تصدر النفط اللبناني عناوين الصحف اليوم، مع تفاؤل عارم من السياسيين والخبراء بأن الخلاص الإقتصادي اقترب. لكن صفاء النية في قلوب المتفائلين غير كافٍ. فالتوقعات النفطية المشرقة لم تحسب المحاذير الواقعية التي تواجه صناعة النفط الجديدة، وأخطرها هيمنة المصارف على القرار الإقتصادي والمالي للبلاد. أما على الحدود الشرقية، فقد افتتحت السلطات الأمنية في لبنان وسوريا معبر جوسيه الحدودي بين البلدين، بعدما أقفلته الإعتداءات الإرهابية لسنوات. حيث نظم في كلا الجانبين احتفالين متزامنين، بحضور مدير الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم ووزير الداخلية السوري اللواء محمد الشّعار ونوّاب المنطقة ورئيس المجلس الأعلى اللبناني السوري نصري الصايغ ونائبه أحمد الحاج. وأكّد الشعار وإبراهيم، كل على حدة، أهمية المعبر في إعادة ربط الدورة الإقتصادية والمعيشية بين بلاد بعلبك ـ الهرمل ومدينة حمص ومحافظتها الشاسعة. وفيما أكّد إبراهيم أن التنسيق الأمني بين لبنان وسوريا لم يتوقّف، أشار إلى أنه بناءً على طلب الأهالي، كلّف ضابطين من الأمن العام دراسة فتح معبر إضافي في منطقة القصر/الهرمل، حيث يسكن آلاف اللبنانيين على الضفة السورية. وقد اكتسى هذا الحدث العربي بين لبنان وسوريا طابعاً إقليمياً ـ دولياً، بعد تلقّى اللواء إبراهيم اتصالاً من السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبيكين خلال افتتاح المعبر، أكّد فيه «تشجيع روسيا لهذا الأمر المهم» وأنّ «من المهم أن تتطور العلاقات اللبنانية ــ السورية على الصعيد السياسي».
اللواء
لبنان بلد نفطي: مَنْ يحمي الثروة من الفساد؟
القمة الروحية: قرار ترامب يمسّ مشاعر 3 مليارات ودعم التحرّك لإلغائه
استقر أسبوع «المخاضات والقرارات» على إنجازات سياسية واقتصادية وعربية:
1- تمثل الإنجاز السياسي باستئناف الحكومة جلساتها المنتجة، فقد رحب الرئيس ميشال عون بالرئيس سعد الحريري في أوّل جلسة فيها جدول أعمال بعد الأزمة الحكومية الأخيرة.
2- إقرار مجلس الوزراء الموافقة على مناقصة قدمها ائتلاف من ثلاث شركات دولية للبدء بالتنقيب عن الغاز والنفط في المياه الإقليمية اللبنانية، عبر الموافقة على منح رخصتين لاستشكاف وانتاج النفط في البلوكين 4 و9، وفقاً لوزير الطاقة سيزار أبي خليل، على ان تكون بداية الحفر في بداية 2019 والشركات هي توتال وايني ونوفاتيك، وسط أسئلة عن «الصندوق السيادي» وحماية القطاع من الفساد والدعوة لحمايته لمصلحة الأجيال ومواجهة الأعباء المالية.
3- تبني القمة الروحية التي انعقدت في بكركي أمس الموقف الرسمي من قضية القدس، واعتبار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالجائر، والمرفوض والذي يتعين إلغاءه.
وهذه الإنجازات، تعني برأي أحد الوزراء الذين شاركوا في الجلسة ان الإرادة الوطنية بدعم دولي ملحوظ تدفع بالاستقرار إلى مزيد من الترسيخ على الرغم من التداعيات الجارية في المنطقة.
