«حلمتُ دوماً بِمِمْحاةٍ تمسح قذارة البشرية» [لوي أراغون]
للشهادة، في اللغة العربية ثلاثة معانٍ صارت تتطابق، هذه الأيام، مع مواصلة أحقر منظومة عسكرية معاصرة لإبادة الشعب الفلسطيني: يستشهد الغزاويّون وهم يقرؤون عبارة الشهادة، ويشهدون لأنفسهم بما يقع لهم، في ظل صراع لم يكن يوماً أشد مما هو عليه الآن لإقرار سردية الضحية، ضحية التاريخ والراهن، وسط حملات من التعتيم والتزوير وكتم أنفاس الأصوات الحرة وتخاذل أصوات مدفوعة الأجر. سياق تنطبق عليه أكثر من غيره صرخة الشاعر الألماني بول سيلان، غداة استيقاظ الغرب المنافق على الهولوكوست النازي: «ليس للشاهد من يشهد له». من هذا المنطق، استجمعنا في هذا الملفّ شهادات ويوميات، جلّها من وسط غزة، لشهود عيان على المجازر، أبقيناها كما هي، بتواريخها، بلغتها الطرية كدماء أهلها على أرضنا المحتلة، في شاشاتنا الدامية، وفوق ضمائر الأموات الأحياء والأحياء الأموات.
19 أكتوبر 2023 – الساعة 06:55
واقف أشاهد السماء وأدعو ألا تكون بيضاء، فما زلنا نلبس ملابس صيفية، والناس بدؤوا بالحركة، انفجار ضخم هز المكان، دقيقة واحدة، هرعت سيارات الإسعاف، المكان مكتظ جداً بالسكان والمحلات كـ «العتبة» في القاهرة، حجم الضحايا كبير جداً.
أحسست بشيء يرتطم بقدمي، فإذا به حجر جرَّاءَ الانفجار، ومسافتُهُ تبعدُ 1 كيلومتر.
دلال أبو آمنة: حرة
بعد قضاء ليلتين في السجن الانفرادي ظلماً وبهتاناً.. أنا حرّة. حرّة كما كنت وحرّة كما سأبقى دوماً وأبداً.
وجسدي الذي هَزُل بسبب إضرابي عن الطعام طوال الثلاثة أيام أصبح الآن أقوى.. وإيماني بالله أعمق.. وقناعتي برسالتي وتكليفي زاد أضعافاً..
حاولوا تجريدي من إنسانيتي، وإسكات صوتي وإذلالي بكل الطرق، شتموني وكبّلوا يديّ وساقيّ بالقيود، لكنهم بهذا جعلوني أكثر شموخاً وعزة..
سيبقى صوتي رسولاً للحب مدافعاً عن الحق في هذه الدنيا.
ومحبّتي وامتناني لعائلتي الحبيبة لزوجي وأولادي وأمي وأخواتي وأصدقائي الذين تحمّلوا وعانوا الكثير من أجلي.
أحبّكم جميعاً في الله.
والحمد لله.
محمد سامي: وصية
15 أكتوبر 2023
إذا صار إلنا إشي تذكروا إنها من النهر إلى البحر ..
إبراهيم نصر الله: هزيمة مدوية
19 أكتوبر 2023
يبدو أن أميركا ستظل متفوقة على العالم بأمرين:
همجيتها الرهيبة الداعمة للهمجيين؛
وذاكرتها الضعيفة، ففي كل مرة تنسى أن كل مكان غزته ودمرته هُزِمَتْ أيضاً فيه.
19 أكتوبر 2023
أجلس في البيت الذي نزحنا إليه، بجانب نافذة تطل عليها نخلة متوسطة الطول، كلما شعرت بالتوتر أنظر لها وأحاول أن أركز مع حركة أغصانها مع الريح الخفيفة. اليوم اكتشفت أنني كلما سمعت صوت القصف، أركض لأطمئن عليها.
لا أُفرّط بنخلة طبطبت على روحي، ويُفرّط العالم بشعب كامل يُذبح على الهواء مباشرة، كيف هُنّا عليكم؟!
