خبير عربي : “التقانة النووية ضرورية للتنمية لكن السلاح النووي عبء”!؟

الحرب الهجينة الإستنزافية والجيش الوطني ذو “البعد العالمي”؟
الأردن : مملكة الفقر والكفاف و… استجداء “الخارج”!
آمنة بنت المختار الموريتانية المتمردة .. مناضلة تناصر المرأة والضعفاء

يتلازم الجدل بشأن الملف النووي الإيراني، مع تنامي الإهتمام العربي والإقليمي بالتقانة النووية. ويسفر ذلك عن ظهور أسئلة جديدة، كثيرة، مختلفة. ما هي فوائد تطبيقات العلم النووي، وما الفارق بين التقانة والسلاح النوويين. هل يكمن بعض المستقبل العربي في أحدهما أم في كليهما. التقت “الحقول” بالخبير العربي حسن الشريف الذي درس الفيزياء النووية في جامعة كاليفورنيا ـ بيركلي في الولايات المتحدة الأميركية، وحاورته في شأن تلك الأسئلة.

من التقانة إلى السلاح

لاحظ الشريف أن ثمة جهود جدية من قبل الحكم في ايران لتطوير قدرات نووية، ما يشكّل حقاً مشروعاً لكل دولة. أما عن إمكانية الوصول الى السلاح النووي، فرأى أن هناك فارقاً كبيراً بين “المُعلَن وما هو في السر. لا استطيع ان اقول ان الموضوع أعطي أكثر من حجمه، لكن نقول ان ما هو معلن بعيد جداً من القدرة على امتلاك السلاح النووي”.

وعن العلاقة بين الاستخدامين المدني والعسكري للطاقة النووية، لفت الشريف الى أن التمكّن من المعلومات المتعلّقة باليورانيوم تولّد قدرات علمية، بما يعطي القدرة على استخدامها سلمياً وعسكرياً” وقال : “سأعطي مثالاً بسيطاً. توصف الصناعات الكيميائية بأنها صناعات سلمية، ويمكن استعمالها عسكريا … وعندما وُضعَت قائمة لتدمير أسلحة العراق بعد حرب الكويت، ظهر فيها اعداد كبيرة من الصناعات السلمية. اذن، مرة أخرى، الموضوع سياسي وليس علمي”.

وتابع الشريف “يُعتبر تخصيب اليورانيوم عملية ضرورية لكل محطات الطاقة النووية، بما فيها المحطات الذرية لتوليد الكهرباء. إذ أن هناك حاجة لنسبة معينة من التخصيب لزيادة فعالية الوقود النووي. فاليورانيوم 235 متوافر في الخامات الطبيعية المُشعّة بنسبة ضئيلة، ولزيادة فعالية الطاقة النووية يُخصّب اليورانيوم بنسبة تتراوح بين1 ـ 10 في المئة. وقد يحتاج السلاح النووي الى نسبة تخصيب تزيد عن 50 في المئة”.

ويضيف : “إذاً، هذه العملية بحد ذاتها بريئة اذا ما اخذناها من الناحية العلمية، وتصبح موضع شك اكثر، اذا اخذنا الكمية التي تحتاجها القنبلة او السلاح النووي”. وأشار الشريف الى ما ذكره احد المعلقين الروس أخيراً، من ان ما اعلنته ايران من توافر أجهزة الطرد المركزي لديها، يعطيها امكانية توفير كمية من اليورانيوم 235 الصالح للسلاح النووي بعد عشر سنوات، ليصبح لديها كمية كافية من مادة اليورانيوم لقنبلة نووية”.

ويؤكد الشريف أن زيادة عدد أجهزة الطرد يقلل هذه المدة، ما يعني أن “الموضوع فيه… تخمينات. ثمة مراحل متعددة كثيرة بين توافر مادة اليورانيوم المُخصّب وبين امتلاك السلاح النووي. هذه المرحلة لا نعرف عنها شيئاً ولذلك لا استطيع ان اقول اين تقف إيران الآن”.