بالمقابل، رأت المديرية التنفيذية لـ«المبادرة اللبنانية للنفط والغاز» ديا قيسي (أ.ف.ب) «لا يمكن ان نعرف الكمية الموجودة الى ان تبدأ عملية التنقيب ولكن بينت المسوحات الأولية أن البلوكات الخمسة المعروضة هي الأوفر حظاً، والبلوك التاسع الأوفر حظاً بينها أيضاً». ويقع البلوك التاسع بمحاذاة منطقة متنازع عليها بين لبنان واسرائيل مساحتها 860 كيلومتراً مربعاً، ولا تشملها أعمال التنقيب. وقالت قيسي «أقول بحذر أن الخطوة التي اتخذتها الحكومة جيدة، لكننا نطالب بشفافية كاملة، يجب عرض المناقصة لنتمكن من تقدير قيمتها ونشارك في تقييم ما اذا حصلنا على عرض جيد او هناك اجحاف بحق الدولة». وأضافت «يجب أن يبرهن البلد عن شفافيته في قطاع معروف انه فاسد عالمياً».
الخطوة الأولى نحو النفط
وكان لبنان خطا أمس الخطوة الأولى باتجاه إنتاج النفط والغاز من مياهه الإقليمية، وبالتالي دخوله «نادي الدول المنتجة»، وذلك عبر موافقة مجلس الوزراء بالإجماع في جلسته التي انعقدت في القصر الجمهوري في بعبدا، على توقيع اتفاق الاستشكاف والحفر والانتاج بين الدولة اللبنانية ممثلة بوزارة الطاقة والمياه، وبين تحالف شركات «توتال» الفرنسية و«أيني» الإيطالية و«نوفاتيك» الروسية، وسيتم توقيع العقود مع تحالف الشركات الثلاث بعد عطلة رأس السنة، على ان يبدأ العمل باستكشاف الحقول في البلوكين 4 و9 العام المقبل، والحفر والتنقيب العام 2019.
وأوضح وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل لـ«اللواء» تفاصيل الخطوات اللاحقة، بعد موافقة الحكومة على منح الرخصتين البتروليتين في الرقعتين 4 و9، فقال ان الخطوة الأولى ستكون إبلاغ الشركات الثلاث بدء مهلة الشهر لتوقيع العقود تمهيداً للتحضير لعمليات الاستكشاف في البلوكين المحددين وهما الرابع في الشمال والتاسع في الجنوب، مشيراً إلى انه سيتولى توقيع العقود عن الدولة اللبنانية بتفويض من الحكومة.
وقال انه بعد التوقيع وبدء مرحلة الاستكشاف لا توجد مهلة محددة، وستكون امام الشركات أعمال تحضيرية ودراسات بينية وتقنية وبعدها نذهب إلى حفر الابار سنة 2019، ثم نجري تقييماً لنتائج الحفر، فإذا تبين لدينا ان هناك اكتشافاً تجارياً نكون عملياً دخلنا مرحلة الإنتاج، وهذه المرحلة تستغرق بين ثلاث واربع سنوات، ونذهب عندها إلى تطوير الحقول والانتاج الإضافي، مع حفر ابار إضافية.
وأوضح ان كل هذا العمل سيبقى محصوراً في البلوكين الرابع والتاسع، اما بقية البلوكات وعددها ثمانية، فستتم وفق سياسة وزارة الطاقة التي وافقت عليها الحكومة، ونسميها «التلزيم المتدرج»، ما يعني اننا فور حصول اكتشاف تجاري مهم في البلوكين نعلن عن دورة تراخيص جديدة لشركات جديدة، وهذا ما يؤدي إلى رفع قيمة البلوكات الباقية ويُعزّز وضعها التجاري ويُعزّز شروط لبنان في التفاوض.