يوسف القدرة: مشهد قيامي
18 أكتوبر 2023
طفل مُصاب: — بأضلني عايش؟
الدكتور: — آه، بتضلّك عايش!
أحلام بشارات: كالأشجار
18 أكتوبر 2023
ميثم راضي: قطعة فحم
17 أكتوبر 2023
قطعة الفحم الصغيرة هذه: كانت ولداً من فلسطين.
خذها يا إلهي.
إنها تكفي لتكتب بها على باب جنتك بكل لغات العالم: ممنوع الدخول.
شفيق قروط: صورة مصغّرة لمجزرة مستشفى الأهلي المعمداني
17 أكتوبر 2023
17 أكتوبر 2023
يا حبيبي، جهزت لك حقيبة المدرسة كاملة كما طلبت، سوداء بحمّالات زرقاء داكنة، ورسومات للبحر على مقدمتها، وفيها كل ما أشرت إليه فيما كنا نسير في الشارع الكبير، دفاتر ملونة، أقلام رصاص غامقة، وعلبة ألوان كبيرة، أعذرني إذا لم تكن من النوع الثمين، فلم تكفِ النقود التي كانت في جيبي إلا لهذا النوع من الألوان، اشتريت لك كذلك القميص الأحمر بالمربعات البيضاء، بجيبين على صدره، والحذاء الذي يصدر صوتاً خفيفاً حين تركض، ماذا أيضاً؟ نعم تذكرت، ودفعتُ قسطاً من ثمن الدراجة التي نمت باكياً ولم أتمكن من إحضارها لك، مأساتي يا حبيبي، يا قلب أمك المفقوء بالبكاء، أنني أنقذت كل هذا من صاروخ الطائرة، لكني لم أستطع أن أصل إليك، وسيعذبني حتى آخر عمري، أنني كنت قد أعددتها لك لأفاجئك بها قبل العيد بقليل، ليتني على الأقل أريتك إياها.
17 أكتوبر 2023
المراسل: وصول الناجية الوحيدة، لا أحد يعرف من هي، ولا هي تعرف من هي..
باسم سليمان: حياكة كفن
16 أكتوبر 2023
التوابيتُ ملجأُ الأطفالِ
والحكاياتُ حفنةٌ من رمالِ.
سلمى الريس: بيتٌ كانَ ولم يعد
16 أكتوبر 2023
اشترى أبي وعمي قطعتي أرض متقاربتين في حي الرمال الذي كان ما زال ناشئاً بداية الخمسينيات وأتم كل منهما بناء بيته. كان بيت عمي يمتاز بموقعه المشرف على شوارع ثلاثة، وما عدا ذلك كان مطابقاً لبيتنا: الشرفات المستديرة الواسعة المحيطة بالبيت، الممر الطويل المحاط بغرف النوم، صالة واسعة لاستقبال الضيوف وغرفة أخرى أيضاً لاستقبال الضيوف (عند الحاجة للفصل بين الرجال والنساء)، وغرفة سفرة كبيرة. مطبخ وحمامين في نهاية الممر. كان البيت مبلطاً بالبلاط اليافاوي الملون المزخرف، سقفه عال، نوافذه مربّعة عليها حماية من الحديد ذي الانحناءات الملتوية الجميلة وأباجورات من الخشب ثم أبواب صغيرة من الزجاج المصنفر.
كان عمي مولعاً بالبستنة وكانت حديقة منزله أشبه ما يكون بمنتزه صغير. ممرات ودوائر من الورد، أشجار خضراء لامعة مقصوصة ومعتنى بها، وعريشة عنب تتدلى عناقيدها الذهبية مثل الثريات.
شهدت في بيت عمي «طلعات عريس» ثلاثة من أبنائه وحفلات المباركة، وحفلات خطوبة بناته الثلاث ثم حفلات تسليمهن لأزواجهن، شهد البيت ولائم كثيرة وضحكات كثيرة وعزّاً كثيراً وخطوات صغيرة وكبيرة لأبناء ولأحفاد ولدوا ونشؤوا به.
ما أريد أن أقوله هو أن بيت عمي هو البيت الذي على اليمين في هذه الصورة.
COMMENTS