ماذا تنتظر الدول العربية التي تسلح قوات زيلينسكي؟

ماذا تنتظر الدول العربية التي تسلح قوات زيلينسكي؟

كلمة الحقول

ما بعد “الفجيرة” و”الشرقية”: الإمارات والسعودية على عتبة “الجبهة الأنكلوساكسونية” المتداعية!؟
هل تُغيِّر قمة “التعاون الإسلامي” في أنقرة جدول الأعمال السعودي ـ التركي؟
تفجيرات كولومبو: من حرّك ارهابيي “داعش” في جوار “الحزام والطريق”؟

تحدثت تقارير سياسية عن نية إمارة الكويت تجهيز أوكرانيا بأسلحة ومعدات حربية وحاجات لوجستية أخرى. ويعتبر هذا التوجه مخالفاً لـ نهج الحياد العربي الذي اعتمدته “جامعة الدول العربية، خصوصاً مصر و”مجلس التعاون الخليجي” حيال “المسألة الأوكرانية”. وهو يعد تراجعاً عن تأييدها لهذا النهج الذي كانت قد اتخذته في السابق.

لقد حاولت الولايات المتحدة الأميركية ابتزاز السعودية ودول الخليج، للإصطفاف تحت رايتها في أوكرانيا. غير أن الرياض وأبو ظبي والدوحة، استرضتها بدعم نظام الرئيس اليهودي الصهيوني فولوديمير زيلينسكي، بـ”مساعدات إنسانية” لم تتجاوز قيمتها الـ600 مليون دولار. وهذا “مبلغ زهيد” بالمقارنة مع المساعدات الهائلة المتدفقة على نظام كييف من الإتحاد الأوروبي ومن بعض دوله ومن الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان، والتي بلغت 220,3 مليار دولار، ما بين 24 كانون الثاني 2022 ـ 15 كانون الثاني 2024.

وقبل أن تميل الكويت إلى الدخول في خدمة “حلف شمال الأطلسي” في أوكرانيا، كانت دولتان عربيتان قد سبقتاها إلى ذلك، وهما المغرب والأردن.

برز دور المملكة المغربية في مؤتمر دعم أوكرانيا، الذي نظمته إدارة الرئيس جو بايدن، بالقاعدة الأميركية في رامشتاين بألمانيا في نيسان 2022. يومها، قررت المملكة أن تمنع جيش زيلينسكي بعض “الدبابات السوفياتية” الموجودة لديها. ويضيف موقع “ميناديفنس/ menadefense”، أن الرباط سلمت، بالفعل، حوالي عشرين دبابة T-72 إلى كييف بعد تحديثها في جمهورية التشيك وذلك في مطلع عام 2023. وجرى ذلك، ضمن موجبات “الشراكة بين المغرب وحلف شمال الأطلسي”. إذ ترى الرباط أن “المنطقة الأطلسية تعد محركا لتحفيز التعاون الدولي لإعادة تشكيل الفضاء الأطلسي الإفريقي وإدخال تغييرات هامة على الجيوبوليتيك الإقليمي”.

أما المملكة الأردنية “المحسوبة رسمياً على المعسكر الأميركي، خصوصاً بعد معاهدة الدفاع المشترك الموقعة بين عمان وواشنطن في 2021″، فإنها لا تجيب الذين “يسألون على مصلحة الأردن في التخندق إلى جانب طرف من أطراف الحرب الأوكرانية، وما الذي ستقدمه عمّان لأوكرانيا على صعيد السلاح، الذي تفتقر إلى تصنيعه، أصلاً، ما خلا قذائف الهاون وبعض العربات المدرعة التي تنتجها أو تجمعها”. لكن الجواب معروف، فإن مسار “الأردن نحو التورط في مستنقع الحرب الأوكرانية”، يظل جزءاً من “الإرتباطات الأطلسية” لنظام الحكم في عمان، و”رهانه على تراجع روسيا”.

وإذا كان نظاما الحكم في المغرب والأردن “نائمين على حرير العباءة الأطلسية”. فماذا عن الكويت التي تراجعت حكومتها عن سياسة الحياد العربي، لتدخل “لعبة الحرب والمال” الجارية في أوكرانيا؟. لقد أمدت هذه الإمارة النفطية الصغيرة، ترسانة جيش زيلينسكي بنحو 150 دبابة من طراز M-84 باتون الأميركية. وذلك، بعد قيام شركتين مختصتين من كرواتيا وتشيكيا بتحديثها. لكن مع نتائج القمة السنوية الأخيرة لـ”حلف شمال الأطلسي” التي عقدت في واشنطن، وفيها إصرار الغرب على هزيمة روسيا، يغدو هذا العون الحربي عامل تهديد للمصالح العربية، خصوصاً “المصالح الخليجية” التي يعتبر الأمن الكويتي جزءاً منها. لماذا؟.

