بالحكمة أو بالتجربة تدرك مختلف القوى السياسية النرويجية أن تدخلاتها «الإنسانية» غبّ الطلب الأميركي هي ذهب ديبلوماسي. حمّى الذهب أصابت الخارجية إلى حدّ إطلاقها حملة ترويجية للنرويج عام 2003 على أنها «قوة إنسانية عظمى». وفي ما يخص «العظمى» تحديداً، فالمسألة تتعلق بسعي النرويج إلى تحقيق المكانة الدولية كتابع للقوة العظمى الحقيقية غرب الأطلسي.
والسعي إلى المكانة ليس الدافع الوحيد وراء السياسات الإنسانية النرويجية. بل هي تسعى إلى تحقيق مصالح جيوسياسية واقتصادية أخرى بشكل مباشر من خلال تدخلاتها. فمن جهة السيطرة الأميركية على التجارة البحرية في العالم، هي في صلب المصالح النرويجية (وهي رابع دولة في الشحن البحري على مستوى العالم لناحية القيمة)، كما أن البحار التي يطل عليها العالم العربي في صلب اهتمام النرويجيين، كما صرح وزير الخارجية النرويجي في أيار الماضي وهو يحث طلاب جامعة أوسلو على دراسة «الشرق الأوسط» والتخصّص في قضاياه، موضحاً ضرورة المهام الإنسانية وبعثات السلام التي تضطلع بها النرويج في هذه المنطقة تحديداً.
النفط والغاز مصلحة أخرى، إذ تعد النرويج من عمالقة هذه الصناعة، وهي تعمل وتسعى دائماً إلى توسيع قطاعها خارج حدودها خصوصاً في دول الجنوب. لهذا الغرض أنشأت المنظمة النرويجية للتنمية والتعاون NORAD شبكة ممتدة من الجمعيات ومراكز الدراسات ومنظمات المجتمع المدني التي تروّج لسياسات نفطية في مصلحة النرويج في البلدان المستهدفة (NRGI و LOGI على رأس هذه المنظمات في لبنان)، وهو نموذج استنسخته النرويج في بلدان كثيرة، وفي حالات مثل ميانمار وسريلانكا والسودان أرفقته ببعثات إنسانية لحل النزاعات وتخفيف المعاناة في الظاهر، بينما في الحقيقة لعبت المنظمات دوراً فاعلاً في تأمين عقود الغاز والنفط للحكومة النرويجية.
تسعى النرويج أيضاً إلى تنمية صناعاتها وقطاعات البنية التحتية الخاصة بها على حساب شعوب العالم الثالث بمعية تدخلاتها الإنسانية. فهناك حالات لانتقال ديبلوماسيين ورعاة عمليات سلام نرويجيين في هذه البلدان، من مواقعهم كسفراء أو مسؤولين عن مفاوضات سلام فجأة إلى مديري شركات بنية تحتية من اتصالات أو طاقة تستثمر في البلدان المستهدفة.
وأخيراً، النموذج الأكثر كلاسيكية في تنمية المصالح النرويجية هي المقايضة مع الأميركيين، كما عبّر وزير الخارجية السابق بأن هذه التدخلات تجعلنا مثيرين للاهتمام في عيون الأميركيين وتساعدنا على «الحديث عن السلمون وأشياء أخرى».
المال النرويجي في لبنان: استثمار في الفوضى
كغيرها من الدول الأوروبية التي تعمل إلى جنب الولايات المتحدة، توظّف النرويج في لبنان مئات ملايين الدولارات لترسيخ بقاء اللاجئين السوريين ومنعهم من العودة إلى بلدهم، والحرص على توسيع قدرتها على …
علي حسن مراد، نبيه الداموري
يان إيغلاند: ثعلب أوسلو الأميركي
«يختلف الليبرالي الأبيض عن المحافظ الأبيض بشيء واحد فقط، الليبرالي أكثر خداعاً وأكثر نفاقاً من المحافظ، فكلاهما يريد السلطة (القوة)، إلا أن الليبرالي هو الذي أتقن فنّ الظهور كصديق الأسود والمتفضّل …
رند وهبة
اليد على اللاجئين والعين على الغاز
تمثل Norad للخارجية النرويجية المكافئ العملي لما تمثله الـ USAID للخارجية الأميركية، فهي مسؤولة عن التنسيق والتكامل والتمويل لمختلف المنظمات النرويجية التي تصور نفسها منظمات غير حكومية، ومنها مساعدات …
رند وهبة
النرويج و«إسرائيل»… وبحر غزة ثالثهما
لا خلاف بين المؤرّخين حيال قوة العلاقات النرويجية – الصهيونية وعمقها، إلا أن خلفيات هذه العلاقة وجذورها هي محل جدل. هذا المقال يبحث في طبيعة هذه العلاقة ودوافعها.الخلفية العقائدية والاستعمار ومشيئة…
رند وهبة
«مدفعجية» الناتو … أقزام العمّ سام
اسم النرويج على رسمها الجيوسياسي. فهي طريق الشمال، شمال الأطلسي على اسم الحلف الذي تخدمه ويخدمها. النرويج دولة كانت، ولا تزال، ثرية لاتصالها القوي بالتجارة العالمية بفعل أسطولها البحري ونفطها ….
رند وهبة
النموذج النرويجي للإخضاع الناعم
تعدّ مناطق الصراع الأهلي في دول الجنوب مرتعاً للتدخلات النرويجية. وقد حصدت النرويج سمعتها «الطيبة» هذه من خلال سلسلة من التدخلات المدروسة في مناطق الصراع الأهم في نظر الأميركيين، وخصوصاً بعد انتهاء …
رند وهبة
تجارة النرويج العظمى في السلام والسلمون
«أنا كوزير خارجية بدوت مثيراً للاهتمام في عيون مادلين أولبرايت لوهلة، لأننا (النرويج) كنا نقوم بأشياء في الشرق الأوسط وأفريقيا، وكانت هي السبب لبدئنا في الانخراط في هاييتي. وقد يكون هذا مثار ضحك …
رند وهبة
الأخبار، الجمعة 20 كانون الثاني، 2023
COMMENTS