لو قررت “إسرائيل” أن “تركب رأسها” وتهاجم قطاع غزة، بالقوات البرية التي حشدتها من حوله، فإنها ستسقط في مهلكة “الجحيم الصاروخي”. هذا تقدير سياسي واستراتيجي قاطع. لأن غزة هاشم ركن من أركان محور المقاومة. وهذه العلاقة العضوية بين تلك الأركان، وهي علاقة دفاعية، ملزمة، قد ضاعفت من شدة ومفاعيل الإنذار الذي وجهته “قيادة المقاومة في الغرفة المشتركة” في القطاع، إلى قيادة الكيان الصهيوني يوم الإثنين الماضي.
لقد أهمل العدو الإنذار. أصر اليهود الصهاينة على تهجير أهل القدس في حي الشيخ جراح، وعتوا على المصلين في الحرم القدسي بانتهاك كرامتهم وحبسهم. لم يكتفوا بذلك، بل انتقلوا إلى مرحلة العدوان العسكري على غزة، تحت مسمى “عملية حارس الأسوار”. هكذا، هيأت “إسرائيل” كل “الأجواء” لاندلاع معركة سيف القدس. حيث فتحت المقاومة فوهات النار لتصلي الوجود الإستيطاني الصهيوني في مدن وبلدات وقرى فلسطين المحتلة، بزخات “الهطل الصاروخي” الشديد.
أسبوع مضى على بدء معركة سيف القدس. كل العتمة الإعلامية التي أرادتها الرقابة العسكرية “الإسرائيلية”، بددها لهب الصواريخ الفلسطينية الوضاء في مدى سماوات الوطن الفلسطيني العزيز. وهو ما كشف حجم الهزيمة التكنو ـ عسكرية التي تحيق بالجيش “الإسرائيلي”، الآن. فقد بدأت معركة سيف القدس وسط تغير كمي ونوعي في الأداة الرئيسية للدفاع العسكري الفلسطيني وهي الصواريخ العادية، ونتبين هذا التغير المزدوج :
ـ أولاً، من تساوي إجمالي عدد الصواريخ الفلسطينية المطلقة على التجمعات الإستيطانية الصهيونية في جنوب فلسطين المحتلة، خلال الأيام السبعة الأولى من معركة سيف القدس، مع إجمالي عدد الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية خلال خمسين يوماً من أيام العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة عام 2014. أي أن كمية العتاد الصاروخي التي كانت ترمى في الميدان خلال أسبوع واحد في عام 2014، أصبحت ترمى في غضون يوم واحد، الآن، في عام 2021.
ـ ثانياً، من تضاعف مديات الصواريخ الفلسطينية بالمقارنة عما كانت عليه أثناء عدوان عام 2014. فالصاروخ الأبعد مدى في ترسانة المقاومة كان يصل حتى مسافة 40 كلم في المعركة السابقة. وقد تضاعف مدى الصاروخ الفلسطيني منذ ذلك الحين، حتى وصل في معركة سيف القدس إلى 220 كلم، من دون أن ننسى المفاجآت الصاروخية التي قد تخرج من هذه الترسانة.
تبعاً لمنطق الحرب ذاتها، تبع التغير التكنو ـ عسكري في المخزون الصاروخي لدى المقاومة الفلسطينية، الذي تستخدمه في معركة سيف القدس، ظهور عدد من المتغيرات السياسية ـ الإستراتيجية. وهو ما نلحظه في نص الإنذار الذي أرسلته “قيادة المقاومة في الغرفة المشتركة” في قطاع غزة، إلى حكومة نتنياهو وإلى جيش الإحتلال، يوم الإثنين الماضي (10 أيار/ مايو 2021).
فقد فرضت المقاومة الفلسطينية، عبر الشروط الوطنية التحررية التي نص عليها الإنذار، قيوداً واضحة على سلطة الإحتلال “الإسرائيلي” في القدس، تحرمها من التنكيل بالمواطنين الفلسطينيين وسجنهم وتجردها من سلطة التصرف بأموالهم وممتلكاتهم. وهذه الشروط تحظى بتأييد أغلبية الشعب الفلسطيني، بل يتوق إليها الشعب الفلسطيني كله. وهو ما يفسر مساندة المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 لمواطنيهم في الأراضي المحتلة عام 1967.
إن الإنذار ثم معركة سيف القدس، التي تلته، والتي تخاض لإرغام “إسرائيل” على تنفيذ مضمونه، كانا بذاتهما إعلاناً واضحاً، بأن الفلسطينيين، يريدون دفن سلطة الحكم الذاتي/ سلطة أوسلو. وتدل خريطة القصف الصاروخي على امتداد الجغرافيا الفلسطينية، أن الفلسطينيين يقاتلون اليهود الصهاينة في معركة سيف القدس وما يليها، من أجل استعادة السيادة الوطنية على أراضي فلسطين المحتلة بأكملها. وهو ما ورد في نص دستور الشعب الفلسطيني المعروف باسم “الميثاق الوطني”.
كل “الهطل الصاروخي” الذي سقط على “إسرائيل” في الأسبوع الفائت، يغدو “حفلة شاي” بالمقارنة مع “التسونامي الصاروخية”، التي ستعصف بكيان الإستيطان الصهيوني في كل أرجاء فلسطين المحتلة، إذا ما توهم مجرمو الحرب في “إسرائيل” أن طريق “التفوق المطلق” يمر في أحياء وحارات وبيوت ودور وفي أنفاق وملاجئ الفقراء الفلسطينيين في غزة وأكنافها. فما بعد 10 أيار / مايو 2021 ليس كما قبله.
فـ”أبواب الجحيم” ما زالت مغلقة حتى الآن. لكن محور المقاومة الذي بذل الدماء الغزيرة والموارد الوفيرة لصون حرية الجمهورية العربية السورية وحفظ استقلالها، طوال العقد الأخير، ودافع قبل ذلك عن حرية لبنان واستقلاله في عام 2006، لن يترك “سيف القدس” ينكسر بدروع اليهود الصهاينة ولا بحممهم. لن يترك المحور غزة تسقط بين أنياب الوحش الصهيوني في عام 2021. هذا محال.
قد تبدو غزة منفصلة جغرافياً عن دول المحور. معزولة. لكن منتجات التكنولوجيا الصاروخية وتكنولوجيا الطيران المسير والإتصالات وسواها من أدوات الحرب، التي تزودت المقاومة الفلسطينية بها في قطاع غزة، وتستخدمها اليوم في معركة سيف القدس بحرفية ودراية، أعادت وصل جغرافية القطاع بمحور المقاومة، الذي يؤلف العمق الإستراتيجي للمقاومين في القطاع وسائر فلسطين المحتلة. في حسبان ميزان القوى، تربض غزة على “روح إسرائيل”، تبرك على أنفاسها.
فالمحور بنى ركائز القوة العسكرية والإستراتيجية تحت النار، وفرض على “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية وعملائهما التراجع الإقليمي والدولي، خطوة تلو خطوة، طيلة السنوات الماضية. وهو لن يتفرج على تقدم القوات البرية “الإسرائيلية” إلى قطاع غزة. بل سيتحرك ليلقي بـ”إسرائيل” في أتون “الجحيم الصاروخي”.
هذه المعادلة الجديدة بكل ملامحها هي التي جعلت معركة سيف القدس تحولاً بل قفزة يحققها محور المقاومة في المواجهة الحربية الإستراتيجية مع كيان الإحتلال الصهيوني.
هيئة تحرير موقع الحقول
الأحد، 05 شوال، 1442، الموافق 16 أيار/ مايو، 2021