تأبطت الكاتبة ذاكرتها ، كانت رفيقتها اللصيقة بها . حملتها معها على جناح شغف ، غذتها على مدار السنين بالقصص التي غطت عبرها اكثر من عقدين . كانت فيها – الذاكرة – صندوقها الذهبي .
رمت فيه تباعا ما رأت وسمعت ، وما عايشت ايضا من لحظات . جمعت حميمية جلسات وحنينة اخرى .. ادخلتنا الى متعة الوصف الدقيق واللغة الشعرية التي اضفت على ما نقراء ابعادا جميلة .
نحن امام جزء من حكايا ، تخص وتماثل وتعني كل واحد منّا . تلامسه بمقدار ، وتبقيه اسيرها بمقدار آخر . هي في المحصلة قصصنا التي نرغب لبعضها ان يعلن ، ونقفل على بعضها الآخر جدران الصمت . فيما ارادت الكاتبة هنا ان تتجرأ على نفسها وعلى المجتمع وتوغلت في دور كثر يهربون منه .
دارت .. جمعت اطياف مما خزنت ، ادخلتنا الى كل قصة من بابها الواسع والرحلة ها هي تنطلق ..
في بيت ام جان / منزل الجارة الملاذ والكثير من صور تلك الفترة ، دماثة ام جان ، التلفزيون ، الهروب من مشاحنات الام والاب ، وموتها وكل ما تركت من ذكريات وكان السوأل " هل تموت الامكنة مع من كانوا يحيونها " 19 .
ارملة / وكيف ستكون حالها امام المجتمع وتقاليده القاسية ؟ هي التي عانت لسنوات جراء مرض زوجها واعالته ، الان اسرتها كلمة ارملة … " لعلها استهولت الكلمة ولا سيما حين استوقفتها اختها في المطبخ لتقول لها بنبرة يشوبها شيىء من الحزن والشماتة اصبحت مثلي يا خيتي " 26 .
الحاجة ام سعد / كانت تصارع للبقاء في البستان الذي لم تعرف غيره مكانا منذ ولادتها . وتخشى هجوم الباطون القاضي على كل مساحة خضراء هنا في ساقية الجنزير .. تحملت كل انواع التعب منذ الصغر ، تربية الاولاد وزوجة الاب والعمل في الحقل . يتيمة ، مضطهدة ، لم تعرف دقيقة راحة .. صرفت سنين عمرها والتعب ظاهر " ترى كل ذلك فوق تجاعيد يديها " 27 . اسلمت الروح وسط المكان الذي احبت .
المرة الاولى / هي ابنة الرابعة عشر وهو قارب الثلاثين . متأرجحة بين خوفها ورغبتها . في السيارة غابت في احاسيسها الاولى وفي المنزل كبرت احلامها كما في الروايات .. وكانت المرة الاولى .." كأنما البحر غضب ، علا موجه واصطفق واشتد الهواء عصفا فأرتجفت حزينة وسقط المطر كأنما يبكيها ، بعد ان اغتصبت منها المرة الاولى " 38 .
لعبة امرأة / " كأن الضجر يمرغ وجهي في احشائي متعففا عن مكان آخر في جسدي " 45 . هنا عن امرأة هي من اختارت الخطوة الاولى . النظرات والسوأل الذي احرجه .. وعن اسمه . " اذا هي العيون تلتقي تتعاهد على تواطؤ مستمر " 46 .
ماريا لاخ / وننتقل الى المانيا ورحلة عبر مركب في بحيرة لاخ وسهولة المقارنة بين مكانين وبلدين وعبارة دالة " هنا صمت القبور وهناك صراخ الحبور " 50 .
تخيلات امرأة لم تتزوج / هنا نحن امام حكاية امرأة بلغت الخمسين ولم تتزوج . عشق في هذا السن احاسيس فاقعة بالمعنى والمستوى وبكل الصدق . وهذا جائز …
شريط التسجيل / ام يوسف وشريط التسجيل الرابط الوحيد مع ابنها في غربته . تعويضا عن سنوات الحرمان من لقاء . الشريط يجمع كل الجيران والعدة جاهزة لها طقوسها .. ام يوسف ماتت ولم تلتق وحيدها .
من يوميات مواطنة بيروتية / من خلال " وجوه متعبة قابلتني عند المفترقات ، وجوه غاضبة قاسية ، خجلى ، مبتسمة ، لا مبالية ، وجوه متعالية " 79 . هي حصيلة تختصر بها مشوارها في شوارع بيروت من الظريف الى طريق الجديدة ، حال مجتمع بأكمله .
هذيان فتاة في العشرين / تروي حكاية فتاة وتجربة الزواج من اول كلمة .. من اول تجربة فوقعت في مآسي حملتها معها الى سنواتها .. " لم يكن ما فعلته بيدي ، يقولون ان الحب اعمى وقد اعماني " 85 . ارتميت في احضان اول حب واولى شهواتي . والتجربة بكل مرارتها …
طبعا في الكتاب قصص اخرى وما عرضنا هو نماذج هها جاء فيه .
القصص مفتوحة على صدق النقل ، على تركيب سردي بسيط اضفى على المحتوى جمالية لم تكن عابرة للوقت للامكنة للمتخيل والمقروء .
علي طحطح، كاتب وشاعر عربي من لبنان
عضو هيئة تحرير موقع الحقول
بيروت، السبت 20 كانون الثاني/يناير 2017