استمرت حملة مقاطعة البضائع “الاسرائيلية“ في الصعود في عدد من الدول الاوروبية مما شكل قلقا لحكومة الكيان الصهيوني، وخوفا من تطور هذا القرار ليشمل المستوطنين “الاسرائيليين” الذي يقيمون في المستوطنات المنتشرة في الضفة الغربية في فلسطين المحتلة.
وقد أعلنت عشرات المدن الإسبانيّة أنّها “متحرّرة من كيان العدو، في خطوةٍ تُعدّ انتصاراً جديداً لحركة “المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” ضدّ “إسرائيل”، وذلك بعد نجاح تجربة المقاطعة في مدن بريطانية وفرنسية
وايطالية. وجاءت هذه الخطوة في سياق الحملة الجارية تحت عنوان “المنطقة المتحرّرة من نظام الفصل العنصري الإسرائيلي”، وهي تحظى بدعمٍ بعض الحركات الاجتماعيّة، والمدارس، ووسائل الإعلام والمؤسّسات العامّة من مختلف المناطق الإسبانيّة.
وكانت مدينة “قادس” آخر المدن الإسبانيّة الّتي “تحرّرت” من كيان العدو الصهيوني خلال شهر ايلول/ سبتمبر 2016. وهذه المدينة هي عاصمة المقاطعة في منطقة الحكم الذّاتي الأندلسي، والتي يبلغ عدد سكانها 120 ألف نسمة. وبذلك تضاف إلى بلديّات ومناطق في عدد من المدن الإسبانيّة، أبرزها: مدريد، كاتالونيا، غاليسيا، فالنسيا، إشبيلية، قرطبة، وغيرها.
وكان مجلس مدينة غاليسيا قد سبق نظيره في قادس، إذ صوت في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي على قرار غير ملزم بمقاطعة “اسرائيل”، الامر الذي عطل المفاوضات خلال شهر تموز/يوليو الماضي مع شركة الطيران الصهيوينة “العال” من اجل فتح خط طيران بين مطاري غاليسيا وتل ابيب.
وتقود “شبكةُ التّضامن ضدّ احتلال فلسطين” حملة المقاطعة ضد “اسرائيل”، وهي تسعى إلى قطع العلاقات المحليّة مع الكيان “الإسرائيلي” المحتلّ، كما مع المستوطنين والمستعمرين والشّركات والمؤسّسات التي تشترك في الحفاظ على انتهاكات “إسرائيل” وممارستها العدونية ضد الشعب الفلسطيني.
وتعرف الشبكة عن نفسها بأنّها “متحرّرة من الفصل العنصريّ”، وتعمل من اجل دفع السّلطات المحليّة للمدن والقرى الإسبانيّة إلى مقاطعة الشّركات المتواطئة مع الانتهاكات “الإسرائيليّة” للقانون الدّولي وحقوق الفلسطينيّين والمنخرطة في أعمال العنف، إضافةً إلى قطع العلاقات مع العدوّ “الإسرائيلي” والمؤسّسات المتواطئة معه.
وأكّدت منسّقة “اللّجنة الوطنيّة لمقاطعة “إسرائيل” في أوروبا” ريا حسن أنّ “حملة المناطق الحرّة في إسبانيا ملهمة لحملات مماثلة في دول أخرى”، مضيفةً “حقيقة أنّ هذه الإعلانات قد صوّتت عليها بلديّات منتخبة ديموقراطيّاً، تعكس الدّعم المتنامي لحقوق الفلسطينيّين من قبل حركة مقاطعة “إسرائيل” ليس فقط على مستوى الشّعوب، بل على مستوى الحكومات”.
وأوضحت حسن أنّ “المجالس المحلّيّة في إسبانيا تقود الطّريق لنموذجٍ قويّ بهدف التّضامن مع الشّعب الفلسطينيّ ونضاله من أجل تقرير مصيره”، موجهةً التّحيّة إلى “كلّ أعضاء المجلس والنّاشطين والمشاركين في تنفيذ مناطق خالية من الفصل العنصري “الإسرائيلي”.
وكانت “شبكة التضامن ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين” وحركة (BDS) قد نجحت في ثني المدرب الإسباني فرناندو هيرو عن العمل لصالح “اسرائيل” بعدما تردد عن وجود مفاوضات من أجل التعاقد معه لتدريب المنتخب “الاسرائيلي”.
وأشارت وسائل إعلام “إسرائيلية” إلى ان حكومة الكيان الصهيوني قد خصصت موازنة كبيرة تصل الى مئات ملايين الشواكل، باستخدام أداوت للرصد والتعقب وإحباط نشاط حملة المقاطعة على الشبكة الالكترونية، وكشف الجهات التي تقف خلفها، فضلا عن عقد ما يسمى بمؤتمر مواجهة ( BDS ) واللاسامية في تل ابيب بمشاركة ممثلين عن الحكومة الاسرائيلية والبرلمان “الإسرائيلي” وعدد كبير من ممثلي المنظمات اليهودية في أرجاء العالم .والذي تشرف على تنظيمه النقابة العمالية اليهودية ووزارة الشتات اليهودي. و”مركز أبحاث الأمن القومي”.