إن مساعدة الكويت وكذلك، المغرب والأردن، لنظام الرئيس اليهودي الصهيوني زيلينسكي، في الظروف الدولية الراهنة، تسفر عن حساسية كبيرة بالنسبة لكلا طرفي الصراع في أوكرانيا. بدليل ما ورد في “تقرير النصر في أوكرانيا” الذي أعده “مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية” (CSIS) إلى “القمة الأطلسية” الأخيرة بواشنطن. وقد ذكر محرروه بدقة، ماهية “المشكلات الإستراتيجية الخمس” لدى “الأطلسيين”، وقالوا أن هذه “المشكلات” هي التي جعلت يد روسيا هي العليا في أوكرانيا.

إن أهم تلك “المشكلات” التي يكشفها هذا التقرير (لا سيما الصفحة 7 ـ 9)، هي العجز الإنتاجي للصناعة الحربية في الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي عن الإستجابة للطلبات اللوجستية المتضخمة التي ترفعها إليهما القوات الأوكرانية. إذ يفتقر قطبا “التحالف الأطلسي” إلى القدرة المادية على مجاراة الإنتاجية الصناعية العسكرية المرنة في روسيا. وهذا العجز نلمسه في تهالك القوات الأوكرانية في ميادين القتال مقابل ديناميكية القوات الروسية.

من المفترض أن تكون الحسابات الإستراتيجية لدى روسيا قد تغيرت مجدداً بعد “قمة الأطلسي” التي انعقدت هذا الشهر في واشنطن. أولاً، لأن زيلينسكي كان “أكبر الفائزين فيها”. ثانياً، لأنها أكدت “أن الغرب يستعد لصراع مسلح مباشر مع روسيا”. وهذه ليست خرافة سياسية. فـ”الأطلسيون” الذين يحاربون “حالياً، عن بعد، من خلال شخص ما” في أوكرانيا، “سوف يباشرون بالقتال بأنفسهم حالما يجهزون”.

في هذه الظروف التي تدفع النظام الدولي القديم نحو التفكك، ما هي مصلحة الكويت أو غيرها من الدول العربية في مبارحة نهج الحياد في “المسألة الأوكرانية”. فالأنظمة العربية التي تسلح أوكرانيا، لا تجهل، كما نظن، أن آلاف الأوكرانيين اليهود الذين يحملون جنسية “الكيان الصهيوني”، مجندون في حرب الإبادة الجماعية التي جيش الإحتلال “الإسرائيلي” على الفلسطينيين في قطاع غزة. وأن “إسرائيل” تخفي أمرهم.

إنما يا ترى حتى لو علمت هذه الأنظمة بذلك، فهل كانت لتكف عن دعم نظام زيلينسكي. على الأرجح لن تكف بحسبان اتباعها نهج التطبيع العميق مع كيان العدو الصهيوني. لكن ما لا تلتفت إليه هذه الأنظمة هو كلفة الإنحياز إلى “معسكر الأطلسيين الدولي” وثمن دفاعها عن النظام الدولي القديم في أوكرانيا وغير أوكرانيا. فأحد الباحثين الروس يتوقع أن تدفع ثمناً جيوبولتيكياً مهولاً، يمكن أن يصل إلى حد تقليص وربما تدمير كياناتها الدولتية الهشة. وهذه المحنة الوجودية عاشتها الكويت عام 1990 ـ 1991. وواجهها الأردن أعوام 1968 ـ 1970. أما المغرب فما زال ينتظر انتخاب الرئيس الأميركي “المناسب”، حتى يمنحه “صك تملك” أراضي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.

في كل الأحوال، “ما زال في الزمن مهلة”، كما يقال، لكي تستنقذ هذه الأنظمة “مصالحها العائلية”، وتؤوب إلى نهج الحياد العربي في “المسألة الأوكرانية”، فلا تلقى “بئس المصير”.

مركز الحقول للدراسات والنشر

‏الإثنين‏، 16‏ محرم‏، 1446 الموافق‏22‏ تموز‏، 2024

 

Please follow and like us:

COMMENTS