وكشف ان حصة الدولة من عائدات الإنتاج في البلوك الرابع الشمالي ستكون ما بين 65 إلى 73 في المائة، فيما ستكون في البلوك التاسع أقل أي بين 56 و70 في المائة، بحسب السيناريوهات الموضوعة، عازياً ذلك إلى كمية الإنتاج وإلى نوع الجيولوجيا في المنطقة بين طبقات رملية وطبقات كلسية، لافتاً إلى انه كلما زادت ربحية الشركات وإنتاجها كلما زادت ربحية الدولة بشكل مضطرد.
ولم يعترض اي طرف سياسي في الحكومة على القرار لكن نائب رئيس الوزراء وزير الصحة عن «القوات اللبنانية» غسان حاصباني طرح استفسارات عن المهل التي ستستغرقها وتمر بها عملية انتاج النفط. وعن الفارق في ارباح الدولة بين البلوك رقم 4 في الشمال، وبين البلوك رقم 9 في الجنوب، فشرح له الوزير ابي خليل الاسباب التي تعود الى ان مخاطر الحفر في البلوك الجنوبي اعلى من مخاطر البلوك الشمالي بسبب وجود طريقتين للحفر في طبقتين رملية وكلسية، بينما في البلوك 4 طريقة الحفر رملية واسهل ومكاسبها مضمونة، لذلك فنسبة الارباح اقل لأن المخاطر بعدم وجود نفط في الطبقات الكلسية اعلى.
ووصف وزير الشباب والرياضة محمد فنيش الجلسة بالمهمة جدا والهادئة، وقال لـ«اللواء»: المهم ان الحكومة عادت الى العمل والانتاج بروحية التفاهم.وموضوع استخراج النفط يخضع لخطوات متتالية من توقيع العقد مع الشركات الى مباشرة الاستكشاف ومن ثم الاستخراج وكل ذلك وفق مراحل ومهل زمنية محددة.
ومن خارج الجلسة، اعتبر الرئيس نبيه برّي امام زواره، انه أصبح بالإمكان اعتبار لبنان مبدئياً دولة نفطية، وما حصل في مجلس الوزراء يفيد لبنان، كون ان موقعه سيتحسن على المستويين المالي والاقتصادي، ومن الآن وقبل استخراج النفط سيكون هناك فوائد من قرار مجلس الوزراء، خصوصاً في ما يتعلق بفتح المجال امام تشغيل اليد العاملة اللبنانية من مهندسين وفنيين وعمال.
اقتراح باسيل
اما الاقتراح الذي تقدّم به وزير الخارجية جبران باسيل، بإنشاء سفارة لبنانية في القدس، على قطعة أرض تهبها السلطة الفلسطينية للبنان، ردا على قرار الرئيس الأميركي الاعتراف بها عاصمة للكيان الإسرائيلي، فلم يحظ برضى أو موافقة وزراء حزب الله و«امل» والحزب القومي السوري الاجتماعي، الذين لم يتحمسوا له كونه يحمل اعترافا ضمنيا بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، فتم تشكيل لجنة وزارية برئاسة الرئيس الحريري لدرس الاقتراح ومتابعته.
وقال الوزير فنيش لـ«اللواء» تعليقاً على الاقتراح: «نحن موقفنا المبدئي والواضح هو الاستمرار في دعم قضية فلسطين، والقدس هي عاصمة فلسطين، لكنا قلنا ان إنشاء سفارة لبنانية في القدس هو أمر بحاجة إلى درس ولم نقل ان فيه محاذير أو مخاطر. وبناء لذلك تمّ الاتفاق على تشكيل لجنة وزارية لدرس الموضوع والخطوات الكفيلة بتثبيت الموقف اللبناني من القدس، برئاسة الرئيس الحريري، وتضم وزراء المال علي حسن خليل، والخارجية باسيل، والداخلية نهاد المشنوق، والعدل سليم جريصاتي، والتربية مروان حمادة.
ومن جهتها، أوضحت مصادر عين التينة ان رفض الوزير خليل اقتراح باسيل، جاء بتوجيهات من الرئيس بري من منطلق ان هذا الأمر من غير الممكن التعاطي معه بهذه السهولة من منطلقات عقائدية وسياسية وفكرية.