كما تحدثت وسائل الاعلام “الاسرائيلية” عن الخوف الذي ينتاب المستوطنين من إقدام حملة المقاطعة على تطوير حملتها لتشمل المستوطنين عبر إعداد قائمة سوداء بأسماء سكان المستوطنات الذين يطلبون تأشيرة دخول إلى الدول الاوروبية. وكانت هذه المخاوف قد خرجت من جلسة مغلقة عُقدت في فرع أوروبا الخاص بوزارة الخارجية وبمشاركة جميع سفراء “إسرائيل” في دول الاتحاد الأوروبي. وعقدت الجلسة في إطار مؤتمر السفراء السنوي.
وترى وزارة الخارجية وكذلك وسائل الإعلام في الكيان الصهيوني، أن “الضرر الذي من الممكن أن تسببه أوروبا لإسرائيل أكبر مما يمكن أن تحصل عليه إسرائيل من أوروبا”، ويعتقدون أن هذا الأمر بات يخيف المؤسسة “الإسرائيلية”. وثمة هلع “إسرائيلي” من إمكانية تشجيع الاتحاد الأوروبي دولاً أخرى حول العالم على التصرف بالطريقة ذاتها. وتبعاً لذلك يرى متابعون أن الخوف “الاسرائيلي” ليس من النتائج الاقتصادية لحملة المقاطعة وحسب، بل من النتائج السياسية أيضاً، واثر ذلك على “صورة اسرائيل” في دول الاتحاد الاوروبي، وفي العالم، لا سيما وأن الحملة تتسع لتشمل دولاً خارج أوروبا.
وفي السياق نفسه، أكد تقرير “إسرائيلي” صدر اخيراً ان شبكات التسوق في أوروبا بدأت بمقاطعة منتجات المستوطنات “الإسرائيلية”، مثل التمر المجهول الذي تنتجه الأراضي الفلسطينية المحتلة بمنطقة غور الأردن، ومنتجات مصنع “سودا ستريم”. وقبلها أوقفت شركة “اهابا” التي تنتج مواد تجميل من البحر الميت عملها كلياً في جنوب إفريقيا بعد حملة مقاطعة منتجاتها. وتبين ان شركات دولية تدفع ثمن عملها في المستوطنات، مثل شركة المواصلات الفرنسية “فياوليا” التي تتعرض لضغوط لأنها تعمل في القدس الشرقية وأماكن أخرى خارج الخط الأخضر. كما خسرت شركة أمنية بريطانية عقود عمل في جنوب افريقيا لأنها تعمل في المستوطنات. وقامت جامعة شيفلد بسحب استثماراتها في الشركة. وتطرقت وسائل إعلام “إسرائيلية” إلى موقف حكومة رومانيا التي تعتبر من أصدقاء “إسرائيل”، بمنع توريد عمال إلى الكيان الصهيوني بعدما رفض الالتزام بعدم إرسالهم للعمل في المستوطنات.
ولم تتوقف مقاطعة إسرائيل وعزلها عند حدود الاتحاد الأوروبي، بل ثمة مؤشرات حول امتعاض مؤسسات أميركية من الممارسات العنصرية “الإسرائيلية”. ففي كانون الاول/ديسمبر 2013 صوتت جمعية الدراسات الأميركية ASA وهي أكبر جمعية أكاديميين أميركية بغالبية الأصوات على إقرار مشروع قرار بفرض المقاطعة الأكاديمية على “إسرائيل”. وأشارت المعطيات إلى ان 66 في المئة من أصل 1252 عضواً شاركوا في عملية التصويت أقروا فرض مقاطعة أكاديمية على “إسرائيل”، لكون الأكاديميا “الإسرائيلية” شريكة في عمليات انتهاك حقوق الإنسان.
وتعتبر “حملة المقاطعة الاوروبية لاسرائيل” التي اطلقت قبل عقد من الزمن، من الحملات التي اطلقها ناشطون يساريون واشتراكيون اوروبيين مناهضون للعولمة الأميركية ولسياسات الكيان الصهيوني العنصرية، وهي استمرار لحملات التضامن مع الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة والتي نجحت مؤخرا (كانون الأول / ديسمبر 2015) في دفع برلمان الاتحاد الاوروبي إلى تبني قرار يلزم بوسم “(تمييز) منتجات المستوطنات الاسرائيلية، التي تدخل الأسواق الأوروبية[1].
