الأخبار
باريس تتحضر لمبادرة «أكثر وضوحاً»
ومع قناعة جميع اللاعبين بأن وقت التفاهم لم يحن بعد بشأن الانتخابات الرئاسية. فإن انتظار نتائج من جلسات المجلس النيابي يبدو من دون طائل. لكن ذلك لا يمنع أن الجهود التي تبذل جانبياً باتت أكثر سرعة وكثافة من السابق، خصوصاً أن الطرف الخارجي يسعى إلى كسب لحظة الانقسامات الداخلية الواسعة لتمرير تفاهم يناسبه ولا يغضب اللبنانيين، وسط نقاش لم ينته بعد إلى نتيجة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة والسعودية تريدان استقراراً فعلياً في لبنان، أم أنهما تدعمان فكرة تمادي الانهيار للدولة والمؤسسات والاقتصاد، مراهنتين على استسلام سياسي لبناني يتيح لهما إعادة تركيبة الحكم في لبنان بطريقة مختلفة.
ومرة جديدة، يشعر الجميع بأن كلمة السر التي ستفتح الأبواب أمام الحل ستأتي من الخارج، حتى ولو كانت نتيجة مشاورات وصفقات مع أطراف لبنانية. وفي هذه النقطة بالتحديد، يبرز الدور الفرنسي باعتباره العنصر الأبرز خارجياً، كون باريس لا تمثل نفسها في هذه المفاوضات، بل هي تعمل وفق مستوى معين من التفويض الأميركي وترغب بالحصول على تفويض مشابه من السعودية، ومتى توافر لها ذلك تعتقد أن بمقدورها التوصل إلى اتفاق يعيد تنظيم الحياة في مؤسسات الدولة، وحتى يتوضح فعلياً حجم التفويض المعطى للفرنسيين، فإن باريس حصرت جهودها في الآونة الأخيرة مع الأطراف التي تعتبرها صاحبة حق النقض أو صاحبة القدرة على تعطيل أي مشروع رئاسي أو حكومي أو حتى اقتصادي.
لكن المفارقة القائمة، لا تتعلق بالتناقضات اللبنانية حول الملف الرئاسي فقط، بل في كون ما هو ظاهر الآن، يتركز على خلافات جدية تعصف بالفريق السياسي الحليف لحزب الله، وهو فريق يشمل الحزب والتيار الوطني الحر وحركة أمل وتيار المردة وشخصيات أخرى. بينما لا يبدو الفريق الآخر الذي لا يمكن اعتباره متماسكاً بصورة دائمة، قادراً على فرض مسار يقود إلى نتيجة حاسمة. والأمر هنا يتصل أساساً بأن الحزب التقدمي الاشتراكي ليس منخرطاً بصورة مطلقة بلعبة ترشيح خصم لحزب الله مثل النائب ميشال معوض، كما أن قوى أخرى مثل «القوات اللبنانية» تبدو في النهاية أكثر التزاماً بما ستصل إليه السعودية من مفاوضات مع الأميركيين والفرنسيين والآخرين.
وبالعودة إلى تفاصيل الجهود الفرنسية. فقد أعدت السفيرة في بيروت آن غريو، برنامج لقاءات واتصالات من نوع مختلف عن المرحلة السابقة. حيث أنجزت المهمة الأولى بالاستطلاع العام، وباتت باريس على معرفة دقيقة بالمواقف الفعلية لجميع الأطراف. لكن باريس التي تسعى لأن تكون صاحبة الدور الأبرز، تسعى أيضاً لعدم ترك دورها رهن الملف الرئاسي فقط، بل هي تسعى لوضعية لبنانية تتيح لها بناء تحالفات تسمح لها بلعب دور مستدام، لا يحتاج إلى مصادقة أميركية دائمة. وهذا ما يجعل الفرنسيين يناقشون الأمر من زوايا مختلفة، وفي هذا السياق يسعى الفرنسيون إلى وضع خريطة طريق جديدة تفضي إلى التقدم بمبادرة واضحة للانتخابات الرئاسية معطوفة على الملف الحكومي والملف الاقتصادي أيضاً. وقد تنتظر هذه المبادرة المزيد من المشاورات الفرنسية مع الآخرين، خصوصاً مع الولايات المتحدة التي سيزورها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قريباً إلى جانب المحادثات القائمة مع الجانب السعودي والتي يحرص الطرفان على عدم تناولها إعلامياً ولا حتى في المجالس الخاصة.
