قمة دول أوبك في الرياض : تنافر الإستراتيجيات الوطنية وضعف المنتجين أمام الإحتكارات الغربية

ملاحظات منهجية على الحوار العربي ـ الإيراني
"السعودية الجديدة" والحرب … المقبلة؟ 
ماذا يحدث في الغوطة الشرقية للعاصمة السورية بين«جيش الإسلام» والفصائل؟

كشفت وقائع قمة الرياض عن تعاظم التحديات السياسية والإقتصادية والتقنية امام منظمة أوبك. ويشير تاريخ هذه المنظمة إلى أن تقارب أو تعارض الإرادة السياسية بين أقطابها، يبقى العنصر الحاسم في قدرتها على توفير أفضل الظروف لإنتاج ونقل تكرير وتسويق النفط ومشتقاته في الأسواق الدولية. ويقدم إبراهيم أحمد عرفات، تحليلا عما جرى في هذه القمة، وبعض الخلفيات والتوقعات :

فى ظل الارتفاع العام لأسعار النفط متجاوزًا حد الـ 90 دولارا، والذى ترافق مع انخفاض مماثل لسعر الدولار أمام اليورو؛ عقدت القمة الثالثة لزعماء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) الثالث فى الرياض ما بين 15 ـ 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2007, وقد تناول قادة أوبك عددا من الملفات النفطية، مثل : توفير إمدادات النفط، والبحث فى آلية استقرار أسواقالطاقة العالمية.

لكن الملفات السياسية، المرتبطة عموما بعلاقات دول أوبك مع الولايات المتحدة، مثل : الحرب على الإرهاب، وأزمةالملف النووى الإيرانى، وأمن الخليج، كان لها الحضور نفسه فى نقاشات القمة، حتى إنالملف الأبرز، المرتبط بارتفاع أسعار النفط، تم توظيفه سياسيًا بأطروحات كل من هوجوشافيز رئيس فنزويلا، ومحمود أحمدى نجاد رئيس إيران، حول إنهاء اعتماد دول أوبك على “البترو ـ دولار”.

وكان الاجتماع التحضيرى لوزراءالنفط والمالية والخارجية للدول الأعضاء قد شهد خلافًا سعوديًا ـ إيرانيًا حولعملية فك الارتباط بين الدولار وأسعار النفط، بعد أن أكد منوشهر متقى وزير الخارجية الإيراني، ضرورة تضمين البيان الختامى لقمة الرياض، عبارة “القلق إزاء تدهور أسعار الدولار”، فى إشارة إلىضرورة مناقشة هذا الأمر خلال مؤتمر القمة.

وتفرض هذه الخلفية السياسية للمؤتمر، ضرورة الوقوف على التفاعلات التى شهدتها اجتماعات قمة الرياض، وحدودارتباطها بالواقع الاستراتيجى المتغير، وخصوصا بقضية “أمن الطاقة” التي بدأت تأخذ مكانها علىالأجندة الدولية، وكذلك بيان مخاوف دول الخليج العربي من ارتفاعأسعار النفط.

خلاف حول تسعير النفط وانهيار الدولار

معضلة الحفاظ على استقرار النفط في ظلانخفاض أسعار الدولار عالميًا، غلبت على تفاعلات قمة أوبك، حيث شهدت تباينًا واضحًا بينأطروحات متباينة، من شأنها الضرر بمصالح الدول الخليجية على المدىالبعيد.

ففى البداية، انتقد العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيزقيام المنظمة برفع أسعار برميل النفط، مؤكدًا ضرورة ألا يكون النفط أداة لإدارةالصراعات السياسية. إلا أنه أشار فى ذات الوقت إلى أن الأسعار الحالية لا تمثلالسعر الحقيقى للنفط، إذا أخذ فى الاعتبار مستوى التضخم العالمى.

وتأكيدًاعلى رؤية السعودية لدور النفط فى إدارة الصراعات بين بعض أعضاء أوبك والولاياتالمتحدة، هدد شافيز بإمكانية صعود سعر برميل النفط إلى مستوى 200 دولار فى حال قيامواشنطن بمهاجمة فنزويلا أو إيران.