ايطاليا، لندن وباريس
نجحت الحملة في ايطاليا في دفع عدد من المقاطعات والمدن الايطالية على اتخاذ اجراءات ضد الشركات التي تبيع منتجات مصدرها المستوطنات “الاسرائيلية”، منها مقاطعة تروينفال في ضواحي روما، حيث نظمت احتجاجات نددت ببيع منتجات مستوطنات مقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، واعتبرت انها منتجات “مغلفة بالدم”.
وفي مشهد يحمل في طياته الكثير من الاستنكار والغضب والسخرية معاً تجمع متظاهرون في ضواحي روما امام بعض المحال التجارية وارتدوا ملابس طبع عليها اسم شركة “كارمل أجريكسكو”، التي تقوم بتوريد المواد الغذائية والخضراوات والفاكهة والورد “الاسرائيلية” للسوق الاوروبية. وكلما مر أحدهم من امام التجمع يصيح به احد المتظاهرين ساخراً: “سيدي اشتر بعض الافوكادو لدعم الاستيطان، لون الافوكادو أحمر لانه مغلف بدم الفلسطينيين، ولأن المياه التي تسرقها اسرائيل جيدة جدا. انها اجود انواع المياه في فلسطين.. آه عفواً في اسرائيل. اشتر منتجات الكرمل انها لذيذة جدا”.
وفي مثال آخر، كانت مجموعة من الناشطين العرب والاوروبيين ضد “اسرائيل” قد دخلت الى سوبر ماركت في باريس، وأخذ افرادها البضائع المنتجة في “اسرائيل” عن الرفوف وبدأوا برميها على الارض. اما في لندن فقد علق احد المقاهي لافتة كتب عليها: “ليس لدينا منتجات اسرائيلية”.
وفي بريطانيا، حققت الجمعيات المختلفة التي تدعو إلى مقاطعة منتجات المستوطنات “الاسرائيلية” نجاحات عدة خلال العام الماضي ولاسيما عندما اصدرت الحكومة البريطانية توصية تحض المؤسسات والشركات والمحال التجارية على وضع علامات تجارية على البضائع التي صنعت في المستوطنات “الاسرائيلية” في مرتفعات الجولان والضفة الغربية حتى يكون المواطنون البريطانيون على علم بمصدرها قبل شرائها ولا يتعرضون للخداع.
وفي تحرك سابق، وتحديدا وبعد الاعتداءات “الاسرائيلية” على غزة عام 2008 قامت مؤسسة “تيسكو” البريطانية العملاقة باضافة خدمة جديدة الى خدمة الزبائن وهي تخصيص خط هاتفي معين يسمح للزبائن الراغبين في مقاطعة البضائع الاسرائيلية بالاستفهام عن أي علامة تجارية موجودة على الرفوف ومعرفة ما اذا كانت اسرائيلية الصنع. وقد أكدت المؤسسة ان الاتصالات الواردة قد ادت الى تعطيل الهاتف في وقت من الأوقات. ولكن بعد اشهر قامت المؤسسة بازالة هذا الخط بسبب ضغوط من المنظمات اليهودية البريطانية.
وفي الآونة الاخيرة، يلاحظ ان هناك توجها واضحا في بريطانيا لمقاطعة البضائع “الاسرائيلية” المصنعة في البحر الميت من قبل شركة اهافا لمستحضرات التجميل. والسبب ان مقر المؤسسة هو في مستوطنة ميتزبي شاليم التي اقيمت على أراض فلسطينية تمت مصادرتها في الضفة الغربية، كما تملك المستوطنة نسبة 44 في المائة من رأس مال الشركة.
إلغاء عقود
أدت دعوات المقاطعة الاخيرة إلى إلغاء بعض العقود مع شركة “عيدن” المصنعة للمياه في المستوطنات القائمة في هضبة الجولان السورية المحتلة، التي تزود بعض الشركات والجامعات البريطانية بالمياه المعدنية. وفي اسبانيا منعت الحكومة المحلية في فيلانوفا دو ديورو دخول عبوات مياه “عيدن” الى مباني البلدية، وحذت بلدة سيغالز حذوها. اما في المانيا، فالوضع يبدو مقلقاً لبعض الشركات “الاسرائيلية”، لان السلوك العام مناهض لـ”اسرائيل” ولأن كثيراً من الألمان بحملات المقاطعة ضد “إسرائيل” .
غسان يونس، أول تشرين الأول 2016
[1] صوت النواب الأوربيون في اواخر العام 2015 بأغلبية 525 صوتا ومعارضة 70 صوتا وامتناع 31 لصالح قرار يؤيد وسم منتجات المستوطنات بعلامات تميزها عن بقية المنتجات الإسرائيلية في جميع البلدان الأوروبية وشبكات التوزيع والمحال التجارية