تمكنت العديد من الجماعات الإثنية والعرقية في أمريكا من التغلب علي التمييز الذي ظلت تعاني منه كثيرا. و من بين تلك الجماعات ( الأيرلنديين) ، فقد ذكر المرشح لمنصب حاكم ولاية إلينوي ، كريس كينيدي، ابن السيناتور الأمريكي الذي اغتيل منذ سنوات روبرت كينيدي، مؤخرا بأن الأيرلنديين في أمريكا لا يتمتعون دائما بالسلطة. ولسنوات عديدة، واجه الايرلندي التمييزحيث كان يتم تعليق لائحات تحمل الحروف المختصرة ( NINA ) تعبيرا عن عدم استقبال الأيرلنديين.
ويواجه الأمريكيون العرب تمييزا واضحا ،. فالناس الذين يكرهوننا لا يظهروا اي علامات تحمل حروفا مختصرة مثل ( NANS ) و التي توضح عدم الترحيب بالعرب . فالنظام يمارس الكراهية بطريقة غير ملموسة ، من خلال استبعاد الأمريكيين العرب من الحياة السياسية ووسائل الإعلام ، و على الرغم من أننا نواصل القتال لتغيير كل ذلك ، الا ان أصواتنا لا تسمع.
ومثل جميع العرب في أمريكا واجهت أنا شخصيا التمييز ، فبعد أن خدمت بكل فخر في الجيش الأمريكي خلال حرب فيتنام ، ظل مكتب التحقيقات الفيدرالي لمدة عامين يحقق في تفاصيل حياتي تحت ذريعة أنني ربما أكون “إرهابيا”. وقد خلص التحقيق إلى أنني كنت مهتما فقط بتحسين مجتمعي . اليوم و بعد 43 عاما، تغيرت أشياء كثيرة، ولكن ظلت أشياء أخري كما هي.
لم يمض وقت طويل منذ ان كان المسئولون الحكوميون الذين يتم انتخابهم في أمريكا يرفضون ان يستجيبوا الي مكالمات العرب الهاتفية. و لا يزال البعض يرفضون الاجتماع معنا حتي اليوم مثل عمدة شيكاغو رحم إيمانويل وسيناتور نيويورك تشاك شومر. الأسوأ من ذلك، اننا أصبحنا أهدافا للعملية الانتخابية، فبعض المرشحين يحتاجون دعم العرب المالي من اجل حملاتهم. و لكن يتهم المعارضون هؤلاء المرشحين ” بالفساد ” فقط لانهم حصلوا علي تمويل حملاتهم الانتخابية من أموال “العرب” ، و كأن أموال العرب التي اجتهدوا للحصول عليها ” فاسدة” .
وما أن بدأ هذا المنظور في التغير في التسعينيات ، حتي وقعت الهجمات الإرهابية في 11 أيلول / سبتمبر 2001، فتخلي المرشحون عنا مرة أخرى. و بدأ السياسيون في أمريكا التمييز بين المسلمين العرب وغير العرب، فغالبية المسلمين في أمريكا من أصول غير عربية، ومعظمهم، بما في ذلك الباكستانيون والهنود والآسيويون والمسلمون الأفارقة، واصلوا المشاركة في الحياة السياسية الأمريكية في ظل إقصاء تام للعرب. لكن الرمال تتحرك مرة أخرى لصالح الأميركيين العرب. ولعل أكبر المكاسب كانت في ميشيغان حيث انتخب العرب العديد من المرشحين للمناصب العامة. و بدأ هذا الاتجاه في الانتشار إلى مناطق أخرى مثل شيكاغو في ولاية إلينوي.
ظل النادي العربي الأمريكي الديمقراطي في شيكاجو ( AADC ) يقاتل من أجل حقوق الناخبين الأمريكيين العرب منذ تأسيسه في عام 1983. أقام هذا الأسبوع منتدى سياسيا حضره أكثر من 500 أميركي عربي لإظهار دعمهم للمشاركة السياسية. ولكن الأهم من ذلك هو أن هذا الحدث كان فرصة لكل مرشح عن كل مكتب في إلينوي تقريبا – قضاة، مشرعون ، رؤساء بلديات ، مفوضون وأمناء المقاطعة – لطلب الدعم المالي من العرب الأمريكيين و التحدث علنا لدعم حقوق هؤلاء العرب. وعلى الرغم من رفض مكتب التعداد الأمريكي حصر العرب ضمن عدد السكان ، استمرارا لقمع نفوذنا المتزايد في أمريكا، ألا ان تصويت الجالية العربية الامريكية في ازدياد و هي طريقة اخري لقياس مدي تمكيننا كعرب.
