أثار لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الكثير من التعليقات في الجانب الإسرائيلي. وتركّزت التعليقات بشكل أساس ليس على ما إذا كان اللقاء ضرورياً أم لا وإنما حول الآمال التي أثارها نتنياهو بشأن نتائجه. وتقريباً عدا المقربين من نتنياهو والراغبين في استغلال الحدث لتعظيم صورة الزعيم فيه اندفع كثيرون وأغلبهم اختصاصيون، لتأكيد أن جدوى اللقاء محدودة. ولكن بعضهم، وبينهم يوسي ميلمان، في معاريف، أكد أن أهمية اللقاء تكمن في إظهار محدودية القوة الإسرائيلية.
ومن الواضح أن إسراع نتنياهو لطلب مقابلة الرئيس الروسي بعد أن عزّزت روسيا وجودها في سوريا يعبر عن القلق الذي تشعر به إسرائيل من هذا الوجود. ورغم أن القيادة الإسرائيلية بررت هذا الإسراع بالتركيز على الرغبة في منع احتكاكات أو صدامات لاحقة إلا أن المشكلة في جوهرها هي انزعاج من تغيير الموقف الروسي. وتزداد حدة هذا الانزعاج جراء تعاظم القلق الإسرائيلي مما تراه إسرائيل تراجعاً أميركياً في الحلبة الدولية عموماً وفي الشرق الأوسط خصوصاً. وتخشى إسرائيل بشكل متزايد من أن أميركا صارت توجه اهتمامها نحو الشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا بسبب مصالحها هناك.
ومن الواضح أن إسرائيل الرسمية ترى في الوجود الروسي في سوريا عنصر إعاقة وعرقلة لحرية العمل التي كانت تتمتع بها حتى وقت قريب في المجالين الجوي والبحري. فالطائرات الإسرائيلية سواء لأغراض الرصد والمراقبة أو الهجوم كانت تتصرّف إلى حد كبير بنوع من الحرية في ظل معرفتها بثغرات الدفاع الجوي السورية. ولكن وجود منظومات دفاع جوية روسية، حتى لو كانت مقصورة على حماية التواجد الروسي، تقيّد الحركة الإسرائيلية. والأهم أن روسيا جاءت بقوة متجدّدة تحت مبرر دعم الدولة السورية ما يعني أنها لن تسكت على انتهاك السيادة السورية خصوصاً إذا كانت هذه الانتهاكات تتم بفظاظة واضحة وبشكل متواتر. وهناك أيضاً الحرية التي تتمتع بها الغواصات الإسرائيلية التي صارت أيضاً ذراعاً استراتيجياً هاماً للدولة العبرية في البحر المتوسط. وتؤمن أوساط إسرائيلية عديدة بأن النشاط البحري المتزايد للقوات الروسية في البحر المتوسط سيجعل تحركات الغواصات الإسرائيلية أكثر انكشافاً.
ولكن لا يقلّ أهمية عن ذلك شعور إسرائيل بأن الوجود الروسي في سوريا هو ثمرة تنسيق ليس فقط مع الدولة السورية وإنما أيضاً مع إيران. وليس صدفة أن الأيام الماضية حملت أنباء مزعجة جداً لإسرائيل مفادها أن صفقة عسكرية كبيرة بقيمة 21 مليار دولار ستوقع بين إيران وروسيا. وإذا أضيف هذا الخبر إلى أنباء تحدثت عن تشكيل آلية تنسيق ضد إرهابيي الدولة الإسلامية (داعش) بين روسيا وإيران والعراق وسوريا فإن ذلك يشير لإسرائيل بوجهة غير مستحبّة وهي أن تحالفاً، ولو مؤقتاً، ينشأ قريباً منها وعلى غير رغبتها.
ويرفض خبراء عسكريون إسرائيليون ما يشيعه الروس من أسباب تعزيز وجودهم في سوريا وخصوصاً رغبتهم في محاربة داعش. ويشير بعضهم إلى أنه ليس صدفة أن هذه التطورات جاءت بعد وقت قصير من هزيمة نتنياهو في الكونغرس الأميركي، حيث كان يراهن على عرقلة الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس الأميركي باراك أوباما والقوى العظمى مع إيران. وكتب الجنرال إسرائيل زيف في «يديعوت» قبل أيام عن أن هدف الرئيس بوتين هو منع انتشار الإرهاب الجهادي وإنشاء محور في الشرق الأوسط يقود إلى ثنائية قطبية وربما استئناف الحرب الباردة.
وأياً يكن الحال فإن ما أشاعه نتنياهو من نجاح في تشكيل آلية تنسيق تحول دون الاحتكاك مع الجيش الروسي ربما لا يستند إلى أساس. فمثل هذا التنسيق سيكون بين قوة عظمى وإسرائيل التي وإن كانت قوة عظمى إقليمية إلا أنها ليست بوزن روسيا. وهذا يعني أن روسيا في الغالب هي مَن ينجح في إملاء شروطه في هذا التنسيق وهي شروط لن ترتاح لها إسرائيل وتقيّدها. وعموماً يثبت هذا اللقاء أن إسرائيل «في نهاية المطاف لاعب ثانوي في الدراما السورية»، كما كتب المعلق العسكري في «هآرتس»، عاموس هارئيل. وفي نظره فإن التدخل الروسي في سوريا هو ثمرة استراتيجية روسية أوسع نطاقاً. ومعروف أن روسيا تحاول إنشاء علاقات أفضل حتى مع الدول العربية المعتدلة مثل مصر والسعودية والأردن وكل ذلك من أجل التمكن من لعب دور أوسع في المنطقة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المخاوف الإسرائيلية تذهب أيضاً نحو العواقب السياسية للوجود الروسي. ولم تكن غريبة مسارعة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى محاولة التوصل مع وزير الخارجية الإيراني إلى تفاهمات حول مبادرة جديدة لحل الأزمة السورية. وتتوقع إسرائيل أن تفشل المبادرة الأميركية الرامية إلى الحفاظ على الدور الأميركي المركزي في المنطقة. وبديهي أن هذا يزيد في الإحساس بضعفها ما يفسح المجال أكثر لروسيا للتحول إلى «لاعب مهم يستطيع الربط بين الأطراف»، كما يرى البروفيسور إيال زيسر في «إسرائيل اليوم». وقد كان الدور الذي تتطلع إليه روسيا اليوم حكراً في الماضي على الإدارة الأميركية التي تقريباً لم تُنجز شيئاً رغم وحدانية القطب العالمي. ثمة معنى أيضاً لما نشر في «هآرتس» عن شكوى الرئيس الفلسطيني من وجود طرف ثالث يمنع اللقاء بينه وبين نتنياهو وأن هذا الطرف هو وزير الخارجية الأميركي!
COMMENTS