كرّر رئيس المجلس النيابي نبيه برّي رفضه للتمديد، مشيراً إلى أن «الفراغ سينسحب على كامل المؤسسات الدستورية». وفيما تعوّل مصادر القصر الجمهوري على دور حزب الله في إقناع بري والنائب وليد جنبلاط بـ«القانون التأهيلي»، أكّدت مصادر عين التينة والحزب الاشتراكي أن قانون الانتخاب لا يتمّ إلّا بالتوافق.
انقضى النصف الأوّل من مهلة الشهر التي فرضها رئيس الجمهورية ميشال عون باستخدام المادة 59 من الدستور وتجميد عمل مجلس النواب، إلّا أن احتمالات دخول البلاد في أزمة دستورية عميقة تزداد كل يوم. ومع أن مختلف الفرقاء السياسيين يحاولون إشاعة أجواء إيجابية باستمرار الحوار للوصول إلى صيغة مقبولة لقانون الانتخاب، تحمي المؤسسات الدستورية من شبح الفراغ، لكنّ أكثر من مصدر سياسي رفيع المستوى أكّد لـ«الأخبار» أن «احتمالات الأزمة المفتوحة لا تزال متفوقة على الحلّ».
وفيما تنتظر القوى السياسية موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله غداً الثلاثاء، والنقاشات التي سترافق عقد جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس، أكّد الرئيس نبيه برّي أمس أنه لن يوافق على التمديد لمجلس النواب، وأن «الفراغ إذا ما طال مجلس النواب فسيطال المؤسسات الدستورية جميعها، ويحوّل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال، وستتعطّل رئاسة الجمهورية، لأن النظام الحالي هو نظام برلماني ديموقراطي».
ويتحفّظ رئيس مجلس النواب على الكشف عن كامل اقتراحه الأخير المتعلّق بـ«تطبيق الدستور» الذي طرحه أمام الفرقاء السياسيين أخيراً، إلّا أنه شرح العناوين العريضة لاقتراحه، وفيه تطبيق لاتفاق الطائف، عبر إجراء الانتخابات بالنسبية الكاملة على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة أو ستّة دوائر مع الحفاظ على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين لإنتاج مجلس نيابي وطني، وإنشاء مجلس شيوخ مؤلّف من 64 شيخاً على أساس طائفي لحصر الطائفية السياسية في مجلس الشيوخ، مع منح مجلس الشيوخ جزءاً من صلاحيات مجلس النواب.
موقف برّي الجريء لجهة إعطاء صلاحيات من مجلس النواب لمجلس الشيوخ لم يكن كافياً بالنسبة إلى الوزير جبران باسيل، وبدل الاستفادة من طرح برّي لـ«النزول عن الشجرة»، ذهب وزير الخارجية بعيداً في تعديل اقتراح رئيس المجلس. فما حصل بحسب مصادر عين التينة، أن باسيل ردّ على اقتراح برّي بطلب توسيع صلاحيات مجلس الشيوخ على حساب مجلس النواب، وربط بعض قرارات مجلس النواب بمجلس الشيوخ، فضلاً عن التمسّك بطرح قانون «التأهيل الطائفي»، أي بتشكيل مجلسين طائفيين! وطلب باسيل أن يتمّ التوافق على التأهيل الطائفي، وبعد ستة أشهر يصار إلى العمل على مجلس الشيوخ إن كان هناك اتفاق، وإذا لم يتمّ التوافق، تجري الانتخابات النيابية على أساس قانون «التأهيل الطائفي». كذلك تمسّك باسيل برفض منح رئاسة مجلس الشيوخ لدرزي، كما ورد في مداولات اتفاق الطائف، طالباً أن تكون الرئاسة لمسيحي.
