السلطات من دون شروط مسبقة، وكما تشير مهمة كوفي أنان فإن ترتيب الحوار يكون بين السلطات السورية وفصائل المعارضة بأكملها.

ـ هل تعتقد أن الحوار بين الطرفين ما يزال ممكنا؟

ـ نعتقد أنه كان من الأفضل بدء الحوار منذ زمن، وإذا لم يتحقق الحوار في الماضي، يجب أن يتمّ اليوم، وإذا لم يتمّ اليوم، سيستمر سفك الدماء. الحوار هو الطريق الوحيد لوقف سفك الدماء. أما بالنسبة الى المسؤولية عن أعمال العنف، فإنه سيتم التحقيق في هذا الموضوع لاحقا، ومن الواضح أنه لا يوجد طرف واحد في هذا النزاع بل السلطات والمعارضة المتنوعة والمجموعات المسلحة.

ـ هل تعتقدون أن التسوية في سوريا ممكنة من دون شراكة أساسية للنظام في أية تسوية؟

ـ النظام طرف أساسي ولا يمكن تجاهل رأي الجماهير التي تؤيده، أما المراهنة على الحسم العسكري من خصوم النظام فلا نراه أمرا محتملا. لا يمكن لأي طرف أن يحسم عسكريا وفي كل الأحوال لا بد من الحوار وهو الطريق الى الحل السياسي.

ـ هل من المحتمل أن تستضيف موسكو حوارا بين المعارضة والنظام في ضوء مبادرة أنان؟

ـ منذ زمن اقترحنا موسكو كأحد الخيارات، أما اليوم فإننا نركّز على مهمّة كوفي أنان وننتظر نتائجها.

ـ هل تنسقون مع إيران وتركيا في الموضوع السوري؟

ـ نحن نتشاور مع إيران وتركيا في الموضوع السوري، لكن بالنسبة الى التنسيق، فنحن نعتمد على مهمة كوفي أنان والإجتماعات في مجلس الأمن الدولي بالدرجة الأولى.

لن نقبل بأي قرار بالتدخل العسكري

ـ هل من الممكن طرح قرار جديد ضد سوريا في مجلس الأمن؟

ـ إذا كان المقصود قرارا ينص على التدخل العسكري والضغط على النظام فقط، فلن نقبل به، ونحن أعلنّا مرارا أننا جاهزون للعمل من أجل تهيئة القرار المتوازن.

ـ إذا لم يكن الأمر على هذا النحو، هل روسيا مستعدة لـ«فيتو» ثالث؟

ـ نحن لا نريد أن نحسب كم مرّة نستخدم «الفيتو»، المهم أن ينفّذ مجلس الأمن الدولي مهامه بشكل صحيح، لأنه جهاز أساسي للحفاظ على الأمن الدولي، وروسيا تكون دوما على مستوى المسؤولية في هذه الهيئة الدولية.

ـ هل سيكون الحلّ في سوريا روسيا ـ عربيا أم روسيا ـ أميركيا؟ وكيف تنظرون الى الدّعوات العربيّة ومنها من قطر والسعودية لتسليح المعارضة السورية؟

ـ نحن في الأصل نريد حلا سوريا. وعلى المجتمع الدولي الإسهام في جلوس الأطراف حول طاولة المفاوضات. نحن نتشاور مع الجميع في هذا الإطار وكما هو معروف اتفقنا مع جامعة الدّول العربية حول النقاط الخمس، والمطلوب الاتفاق في إطار مجلس الأمن الدولي. لذلك نريد التفاهم مع الأميركيين والأوروبيين. أما بالنسبة الى تسليح المعارضة فقد بات واضحا أن تسليحها سيؤدي الى تصعيد الأوضاع، وسيعرقل الجهود الرامية الى تسوية سياسية.

ـ كيف تنظر روسيا الى ما يسمى «الربيع العربي»؟ وما هي هواجسكم حيال مستقبل المسيحيين في الشرق؟

ـ نحن كدولة كنا ولا نزال متعاطفين مع تطلعات الشعوب العربية نحو حياة أفضل، وفي الوقت نفسه نرى المخاطر الناجمة عن التطورات الجوهرية في المجتمعات العربية وكطرف خارجي نحن نبذل الجهود لتتخطى المنطقة المرحلة الصعبة بأقل الأضرار. أما بالنسبة الى مستقبل المسيحيين في الشرق الأوسط فنحن متمسكون كثيرا بالعلاقات الجيدة بين جميع الطوائف وهذه هي الحال في روسيا وما يجب أن يحصل في كل الأماكن في العالم العربي حيث الدين المسيحي الأساسي ولد في هذه المنطقة.

ـ هل نشهد «ربيعا عربيا» أم «سايكس بيكو» جديدا عنوانه هذه المرة إعادة تقاسم النفوذ الإقليمي؟

ـ إنه حراك شعبي طبيعي نحو الإصلاحات، لكن في الوقت عينه يتم استغلال ما يحدث في البلدان العربية من أجل المصالح الذاتية ومن هنا تجري الصراعات بين مراكز القوى ونحن نحاول قدر الإمكان التخفيف من التأثير السلبي لهذه الصراعات وإيجاد القواسم المشتركة بين الأطراف الأساسية المعنية في هذه المنطقة.

