تُروِّج "ويكيبيديا" عن نفسها، بأنها موسوعة مفتوحة، شفافة وموثوقة بشكل ما. لكن نتيجة التفحص الدقيق، توضح أن ليست هذه حقيقتها. تسجل صفحات "ويكيبيديا" الإنكليزية نحو 9 مليارات مشاهدة/ قراءة شهرياً. إلا أن المسؤولين الإداريين الذين يتحكمون بها فعلياً لا ينوف عددهم عن 500 شخص، أغلبهم هويته غير معروفة.
أظهرت الدراسات المتعددة أن 80 في المئة من نصوص محتوى موسوعة "ويكيبيديا" يتم تحريره من جانب 1 في المئة من العدد الإجمالي لمحرري الموسوعة. هذه النسبة تعني أن بضع مئات من الأشخاص المجهولين، عموماً، هم من يحدد طبيعة المحتوى فيها. هذا الهيكل ذو التسلسل الهرمي غير الشفاف، هو، بالطبع، عرضة للفساد ولتضليل المشاهدين/القراء.
كان يمكن أن نشير إلى "المحررين المأجورين" السيئي السمعة، الذين تكتريهم الشركات، كمجرد مثال على الفساد والتلاعب. لكن بعض الباحثين كشفوا في عام 2007، أن موظفين حكوميين يعملون في CIA/ وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية وفي FBI/ مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي، عمدوا إلى تحرير مقالات في "ويكيبيديا"، بشأن قضايا مثيرة للجدل عن حرب الولايات المتحدة على العراق (2003)، وعن "الحرب الأميركية على الإرهاب" وسجن غوانتانامو.
في العام نفسه وجد الباحثون أن "Slim Virgin" / "سليم البتول"، الذي اعْتُبِرَ أحد أكثر مسؤولي "ويكيبيديا" الإنكليزية نشاطًا وتأثيراً، لم يكن في الحقيقة سوى عميل سابق للإستخبارات البريطانية. كما تبين لهم أن محرراً آخر كان غزير الإنتاج على صفحات "ويكيبيديا"، في الآونة الأخيرة، ينتحل اسم "Philip Cross"/ فيليب كروس، هو على اتصال بالإستخبارات البريطانية، شأن عدد من الصحفيين العاملين في وسائل الإعلام الرئيسية.
كشفت معركة قانونية في ألمانيا امتدت لعامين، أن إحدى المحررات، الأشد عدوانية، في "ويكيبيديا"، هي جاسوسة سياسية، انضوت، سابقاً، كمتطوع أجنبي، في الجيش "الإسرائيلي". وحتى في سويسرا [الديموقراطية والمحايدة]، تم توقيف موظفين حكوميين، قاموا بـ"تبييض" محتوى "ويكيبيديا" في كل ما يخص أنشطة وكالة الإستخبارات السويسرية. وذلك، قبيل استفتاء الناخبين السويسريين حول دور هذه الوكالة. بيد أن هوية هؤلاء الموظفين ظلت مكتومة.
ويلاحظ كثرة "المحررين الويكيبيديين" الذين يكرسون كل أيامهم، تقريباً، لتدبيج المقالات على صفحات الموسوعة. ما يعني أحد أمرين : أفراد متفانون للغاية من أجل "ويكيبيديا" أو مأجورين لدى مجموعات معينة، وهذا هو الواقع. أضف على ما تقدم، صعوبة بل تعذر إعادة تحرير تلك المقالات أو تغيير مضمونها من جانب المشاهدين / القراء العاديين. بينما يقدر المسؤولون الإداريون الـ 500، الذين أشرنا لهم، أن يغيروا دائمًا، في هذه المقالات. كما أنهم يستطيعون فرض الحظر التام على أي مشاهد/ قارئ عادي، يحاول تعديل مضمون هذه المقالات، بصورة مخالفة للمعلومات أو التحليلات الواردة فيها.
نشر هذه المقالات "الويكيبيدية" التضليلية يعد نوعاً من الحملات السرية. الهدف الأساسي منها، هو مساندة مواقف الحكومات الغربية وحكومة "إسرائيل"، إضافة إلى تدمير سمعة الصحفيين والسياسيين المستقلين. تعالج المقالات الملوثة بهذا النوع من التضليل، قضايا سياسية وجيوبوليتيكية وبعض الموضوعات التاريخية، بالإضافة إلى السير الذاتية للأكاديميين والصحفيين والسياسيين غير الملتزمين.
ليس غريباً أن يدافع مؤسس "ويكيبيديا" Jimmy Wales/ جيمي ويلز عن هذه الحملات، مراراً وتكراراً. فهو صديق لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، كما يحضر "منتدى دافوس" كـ"قائد شاب". يقودنا الحديث عن دافوس ، إلى أن ويكيميديا التي أسسها ويديرها ويلز المذكور، قد جمعت لنفسها ثروة من خلال التبرعات تنوف عن 160 مليون دولار. طبعاً، معظم التبرعات وهبتها لـ"ويكيميديا" الشركات الكبرى والمؤسسات النافذة في الولايات المتحدة، لا الطلاب الكسالى الذين يشاهدون/يقرأون صفحاتها.
ناهيك عن ذلك، فقد لوحظ أن منصات التواصل الاجتماعي والفيديو الأميركية، "ترشد" روادها بشكل متزايد إلى صفحات "ويكيبيديا"، لتقييد أو محاربة الموضوعات "المثيرة للجدل". والسبب واضح، نوعاً ما في كل ما كشفه النقاش آنفاً. لقد طور باحثون ألمان، لغرض زيادة الشفافية بقدر ما، أداة متصفح إنترنت مجاني اسمه WikiWho. وهذا المتصفح الذي يعتمد الترميز اللوني لتحديد الهوية، يتيح لمشاهدي/ قراء صفحات "ويكيبيديا" معرفة محرر النص الذي يقرأه. في كثير من الحالات، يتوقع المرء أن تبدو النتيجة مزعجة.
مركز الحقول للدراسات والنشر
8 آذار/ مارس، 2020
ترجمة مركز الحقول للدراسات والنشر
المصدر :
off-guardian.org
Mars, 2020
المصدر الأصلي :
Swiss Propaganda Research
7 Mars, 2020