وبحسب مصادر وزارية ان الوزير باسيل شرح للوزراء مضمون اقتراحه، مشيرا إلى انه سبق ان وجه كتابا إلى مجلس الوزراء في هذا الشأن أكّد فيه أهمية ان يُبادر لبنان إلى إنشاء سفارة في القدس، خصوصا وأن مبادرة السلام العربية تنص على ان القدس عاصمة لفلسطين، معتبرا ذلك خطوة رمزية تؤدي إلى اعتراف دول أخرى وتصبح فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، فتكون هناك سفارة للبنان كما توجد سفارة لفلسطين في لبنان.
وقالت المصادر، انه اعقب هذا الشرح نقاش مستفيض من الوزراء، فرأى الوزير جان اوغاسبيان (المستقبل) ان الاقتراح يجب ان يكون موضع درس متأن كي لا يحصل التباس في فهمه، في حين قال الوزير علي قانصو ان القدس عاصمة فلسطين، لكن فلسطين لا تجزأ، ولذلك لا بدّ ان يكون الاقتراح محور درس، وكذلك فضل الوزير حسين الحاج حسن «حزب الله» إخضاع الاقتراح للدرس من جميع الجهات، اما وزير العدل سليم جريصاتي فأثار من جهته الناحية القانونية للموضوع، مشيرا الىان كل القرارات الدولية تدول القدس وتجعلها مجيدة، وبالتالي فإن اقتراح باسيل ينسجم مع القرارات الدولية، ورد الوزير خليل(امل) مشيرا إلى ان الاقتراح يحتاج إلى دراسة.
وهنا قال الرئيس الحريري: ان لبنان وافق على مبادرة السلام العربية في قمّة العام 2002، وأن هذه المبادرة واضحة في التأكيد ان القدس عاصمة فلسطين، وبالتالي فإن موقف لبنان ينسجم مع هذه المبادرة. وعقب نائب رئيس الحكومة حاصباني فتبنى ما قاله الرئيس الحريري حول المبادرة، وقال إذا كانت هناك خطوات ثانية فيجب درسها، وهو ما وافقه عليه الوزير مروان حمادة، فيما اقترح الوزير جمال الجراح «المستقبل» تشكيل لجنة لدرس الاقتراح معتبرا انه يحتاج إلى درس. وهنا اقترح الوزير جريصاتي النص الذي صدر في نهاية الجلسة، وقضى بتشكيل لجنة برئاسة الرئيس الحريري وعضوية الوزراء: باسيل وخليل وفنيش والمشنوق وحمادة وجريصاتي.
وفي أعقاب هذا النقاش، الذي طاول ايضا الإشادة بالمواقف التي اعلنها الرئيسان عون والحريري، خلال الجلسة، اعتبر مجلس الوزراء ان قرار الرئيس الاميركي الاحادي اعلان القدس عاصمة لدولة اسرائيل لاغ وباطل وفاقد الشرعية الدولية كأنه لم يكن على ما ورد في مختلف القرارات الاممية والدولية، واكد التزامه بمبادرة السلام العربية لجهة اعتبار القدس عاصمة لفلسطين وحق العودة جزءا لا يتجزأ من اي مبادرة سلام وحل للقضية الفلسطينية، كما اكد العمل على الاعتراف بفلسطين دولة مكتملة العضوية في الامم المتحدة والقدس عاصمة لها وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، مع تأييد نضال الشعب الفلسطيني وانتفاضته في وجه القرار الاميركي».