“السلاح الذري والكعكة الصفراء”.

وعن كلام الأميركيين عن تقنية “الكعكة الصفراء” في تخصيب اليورانيوم، باعتبارها من الأدلة على نيات ايران العسكرية، يوضح الشريف، ان المفاعلات النووية التي تولد الطاقة تستخدم اليورانيوم بنسب تخصيب متعددة، وما يقال عن تقنية “الكعكة الصفراء” يعني “تقنية تخصيب تستعمل في اليورانيوم لزيادة نسبته في المفاعلات النووية، حيث أنه كلما زادت نسبة التخصيب كلما اعتبرنا أنه بات اقرب إلى الإستخدام في السلاح النووي”.

وذكر العالم حسن الشريف بأن استخدام السلاح النووي بدأ منذ الحرب العالمية الثانية، ومن بعدها طُوّرت أساليب “عدة سواء في الاستخدام السلمي او العسكري. والحال ان الدول تنتقي بين تلك الاساليب، بحسب ما يتوافر لديها من خبرات وإمكانات”. ويعطي مثالاً عملياً عن تلك الإختيارات.

يقول : “أُتيح لي التحدث مع بعض الزملاء من العراق حول موضوع المُفاضلة بين التقنيات. وقد بيّنوا ان البرنامج النووي العراقي ناقش مثل تلك الإختيارات قبل عام 1990، وسعوا الى الحصول عليه باكثر من طريقة… هذا الكلام مذكور في كتاب العالم النووي العراقي جعفر ضياء جعفر…”. ويتابع : “الولايات المتحدة نفسها عندما بدأت العمل على السلاح النووي اختارت أكثر من طريقة”.

التقانة النووية وتأثيرها على التنمية

وتطرق الشريف الى العلاقة بين امتلاك التقانة الذريّة والتنمية، وخصوصاً في دول العالم الثالث. فرأى في حيازة “السلاح النووي عبئا على الدول كلها، فما بالك بالنامية منها. هنالك ما لا يقل عن 50 دولة في العالم لديها القدرة على انتاج سلاح نووي، ولكنها اختارت ان لا تفعل ذلك. ليس اليابان والمانيا واسبانيا فحسب، وانما دول تعتبر فقيرة مثل البرازيل وتشيلي وغيرها. فهذه الدول اختارت عدم امتلاك السلاح النووي لكلفته”.

أما مبررات هذا الخيار، فهي “كثيرة” برأي الشريف. إذ قال “أن السلاح النووي يتطلب خبرات عالية، إضافة الى مواجهة مشاكل من نوع التخزين، والحفاظ على السلامة وغيرهما، مما يشكل عبئاً كبيراً على اقتصاد أي دولة. ولا يوفر امتلاك السلاح النووي طريقة اضافية للتطوير الصناعي. لنأخذ مثلاً باكستان، فهي ما زالت من افقر الدول، رغم ادعائها امتلاك القدرة النووية… انا اقول ادعاءها، لأن امتلاكها الحقيقي للقنبلة النووية مشكوك فيه. نعرف ان اقتصاد باكستان في الحضيض، لم تُغيّر الذرة في ذلك شيئاً، انما زادت من الأعباء المالية”.

لكنه رأى “في المقابل، أن القدرة على انتاج التقنيات النووية تمثّل احدى القدرات المهمة في التطور، لانها توفر قدرات في مجالات اخرى”. وعاد مجددا للتذكير بما ورد في “كتاب الدكتور جعفر ضياء جعفر الذي يقول انه ضمن برنامج تطوير السلاح النووي العراقي قبل عام 1990، خصص العراقيون حيزاً واسعاً لامتلاك قدرات في مجالات عدّة … وقد وُظّفت هذه القدرات، بعد حرب الكويت، في اعادة بناء الخدمات المدنية، وخصوصاً اعادة الطاقة. إذاً، يتيسر من قدرات سواء كانت سلاحاً نووياً ام غيره، يمكن أن تستخدم كل المجالات. اقول ذلك لأن هذه القدرات التي طورت في العراق ضمن البرنامج النووي ما قبل غزو الكويت، استخدمت في اطار واسع وباشراف الفريق نفسه، لاعادة بناء ما دُمّر في العراق بعد الحرب (عام 1991)، خصوصاً شركات الكهرباء ومحطات توليد الكهرباء والمياه”.

