خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي لم يضع حداً للتوتر السياسي ذي الطابع القومي داخل هذا العملاق الغربي. ويبدو من مسار الأحداث أن فرنسا وألمانيا، أو ما يعرف بأوروبا القديمة تصر على توسيع نفوذهما داخل دول أوروبا الجديدة. لكن المواقف التجارية المفاجئة التي اتخذتها الحكومة البولندية الجديدة من عقد شراء طائرات هليكوبتر من شركة أيرباص لصالح الجيش البولندي، وردود الفعل الفرنسية عليها، لفتت الأنظار إلى المقاومة المتصاعدة التي تبديها بعض العواصم الأوروبية ضد سلطة باريس وبرلين. وقد نشرت صحيفة “روسيسكايا غازيتا” الروسية تقريراً مفصلاً عن المواجهة الناشبة بين وارسو وباريس، وأبرز ما جاء في مقال الصحيفة :
من علم الآخر تناول الطعام بالشوكة؟ البولنديون علموا الفرنسيين؟ أم العكس؟. هذه المسألة حظيت فجأة باهتمام بالغ في وسائل الإعلام العالمية، وأصبحت فضيحة “فورك-غيت” أو”الشوكة-غيت” أكثر الموضوعات تغطية في “وكالة الصحافة الفرنسية”، “واشنطن بوست” و”ديلي ميل”. بل إن موقع “بي بي سي” الإلكتروني نشر جولة قصيرة عن تاريخ شوكة الطعام.
وقد حدث كل ذلك لأن نائب وزير الدفاع البولندي بارتوش كوفناتسكي، قال لإحدى قنوات التلفزة المحلية بغرور وتعالٍ: “إننا نحن علمنا الفرنسيين تناول الطعام بالشوكة قبل قرنين من الزمن”. جاء ذلك خلال تعليقه على ردة فعل فرنسا بسبب رفض بولندا شراء 50 مروحية عسكرية من نوع “كاراكال” التي تنتجها شركة “إيرباص هيلكوبتر” الفرنسية.
وللتذكير، في ربيع العام الماضي عندما كان حزب “القاعدة المدنية” المؤيد لأوروبا حاكما في بولندا، فاز الفرنسيون بالمناقصة، متجاوزين منافسيهم الإيطاليين والأمريكيين. وأدى هذا الأمر الى إضرابات واحتجاجات في مصانع الطائرات مدينة شفيدنيك، حيث تُنتج مروحية “أـ دبليو 149” الإيطالية، وكذلك في مدينة ميلتس حيث تُنتج مروحية “بلاك هوك” الامريكية، التابعة لشركة “لوكهيد مارتن”.
العاملون البولنديون في مؤسسات التصنيع الجوي، اتهموا الحكومة بأنها تنوي تزويد الجيش البولندي بمروحيات يجري تجميعها خارج بولندا، أما هم البولنديون الذين يعملون داخل وطنهم، حتى لو كان ذلك في مؤسسات تصنيع أجنبية، يحرمون من عقد قيمته أكثر من عشرة مليارات زلوتي.
من جانبه، استغل حزب “العدالة والقانون” الذي كان آنذاك معارضا، هذه الاتهامات عدة مرات في حملاته الانتخابية. وبعد فوزه فسخ العقد مع الفرنسيين، ومن دون طرح أي مناقصة، بدأ التفاوض مع الأمريكيين لشراء مروحية “بلاك هوك”، التي تنتج في مدينة شفيدنيك البولندية.
من علَّم الآخر تناول الطعام بالشوكة: هل البولنديون علموا الفرنسيين أم العكس؟
الرد الفرنسي على هذا السؤال كان فوريا. فالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ألغى زيارته الرسمية إلى بولندا. كما نزع الفرنسيون الصفة الرسمية عن الوفد البولندي، في المعرض الدولي للصناعات العسكرية في فرنسا، الذي يقام ما بين 17 و21 من الشهر الجاري.
وإضافة إلى ذلك، قال توم أندرز، رئيس مجموعة “إيرباص هيلكوبتر” إن شركته ستطلب من بولندا دفع تعويضات. ووفقا للمعلومات التي نشرتها جريدة “ليزيكو” الباريسية، فإن شركة “إيرباص” صرفت وقتا كثيرا من الوقت على المفاوضات مع البولنديين، ووظفت عدة ملايين يورو في وضع برنامج تسليم مروحية “كاراكال”. وكتبت صحيفة “لا تريبيون” الفرنسية: “فرنسا التي لدغتها بولندا حانقة جدا”.
بيد أن نائب وزير الدفاع البولندي بارتوش كوفناتسكي رأى أن هذه التصرفات هي “دليل يشهر بالفرنسيين ومؤشر لمستواهم الوضيع، وليس حربا دبلوماسية ” بين البلدين.
هذا، وفيما يتعلق بشوكة الطعام، فإن المؤرخين لم يتفقوا مع بارتوش. ففي حين أن هناك رأيا سائدا في بولندا يؤكد أن شوكة الطعام ظهرت في فرنسا بسبب عودة هنريخ فالوا الذي كان ملكا لبولندا في الفترة ما بين 1573 – 1575، وبعد ذلك أصبح ملكا لفرنسا، واشتهر باسم هنري الثالث. تؤكد مؤرخة الفنون البولندية الشهيرة يوآنا باروتسكا-هايك، التي تحترف دراسة تاريخ أدوات الطعام، أكدت أن شوكة الطعام جلبتها معها كاترين دي ميديتشي عندما قدمت من إيطاليا إلى فرنسا، وهي زوجة الملك هنري الثاني وأم الملك هنري الثالث مستقبلا.
لذا يؤكد الخبراء المختصون أن ايطاليا تحديدا هي البلد الأوروبي الأول الذي ظهرت فيه شوكة الطعام.
صحيفة “روسيسكايا غازيتا”
15 تشرين الأول، 2016