روسيا وعلاقاتها الدولية

ـ هنالك تأزم في العلاقات الروسية ـ الخليجية وخصوصا مع السعودية، هل روسيا مستعدة للتضحية بعلاقاتها الخليجية ـ العربية من أجل سوريا فحسب؟

ـ نحن نريد أن تكون لنا علاقات جيّدة مع الجميع، ومع الدول العربية والخليجية بشكل خاص لأنه توجد لدينا مصالح. في الوقت نفسه، فإننا بالمواقف التي نتخذها نتمسّك بالشرعية الدولية ولا نسعى الى إرضاء أحد، لأن الثوابت الأساسية مثل سيادة الدولة وإتاحة الفرصة للشعب لاختيار قياداته هي أهم من المصالح الذاتية. والأمر لا يتعلق بسوريا بل بالمبادئ الرئيسية للعلاقات الخارجية، ونسعى للتفاهم حول العناصر الجوهرية للأمن والإستقرار في المنطقة.

ـ يقول وزير خارجية فرنسا آلان جوبيه أن «روسيا التي تعرقل أي مبادرة في مجلس الأمن بشأن سوريا تقوم بحسابات خاطئة على المدى المتوسّط» أضاف أن «لروسيا مصالح في سوريا، إنها تبيع أو باعت كمية كبيرة من الأسلحة للنظام السوري، وهي تخشى انتقال العدوى الإسلامية الى أراضيها، لذا تعارض كل ما يجري في سوريا» هل هذا صحيح؟

ـ مثلما سبق وذكرت، نحن نتمسك بالمبادئ. وفي هذه الظروف التي تعيشها المنطقة بشكل خاص نعتبر المسائل المتعلقة بطبيعة العلاقات الدّولية أهم بكثير من مصالح اقتصادية أو عسكريّة. والمهم مثلا عدم تكرار تجربة ليبيا وعملية «الناتو» العسكرية. وبالنسبة الى ما يجري في سوريا، نعتقد أن الكلام حول مصالح روسية غير صحيح. نحن لا نبحث عن الإحتكار والسيطرة بل نسعى الى التسوية السياسية والوفاق في المجتمع السوري بمساعدة المجتمع الدولي. بالنسبة الى الإسلام، فإننا نقف دوما الى جانب الصدق والتسامح، وعندما نشير الى تطلعات الشعوب العربية نحو حياة أفضل بما في ذلك الى الديموقراطية، فإننا ننظر الى هذا الموضوع من زاوية الإحترام لحقوق كل القوميات والطوائف، وفي روسيا نؤيد حسن النوايا في العلاقات بين الطوائف ونتمنى ذلك للشرق الأوسط.

ـ هل نشهد بداية نظام عالمي جديد عنوانه كسر الأحادية الأميركية؟ وأين سيكون موقع روسيا في هذا النظام؟ وهل ثمة مكان لقوى دولية مثل الصين أو لقوى جديدة تنشأ مثل الهند والبرازيل؟

ـ بالتأكيد إننا نتقدم اليوم الى عالم متعدّد المراكز، فنسعى الى تشبيك العلاقات في إطار الدول المستقلة ومنها دول «البريكس». في الوقت ذاته، نحن نهتم كثيرا بالحوار مع الأميركيين والأوروبيين لأنه لدينا مسائل كثيرة مطروحة على بساط البحث تتعلق بالأمن في أوروبا والأطلسي والأوضاع في مناطق العالم ولدينا الحوار مع جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي. وبالتالي يوجد كسر أكيد للأحادية الأميركية، فالقضايا الدولية العالمية معقدة جدا ويجب حلّها بالتعاون بين الجميع.

ـ ما هو موقفكم من الملف النووي الإيراني؟ وهل تخشون وجود نوايا إيرانية ببرنامج عسكري نووي وإذا اقتصر البرنامج على الطابع السلمي فما هو موقفكم منه؟

ـ لا توجد لدينا معلومات عن الجانب العسكري للبرنامج النووي ولكن توجد هناك بعض الشكوك في المجتمع الدولي ونحن نريد إزالتها عبر المفاوضات وتوضيح الأمور وتأكيد الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، فهذا هو جوهر الجهود الروسية في هذا المجال.

ـ هل يمكن أن تقدم إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية لإيران من دون موافقة الأميركيين وماذا سيكون موقف موسكو؟

ـ لدينا موقف رافض قطعا لأي ضربة على إيران وموسكو هي ضد الأسلوب العسكري الحربي. أما ما هي طبيعة العلاقات بين أميركا وإسرائيل، فأنا لا أستطيع أن أعلق على ذلك.

نهج لبنان «متوازن»

ـ كيف تنظرون الى موقف الحكومة اللبنانية حيال الأزمة السورية؟

ـ نعتقد أن النهج الذي تمارسه القيادة اللبنانية في الوقت الراهن هو نهج متوازن ومعقول، وروسيا تقيّم إيجابيا التدابير التي تتخذها السلطات اللبنانية لرعاية سيادة لبنان.

ـ هل ستوجهون دعوة الى رئيس الوزراء اللبناني لزيارة موسكو؟

ـ إن موضوع زيارة الرئيس نجيب ميقاتي الى موسكو مطروح وسوف يتمّ تحديد الموعد عبر القنوات الدبلوماسية ويجب الأخذ في الإعتبار أنه توجد الآن في روسيا فترة انتقالية وننتظر بداية ولاية الرئيس الجديد فلاديمير بوتين وتشكيل حكومة روسية جديدة في 7 أيار المقبل.

ـ يلاحظ أن زياراتك الى وزارة الخارجية اللبنانية تكثفت مؤخرا؟

ـ نعم أنا أزور دوما وزارة الخارجية اللبنانية وفقا لتعليمات من موسكو وهذه الزيارات هي للتعبير عن الإهتمام الروسي بالتعامل السياسي مع لبنان، وفي غالبـية الوقت، نتبادل الآراء حول الوضع في الشرق الأوسط من النواحي كلها، ونحن نهتم برأي الجانب اللبناني في هذه القضايا كلها.

COMMENTS