تتعرض الدولة السورية منذ سبع سنوات لأبشع أنواع العدوان، بشكل مباشر أو غير مباشر، من قبل مجموعة من الدول، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية[1]. سنحاول مناقشة هذا الموضوع من وجهة نظر القانون الدولي، بشكل مختصر في النقاط التالية[2]:
- ما يجري في سوريا يعتبر حسب القانون الدولي عدوانا وليس حربا. فالعدوان هو القيام بغزو أو احتلال، أو أي شكل من أشكال الإعتداء العسكري أو التدخلي ضد سيادة بلد، سواء ضد إقليمها، أو شعبها أو حكومتها، أو مصالحها.
أما الحرب، فيكون بعد إعلان عن شنه، وهو يجري بين جيوش بعمليات عسكرية مختلفة، يتوجب خلالها على القوى العسكرية المتنازعة احترام اتفاقيات لاهاي وجنيف فيما يتعلق بسير العمليات العسكرية، والمحافظة على المدنيين، وعلى البنية والمؤسسات المدنية، ومراعاة حقوق الأسرى والجرحى. وتنتهي بانتصار أحد الطرفين، أو بوقف لإطلاق النار وعقد اتفاقات سلام لها شروطها بين الجانبين.
ورغم أن القانون الدولي يدعو إلى حل النزاعات سلميا، وعدم اللجوء إلى القوة في العلاقات بين الدول، لأن ذلك يهدد الأمن والسلم الدوليين، إلا أن الإختلاف يبقى واضحا بين الحرب والعدوان، حيث أن العدوان هو عمل عسكري مسبق ومن طرف واحد ضد سيادة دولة ما، ما يعطي تلك الدولة الأخيرة حق الدفاع الشرعي عن النفس.
إن العدوان هو من أكبر الجرائم الدولية، بل هو يحتويها كلها.
ما يحصل في سوريا، هو جريمة عدوان موصوف، سواء من خلال التدخل المباشر لدول أجنبية مثل الولايات المتحدة، أو تركيا، أو من خلال عدوان غير مباشر من خلال تمويل وتسليل وإرسال إرهابيين، وعصابات مسلحة للقيام بأعمال قتل وتدمير وإخلال بالأمن داخل سوريا، وهو ما قامت به الولايات المتحدة، وتركيا وقطر والسعودية، والإمارات العربية والأردن وفرنسا وبريطانيا، وغيرها من الدول، حسب تقارير ودراسات مختلفة، وخاصة حسب ما صرح به وزير خارجية قطر السابق بن حمد آل ثاني[3].
- إن ما حصل في سوريا هو جرائم دولية كبرى، سواء ما يتعلق بالعدوان ضد سيادة الدولة السورية بشكل عام، إن بالنسبة لشن العدوان، أو تحريض السكان ضد بعضهم البعض، أو منع الشعب السوري من تقرير مصيره، أو التدخل في شؤون الدولة السورية الداخلية ومحاولة إزاحة رئيسها، أو تغيير نظامها السياسي؛ أو ما يعتبر جرائم حرب، إن من حيث استهداف المدنيين بالتقتيل والقصف، أو تدمير البيوت والمصالح، أو لمؤسسات الدولة العامة والخاصة، أو خطف، واحتجاز وتنكيل بالمحتجزين والأسرى، أو امتهان للكرامات أو تعذيب وسبي وتجنيد إجباري، ونزوح قصري، أو تجويع وقطع للمياه والطاقة، أو نهب للثروات الوطنية وتدمير للآثار.
- إن الجرائم التي حصلت في سوريا أو غيرها من البلاد العربية، تعتبر جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية، ولا يمر عليها الزمن، وليس هناك حدود مكانية في ملاحقة ومعقبة المسؤولين عن ارتكاب تلك الجرائم.
إن عدم إدانة تلك الجرائم من قبل مجلس الأمن الدولي، واتخاذ قرار بملاحقة المسؤولين ومعاقبتهم يعتبر انحيازا غير مبر، وفشل ضريع في إداء المهمة التي لأنشأ من أجلها، وهي تثبيت الأمن والسلم الدوليين، وحماية سيادة الدول ومعاقبة المنتهكين للقانون الدولي.
إن ملاحقة ومعاقبة الجرائم التي حصلت في سوريا وغيرها من البلدان العربية التي استهدفت يمكن أن تتم أمام محكمة الجرائم الدولية، أو أمام محاكم جرائية وطنية، أو محاكم دولية جرائية خاصة، تنزل بالمسؤولين أشد العقوبات، كم تغرم الدول المسؤولة، وتلزمها بدفع التعويضات سواء للأشخاص المتضررين أو ورثتهم، أو سواء للدولة السورية[4].
أ.د. أحلام بيضون
12 تشرين الثاني/ نوفمبر، 2017
[1] أنظر التقرير الدوري الأول أيلول/ سبتمبر2017، المنشور من قبل "شبكة حماية ضحايا الحرب"
[2] هذا المقال هو رد على مجموعة من الأسئلة وجهتها شبكة حماية ضحايا الحرب إلى أ. د. بيضون.
[3] وكالات، 12 حزيران/يونيو 2017. (إفتح رابط نص المقابلة بالإنكليزية)
[4] فيما يتعلق بقواعد القانون الدولي المطبقة على الحالة، يمكن العودة إلى ميثاق الأمم المتحدة قيما يتعلق بتحريم العدوان، وإلى اتفاقيات لاهاي وجنيف المتعلقة بسير العمليات العسكرية، وإلى معاهدة روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية، أو مبادئ محكمتي نورمبرغ وطوكيو، أو المحاكم الجنائية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة وغيرها.