وعلى الرغم من أن برّي لم يطرح الأمر مع النائب وليد جنبلاط، في ظلّ رفض الحزب التقدمي الاشتراكي الكامل لطرح مجلس الشيوخ في الوقت الحالي، إلّا أن بري حاول إفهام باسيل أن على التيار الوطني الحرّ طمأنة الحزب التقدمي الاشتراكي، وتقديم بدائل لطائفة الموحّدين الدروز بدل الإيحاء بمحاولة عزلها، على الأقل بتقديم رئاسة المجلس الدستوري كمقابل للتخلّي عن رئاسة مجلس الشيوخ أو بالمداورة، إلّا أن باسيل لم يقبل نقاش الأمر.
وفي ظلّ تعنّت باسيل، بات رئيس المجلس مقتنعاً بأن «المعرقلين لا يريدون حلولاً، بل مهمّتهم وضع العصيّ في الدواليب للوصول إلى الفراغ وتعطيل الدولة وتحوير الاقتراحات التي أقدّمها، من اقتراحات لإيجاد حلول وطنية إلى اقتراحات طائفية هدفها تفكيك وحدة اللبنانيين». ويضرب رئيس المجلس مثلاً «القانون التأهيلي الذي اقترحته على أساس عتبة ترشّح محدّدة بـ10% من أصوات الطائفة، فجرى تحويره إلى حصر حقّ الترشّح بأول فائِزَيْن. وكذلك فعلوا باقتراح مجلس الشيوخ الحالي». وتابع برّي: «الفرق بيني وبينهم أنني أعمل من أجل المسيحيين، وهم يعملون من أجل مسيحيين». وأضاف: «القانون الذي اقترحته سلّة واحدة، إمّا أن يوافقوا عليه كاملاً وإما أن يتركوه ولا يحرّفوه». وردّاً على سؤال «الأخبار» إن كان يرى في بعض ما يُطرح محاولة لفرز اللبنانيين للوصول إلى شكل من أشكال الفدرالية، قال برّي: «أنا لا أوافق على مشاريع طائفية تفرز اللبنانيين، ولا أسير بها، لا على البارد ولا على الحامي»، مؤكّداً أنه «في الماضي واجهنا مشاريع التقسيم في لبنان ومستعدون لمواجهتها الآن».
وقال رئيس المجلس إن «الفراغ في حال حصل لا أحد يضمن نتائجه، ولا أحد يضمن كيفية إعادة إنتاج السلطة»، كاشفاً أنه سأل البطريرك بشارة الراعي أثناء اتصال الأخير به، الأسبوع الماضي، عن «كيفية إعداد دستور جديد في حال حصل الفراغ في البرلمان». لكن برّي عَبَّر عن تفاؤله بأن اللبنانيين يملكون وعياً أكثر من قياداتهم، فـ«لا الشارع المسيحي ينجرّ خلف المحرّضين، ولا الشارع الإسلامي كذلك، وهذه زيارة البطريرك الراعي أمس لصور حيث استقبله الآلاف من أهالي المدينة من كل الطوائف والمذاهب».
كذلك، فَهِمَ برّي أن خطوة تعطيل مجلس الوزراء جاءت عقاباً للرئيس سعد الحريري على وقوفه إلى جانبه لمنع الفراغ في المجلس النيابي، والدليل، أنه «حال أعلن الحريري رفضه للتمديد، جرت الدعوة لجلسة لمجلس الوزراء».
من جهة أخرى، جرى التداول أمس ــ على لسان مسؤولين في «المستقبل» ــ بمعلومات تفيد بأن الحريري هدّأ من اندفاعته «غير المفهومة» لناحية الموافقة على مشروع التأهيل الطائفي ورفضه التمديد بما يؤدّي إلى الفراغ، بعد أن سار الأسبوع الماضي بشكل كامل خلف طروحات باسيل، في محاولة لتحييد نفسه عن الاشتباك الدائر.