ومن جانبه، دعا الرئيس الإيرانى محمودأحمدي نجاد فى نهاية المؤتمر إلى إنهاء استخدام الدولار فى التعاملات التجارية، مشيرًا إلى أنه أصبح غير ذي جدوى، حيث نوه إلى أثر انخفاض الدولار مقابل اليورووالعملات الأخرى على عائدات دول أوبك ، باعتبارها تعتمد على الدولار كعملة للدفع فىتعاملاتها الخارجية.

والمتعمق فى تباين وجهات النظر المختلفة حول هذهالمعضلة يرى أنها تجسد رؤية كل طرف منها وحدود تأثيرها المتوقع فى المستقبل.

فبالنسبة للمملكة العربية السعودية؛ فقد جاءت معارضتها متسقة مع رؤية اقتصادية تشيرإلى أن ارتفاع أسعار النفط بالتوزاي مع انخفاض سعر الدولار، سوف يعمل على ارتفاعمعدلات التضخم بما يترافق معه ارتفاع عام لأسعار العديد من البضائع، وركود الأسواق،وهو ما من شأنه إحداث اختلالات اقتصادية قد تؤثر على الوضع الإقتصادي فيها.

أما بالنسبة لكل من فنزويلا وإيران؛ فبالنظر إلى طبيعة الاختلالاتالاقتصادية لديهما، ومتطلباتهما الاستراتيجية المتمثلة فى توفير سيولة نقدية لإعادةبناء قدراتها الاستراتيجية ـ العسكرية، خاصة بالنسبة لطهران، فإن الأمر يستدعى ضرورةارتفاع أسعار النفط، كآلية ذات نتيجة مزدوجة تتمثل فى تلبية احتياجاتها لمواجهةجملة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل واشنطن، وأيضًا إحداث نوع من الضغطالاستراتيجى على الإدارة الحالية فى سياق إدارة الصراع بينهما.

يذكر أنالرياض قد اعترضت على مقترح من فنزويلا والإكوادور بصياغة برنامج سياسي للمنظمة، فىسياق يفهم منه محاولة تكريس النفط كأداة سياسية؛ وهو ما يشير بدوره إلى أن منطقةالخليج العربي أصبحت مسرحًا لتسوية الصراعات المختلفة.

ومنطق ذلك الاعتراض، أن أية تأثيراتسلبية على الأمن الخليجي جراء هذه الصراعات، من شأنها تهديد الاقتصادات الخليجيةبالقدر الذى يمكن معه تزايد حدة التدخلات الخارجية، وتهديد سيادة الدول، بلوكياناتها السياسية، إذا أخذ فى الاعتبار أن مرد ذلك الاستقرار السياسى لدولالخليج، إنما يعود بالأساس إلى ما تحققه عوائد النفط من وفرة اقتصادية، أسهمت فىتجاوز ما يمكن اعتباره أزمات الشرعية السياسية بها.

وما بين هذه الخلافاتحول أسعار النفط، أكد المشاركون أهمية توفير غطاء مالى لمواجهة التلوث الناتج عنالصناعات النفطية، وجعل الطاقة متاحة للجميع، حيث أعلنت السعودية أنها ستتبرع بمبلغ 300 مليون دولار لصندوق خاص بـ”التكنولوجيا الخضراء” التى تقلل أضرار البيئة. كما أعلنت فيه الكويت أنهاستساهم بمبلغ 150 مليون دولار لنفس الغرض.
المشهد الاستراتيجىالراهن

وتشير المعطيات إلى أنالمشهد الاستراتيجى الراهن، خاصة في ما يسمى منطقة الشرق الأوسط، قد انعكست على نتائج مؤتمر الرياض.

فاحتلال العراق، والتصعيدالمستمر بين كل من طهران وواشنطن، أحدث تغيرات استراتيجية انعكست علىوضع النفط دوليًا، وأفرزت مخاوف متزايدة من صعود أسعاره وتأثيراتهاالمباشرة على المصالح الحيوية للقوى الكبرى.