وفي حين أرجأ مجلس الوزراء البتّ ببند ملف النفايات باتجاه حسم الخيارات التي طرحها مجلس الإنماء والاعمار لتجديد العمل وتوسيع مكب كوستا برافا ومكب برج حمود او اقفالهما نهائيا،بسبب عدم الانتهاء من درس خطة وزير البيئة طارق الخطيب،فإن الحكومة اقرت نحو مائة بند من بنود جدول الاعمال البالغ 145 بندا.منها تعيين محافظ لجبل لبنان ومحافظ للبقاع،فيما اثار وزير الاعلام ملحم رياشي قضية تعيين رئيس واعضاء مجلس ادارة تلفزيون لبنان،واعتبر ان البعض يريد التعيين من خارج المعايير التي تم وضعها للتعيينات.
القمة الروحية
وتزامناً مع الموقف الذي اعلنته الحكومة بالنسبة إلى القدس، انعقدت في بكركي أمس قمّة روحية إسلامية مسيحية، ناشد بعدها رؤساء الطوائف الدينية في لبنان المرجعيات السياسية العربية والدولية «العمل معاً بغية الضغط على الإدارة الأميركية للتراجع عن قرار تهويد القدس الذي يفتقد الى الحكمة التي يحتاج اليها صانعو السلام الحقيقيون»، معتبرين «ان القرار الاميركي يسيء الى ما ترمز اليه القدس ويشكل تحديا لاكثر من 3 مليارات من البشر.»
واكدوا في بيان في ختام أعمال القمة الروحية المسيحية- الاسلامية رفضهم لهذا القرار مطالبين بالرجوع عنه باعتبار أنّه، فضلا عن مخالفته القوانين والمواثيق الدولية، فإنه يسيء الى ما ترمز اليه مدينة القدس كمدينة روحيّة جامعة يذكر فيها اسم الله عالياً في أماكنها المقدسة، وهي تشكّل بذلك موقع التقاء للرسالات التوحيدية كافة.
وناشدوا الرأي العام الأميركي بمنظماته الأهلية والدينية أن يرفع الصوت عالياً لتنبيه الرئيس ترامب وادارته الى مخاطر القرار الجائر الذي يزجّ الشرق الأوسط في دورة جديدة من دورات العنف التي عانى منها كثيراً.
الاخبار
لبنان خطا أولى خطواته نحو «نادي الدول النفطية»
إبراهيم والشعار يفتتحان معبر جوسيه
انعكس التوافق السياسي أمس على جلسة مجلس الوزراء، فأقرت الحكومة منح رخصتين بتروليتين حصريتين لشركتين للتنقيب عن النفط في الشمال والجنوب. وبذلك يكون لبنان قد خطا أولى خطواته للدخول في نادي الدول النفطية. إلّا أن اقتراح الوزير جبران باسيل، إقامة سفارة لبنانية في «القدس الشرقية» أثار اعتراضات من فريق 8 آذار، فتقرر تشكيل لجنة وزارية لدرس الاقتراح.
خطا لبنان خطوته الرسميّة نحو تحوّله إلى دولة نفطية، بعدما وافق مجلس الوزراء بالإجماع، في جلسته أمس، على عرض وزارة الطاقة والمياه منح رخصتين حصريتين بموجب اتفاقيتي استكشاف وإنتاج لائتلاف من ثلاث شركات، للتنقيب عن النفط والغاز في الحقلين 4 الشمالي و9 الجنوبي. ولم تتخلّل الجلسة سوى ملاحظات شكليّة حول الرخصتين، فيما انعكس الاتفاق السياسي وسعي القوى للبدء بالخطوة النفطية الأولى إجماعاً من الوزراء على الموافقة.
وقال مصدر وزاري معني لـ«الأخبار» إن «ما حصل في جلسة اليوم (أمس) مهم جدّاً، لأننا استفدنا من الظروف المؤاتية للبنان في ظلّ الاستقرار، لنبدأ استخراج طاقتنا ونضع لبنان على الخريطة النفطية العالمية».
