العرب والجغرافيا السبرانية .. الجيوبوليتيك السبراني

العرب والجغرافيا السبرانية .. الجيوبوليتيك السبراني

تجربة أحمد سعيد
مندوبة الإمارات : “ملف الكيميائي في سوريا من أكثر الملفات المسيسة في مجلس الأمن”، وروسيا “ترفض مناقشته”
Argelia llama a la Comunidad Internacional a interesarse en el Conflicto del Sahara Occidental

تأتينا الصحافة اليومية بأخبار الصراع الدولي على الجغرافيا السبرانية ومواردها. تتم تجزئة الفضاء السبراني وفق خريطة جغرافية ديناميكية، موازية لتغير علاقات الردع في النظام الدولي الإنتقالي الراهن. “يرى” كل متابع لهذه الأخبار كيف بات تعيين الحدود السبرانية من الهموم القومية الثقيلة التي تثقل كاهل الدول المعاصرة. بعدما أحدث التطور التكنولوجي، الذي يشكل قاعدة المجال الجغرافي السبراني، كماً هائلاً من المصالح الإستراتيجية الأساسية التي “تستقتل” الدول لحمايتها أو للحصول عليها.

إن مفهوم الجغرافيا السبرانية أو الجيوبوليتيك السبراني هو مفهوم مادي ملموس، نشهد تداول أدواته وقياس حجمه ومعاينة آثاره في كل المجتمعات، على المستويات الفردية والجماعية. وهذه الجغرافيا العالمية الشاسعة، باتت ميداناً للتنافس العدائي بين أركان النظام الدولي وأطرافه المختلفة. لا سيما وأن ديناميات الجغرافيا المذكورة تنمو أو تتضاءل في خضم هذا التنافس، خصوصاً في ميادين الحروب الهجينة أو الحروب التقليدية المشتعلة على امتداد القارات. ولذلك، نتوقع أن يكون لكل دولة منظور سبراني جيواستراتيجي خاص بها.

إلى جانب الفئة الدولتية هناك فئة القوى غير الدولتية التي تملك فاعلية جيوسبرانية ديناميكية أيضاً. تضم هذه الفئة حركات المقاومة الوطنية ضد الإمبريالية والكيان الصهيوني في المشرق العربي، وقوى “الثورات الملونة” أو منظمات “المجتمع المدني السوروسي”، إضافة إلى منظمات الإرهاب التكفيري. لكن أذى التدخلات الإمبريالية التكنواقتصادية والتكنومالية والتكنوثقافية والتكنونفسية في العقدين الأخيرين، يعيد التذكير بأن المصارف وصناديق المال، والشركات العابرة لحدود الدول هي من ضمن هذه الفئة أيضاً.

تشير مجريات السياسة الدولية الراهنة إلى أن النظام الدولي الإنتقالي الذي ينبثق من “موت الغرب”، وخصوصاً هبوط الولايات المتحدة الأميركية من مرتبة القوة العالمية الأولى، يخلق ضغوطاً متعاكسة في الجيوبوليتيك السبراني. تستميت القوى الإمبريالية، بما في ذلك الكيان الصهيوني، للحفاظ على تفوقها الجيوسبراني. ولكن الدول المستقلة وحركات المقاومة في أوراسيا وأميركا وإفريقيا وصولاً إلى جزر سليمان في أوقيانيا جنوب المحيط الهادئ، تبدو عازمة على تحجيم الهيمنة الجيوسبرانية للقوى الغربية، وتحقق نجاحاً.

لا تزال مؤشرات المشاركة العربية في هذه العملية التاريخية ضعيفة. إنفاق الدول العربية على تكوين القاعدة المادية للجغرافيا السبرانية محدود للغاية. أبرز الدول العربية المؤهلة لهذه المشاركة هي مصر وسوريا والسعودية والجزائر والعراق والمغرب. لكن التأمل في هذه واقع كل من هذه الدول، يبين لنا أنها تواجه عقبات متنوعة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو ديموغرافية تحول دون نفاذها الفاعل في أرجاء الخارطة الجيوسبرانية العالمية والإقليمية. وهذا تحد قومي يؤثر في مصير الأجيال العربية الحالية والقادمة.

قد يحقق التعاون العربي الجيوسبراني نتائج استراتيجية أنفع للأمة العربية ومجتمعاتها ودولها قاطبة، من دون وقف التعاون الثنائي الذي تقيمه بعض هذه الدول مع أقطاب النظام الدولي الإنتقالي. مثلاً، لو تستثمر السعودية في التكنولوجيا الصاروخية الذكية التي اختبرها السوريون واللبنانيون واليمنيون والفلسطينيون، لحصلت على نتائج قد تخفف التبعية العسكرية التي تفرضها عليها الولايات المتحدة الأميركية. القصد أن بلوغ هذه النتائج متعذر من غير وضع استراتيجيات عربية تحررية. فالجغرافيا السبرانية اليوم وغداً، هي ركيزة من ركائر وجود واستقلال الدولة الوطنية العربية.

 

هيئة تحرير موقع الحقول
‏الأحد‏، 23‏ جمادى الثانية‏، 1444 الموافق ‏15‏ كانون الثاني‏، 2023

Please follow and like us:

COMMENTS