من هي "الدولة" التي تؤجج النزاع في "بحر الصين الجنوبى"؟

من هي "الدولة" التي تؤجج النزاع في "بحر الصين الجنوبى"؟

الكويت : وزير المالية يوقف “اختراقاً إسرائيلياً” وتشكيل لجنة تحقيق
CNN: الإمارات تدخلت في انتخابات الرئاسة الأميركية عبر وسيط من أصل لبناني
فلسطين المحتلة : إضرابات الأسرى إلى تصاعد و”الشعبية” لـ”تشكيل لجنة دعم” لهم

تصاعدت فى السنوات الأخيرة قضية بحر الصين الجنوبى٬ حتى باتت تشغل المجتمع الدولى٬ وبعد إحالتها إلى المحكمة الدائمة للتحكيم٬ أثارت هذه القضية مزيدا من النقاشات٬ فما هى قضية بحر الصين الجنوبى؟
الصينيون هم أول من اكتشفوا وسموا وطوروا وأداروا جزر بحر الصين الجنوبى٬ وقد مارست حكومات الصين المتتالية السيادة الفعلية على جزر بحر الصين الجنوبى٬ من خلال اتخاذ التدابير الإدارية والدوريات العسكرية وأنشطة الإنتاج والإغاثة البحرية٬ وكل ذلك موثق فى العديد من الكتب والخرائط القديمة٬ أثناء الحرب العالمية الثانية٬ احتلت اليابان جزر نانشا أو «جزر سبراتلى»٬ وهى كلمة استخدمت فى الفترة الاستعمارية، وبعد الحرب تعهدت اليابان بأن تعيد إلى الصين ما احتلته من الأ ارضى الصينية وفقا لما جاء فى «إعلان القاهرة» و«إعلان بوتسدام»٬ وقد أكدت الصين سيادتها على جزر بحر الصين الجنوبى٬ وعززت إدارتها لها وسيطرتها عليها من خلال سلسلة من الإجراءات٬ بما فى ذلك تسميتها ونشر الخ ارئط لها واتخاذ التدابير الإدارية فيها٬ ولفترة طويلة من الزمن بعد ذلك٬ ظلت حقيقة أن جزر بحر الصين الجنوبى تابعة للصين معترفا بها من المجتمع الدولى٬ ولم تعترض أى دولة على ذلك٬ وفى الخ ارئط الرسمية لكثير من دول العالم تظهر هذه الجزر ضمن سيادة الصين.

ولكن ما حدث٬ هو أن الدول المطلة على بحر الصين الجنوبى شرعت فى الانتهاك المتواصل للجزر والشعاب البحرية التابعة للصين فى بحر الصين الجنوبى٬ ثم أخذت تطالب بالسيادة على جزر نانشا والمصالح الاقتصادية فى المياه المحيطة بها٬ مدفوعة بإغ ارء المصالح الاقتصادية الناجمة عن اكتشاف كميات هائلة من موارد النفط والغاز فى المنحدر القارى لبحر الصين الجنوبى فى نهاية ستينيات القرن الماضى٬ بعد ذلك بدأ سريان سلسلة من الاتفاقيات المتعلقة بالمنحدر القارى والمنطقة الاقتصادية الخالصة وفى مقدمتها «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» و«اتفاقية المنحدر القارى».

لقد بذلت الحكومة الصينية جهودا دبلوماسية دؤوبة لحل قضية بحر الصين الجنوبى عبر التشاور السلمى على أساس الحفاظ على استق ارر المنطقة وعلاقات الصين مع دول اربطة جنوب شرقى آسيا (آسيان)٬ وأثمرت هذه الجهود فى عام 2002 بالتوصل إلى «إعلان مدونة سلوك الأط ارف فى بحر الصين الجنوبى»٬ الذى وقعت عليه الصين ودول آسيان وحدد بشكل واضح مبدأ «الحل السلمى لن ازعات الأ ارضى الإقليمية وحقوق إدارتها عبر المشاو ارت والمفاوضات الودية المباشرة بين الدول المعنية»٬ كما وافقت بالإجماع الدول الموقعة على «الإعلان» على بذل جهود مشتركة لتحديد سلوك الأط ارف فى بحر الصين الجنوبى٬ الأمر الذى أقام أساسا متينا يمكن جميع الأط ارف من حسن إدارة الخلافات والسعى للتعاون والحفاظ على نحو فعال على السلام والاستق ارر فى بحر الصين الجنوبى.

ولكن٬ مع الأسف الشديد٬ لم تلتزم الفلبين بالإعلان المذكور أعلاه نصا وروحا٬ ولجأت بشكل أحادى فى يناير عام 2013 إلى المحكمة الدائمة للتحكيم بشأن بحر الصين الجنوبى٬ آملة من المحكمة تأييد احتلالها غير الشرعى لبعض الجزر والشعاب البحرية لجزر تابعة للصين فى بحر الصين الجنوبى.

