تصاعد التوتر السياسي والأمني في مدينة الرقة السورية المحتلة، بعد جريمة اغتيال الشيخ بشير فيصل الهويدي، زعيم عشيرة العفادلة العربية. وحسب المصادر المحلية فقد اغتيل الشيخ الهويدي في سيارته، قرب مشفى الأطفال في شارع الباسل بمدينة الرقة. وقالت المصادر إن المجرمين هم من عناصر الميليشيا الإنفصالية الكردية التي يحميها الأميركيون. وكانت مجموعة الإغتيال مؤلفة من ثلاثة مسلحين، يستقلون سيارة سياحية تحمل لوحة مسجل عليها عين العرب / كوباني وزجاجها معتم. قام من بداخلها بإطلاق الرصاص على الشيخ بشير الفيصل الهويدي. وقد التقى مراسل "شبكة حماية ضحايا الحرب" مع شاهد عيان رقَّاوي، قدم شرحاً مفصلاً عن الوضع الراهن في مدينة الرقة. وإليكم أبرز ما قاله :
عند مدخل الرقة أقيم ممر ضيق من الشبك المعدني طوله نحو 50 متراً. الممر مزدوج. ناحية للرجال وأخرى للنساء. كل القادمين إلى المدينة يعبرون منه. هناك عسكري كردي يأخذ هوية المواطن. إذا كنت من الرقة تدخل. إذا كنت من مدينة أخرى، يجب أن تأتي بكفيل من المدينة، حتى لو كنت متزوجاً / متزوجة من أبناء / بنات المدينة، لا تدخل من دون كفيل. طبعاً، إذا تعذر إيجاد الكفيل، يمكن أن تدفع رشوة للميليشيا الكردية حتى تدخل.
قمع المواطنين العرب السوريين وانتهاك حرماتهم في الرقة مستمر. نبدأ من الإعتقال العشوائي للمدنيين. لقد حضر مواطنون من الرقة من تركيا، لزيارة أقربائهم في المدينة، أوقفتهم عناصر الميليشيا الكردية بعدما وجدت على هواتفهم صوراً للرئيس بشار الأسد. المشكلة أنه بعد اعتقالهم، تقوم هذه العناصر بابتزاز أهاليهم مالياً، مع أنهم فقراء معدمين ليس لديهم حتى الخبز. كلما ذهب هؤلاء العجائز للسؤال عن أولادهم يقولون لهم إدفعوا 400 دولار. يدفعوا. ثم يقولون لهم أن أولادهم نقلوا إلى مخفر آخر، وعليهم أن يذهبوا إلى هناك. وعندما يذهبون لمقابلتهم تطلب عناصر الميليشيا منهم أن يدفعوا مجدداً 400 دولار أخرى، وهكذا. لقد ابتزوا منهم أكثر من 1200 دولار خلال أقل من اسبوعين، نقل الموقوفون خلالها إلى مخافر متعددة.
يقوم الأكراد بتجنيد الشبان العرب بالقوة. خلال المعارك بين تنظيم الدولة الإسلامية / داعش والميليشيا الإنفصالية الكردية، كان المواطنون ينزحون باتجاه مواقع الأكراد ظنَّاً منهم أن هذه الميليشيا جاءت لتخلصهم من ظلم داعش. لكن الميليشيا المدعومة برَّاً وجوَّاً من الأميركان، كانت تقوم بحشر النازحين في مخيمات مقفلة. ثم يعمد الأكراد إلى ضرب الشبان وإهانتهم وتعذيبهم.
نحن المواطنون السوريون، كنّا قبل الحرب على أحسن حال. الدولة كانت تقدم لنا المازوت بنصف ثمنه. المدارس والعلاج والأدوية كنا نأخذها مجاناً. إبرة الدواء كانت تكلفنا 25 ليرة. الدولة أشرف من الأكراد والأميركان. كانت تعطينا البذار والأدوية والسماد للزرع. التراكتور كان يفلح أرض مساحتها 30 دونم بـ 200 ليرة (4 دولارات بأسعار 2011). كان الماء يصل إلى أراضينا بـ 500 ليرة. ساعة الكلام بالتلفون كانت بـ 40 ليرة، الآن بـ 600 ليرة لا تلاقيها في الرقة.
كان الهواء نقياً. الآن، حتى العصافير صارت سوداء من السخام المنتشر في الجو. تحت حماية قوات الأميركان، يقوم الإنفصاليون الأكراد بسرقة النفط. يديرون حراقات (مصافي تكرير صغيرة) لإنتاجه، تماماً، مثلما كان يفعل تنظيم الدولة الإسلامية / داعش. يبيعون الإنتاج في اسواق أربيل شمال العراق، ومنها إلى تركيا. الأميركان لهم مكاتب أمنية ـ عسكرية في كل منطقة. مجموعة من 6 ـ 7 جنود. أحياناً يتركون جواسيس أكراد مكانهم. تجد سيارات هامر العسكرية أو ما يشبهها امام هذه المكاتب مع تحصينات، طبعاً، ويرفعون العلم الأميركي. في الملعب الرياضي مقر استجواب الموقوفين.
جثث الرقاويين المدنيين ما زالت تحت أنقاض المباني السكنية التي دمرها قصف الطيران الأميركي وما يسمى بالتحالف الدولي. روائح الموتى تزكم الأنوف. أحياء مدينة الرقة ممسوحة مع وجه الأرض. حارة الفردوس مطحونة مع الأرض طحن. الجرنية ممسوحة. كل البيوت حول قصر المحافظ مدمرة. كذلك الأحياء السكينة في شارع تل أبيض وشارع الوادي. في حي مساكن الكهرباء وشارع 23 شباط دمر القصف الأميركي كل المباني. لا يوجد حي واحد سلم من نيران قنابل الطيران الأميركي. مدينة الرقة دمرت عن بكرة أبيها. الأميركيون قصفوا المدينة بقنابل ثقيلة. ترى ركام الأبنية مثل الرمل.
في وسط الرقة قصف الطيران الأميركي فرن التنور. كانت مجرزة قتل فيها نحو 150 رقاويَّاً. كما ارتكب الطيران الأميركي مجزرة ثانية في المجمع التربوي عند دوار الساعة. أظن أنها كانت لعبة بين الأميركيين والأكراد وبين تنظيم الدولة الإسلامية / داعش. عناصر داعش كانوا خلال القتال يصعدون إلى أسطح المباني لدقائق، يطلقون النار ثم يفروا، فيأتي الطيران الأميركي ويهدم المبنى على رؤوس ساكنيه المدنيين. الذين لم يقدروا على الفرار من مناطق الإشتباك، أو الذين لم يرغبوا بترك بيوتهم ومدينتهم. الأميركيون تَقَصَّدوا إفلات مسلحي داعش على الرقاويين الذين لم ينزحوا من المدينة. لكي يُهَجَّروا بالقوة المسلحة أو يموتوا بالقوة المسلحة.
الآن، تنظر في أنقاض الطوابق المهدمة ترى الذباب على الأشلاء والجثث المتحللة. يرفض الأميركيون والأكراد رفع الجثث من بين الأنقاض. ويمنعون المواطنين المتبقين في المدينة من سحب جثث وأشلاء إخوتهم وأقاربهم وجيرانهم ودفنها.
جاؤوا في الليل وقتلوا الشيخ بشير. أطلقوا عليه رصاصتين في فكه ورأسه. رحمه الله. الأكراد والأميركان يريدون إنهاء وجود العرب في الرقة. اغتيال عَمِّنا شيخ عشيرة العفادلة، أكبر عشائر الرقة ومحافظة الرقة، غايته بعث رسالة أميركية ـ كردية لكل ابنائها وبناتها، بأننا كسرنا أكبر رأس فيكم. تحصل الآن، ردات فعل. أمس قتلوا 12 من الأكراد. والمواطنون غاضبون، يريدون إدخال الجيش النظامي. الذي يتواجد في مواقع قريبة من تخوم المدينة. ولكن لا يمكنه أن يدخلها، بسبب رفض جيش الإحتلال الأميركي وأعوانه من الإنفصاليين الأكراد إخلاء المدينة، بعدما تم طرد تنظيم الدولة الإسلامية / داعش منها.
قتلوا الشيخ بشير لأنه عارض هذه الممارسات الإجرامية. تارة يتهمون المواطنين العرب السوريين بأنهم مع داعش، وتارة يتهمونهم بأنهم أسديون مع النظام. لتبرير قمع العرب وتهجيرهم عن أرضهم وموطنهم. كان الشيخ بشير يطالب الأميركيين بإخراج عناصر الميليشيا الكردية من مدينة الرقة وتركها لأبنائها. مقتله سيزيد من نقمة المواطنين على هذه الميليشيا وعلى حماتها الأميركيين. وقد تحدث مواجهات مسلحة بينهما.
شبكة حماية ضحايا الحرب
سجلت هذه المقابلة يوم الإثنين، 26 صفر، 1440، الموافق 5 تشرين الثاني/ نوفمبر، 2018