وفيما لمّحت مقدّمة أخبار قناة «أو. تي. في.» أمس إلى إمكانية إجراء تصويت على اقتراح قانون انتخاب في جلسة مجلس الوزراء الخميس، التي تحمل قانون الانتخاب بنداً أوّل على جدول أعمالها، إضافة إلى 114 بنداً عادياً بينها حوالى 80 بنداً مالياً (اللافت أن جدول الأعمال لا يتضمن أياً من المشاريع التي تقدّم بها وزير الإعلام ملحم رياشي لتطوير قطاع الإعلام ومساعدة وسائل الإعلام المتعثرة)، استبعد أكثر من مصدر وزاري أن يجري اللجوء إلى التصويت في مجلس الوزراء، أوّلاً لأنه ليس هناك من صيغة مطروحة، وثانياً لأن مسألة قانون الانتخاب لا تتمّ إلّا بالتوافق. وقالت مصادر نيابية في الاشتراكي لـ«الأخبار» إن «التصويت في مجلس الوزراء غير وارد، ولو كان الطرح أنه حقّ دستوري، ومسألة قانون الانتخاب شأن مصيري، ولا تتمّ إلّا بالتوافق، ولسنا وحدنا من يشدّد على هذا الأمر، حتى حزب الله كان واضحاً على لسان الحاج حسين الخليل حين أكّد أن هذا الأمر لا يتمّ إلّا بالتوافق». وقالت المصادر إن «اللقاءات والاتصالات يجب أن تستمر هذا الأسبوع لاستمرار التشاور، ونحن ما زلنا عند موقفنا، لن نوافق على قانون التأهيل الطائفي بالمبدأ، ولا على مجلس الشيوخ إلّا إذا كان ضمن صيغة وطنية كاملة تعني تطبيق الطائف كاملاً».
وبينما تتحفّظ مصادر التيار الوطني الحرّ ورئاسة الجمهورية على ما يحكى عن خطوات يمكن أن يتخّذها رئيس الجمهورية قبل جلسة 15 أيار، أكّدت مصادر القصر الجمهوري لـ«الأخبار» أن «التطوّرات هذا الأسبوع متوقفة على موقف حزب الله». وشرحت المصادر اقتناعها بأنه «باستطاعة حزب الله تليين موقف بري وجنبلاط من الرفض الكامل لقانون الانتخاب التأهيلي، إلى صيغة مشابهة لما حصل في انتخابات الرئاسة، أي الاحتفاظ بحقّ الاعتراض من دون تحويل الاعتراض إلى فيتو». إلّا أن مصادر عين التينة والحزب التقدمي الاشتراكي أكّدت لـ«الأخبار» أن «هذا الأمر غير وارد، وهو مختلف عن مسألة رئاسة الجمهورية؛ فقانون الانتخاب شأن مصيري لمستقبل لبنان، ولن نوافق على قانون طائفي هدّام، وحزب الله يدرك تماماً أن هذا الأمر لا يحصل إلّا بالتوافق». وأكّدت مصادر بارزة في قوى 8 آذار لـ«الأخبار» أيضاً أن «حزب الله حاول التفاهم مع رئيس المجلس وجنبلاط، إلّا أن الحزب ليس في وارد السير في مسألة التصويت وإحداث شرخ وطني في البلد».
وعن اعتراض باسيل على منح رئاسة مجلس الشيوخ لدرزي، قالت مصادر القصر الجمهوري إن «رئاسة الجمهورية لم تبدِ رأيها في هذا الأمر، وما صدر هو مواقف عن كتل سياسية ولا يعبّر عن رئاسة الجمهورية، وهذا الأمر يُسأل عنه الوزير باسيل». وبدا لافتاً أمس تصريح العميد المتقاعد شامل روكز، خلال ماراتون أقيم في العرقوب في الجنوب، حيث أمل بإنتاج قانون انتخابي «على أساس النسبية التي يرى فيها جميع اللبنانيين أنفسهم، وليس قانوناً انتخابياً على قياس السياسيين».
وعلمت «الأخبار» أن النقاش يجري في عين التينة حول جلسة مجلس النواب المقرّرة في 15 أيار، مع اتجاه بأن تكون جلسة تشريعية عادية يتمّ فيها إقرار سلسلة الرتب والرواتب، في ظلّ تحوّل موقف رئيس المجلس وإعلانه رفض التمديد بشكل قاطع.
فراس الشوفي
الأخبار، الاثنين ١ أيار ٢٠١٧