ويقضي الاتفاق بين وزير الطاقة سيزار أبي خليل وتحالف الشركات النفطية بأن يبدأ الحفر لاستخراج النفط والغاز عام 2019، على أن تكون حصة الدولة من الإنتاج بين 60 و70 في المئة في البلوك الشمالي، وبين 50 و60 في المئة في البلوك الجنوبي. إلا أن بدء الحفر، وفي حال أسفر عن كميات تجارية من النفط والغاز، لا يعني بدء جني الأرباح مباشرة. فبحسب مصادر معنية بالقطاع، لن يكون لبنان قادراً على الاستفادة من إنتاج النفط والغاز قبل مرور نحو 5 سنوات على أقل تقدير؛ ففضلاً عن التنقيب والاستخراج، يحتاج الامر إلى بنية تحتية غير موجودة في لبنان، على الشواطئ وفي الداخل، سواء كان الإنتاج للاستهلاك المحلي حصراً، أو للتصدير. وكالعادة، سبق العدو الإسرائيلي لبنان في مجال النفط والغاز. فبعد الاستكشاف والاستخراج، وقّعت حكومة العدو، قبل أيام، اتفاقية مع قبرص واليونان لدرس إمكان إقامة أنبوب بحري لنقل الغاز المستخرج من المياه الفلسطينية المحتلة، ومن قبرص، إلى أوروبا عبر اليونان.
في المقابل، يفتح العمل في الاستكشاف والتنقيب الباب واسعاً امام آلاف فرص العمل للبنانيين، سواء في الشركات نفسها، التي تلزمها الاتفاقات بتشغيل لبنانيين بنسب عالية، أو في الشركات التي تقدّم الخدمات للعاملين في منصات الحفر. وفي السياق نفسه، جدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام المنسق الخاص الجديد للأمم المتحدة في لبنان، بيرنيل داهلر كارديل، المطالبة بضرورة ترسيم الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان، التي يزعم العدو ملكيته لنحو 800 كلم مربع منها. وأكدت المسؤولة الدولية لبري «أن الامم المتحدة عازمة على متابعة جهودها في هذا الاطار».
سجال «سفارة لبنان» في القدس
من جهة أخرى، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون يرمي الى تعديل المادة 6 من القانون الرقم 173 تاريخ 29/8/2011 لجهة تمويل سلسلة الرتب والرواتب، وعلى تعيين القاضي محمد مكاوي محافظاً لجبل لبنان والقاضي كمال أبو جودة محافظاً للبقاع، وعلى تطويع 2000 عنصر لمصلحة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.
إلّا أن الجلسة لم تخلُ من سجال عميق بين الوزراء، حول نقطة جوهرية تتعلّق بمدينة القدس، بعد أن تقدّم الوزير جبران باسيل باقتراح إلى الحكومة لإنشاء سفارة لبنان في القدس عاصمة فلسطين، وقال إنه طرح الأمر على الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس لتبادل أراض بين لبنان وفلسطين لهذه الغاية، وأن عبّاس وعده بالعمل سريعاً «لتقديم عقار للبنان في القدس الشرقية».
طرح باسيل أثار اعتراض الوزراء علي قانصو وعلي حسن خليل ومحمد فنيش وحسين الحاج حسن. واستبق قانصو الجلسة بالقول إن «القدس لا تُجزّأ». وتابع خلال الجلسة قوله إن «القدس الآن تحت حراب الاحتلال، ولا يمكن للبنان أن يقبل بوضع سفارته تحت الاحتلال الإسرائيلي، كما أن القدس بالنسبة لنا هي قدس واحدة لا شرقية ولا غربية، وبالتالي علينا أن ننتبه لهذا الطرح وما يحمله». وقال خليل إن «القدس واحدة ولبنان لا يمكن أن يضع سفارته في ظلّ الاحتلال»، كما أكّد من بعده الحاج حسن. وحين دافع الوزير سليم جريصاتي عن طرح باسيل، مقدّماً مداخلة قانونية، مستنداً إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وكذلك تذكير رئيس الحكومة بمبادرة السلام العربية في بيروت 2002، أكّد فنيش أن حزب الله لم يوافق على المبادرة. كذلك الأمر حيال العودة إلى قرار مجلس الوزراء في 2008 حول تبادل السفارات مع فلسطين، الذي لم يوافق عليه حزب الله. وفي ختام النقاش، جرى التوصّل إلى تشكيل لجنة لمناقشة الأمر، وامتنع وزيرا حزب الله وقانصو عن المشاركة فيها، فيما شارك فيها وزير المال، هدفها دراسة هذه الخطوة بمحاذيرها وظروفها قبل الردّ على طرح باسيل. وقال قانصو لـ«الأخبار» إن «موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي من هذه المسألة لن يتغيّر، بغضّ النظر عن النتائج التي قد تتوصّل إليها اللجنة، لأن هذا الموقف مبدئي».