وتتضح الإثنية عند استجداء اصوات الناخبين الامريكيين، فأنا لدي قائمة الناخبين في الولايات المتحدة. فعدد الناخبين العرب ، وفقا للاحصائيات، لا يزيد عن 83.000 ناخب في ولاية إيلينوي علي سبيل المثال و 1.3 مليون في ولايات أمريكا بوجه عام . ومع ذلك، فإن عملية تحديد الهوية تلك ليست صحيحة ، لأن العديد من الناخبين العرب اما ليست لديهم ملامح تميزهم كعرب أو انهم يتجنبون اعلان هويتهم العربية الاصلية ، فلقد تعرضنا للاضطهاد طويلا في أمريكا، ولذلك قام الكثير من العرب بتغيير أسمائهم من محمد إلى “مايك”، ومن فاريد إلى “فريد” خشية ان يكونوا ضحايا للتمييز . أعتقد أن احصائيات مكتب التعداد الخاطئة و احصاء هوية و عدد الناخبين و التي تصل نسبة صحتها الي 50 % فقط ، من الممكن ان تضع امامنا ارقاما مختلفة تماما ، مما يعني ان هناك 166 الف ناخب عربي فى ولاية ايلينوى و 2.6 مليون ناخب عربي فى امريكا.
ويمكننا ان نستنتج فقط ومن خلال العمليات الحسابية التالية الحجم الحقيقي للجالية العربية في امريكا.
يقول التعداد ان 22 فى المائة من الامريكيين الذين يمكنهم التسجيل للتصويت لا يفعلون ذلك. واذا قمنا بتطبيق ذلك علي العرب الأمريكيين ، فهذا يعني أن العدد الفعلي للناخبين العرب هو 3.2 مليون و ليس 2.6 مليون ناخب. كما يشير التعداد أيضا أن 25 في المئة أي 75 مليون من الأميركيين البالغ عددهم 300 مليون أمريكي لا يمكنهم التصويت لأنهم أقل من 18 عاما، وبالتالي فإن عدد السكان العرب في أمريكا هو 4 ملايين شخص. و هناك عامل مهم اخر و هو ان معظم الأسر العربية لديها أطفال أكثر من الأميركيين وهذا يجعل العدد النهائي يزيد عن 4 ملايين .
في أمريكا، لا يحتاج الأيرلنديون والإيطاليون والسود والإسبانيون إلى القيام بكل تلك العمليات الحسابية لقياس مدي تمكينهم . و لهذا السبب كان من المدهش أن نرى عشرات المرشحين الأمريكيين من مختلف الخلفيات العرقية بما في ذلك الايرلنديون والسود والبولندية والإيطاليون والهسبانيون يطلبون التصويت العربي الأمريكي في الحدث الذي أقامه النادي العربي الأمريكي الديمقراطي في شيكاجو ( AADC ) بالتعاون مع المعهد العربي الأمريكي في العاصمة واشنطن. هذا يوضح انه حتي لو لم يتم احتسابنا كعرب في التعداد السكاني ، فان المسئولين الأمريكيين يعترفون بأهميتنا كدائرة انتخابية.
وفي النهاية ، كان هناك جانب آخر مهم من التحقيق الذي أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالي بخصوصي عليّ ان اذكره . فقد أوصي عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي بعدم اجراء اي مقابلة شخصية معي لأنها لن تكون مثمرة. وأنه بالنظر إلى منصبي كمحرر لجريدة صوت الشرق الأوسط ، قد تؤدي المقابلة معي إلى صعوبات في اجراء مقابلات مع شخصيات عربية أخري في المستقبل. وقتها ادركت ان هناك قوي أكبر تفوق حق التصويت. كان مكتب التحقيقات الفيدرالي يخاف مني لأنني نشرت صحيفة صغيرة باللغة الإنجليزية في منتصف السبعينات من أجل الأمريكيين العرب. ومن الواضح أن الاتصالات والصحافة قوى حقيقية في أمريكا.
راي حنانيا، صحفي فلسطيني أميركي ، مؤلف و كاتب مقال في الموقع الاخباري Arab News
الموقع الرسمي للكاتب : http://www.thedailyhookah.com/
البريد الألكتروني rghanania@gmail.com
المقال ترجمته مروة مقبول، نشر في موقع يو أس آراب راديو، صوت العرب من أمريكا، يوم 24 شباط / فبراير 2018
العنوان الأصلي للمقال :
قوة التمكين العربي تزداد رغما عن أمريكا