وهذه الإحتمالات ترتبط بوضع دول الخليج العربي، بسبب ارتفاع نسبةاحتياطى النفط لديها مقارنة بالاحتياطى العالمى؛ حيث تشير آخر الإحصاءاتإلى أن نسبة احتياطي النفط في هذه الدول، تصل تقريبًا إلى 43.3 في المئة منالاحتياطى العالمى، بما يعادل 471.3 مليار برميل، وذلك وفقًا لآخر تقديرات عام 2005.

وتحوز المملكةالعربية السعودية على 24.8 في المئة، مقابل 9.3 في المئة لدولة الإمارات المتحدة، 9.2 في المئة لدولة الكويت. أما القدرة الإنتاجية لهذه الدول العربية الثلاث، فتبلغ 14 مليون برميل يوميًا، من إجمالى 54.35 مليونبرميل تقوم على إنتاجها يوميا 13 دولة، من بينها ثلاث دول تمثل أكبر المستوردينللنفط فى العالم وهى : الولايات المتحدة الأميركية والصين وبريطانيا.

وتقدر وكالةمعلومات الطاقة، أن اعتماد الاقتصاد العالمى على نفط ما يسمى منطقة الشرق الأوسط، سيرتفع، خاصة بعد عام 2010، بسبب النضوب المتوقع لعدد من حقول النفطفى بعض المناطق (خاصة فى الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، والتى تنضب حقولهمابمعدل يتراوح ما بين 4.2 في المئة ـ 9.6 في المئة سنويا)،

وتبعاً لتقرير منظمةأوبك لعام 2007، فإن الإنتاج العالمى سيرتفع من 54.35 مليون برميل يوميًا فى عام 2005، إلى 121.3 مليون برميل يوميًا فى عام 2030، أىبزيادة إجمالية تبلغ 66.95 مليون برميل يوميًا. وسوف ينتج 67 في المئة من إجمالى هذه الزيادة النفطية في الدول العربية النفطية وإيران.

أما عن ملامح التغيراتالاستراتيجية للمنطقة، فقد تجسدت مجملها فى الانعكاسات السلبية لاحتلال العراق،سواء على مستوى تغير موازين القوى الإقليمية، أو اتجاهات التفاعل بين القوىالمتصارعة فى المنطقة (أميركا وايران)، فى ظل الانسحاب شبه الكامل للنفط العراقى منالسوق العالمية، بكل ما انطوى عليه من عدم استقرار لأسعار النفط، وتهديد أمن الطاقةالعالمى فى المستقبل، فى ظل فشل استراتيجيات إعادة بناء العراق.

فمن منظورمرونة أسعار النفط تجاه أية تطورات سياسية ـ أمنية فى المنطقة، يمكن فهم تزايدالنفوذ وفاعلية الدور الإقليمى الإيرانى بعد احتلال العراق، وقدرتها على التأثير فى اتجاهات أسعار النفط العالمية.

هذا الصعود فرض نوعًا من التحرك الاستراتيجى لطهران يقومعلى تقوية موقفها الدولى تجاه واشنطن، خاصة فيما يتعلق بالملفات الصراعية الممثلةفى العراق وبرنامجها النووى، وهو ما كان معه ـ منطقيًا ـ التوجه نحو القوى النفطيةالمجابهة لأميركا ـ والمتمثلة فى فنزويلا.

ويثير هذا التوجه لقيام علاقة تحالفية بين الجانبين، احتمال نحو رفعأسعار النفط، وبناء سلة نقدية تساعد على الحد من الارتباط بين الدولار وأسعارالنفط، وذلك بعد أن فشلتا فى إيجاد صيغة جماعية عبر منظمة أوبك لتطبيق هذاالتوجه.

وأخيرًا، يمكن القول إن تحولات المشهد الاستراتيجى فى المنطقة ساعدتعلى بلورة قضايا اجتماع قمة أوبك الأخير، وهو ما قد ينبئ بتواتر طرحها فيالاجتماعات المقبلة، ما دامت الصراعات الراهنة مستمرة، وعدم قدرة النفط العراقي علىالمساهمة فى تلبية احتياجات السوق العالمية. وبالتالى فإن النتيجة النهائية تشيرإلى ثمة علاقة عضوية بين الاستقرار فى المنطقة، وأسعار النفطالعالمية.

Please follow and like us:

COMMENTS