برّي: الوقت ليس لمواقف الحدّ الأدنى
وعلّق رئيس المجلس النيابي نبيه برّي مساء أمس على اقتراح باسيل، مؤكّداً أنه «يبدو أن نيّة الوزير باسيل صافية من هذا الاقتراح، لكن المثل يقول الجمل بنيّة والجمّال بنيّة والحمل بنيّة؛ فهذا الطرح يصبّ في مصلحة الطرح الأميركي بتقسيم القدس وإضفاء شرعية التقسيم عليها، ونحن لا نوافق عليه. بالنسبة إلينا القدس واحدة عاصمة لفلسطين الموحّدة». وردّاً على سؤال حول موافقة لبنان الرسمي على مبادرة السلام العربية باعتبار القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، قال برّي لـ«الأخبار»: «ليس الآن وقت مواقف الحدّ الأدنى. إذا كان الطرح الأميركي والإسرائيلي بهذا السقف العالي، فالأجدر بنا أن نطالب بكامل حقوقنا، أي بالقدس كاملة».
إبراهيم والشعار يفتتحان معبر جوسيه
استكمالاً لإنجاز طرد الإرهاب من الحدود اللبنانية ــ السورية، افتتحت السلطات اللبنانية والسورية معبر جوسيه الحدودي بين البلدين باحتفالين متزامنين على مقلبي المعبر، بحضور مدير الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم ووزير الداخلية السوري اللواء محمد الشّعار ونوّاب المنطقة ورئيس المجلس الأعلى اللبناني السوري نصري الصايغ ونائبه أحمد الحاج.
وأكّد الشعار وإبراهيم، كل على حدة، أهمية المعبر لإعادة ربط الحياة بين البقاع الشمالي ومنطقة حمص السورية بعد أن أقفل لسنوات بفعل اعتداءات الجماعات التكفيرية. وفيما أكّد إبراهيم أن التنسيق الأمني بين لبنان وسوريا لم يتوقّف، أشار إلى أنه كلّف ضابطين من الأمن دراسة فتح معبر إضافي في منطقة القصر بناءً على طلب الأهالي، إذ يسكن آلاف اللبنانيين على الضفة السورية. وتلقّى إبراهيم اتصالاً من السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبيكين خلال افتتاح المعبر، أكّد فيه «تشجيع روسيا لهذا الأمر المهم» وأنّ «من المهم أن تتطور العلاقات اللبنانية ــ السورية على الصعيد السياسي».
الجمهورية
الرياض: خرقٌ إيراني صارخ لـ 1559 و1701.. والنفط إلى التنقيب
فيما لا يزال لبنان والعالم منشغلاً بالقرار الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية من جهة، وايران من جهة أخرى، وذلك على خلفية تقرير للأمم المتحدة كشفت عنه المندوبة الأميركية في المنظمة الدولية نيكي هايلي وقالت إنه «يثبت إرسال إيران صواريخ للحوثيين في اليمن». وقالت «إنّ الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون على السعودية الشهر الفائت «هو من صنع ايراني». ورحّبت السعودية بهذا الموقف الأميركي ودانت «النظام الإيراني لخرقه الصارخ للقرارات والأعراف الدولية، بما فيها قرارا مجلس الأمن 1559 و1701، المعنيّان بمنع تسليح أي ميليشيات خارج نطاق الدولة في لبنان (تحت الفصل السابع ) بالإضافة الى قرارَي مجلس الأمن 2231 ، 2216 . وطالبت المجتمع الدولي بـ»ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن أعلاه ، ومحاسبة النظام الإيراني على أعماله العدوانية».