وبناء عليه، يعمل الفرنسيون الآن على خط رئيسي لا يقتصر على حوار مفتوح ودائم مع حزب الله، بل على السير في تواصل أوسع مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ومع البطريرك الماروني بشارة الراعي. حيث يبدو أن هناك رهاناً مشتركاً لدى باريس من جهة والراعي وباسيل من جهة أخرى على إنتاج اسم من خارج الأقطاب البارزين، مثل زياد بارود، وتأمين توافق مسيحي أكبر عليه، انطلاقاً من شعور قوي لدى باسيل والراعي أن الأخير قادر على أن يكون مقنعاً لبقية المكونات المسيحية، بالتالي، سيكون سهلاً على الفرنسيين العمل على تسويقه عند بقية الأطراف في لبنان وخارجه، وسيضطر الأطراف في الجبهة الأخرى من الرئيس نبيه بري إلى حزب الله إلى النائب السابق وليد جنبلاط للسير به، إما لأن بعضهم (بري وجنبلاط) قد لا يجد مشكلة في تسوية مع بارود، أو لأن طرفاً مثل حزب الله سيكون الأكثر حرجاً بين جميع اللاعبين. وهذه النقطة وحدها، تستدعي نقاشاً من نوع آخر بين الحزب والتيار الوطني الحر.
توضيح حول لقاء باسيل وبري
جاءنا من مكتب النائب جبران باسيل الآتي:
إن ما ورد في جريدة الأخبار من تفاصيل حول ترتيب اللقاء الذي جمع الرئيس نبيه بري مع الوزير جبران باسيل والذي بقي بعيداً من الإعلام، ليست دقيقة وغير واقعية، فاللقاء جاء بمبادرة من السفيرة فرح بري، وقد رحب بها فوراً باسيل وبري. مع التأكيد في الوقت نفسه على أهمية واستمرار التواصل مع جميع المرجعيات والأحزاب السياسية في البلاد ومن ضمنها الرئيس بري من أجل إيصال لبنان إلى بر الأمان وإيجاد الحلول الوطنية لمسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ووضع لبنان على سكة التعافي. وأضافت المعلومات أنه ليس هناك اتفاق مع بري بمعزل عن حزب الله”.
الجمهورية
الديبلوماسيون على الخط الرئاسي.. و”لا فيتو” على فرنجية
مشروع تسوية.. وخياران: توافق بالتراضي أو تسوية بالإكراه
تكثف الحركة الديبلوماسيّة العربية والغربية حول الملف الرئاسي، وتتقاطع عند ضرورة تقصير عمر الفراغ في سدّة الرئاسة الاولى، والمسارعة في انتخاب رئيس للجمهورية. وسُجّلت في هذا السياق جملة وقائع يلخّصها معنيون مباشرون بالملف الرئاسي كما يلي:
– مبادرة مصر إلى الدخول مباشرة على خط الاستحقاق الرئاسي، حيث اعطت الزيارة الاخيرة للسفير المصري إلى بكركي اشارة واضحة الى انّ مصر حاضرة في هذا الاستحقاق، ولها دورها في محاولة اتمامه بشكل توافقي بين الاطراف اللبنانيين. والحضور المصري كما يكشف متابعون له، سيكون اكثر زخماً في الآتي من الايام.
– المملكة العربية السعودية حاضرة بدورها في هذا الاستحقاق، والخط مفتوح سواء مع الاطراف الداخليين، او مع اصدقاء لبنان، وخصوصاً مع الفرنسيين.
– قطر ليست بعيدة من الملف اللبناني برمته، سواء عبر الحضور في ملفات اقتصادية، او في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، التي تبدو فيه كعامل مساعد على إنضاج تسوية يلتقي حولها كل الاطراف.
– الولايات المتحدة الاميركية، لم تنزل بثقلها بعد على ساحة الاستحقاق الرئاسي، فلبنان ليس مدرجاً في أجندة اولوياتها في هذه المرحلة، سواء الداخلية التي كانت مرتبطة بالانتخابات النصفية، او الخارجية مع التطورات المتدحرجة على اكثر من ساحة، وخصوصاً في اوكرانيا. الّا انّ هذا لا يعني انّ واشنطن بعيدة من هذا الملف. وتبعاً لذلك، فإنّ الحضور الأميركي المباشر والمكثف على خط الملف الرئاسي قد يشهد بعض الزخم لإنضاج تسوية رئاسية، وبالتأكيد فإنّ هذا الحضور والتزخيم يتمان بحسب التوقيت الاميركي.