موقف الصين من التحكيم بشأن بحر الصين الجنوبى هو: عدم الاعتراف به٬ عدم المشاركة فيه٬ عدم قبول نتيجته٬ وعدم تنفيذه٬ ولدى الصين ما يكفى من الأسباب المبررة لذلك:
أولا: إن ما تصر عليه الفلبين من آ ارء حول الجزر والشعاب البحرية المعنية فى بحر الصين الجنوبى٬ لا يتفق مع الحقائق الواقعية٬ وتحدد بكل وضوح «اتفاقية باريس بين الولايات المتحدة الأمريكية ٕواسبانيا» الموقع عليها فى عام ٬1898 و«اتفاقية واشنطن بين الولايات المتحدة الأمريكيةٕواسبانيا» الموقع عليها سنة ٬1900 و«الاتفاقية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة» الموقع عليها عام ٬1930 الحدود الغربية للأ ارضى الإقليمية الفلبينية بأنها تمتد بأقصى درجة إلى خط الطول 118 درجة شرقا٬ بينما ما تطالب به الفلبين من جزر وشعاب بحرية تقع كلها فى الجانب الغربى من خط الطول 118 درجة شرقا٬ وليس فى داخل حدود الأ ارضى الإقليمية الفلبينية.
ثانيا: إن طلب التحكيم بشأن بحر الصين الجنوبى الذى أقدمت عليه الفلبين بشكل أحادى لا يتفق مع نصوص الاتفاقيات المعنية٬ تنص «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» بكل وضوح على احترام حق الدول الموقعة عليها فى اختيار سبل حل الن ازعات٬ وقد وافقت الصين والفلبين وفقا لما ذكر سابقا على المفاوضات الثنائية المباشرة لتسوية الن ازعات٬ وذلك موثق فى الملفات الثنائية٬ بما فيها الإعلان المشترك والبيان المشترك٬ كما ينص «إعلان مدونة سلوك الأطراف فى بحر الصين الجنوبى»٬ الذى وقعت عليه الصين ودول آسيان بما فيها الفلبين٬ على أن الن ازعات يجب حلها من قبل الدول المعنية عبر المفاوضات والمشاو ارت المباشرة.
ثالثا: إن قبول المحكمة طلب التحكيم بشأن بحر الصين الجنوبى لا يتفق مع فلسفة القانون٬ المحكمة الدائمة للتحكيم (PCA (معنية بحل النزاعات المنصوص عليها فى «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» والمطبقة لها٬ فى حين أن قضية الأ ارضى الإقليمية والسيادة خارج اختصاص الاتفاقية المذكورة أعلاه٬ إن جوهر قضية بحر الصين الجنوبى هو قضية الأ ارضى الإقليمية والسيادة٬ فليس للمحكمة الدائمة للتحكيم أى ولاية قضائية للتحكيم بشأن بحر الصين الجنوبى.
رابعا: إن تغاضى المحكمة الدائمة للتحكيم عن إعلان الصين عن استبعاد التحكيم الإجبارى لا يتفق مع الظروف الواقعية٬ أصدرت الصين فى عام 2006» إعلان استبعاد التحكيم الإجبارى بشأن ترسيم الحدود البحرية والملكية التاريخية والعمليات العسكرية والإدارة وتنفيذ القانون»٬ وذلك وفق ما تنص عليه المادة 298 من «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار»٬ فلا تملك المحكمة أى حق فى التحكيم بشأن بحر الصين الجنوبى مادامت الصين أصدرت إعلان استبعاد بأثر قانونى.

كل ذلك يعنى أن الصين يحق لها كدولة ذات سيادة عدم قبول التحكيم وعدم المشاركة فيه٬ وذلك يحافظ على «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار»٬ ويكبح الاستخدام المفرط للتحكيم الإجبارى٬ كما يتفق مع القانون الدولى.

ومن الضرورى هنا الإشارة إلى أن هناك دولة لم تشارك فى «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار»٬ بينما تفرض إملاءاتها على الصين بذريعة «حماية حرية الملاحة»٬ وتعمل على تصعيد قضية بحر الصين الجنوبى وصب الزيت على النار وزيادة التوتر فى المنطقة٬ فما هو القصد الحقيقى وراء ذلك؟. موقف الصين الدائم والواضح من قضية بحر الصين الجنوبى هو حل هذه القضية مع جميع الأطراف المعنية بشكل تدريجى.

سونغ اي قوه 
المصدر :
الأهرام اليومي 10 يونيو / حزيران 2016

Please follow and like us: