تركزت “معلومات” صحف اليوم على “تأجيل” الإنتخابات النيابية، في تكرار لما قالته يوم أمس. فالنظام الرأسمالي الطائفي يمكن أن يأتينا بالعجائب الدستورية في أي يوم من الأيام الـ 67 المتبقية على موعد توجه المواطنين للإقتراع. فصلت “اللواء” في مظاهر “الإشتباك” الذي جرى بحثاً عـــ”ـــمَن يتجرّع كأس التأجيل”. كأنها تريد أن تقول أن المعنيين بالديموقراطية الطائفية/ المذهبية يريدون التأجيل ويعملون له، لكنهم يخشون حمل العواقب. “الأخبار” أوضحت أن “المشكلة تكمن الآن في الكتل والأحزاب الرئيسية التي تخوض الانتخابات. لا تريد حصولها، ولا يسعها أن تفصح عن ذلك، وفي الوقت نفسه تستعد للانخراط فيها كأنها واقعة غداً، وتتهيّب المفاجأة”. وأيدت “البناء” هذه “المعلومات”، وأشارت إلى “انقسام حكومي وسياسي، بعدما صار الأمر بين خيار الأخذ بالميغانستر وتأجيل الانتخابات أو الذهاب للانتخابات في موعدها دون الميغاسنتر”. هكذا سيغشى الحياة السياسية قدراً من الغموض الدستوري، يؤكد إحساس المواطنين بأن نظام الأوليغارشيه الحاكم سيبقى معلقاً، يسدُّ نوافذ أيامهم ويعتمها.
هيئة تحرير موقع الحقول
الثلاثاء، 05 شعبان، 1443 الموافق 08 آذار، 2022
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار
حكومة الـ«كوما»: لجنة «الأزمة» لا تنعقد!
أتت الحرب الروسية ـ الأوكرانية وسط أكثر الأزمات خطورة في لبنان. فالاقتصاد دخل مسار الانهيار قبل أكثر من سنتين، وعليه أن يتحمّل تبعات ما يحصل اليوم في أوروبا الشرقية. المشكلة هنا متشعّبة ولها أكثر من باب، ولا تتعلق بتأمين مصادر الاستيراد أو سلاسل التوريد أو التمويل، بل بجميعها. فإيجاد سلاسل إمداد جديدة للقمح والطاقة باتَ صعباً جداً مع ارتفاع الطلب العالمي الذي انعكس ارتفاعاً في الأسعار تجاوز 100 دولار للطن الواحد. لكن المشكلة أبعد من ذلك. فحتى لو تمكّن لبنان من تأمين التمويل بالدولار للحصول على الكميات اللازمة، بات شراء القمح من روسيا أو أوكرانيا متعذّراً، فيما الاستيراد من أميركا أو كندا يتطلب أسابيع عدّة لوصول الكميات، أي بعد نفاد المخزون المتوافر حالياً (تقرير ميسم رزق).
ولبنان، شأنه شأن كل الدول العربية، على أبواب شهر رمضان الذي يشهد ارتفاع الطلب على الخبز واللحوم والخضر والفواكه والبطاطا والدجاج وسواها من المنتجات التي يزداد الطلب عليها في هذا الشهر والتي ارتفعت أسعارها لأسباب مختلفة، من بينها ارتفاع الطلب العالمي أو بسبب ارتفاع كلفة الشحن من البرازيل والأرجنتين للحوم مثلاً، أو بسبب ارتفاع كلفة الأعلاف للدجاج…
كل ذلك يأتي في ظل وضع كارثي أصلاً في لبنان. فأسعار المشتقّات النفطية من بنزين ومازوت ستترجم زيادة في أكلاف الإنتاج والنقل، وبالتالي ارتفاعاً في أسعار المنتجات.
إزاء هذا الواقع، لم يتبيّن بعد كيف ستتعامل الحكومة اللبنانية مع هذه الأزمة، ولا الأدوات التي ستعتمدها في مواجهة تداعيات الحرب. ففيما بدأت غالبية البلدان بوضع الخطط وتنفيذ عدد من الإجراءات منذ انفجار الميدان الروسي ــــ الأوروبي، قرّرت الحكومة بعد نحو عشرة أيام تأليف لجنة للبحث في الإجراءات التي يُمكن اتخاذها. لكن سلوك الحكومة لا يشي بأنها تتعامل مع أمر طارئ وجدّي. فاجتماع اللجنة الذي كانَ مقرراً أن ينعقد أمس للمرة الأولى، تأجّل بسبب انشغال وزير الصناعة بأعمال أخرى كاستضافة وزير الصناعة العراقي، فيما تأخر وزير الثقافة في اجتماع اللجنة الوزارية المكلّفة بحث اعتماد «الميغاسنتر» في الانتخابات النيابية، على أن تعود اللجنة وتجتمع اليوم ويشارك فيها وزراء الصناعة والثقافة والزراعة والدفاع والاقتصاد.
وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن أعضاء اللجنة الوزارية بدأوا منذ أمس مناقشة بعض الأفكار في ما بينهم لمعالجة الأزمة و«البحث عن حلّ متكامل»، وفقَ ما يقول وزراء مشاركون في اللجنة. لكن العناوين المقترحة لجدول أعمال اللجنة لا تزال عامة لغاية الآن، ومن أبرزها منع تصدير بعض السلع الحياتية من أعلاف وزيت وحبوب، والبحث عن أسواق بديلة من الدول التي تعاني من مشاكل وأزمات، والضغط على مصرف لبنان لفتح اعتمادات جديدة من أجل الاستيراد.
انتخابات أيار بلا قضيّة: الأسهل لحزب الله
يوماً بعد آخر يتأكّد حصول انتخابات أيار في موعدها. يوحي الأفرقاء بأنهم يذهبون إليها بحماسة، لكنهم ينتظرون ما قد يحدث لتأجيلها. بعد الصدمة السنّية الأخيرة، لم يعد في وسع أي فريق، ما خلا الثنائي الشيعي، الثبات على حساباته وتوقعاته وأوهامه (تقرير نيقولا ناصيف).
مذ أُقر في مجلس النواب في 3 تشرين الثاني المنصرم، يعيش قانون الانتخاب النافذ مشكلة بعد أخرى. أولاها كان الاشتباك من حول المادة 57 من الدستور، ثم الصراع على النصاب وتصويت الاغتراب، ثم موعد إجراء الانتخابات النيابية في 15 آذار أو 15 أيار. بعد ذلك أتى دور المجلس الدستوري ثم اختفى. حكي عن العوز والحاجة إلى مال الانتخابات، إلى أن انتهى المطاف الآن بالتريث والتباطؤ الذي يرافق الترشح.
قبل أسبوع واحد فقط من إقفال باب الترشيح في 15 آذار، لا يزال عدد المرشحين أقل من 150، وسجل البارحة الرقم 117، بينما بلغ عددهم لانتخابات 2018 حتى إقفال باب الترشيح 917 مرشحاً، نجح منهم 597 مرشحاً في حجز مقاعد لهم في اللوائح الـ77 التي خاضت الانتخابات تلك. أكبرها تسع لوائح في دائرة بيروت الثانية، وأصغرها لائحتان في دائرة الزهراني – صور.
المهل القانونية التي بدأت رحبة وطويلة مذ افتتاحها بمرسوم دعوة الهيئات الناخبة في 29 كانون الأول، تضيق تدريجاً. آخرها في 4 نيسان موعد إقفال اللوائح الانتخابية نهائياً. تبعاً للقانون المعدل، يُحدّد موعد دعوة الهيئات الناخبة قبل 90 يوماً من إجراء الانتخابات. وقّع رئيس الجمهورية ميشال عون المرسوم الحالي في 29 كانون الأول الفائت، بعدما تأكد من أن إجراء الانتخابات في 15 أيار وليس في 15 آذار، مستخدماً مهلة قانونية زادت على أربعة أشهر مما اشترطه القانون. كان فعل الأمر نفسه في انتخابات 2018، عندما أصدر مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في 22 كانون الثاني 2018، قبل أربعة أشهر من موعد الانتخابات عامذاك في 6 أيار. لا يحدد القانون موعد تقديم طلبات الترشيح، بيد أنه يحدد موعد إقفالها قبل شهرين من فتح صناديق الاقتراع.
بذلك فُهِمت إحدى أحاجي القانون الحالي للانتخاب: ليس عدد المرشحين، كما في نظام التصويت الأكثري واللوائح المفتوحة في القوانين السابقة، هو المعوَّل عليه. بل ما تنتهي إليه لائحة اللوائح المقفلة ومَن أصبح داخلها.
لم يعد لطول المهل القانونية المهيئة للانتخابات النيابية أو قصرها، أي دلالة تفسّر مغزى التباطؤ في تقديم طلبات الترشح، سوى أن المشكلة تكمن الآن في الكتل والأحزاب الرئيسية التي تخوض الانتخابات. لا تريد حصولها، ولا يسعها أن تفصح عن ذلك، وفي الوقت نفسه تستعد للانخراط فيها كأنها واقعة غداً، وتتهيّب المفاجأة.
شأن كل انتخابات نيابية تسبق انتخابات رئاسية، كأعوام 1947 و1957 و1968، يصبح ارتباط الأولى بالثانية حتمياً، ومعبراً وحيداً إليها، من غير أن يفضي ذلك إلى الاقتناع بأن المجلس الذي يصوّت هو الذي يقرر الرئيس المقبل. ما خلا استثناءً واحداً عام 1996 يوم لم يشعر اللبنانيون بمثل هذا الانتقال الموضوع حينذاك بين أيدي السوريين وحدهم، اتّسمت كل انتخابات نيابية تجري في ولاية لرئيس للجمهورية، أي رئيس، موشكة على الأفول بطابع مناقض لذاك الذي رافق إجراءها في مطلع الولاية. الاعتقاد الشائع بين تزامن انتخابات نيابية وأخرى رئاسية يدور حكماً من حول الغالبية النيابية التي ستذهب إلى الاستحقاق التالي. هو، في الواقع، لبّ المشكلة الحالية التي تجعل الأفرقاء جميعاً، على رأس كتلهم القوية، مذعورين سلفاً من انتخابات، من غير المؤكد لهم جميعاً – ربما باستثناء الثنائي الشيعي بفعل فائض قوته – أن حساباتهم حيال نتائجها دقيقة ومحسوبة.
مكمن المشكلة يقع في عوامل أساسية منها:
1 – أن أياً من الأفرقاء، تيارات وأحزاباً ومذاهب، بما فيها الثنائي الشيعي، ليس يتوهم أنه قادر، وحده أو مع حلفائه أياً كان هؤلاء، في انتخابات أيار المقبل على الوصول إلى النصاب الموصوف لانعقاد جلسة انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، وهو 86 نائباً. نصاب كهذا لم يسبق أن حازه فريق سياسي واحد سوى «النهج» بعد الانتخابات النيابية عام 1964، عشية رفض الرئيس فؤاد شهاب تجديد ولايته، بأن اجتمع 79 نائباً من 99 من حول هذا الخيار. لا كتلة سبقته أو تلته وصلت إلى مثل هذا الحجم من الاستقطاب السياسي. طبعاً يُقتضى أن تستثنى هنا الحقبة السورية التي فرضت رئيسين على التوالي كما تمديد ولايتيهما بالنصاب الموصوف نفسه. بقية الاستحقاقات المماثلة، غالباً ما دار الصراع على أكثرية نيابية مؤسِّسة قبل أن تذهب لاحقاً إما إلى تحالفات جديدة، أو إلى تسويات تسبق انتخاب الرئيس الجديد.
2 – أكثر مَن يبدو معنياً بحاجته إلى الأكثرية اليوم هو نفسه الفريق الذي يمسك بها، وهو الثنائي الشيعي. بعد تفرّق قوى 14 آذار وتبخّرها، تمكّن حزب الله من المحافظة على الفريق الذي يقوده في 8 آذار، واحتفاظه تالياً بالغالبية النيابية. هي الآن بين يديه تساوي 71 نائباً. ما يسهل عليه الوصول إليه مع شركائه، مسيحيين ودروزاً وسنّة، هو الإمساك بالغالبية العادية، 65 نائباً، حداً أدنى. يسهل عليه كذلك رفع العدد إلى 71 نائباً. أكثرية كهذه تمكنه من منع التئام البرلمان لانتخاب رئيس لا يرضى به. رقم كهذا يتجاوز الثلث المعطل لانتخاب الرئيس الجديد (44/86 نائباً).
3 – ما يُفترض أنه يبعث على ارتياح الثنائي الشيعي، وخصوصاً حزب الله، افتقاره للمرة الأولى إلى خصم جدي. يسرّه أن انتخابات أيار بلا أي شعار أو قضية. في انتخابات 2005 التي أربكته وحملته على ارتكاب التحالف الرباعي، أقلقته تداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري على أنه عنوان «قضية» ذلك الاستحقاق، فذهبت الغالبية النيابية إلى قوى 14 آذار. في انتخابات 2009 بعدما خذل نفسه عندما توقع أنه سيفوز بالغالبية النيابية، واجه شعاراً مكمّلاً للسابق على أنه في ذاته «قضية» عنوانها المحكمة الدولية واتهامه باغتيال الحريري، ففقد رهان الوصول إلى الغالبية تلك. منذ اتفاق الدوحة عام 2008 ليس ثمة شعار أو قضية لأي انتخابات، بما فيها الوجبة الدسمة والمغذية وهي سلاح حزب الله.
في انتخابات أيار يريح الحزب سلفاً أنها انتخابات بلا قضية تسعّر الاحتدام المذهبي كتجربتي 2005 و2009. لكنها أيضاً بلا منافس سنّي في الغالب يقيم التوازن السياسي والمذهبي في قيادة الانتخابات. ربما يصح القول إن اعتزال الرئيس سعد الحريري، الخصم الودود، خسّره حاجته إلى التوازن المتكافئ مذهبياً فحسب. لكن المجدي أن اعتزالاً كهذا ليس الثنائي الشيعي وحده المتأثر به، بل أيضاً حلفاء الحريري الذين عوّلوا عليه لتبرير اندفاعهم في خوضهم العلني المواجهة مع حزب الله وسلاحه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء
حياد أوكرانيا تحت الفصل السابع واستفتاء الأقاليم بإشراف أمميّ قيد البحث
بين الميغاسنتر وتأجيل الانتخابات مطالبات بتأمين الدولة لكلفة نقل الناخبين
دعوات لتعهّد مكتب الحبوب شراء محصول القمح المقبل بسعر السوق
باتت سياقات الحرب الروسية الأميركية في أوكرانيا واضحة عسكرياً، بمحدودية ما يمكن أن يفعله الكلام الأميركي والأوروبي عن توفير الدعم لمواجهة الجيش الروسي، وبدء ظهور تراجعات عن بعض عناوينه كما ورد على لسان وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، لجهة عدم توافر فرص واقعيّة لتأمين طائرات حربية للجيش الأوكراني، وفي ظل وقائع التقدم الروسي المتسع جغرافياً بدت محدودية فاعلية الأسلحة المضادة للطائرات والمدرعات، التي قال الأميركيون والأوروبيون انها بالآلاف، وأنها تحقق إنجازات عسكرية، مع تأكيد الخبراء الأميركيون بأن اتجاه المعركة محسوم لصالح روسيا، لكن ما تسعى إليه واشنطن هو رفع كلفة الإنجاز العسكري على موسكو، سواء بخسائر الجيش في الميدان او بكلفة العقوبات المالية.
الوجهة الثابتة للتقدم الروسي ترجمها توسع مناطق انتشار القوات الروسية لتطال ثلث مجموع مساحة أوكرانيا، اي ما يقارب الـ 200 الف كيلومتر مربع، وظهور علامات الضعف والوهن على القوات الأوكرانية، خصوصاً في محاور العاصمة كييف، ما جعل البحث عن حل تفاوضيّ بسقوف قريبة من المطالب الروسية عنوان الكثير من المساعي الدبلوماسية، في ظل مناشدات أوروبية للصين للعب دور الوسيط، عبر عنها مفوّض السياسة الخارجية جوزيب بوريل، وفتح كلام الحكومة الأوكرانية عن الاستعداد لحل يقوم على ضمانات ترسم مستقبل أوكرانيا، كبديل للانضمام المستحيل إلى حلف الناتو، طريق البحث عن مضمون حل قابل للبحث مع موسكو، وصعد الى السطح مقترح يقوم على إعلان حياد أوكرانيا بموجب قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي وفقاً للفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، بما يعني الالتزام بعدم انضمام أوكرانيا إلى أي حلف عسكري، وعدم امتلاكها أسلحة يمكن أن تهدد دول الجوار، بالتوازي مع منح الأقاليم الأوكرانية الراغبة حق تقرير المصير وفقاً لاستفتاء تنظمه وتشرف عليه الأمم المتحدة، يتقرّر على أساسه مصير شبه جزيرة القرم وجمهوريتي إقليم دونباس اللتين أعلنتا الانفصال.
في الشأن السياسي اللبناني لا يزال الملف الانتخابي في الواجهة، مع النقاش الدائر حول الميغاسنتر في ظل انقسام حكومي وسياسي، بعدما صار الأمر بين خيار الأخذ بالميغانستر وتأجيل الانتخابات أو الذهاب للانتخابات في موعدها دون الميغاسنتر، ودعت جمعيات معنية بديمقراطية الانتخابات الى الأخذ بأسباب الميغاسنتر لجهة إلغاء أعباء النقل عن كاهل الناخبين، ووضع حد لاستخدام عمليات النقل كعامل ترجيح لصالح اللوائح المقتدرة وعامل إضعاف للوائح الضعيفة الإمكانات المالية، بما يهدد نزاهة العملية الانتخابية ويتيح فرصاً للطعن فيها، وجوهر البديل الذي تقوم عليه الدعوات هو رصد جزء من المبالغ المطلوبة لقيام الميغاسنتر من أجل تغطية تكاليف النقل للناخبين الراغبين بتسجيل طلباتهم بالمشاركة في خدمات النقل الانتخابي.
الشأن الاقتصادي والمعيشي عاد الى الواجهة أيضاً مع ارتفاع أسعار النفط والقمح عالمياً، وتحول الارتفاع في الأسعار الى ذريعة لعودة التجار إلى عادتهم القديمة باحتكار السلع طمعاً بالمزيد من الأرباح، وفي ظل محدودية فاعلية الإجراءات الحكومية، طرح عدد من الخبراء أسئلة حول سبب تجاهل الحكومة لخيار بطاقة تعبئة البنزين للسيارات المسجلة تتيح تعبئة عدد لا يزيد عن الصفيحتين شهرياً بسعر الكلفة لزوم الحاجة، وتعبئة كمية إضافية من صفيحتين بسعر التكلفة مضافة إليها الضرائب والرسوم، على أن تكون تعبئة أية كمية اضافية بسعر تضاف إليه رسوم عالية يستخدم لتغطية دعم الكميات التي تخصص للسيارات العمومية.
في مواجهة أزمة القمح دعت جمعيات المزارعين الى اعلان مكتب الحبوب الاستعداد لشراء محصول القمح المقبل بسعر السوق تشجيعاً للبنانيين لزراعة أراضيهم بالقمح الطري، بما في ذلك البلديات التي تملك مساحات شاسعة.
بينما يغرق لبنان في مستنقع الأزمات الداخلية المتنوعة مع حصار اقتصادي خارجي منذ عامين ونصف العام، داهمته أزمة مستجدة متأتية من تداعيات الحرب الروسيّة – الأوكرانيّة، ما يضع أمنه الغذائي في دائرة الخطر بموازاة أزمة محروقات حادة، بدأت طلائعها بالظهور في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ومن المتوقع أن تتفاقم الأسبوع الحالي في ظل تخبّط تعيشه الدولة والحكومة وعجز عن تأمين بدائل لاستيراد المحروقات والمواد الغذائية الأساسية كالزيت والقمح بعد تعذّر استيرادها من روسيا وأوكرانيا والدول المجاورة المتأثرة بالحرب.
وشهدت السراي الحكومية سلسلة لقاءات وزارية لمتابعة كيفية معالجة الأزمات المستجدة. وأشارت أوساط القصر الحكومي لـ»البناء» الى أن الحكومة وضعت خطة لمواجهة الواقع المستجد وحماية الأمن الغذائي وضبط الأسعار ولجم عمليات التخزين والاحتكار، والبحث يتركز على تأمين مصادر أخرى لاستيراد المواد الغذائيّة لا سيما السلع الأساسية كالقمح والزيت، على أن يعلن الوزراء لاحقاً عن هذه البدائل التي تأخذ بعين الاعتبار المدة الزمنية لإيصال المواد الى لبنان وكلفة نقلها. ورجحت الأوساط أن تكون الهند البديل الأساسي المتوافر لاستيراد القمح حتى الآن ويجري التواصل مع دول عربية لاستيراد المشتقات النفطية. وأكدت الأوساط أن مخزون القمح الموجود في لبنان يكفي لثلاثة أشهر فقط.
وكشف مدير عام وزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر في حديث تلفزيوني أن «لبنان يستورد من تركيا وأوكرانيا نحو الـ95% من الزيت»، موضحًا أن «53% من أوكرانيا والباقي من تركيا»، ولفت إلى «أننا نستورد حوالي الـ50% من زيت الخام من أوكرانيا أيضًا»، مشددًا على أن «المطلوب من المواطن، المساهمة بالحفاظ على الأمن الغذائي المجتمعي، وعدم التخزين»، مؤكدًا أن «بعض التجار لجأ إلى التخزين، وهنا يأتي دورنا بالتعاون مع القوى الأمنية.. وكمية التوزيع انخفضت».
وذكرت وسائل اعلام أن هناك «مساعي لإبقاء الدعم على 35 الف طن من الطحين لصناعة الخبز حصراً، ورفعه عن 35 الف طن للصناعات الأخرى». وأوضحت أن «سوق الزيت ليس مقفلاً والشركات تبحث عن بدائل، أما بالنسبة لأعلاف الحيوانات، لا خوف على انقطاعها، الذرة والصويا متوفرة بكمية كافية واستيرادها ليس فقط من أوكرانيا».
وأعلن وكيل المطاحن في الجنوب علي رمال، أن المطاحن أوقفت اليوم (أمس) تسليم أفران المناقيش ومخابز المرقوق والباتسيري كمياتهم المقننة أصلاً من الطحين، والتي أقفل البعض منها أبوابه والقسم الأكبر سيقفل خلال الـ 48 ساعة المقبلة. وأشار إلى أن التسليم اقتصر فقط على أفران الخبز العربي، بموجب بونات صادرة من وزارة الاقتصاد، وهذا الأمر خلق بلبلة وهلعاً وإرباكاً في السوق الجنوبي، وخصوصاً أن آلاف العائلات تعتاش من هذا القطاع الحيوي، وقد أصبحوا اليوم مهددين في لقمة عيشهم.
على صعيد المحروقات، حذرت مصادر اقتصادية ونفطية عبر «البناء» من أزمة كبيرة في سوق المحروقات سيشهدها لبنان بدءاً من مطلع الأسبوع الحالي ومن غير المعلوم نهايتها، في ظل الشحّ في المحروقات وتعذّر استيراد الكميات اللازمة من روسيا وارتفاع اسعار النفط العالمية. وتوقعت المصادر أن ترتفع أسعار الوقود بنسبة كبيرة.
وفي هذا السياق تُحمّل مصادر سياسيّة الحكومة ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب مسؤوليّة تبعات انحيازها لصالح أوكرانيا ضد روسيا أكان في بيان وزارة الخارجية أو موقف لبنان في الأمم المتحدة، ما سيرتب مشاكل إضافية في العلاقة مع روسيا على المستويين السياسي والاقتصادي.
وفيما توقعت المصادر أن تطول الحرب الروسية – الأوكرانية لمدة أربعة شهور وأكثر، ما سيُفاقم الأوضاع الاقتصادية في لبنان والعالم برمّته. يحذر خبراء اقتصاديون عبر «البناء» من أن تجاهل الحكومة عن إيجاد الحلول للأزمات سيؤدي الى مشكلة اجتماعية كبيرة تضاف الى الأزمات السابقة ما سينعكس توترات وفوضى أمنية في الشارع وتزايد نسبة الجرائم الاجتماعيّة. ويعتقد الخبراء أن الإقبال الكثيف لدى التجار والمواطنين على تخزين المواد الغذائيّة لا سيما الطحين وتعمّد شركات الاستيراد وأصحاب المحطات إخفاء مخزونهم من المحروقات لاحتكارها، سيزيد الأزمة سوءاً ويفقد إجراءات الحكومة جدواها، فضلاً عن تعذر تأمين البدائل لتأمين هذه المواد من الخارج بسبب الحرب، ويضيف الخبراء عاملاً سلبياً أيضاً يتمثل بالضغط على مصرف لبنان لتأمين الاحتياطات اللازمة لاستيراد كل هذه السلع التي ارتفعت أسعارها العالمية. وشدد الخبراء على أن كل هذه العوامل ستؤدي الى ارتفاع كافة أسعار السلع والمواد الغذائية وليس فقط المحروقات والطحين والزيت، وبالتالي لن يكون هناك سقف للأسعار في ظل الأزمة العالمية والظروف المالية الصعبة في لبنان.
وعلمت «البناء» أن جدول أسعار المحروقات الجديد لن يصدر بانتظار أن يتم الاتفاق مع شركات الاستيراد وأصحاب المحطات على التسعيرة الجديدة وحتى تخرج المحطات مخزونها السابق لبيعه وفق السعر القديم قبل أن تتسلّم الكميات وفق السعر الجديد.
وكان مدير عام وزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر جال على الشركات الموزعة للنفط، برفقة وزير الطاقة وليد فياض الذي قال «أتينا لطمأنة الناس والكشف على المخزون الذي يكفي 15 يوماً على الأقل». وأكد أن «لا داعي للهلع»، داعياً «للتأكد أنّ المواد تُسلَّم للمواطنين». وأفيد أن فياض طلب تعهّد شركات مستوردي النفط بالتعاون بينها لعدم إفراغ السوق من البنزين والمازوت.
بدوره لفت أبو حيدر، الى أننا «فوجئنا أن شركات توزيع المحروقات تقنن في التوزيع انتظاراً لصدور الجدول الجديد من أجل الربح الأكبر وطلبنا منهم مضاعفة الكميات في الأسواق للتخفيف من حدة الطوابير».
وتوقع عضو نقابة أصحاب المحطات جورج البراكس أن تزداد الطوابير، كاشفاً أن لا سقف لسعر صفيحة البنزين والأمر مرتبط بسعر صرف الدولار وسعر برميل النفط العالمي ونحن في حالة حرب وفي وضع استثنائيّ ولا أحد يعلم إلى أين ممكن أن تصل الأمور.
وأعلن ممثل موزعي المحروقات فادي ابو شقرا ألّا مخزون من المحروقات في لبنان معتبراً ان من مسؤولية الدولة تأمين احتياط نفطي بالدرجة الأولى، واشار الى ان عدد البواخر التي تستوردها الشركات محدود في ظل الأزمة العالميّة. ورفض ابو شقرا تحديد سعر صفيحة البنزين في ضوء العشرة في المئة التي تطالب الشركات المستوردة للمحروقات بزيادتها، لكنه قال إن الأسعار مرهونة ومرتبطة بالأسعار العالمية آملاً تعاوناً من قبل الدولة والمعنيين فيها لتحديد آلية العمل.
في المواقف السياسية، أكد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي «أن لبنان الذي عانى من اجتياحات وحروب على مر تاريخه متمسك بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ولا يقبل أي اعتداء على سيادة اي دولة وسلامتها، ويعتبر ان المشكلة بين روسيا واوكرانيا تحلّ بالمفاوضات وليس بالخيارات العسكرية».
وجاء موقف ميقاتي خلال استقباله في السراي الحكومي وفداً من «حزب الشعب الأوروبي» الذي يضمّ نواباً وبرلمانيين منتخبين في مختلف مجالس نواب وبرلمانات الدول الأوروبية. رأس الوفد النائب الفرنسي في المجلس الأوروبي فرانك بروست وضم ٣٠ نائباً وشخصية يمثلون ١٦ بلداً أوروبياً.
وبعد اللقاء قال النائب بروست «زيارتنا للبنان تتمحور حول درس الإمكانات المتوافرة لدى أوروبا من أجل مساعدة أصدقائنا اللبنانيين بشكل أفضل، في ظل تحديات جيوسياسية راهنة تجعل الوضع في أوروبا أكثر حساسية، خصوصاً في ما يتعلق بالنزاع في أوكرانيا وتداعياته على أوروبا، وهي تداعيات بدأت تظهر بشكل مباشر على مسألة الأمن الغذائي في لبنان». تابع: «نعمل على محاور وقضايا أساسية ثلاثة، أولها الأجندة السياسية في لبنان والتي تتضمن جملة استحقاقات مفصلية منها الانتخابات النيابية في 15 أيار المقبل، والانتخابات البلدية والاختيارية التي أُرجئت نحو سنة، إضافة الى الوضع الاقتصادي عبر قناة المفاوضات الجارية بين لبنان وصندوق النقد الدولي، وهي مفاوضات تتسم ببعض التعقيدات تمهيداً لحصول لبنان على قروض إضافية، من دون أن نغفل الإشارة الى تدهور سعر صرف العملة الوطنية، ما يتسبب بصعوبات كبيرة بالنسبة الى الشعب اللبناني، كما أن هناك أيضاً مسألة العلاقات بين لبنان وعدد من دول الخليج العربي. وختم: على رغم كل التعقيدات التي أشرنا اليها، فنحن على استعداد للمساهمة في اتخاذ القرارات المناسبة لمساعدة أصدقائنا اللبنانيين بشكل مستدام».
وفي سياق ذلك، اعتبر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن «الظروف الراهنة في الشرق الاوسط وفي العالم بأسره، تحتم أكثر من أي وقت مضى تضامناً بين الدول العربية وتعزيزاً لوحدة الموقف بعد التباعد الذي حصل خلافاً لميثاق جامعة الدول العربية، والاعتبارات التي تفرض اجتماع العرب على كلمة واحدة». وأكد عون خلال استقباله وزير الشؤون الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة أن «لبنان لطالما عمل من اجل جمع العرب وإزالة الأسباب التي ادت الى تفرقهم وهو بالتالي يرحب بأي لقاء عربي جامع».