– الفرنسيون من الأساس اكثر الحاضرين في الملف اللبناني، في محاولة لاستنهاض وضعه واحتواء ازمته، وهم أكثر التصاقاً بالاستحقاق الرئاسي ليس في زمن الفراغ الحالي، بل منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وحركتهم ولقاءاتهم الشاملة مختلف التوجّهات السياسية، تنطلق من واقعية وموضوعية، وتفهّم لظروف واعتبارات كل الاطراف. ومن هنا، لا تسير الجهود الفرنسية بمنحى ضاغط على هذا الطرف او ذاك، بل بمنحى اقناعي للاطراف، بسلوك سبيل التوافق وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بناءً على هذا التوافق. وخصوصاً انّه بلا هذا التوافق لا مجال لأن يخرج الملف الرئاسي من خانة التعقيد.
– انّ خلاصة النقاشات والمداولات مع الديبلوماسيين، عكست بكل وضوح انّ لا «فيتو» فرنسياً او اميركياً، او عربياً على اي من المرشحين المطروحين، وتحديداً على الوزير السابق سليمان فرنجية، خلافاً لما يروّجه بعض اطراف الداخل.
وكشفت مصادر موثوقة لـ»الجمهورية» عن جهود جدّية لإنضاج تسوية رئاسية، مؤيّدة من جهة عربية معنية مباشرة بالملف اللبناني. وقالت انّه على الرغم من الصخب الدائر بين الجبهات السياسية الداخلية، فإنّ صلاحية هذا الصخب تبقى سارية المفعول الى ان تُصاغ التسوية التي ستجذب كل الاطراف اليها. ومن هنا فإنّ بعض الاوساط المعنية بالاستحقاق، تبلّغت عبر قنوات ديبلوماسية وغير ديبلوماسية بأنّ مشروع تسوية بات في طور التسويق، لا يرتبط برئاسة الجمهورية وحدها، بل عبارة عن سلّة متكاملة تتضمن التوافق المسبق على رئيس الجمهورية وكذلك على رئيس الحكومة المقبلة. واللافت للانتباه، انّ هذا المشروع ، وإن كان لا يلبّي طروحات قوى المعارضة، التي ذهبت بعيداً في اعتراضها وفي مواصفاتها للرئيس الجديد، فإنّ مستويات سياسية أساسية وفاعلة في المسرح السياسي اعتبرته «قابلاً للبحث الجدّي».
الى ذلك، سعت «الجمهورية» إلى تفاصيل اضافية حول «مشروع التسوية»، فأكّدت المصادر «أن لا شيء جاهزاً حتى الآن، وبمعنى اوضح لا شيء رسمياً او جدّياً حتى الآن، طالما انّ مسار الامور وفق الجو القائم لن يوصل الى مكان، وسياسة الصعود الى الاشجار لن تمكّن احداً من تطويع الاستحقاق الرئاسي بما يخدم مصلحته ويحقق غايته. والحل للمعضلة الرئاسية له مسرب وحيد، هو الجلوس على الطاولة والتوافق على شخصية موثوقة لرئاسة الجمهورية، وكان يمكن ان يتأمّن هذا الحل لو انّ اطراف الخلاف الداخلي، قرّرت ان تبلغ سن الرشد السياسي، وتذهب الى هذا التوافق على رئيس بإرادتها. اما وقد قرّرت اطراف الداخل الاّ تتوافق، فستجد نفسها في نهاية المطاف منصاعة بإرادتها او رغماً عنها، لإرادة اكبر منها، فانتخاب الرئيس سيحصل في نهاية المطاف، عبر تسوية من ثلاث طبقات، الطبقة الاولى لبنانية وتتلخّص بالتوافق، والثانية عربية ترعى هذا التوافق وتساعد عليه، والثالثة دولية تكمل الرعاية وتحصّن التوافق. وهذا ما سيحصل في نهاية المطاف. فلنتوافق بإرادتنا، حتى لا ينجرّ البعض الى هذا التوافق مكرهاً»”.