خاص ـ الحقول / بيروت : نجهل حجم الأموال العامة التي أنفقت من جيب المكلف الأميركي على أيديولوجيا «الجندرة» أيام كلينتون الأول والثاني وأوباما الأول والثاني وفي عهد خلفهما بايدن «النعسان».
لقد أصبحت «الجندرة» بهذه الأموال مذهباً أيديولوجياً «عالمياً»، قاد النيوليبراليون الأميركان عملية «التبشير» به أو فرضه على كل الدول والمجتمعات القوية كما الضعيفة، فنجحوا كثيراً وفشلوا قليلاً، حتى جاء ترامب الثاني إلى البيت الأبيض.
تعتبر «الجندرة» إحدى الأيديولوجيات السامة – بحسب وصف الرئيس دونالد ترامب – التي «غزت» المجتمع الأميركي، وسندت «الغزو الثقافي» الأميركي، في أوروبا وأوراسيا وأفريقيا.
قامت «الجندرة» على «نظرية النوع الاجتماعي»، التي تعتبر الهوية الجنسية سبباً للتمييز الاجتماعي. ورأت أن الخلاص من هذا التمييز، هو عملية فردية، تبدأ من نيل الفرد، ذكراً أم أنثى، حق اختيار الهوية الجنسية التي يفضلها أو تفضلها، بدل هوية الولادة.
حتى وصول ترامب إلى الحكم، وانتصار تيار «ماغا»، ظلت الإدارات النيوليبرالية الحاكمة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تموّل تيار «الجندرة» ليسيطر على الكتلة الجماهيرية، وخاصة، وأولاً، الشباب. خلال هيمنة النيوليبرالية طغى على الاقتصاد الأميركي والاقتصاد «العالمي» التابع له، اقتصاد الكازينو، أو الاقتصاد الربوي، حيث يخرج المال من المال. بينما في الاقتصاد الحقيقي يخرج المال من الإنتاج المادي.
كانت نظرية «الجندرة» والقوى التي «اعتنقتها» في القول والعمل إحدى الأدوات الفعالة بيد أميركا النيوليبرالية لضبط ميدان العمل السياسي
تحت سلطة إدارات كلينتون وأوباما وبايدن، التي حكمت بالبرنامج النيوليبرالي، تصدّر قيادةَ هذه العملية الرأسمال البنكي، وتحديداً الرأسمال البنكي اليهودي، ذو الميول الربوية الفاحشة.
يريد تيار «ماغا» الذي يقوده ترامب «إعادة بناء الصناعة الأميركية» و«جعل أميركا دولة صناعية مجدداً». وهذا الهدف يفترض نوعاً من الافتراق عن النيوليبرالية. لأنه يوجب دعم الاقتصاد الصناعي، ربما، على حساب اقتصاد الكازينو، ما قد يسفر عن تقليص حجم، بل دور، الاقتصاد الربوي الأميركي و«العالمي» الذي تقوده الرأسمالية البنكية اليهودية وغيرها.
كانت نظرية «الجندرة» والقوى التي «اعتنقتها» في القول والعمل، إحدى الأدوات الفعالة بيد أميركا النيوليبرالية لضبط ميدان العمل السياسي، وكتم الحريات السياسية، إلى حد حظر حرية التعبير ضد الرأسمالية البنكية اليهودية، والكيان العنصري الذي «يمثلها» في فلسطين المحتلة.
في أميركا النيوليبرالية التي تشهد أعتى أنواع النهب الطبقي والاستبداد الاجتماعي، نسي الجمهور حق الحرية السياسية، كلياً. لقد أُفْلِتَت حرية الفرد، الشخص بذاته، إفلاتاً فظيعاً، إذ حصل الفرد على حق تغيير جنسه من أنثى إلى ذكر أو بالعكس، وسَوق والديه إلى المحكمة إن حاولوا حرمانه منه. فضاع الفرد وضل الجمهور.
لقد رضي هذا الفرد البائس، مادياً وروحياً، بالحرمان من حق تقرير المصير السياسي له وللجماعة القومية التي ينتمي إليها. لقد حصل على حق اختيار الهوية الجنسية، ولكنه بقي عاجزاً عن تحريك المستنقع السياسي، الذي يسمى في الولايات المتحدة نظام الحزبين. لأن إلقاء حجر في هذا المستنقع، بعمل جدي مثل تأسيس حزب سياسي معارض للنظام السياسي الأميركي الحالي، هو عمل محظور قانوناً.
استفادت الأيديولوجيا «الجندرية» من موارد الحكومات وشركات الأزياء والألعاب والتواصل الاجتماعي والسينما والتلفزيون والجامعات والمدارس والأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية، من دون هذه القوى العملاقة كان من المستحيل على «المؤمنين» بها أن يشيدوا تلك السلطة الأيديولوجية-السياسية بين الكتل الشبابية في أرجاء «العالم» المتعددة.
لقد كسبت «الجندرة» نفوذاً وسلطة، أينما تفشت، وربح «الجندريون»، وخصوصاً النخب «المجندرة»، أموالاً طائلة.
مثلاً، في الوطن العربي، خصوصاً في لبنان وبعض الدول العربية الأخرى، أشهر «الهوية الجندرية» لأسباب مالية ونفعية وذاتية، سياسيون وكتاب وصحافيون وعاملون في التلفزيون والثقافة وحقوقيون وأساتذة جامعيون وقادة منظمات غير حكومية وسواهم. كانوا كلهم من «النخب المحلية»، رجالاً ونساء، وقد فعلوا ذلك عن سابق تصميم، ليستفيدوا من النفوذ الأميركي والأوروبي، مقابل خداع الجمهور، وخاصة الشباب، إذ يتراءى له أن اعتناق مذهب «الجندرية» هو من أسباب النجاح المهني وطرق عبوره.
جاء ترامب على رأس تيار «ماغا» ليقضي على مذهب «الجندرة». قرر مصير تيار «الجندرة» بجرة قلم وأرجع «الجندريين» إلى الحجم الفعلي. لقد استعملتهم البنوك والشركات والسلطات لتطبيق البرنامج النيوليبرالي في أميركا وبعض «العالم».
الآن، مع الرئيس ترامب الثاني، تغيّر البرنامج. فمن سيجرؤ؟ من سيخرج من «الجندريين» ليعترف بخداعه للشباب والجمهور كله؟
علي نصَّار ، مدير موقع «الحقول»
منشور في جريدة الأخبار، يوم 6 آذار، 2025
https://www.al-akhbar.com/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/825461/%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9–%D9%88%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%A7-%D9%84%D9%80-%D8%A7%D9%84%D9%80%D8%AC%D9%86%D8%AF%D8%B1%D8%A9—%D9%88%D9%84%D9%83%D9%86
COMMENTS