ونقل النائب الياس بو صعب عن عون بعد زيارته بعبدا «تمسكه بالحقوق اللبنانية في ما خص ترسيم الحدود وأنه يضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار، انطلاقاً من قسمه الدستوري وتمسكه بالسيادة اللبنانية التي تحكم الأداء الرئاسي، ومن قناعته ان هذا الملف يحتاج الى توافق وطني لأهميته وانه سيتابع الملف منعاً لمزيد من هدر الوقت من أجل الوصول الى قرار يحظى بإجماع وطني أياً يكن هذا القرار».
على صعيد الانتخابات النيابية، عقدت اللجنة الوزارية المكلفة بحث مدى إمكانية اعتماد «الميغاسنتر» في الانتخابات النيابية لعام ٢٠٢٢، اجتماعاً أمس في وزارة الداخلية والبلديات.
وكشفت مصادر مطلعة على مداولات الاجتماع لـ»البناء»، أن الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية نقلوا إصراره على اعتماد الميغاسنتر في الانتخابات المقبلة وضرورة تذليل العقبات التي تحول دون ذلك، وأوضحت أن «نقطة الاختلاف بين المجتمعين تكمن بأن هل يحتاج اعتماد الميغاسنتر الى تعديل قانون الانتخاب أم يكفي قرار حكومي.. أي إجراء عادي؟».
وناقش الاجتماع بحسب المعلومات النقاط اللوجستية والمادية، ووجهات النظر لم تكن خلافية تجاه إمكان سهولة إنشاء «الميغاسنتر» لكن النقطة الخلافية والتي أخذت حيزًا من النقاش تمثلت بوجهات النظر القانونية. وانقسم الوزراء قانونيًا، حيث خالف وزيرا العدل هنري خوري والسياحة وليد نصار، وجهة نظر باقي أعضاء اللجنة وتمسكا بأن إنشاء «الميغاسنتر» لا يتطلب تعديلًا قانونيًا وممكن بظل القانون الحالي.
وأشار وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي الى أن «الحكومة ملتزمة بإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري والانتخابات لن تؤجل ولا دقيقة». ولفت المولوي في تصريح تلفزيوني الى انه قدم دراسة حول الميغاسنتر الى مجلس الوزراء، وأن إقرار الميغاسنتر يحتاج الى تعديل في قانون الانتخاب في مجلس النواب. وكشف بأن وزير السياحة وليد نصار طرح فكرة تأجيل الانتخابات في اطار جواب على سؤال طُرح في الاجتماع الوزاري.
وفيما لم تستبعد مصادر نيابية لـ»البناء» أن يؤدي الخلاف حول الميغاسنتر الى تأجيل الانتخابات، أشار وزير الثقافة محمد المرتضى الى أن موقف «الثنائي الشيعي» هو التسليم بأن «الميغاسنتر» يوفر على المقترعين التنقل ويشجع على الاقتراع وهو ضرورة، انما الثنائي لا يريد ان يكون الميغاسنتر سبباً لتأجيل الانتخابات. ولفت مرتضى الى ان وزراء الداخلية والمالية والخارجية والتربية والثقافة والسياحة والاتصالات سلموا بأن «الميغاسنتر» يتطلب تعديلاً تشريعياً، باستثناء وزير العدل الذي أصرّ على أنه لا عوائق قانونية تحول دون انشائها.
وكان المولوي التقى ميقاتي قبل الاجتماع وعرض معه شؤون وزارته وملف «الميغاسنتر»، وأكد ميقاتي رفضه لتأجيل الانتخابات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللواء
«الميغاسنتر» تكشف المستور: مَن يتجرّع كأس التأجيل!
مجلس الوزراء ضائع بين السراي وبعبدا.. و«صورة إيرانية» تهز معرض الكتاب..
مَنْ يريد الانتخابات النيابية، ومَنْ لا يريدها؟
الثابت حتى تاريخه ان اللاعبين يتصرفون إزاء الاستحقاقات الوطنية والدستورية، بطريقة مكافيللية، بمعنى الغاية تبرر استخدام الواسطة أو الوسيلة، على ان يسبق الأداء العملي سلسلة تبدأ ولا تنتهي من المواعظ، والكلام الودي، والسائر ما يرتبط بهما من طهوريات، والتعفف، والسعي لبناء الدولة الواحدة، القوية، والقادرة، والخالية من الفساد!