انتشار السلاح ومستقبل العرب النووي

وأضاف الشريف “عندما يتحدثون عن حصر السلاح النووي وعدم انتشار السلاح النووي هنالك انتقاء. فهنالك دول يسمح لها بامتلاك السلاح النووي مثل اسرائيل، أو الهند وبعض الدول الاخرى. وهنالك دول تُحرم منها. ولنتذكر ان هذا كان الاشكال الاساسي المهم بين فرنسا وأميركا بعد الحرب العالمية الثانية، ما دفع الجنرال ديغول الى الخروج من المنظومة العسكرية لحلف ناتو، لانه أراد ان تحصل فرنسا على السلاح النووي، ورفضت أميركا ذلك، لكنها قبلته بالنسبة الى بريطانيا … موضوع الإنتشار سياسي بامتياز”.

وعن انتشار التسلح النووي وجدوى حيازته، روى االشريف “واقعة طريفة حصلت عندما كنت لا أزال في الجامعة أدرس الهندسة النووية. فقد احيل الى المحكمة في الولايات المتحدة، مؤلف علمي نشر كتاباً بعنوان : كيف تصنع قنبلتك النووية في المنزل. كان دفاعه بسيطاً، إذ قال في المحكمة انا اتحدى ان توكل أي عامل لينتقي من كتابي كلمة واحدة لم آخذها مما هو منشور في السوق”.

وأكد أن “المعلومات عن التقانة النووية متوافرة في الأدبيات المنشورة منذ فترة طويلة جدا … فهل هنالك استعداد لدى الدولة المعنية ان تبذل الجهد المطلوب وتوفر الموارد البشرية والمالية المطلوبة للحصول عليها؟ ذلك هو السؤال. ومن الواضح انه سياسي بامتياز… واذا سألت السؤال من منطلق علمي، فالمعرفة العلمية النووية ممكنة لأي دولة … لأنها متوافرة في الاسواق بدرجة كبيرة، لكن الحصول على القدرة الفعلية التكنولوجية موضوع يتعلق بالسياسة وبالقدرات المالية والبشرية لهذه الدولة”.

وعن مستقبل العرب النووي، قال الشريف : “أنا ضد ان يمتلك العرب سلاحاً نووياً، ومستعد ان اناقش كل من يريد ذلك. وانا اعطي امثلة على ذلك. أذكّر بأن البرازيل كدولة نامية أو المانيا واليابان كدولة صناعية، اختارت عدم الحصول على السلاح النووي. انا لا اقول بعدم الحصول على القدرات النووية، انما تجنب خيار السلاح النووي. نحن في حاجة الى كل القدرات العلمية، وخصوصاً التي تساعدنا في عملية بناء المجتمع.اما السلاح النووي فهو عبء كبير جداً ليس فقط من الناحية المالية والتنموية، وانما أيضاً من ناحية مضامينه السياسية.

وبرر رأيه بوجود “نقاش واسع حول معنى الردع النووي. انا اعتقد بأن الردع النووي هو عبارة سياسية بامتياز لا تُترجم علمياً. أي دولة لديها عدو امتلك السلاح النووي، لا تحتاج لردعه بسلاح نووي. وأقدم الدليل على ذلك بان الاتحاد السوفياتي والصين، في المراحل الاولى بعد الحرب العالمية الثانية، لم يمتلكا السلاح النووي ولكن كان لديهما ما يكفي من القدرة في مواجهة الخطر العظيم الذي كان يتهددهما من قبل حلف شمال الاطلسي. الموضوع هنا هو كيفية بناء الدولة، كيفية بناء القدرات، وخصوصاً في الاقتصاد والتنمية، وليس الحصول على السلاح النووي”.

Please follow and like us:

COMMENTS