داخلياً، أوّل عبور الحكومة بعد العودة عن الاستقالة كان شمعة الإفراج عن البلوكين 4 و9 اللذين يختزنان جزءاً من ثروة لبنان النفطية، والترخيص للتنقيب عن النفط وإنتاجه فيهما، مدخِلةً لبنان نادي الدول النفطية وسط تساؤلات عمّا إذا كان هذا «الذهب الأسود» سيصيبه ما اصابَ بقية الملفات من محاصَصات وهدرٍ وفساد، لأنّ اجسام معظم السياسيين «لبّيسة».
وقد وافق مجلس الوزراء بالإجماع وسريعاً على هذا البند النفطي. ولفتت في هذا السياق مداخلة وزير المال علي حسن خليل الذي توجّه في مستهل النقاش الى الوزراء قائلا: «تعلمون انّ هذا الموضوع بالغُ الاهمية وقد اشبِع نقاشاً ودرساً، فتِقنياً لا نستطيع ان نناقشه لأنّ هيئة النفط أقرّته بالإجماع، ولا نعتقد انّ هناك من يختلف عليه، كلّنا نريده، فلنقرّه بسرعة ولنلتقِط هذه الفرصة ولا نضيّع مزيداً من الوقت». وبعد إقرار هذا البند عقّبَ وزير الخارجية جبران باسيل لافتاً الى وجود عارضٍ وحيد، غامزاً بذلك من قناة ملف بواخر الكهرباء الذي أُحبِط لوجود عارض وحيد، مشيراً إلى «التناقض في مواقف بعض الاطراف».
وأشارَت مصادر «التيار الوطني الحر» الى انّ وزير الطاقة سيزار أبي خليل شرحَ بإسهاب خلال الجلسة تقييمَ العروض والتفاوض مع الشركات، مشيراً الى سبلِ تحسين شروط التفاوض في موضوع الاستكشاف والتنقيب، ما أدّى الى إقرار الترخيص للتنقيب عن النفط بلا ايّ اعتراض». وقال ابي خليل لـ«الجمهورية»: «لبنان، عبر هذه الخطوة، بات في وضعٍ مختلف، إذ سينتقل من وضع اقتصادي ومالي الى آخر مزدهر».
وأوضَح «انّ العرض المالي في البلوك 4 يشكّل 8 نقاط فوق المعدّل العام بـ100 دولة اخرى في بيئات طبيعية مشابهة. امّا الوضع المالي في البلوك 9 فيلامس مستوى المعدّل في 100 دولة اخرى، ما يَعني انّ الوضع جيّد جداً، لا بل ممتاز وخصوصاً انّ الامر حاصل في دورة تراخيص أولى في مياه بحرية لا اكتشاف فيها قبلاً».
أمّا عن المراحل، فقال ابي خليل: «ستنفّذ كلّ الاعمال التحضيرية والدراسات البيئية والتقنية اللازمة، في سنة 2018، بالتوازي في البلوكين، ليبدأ التنقيب سنة 2019». وسيَعقد ابي خليل مؤتمراً صحافياً الساعة الأولى بعد ظهر اليوم لشرح المراحل التي ستَلي إقرارَ مجلس الوزراء تراخيص النفط ودخول لبنان نادي الدول النفطية.
«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّها «أيّدت المسار القانوني لملف النفط، في اعتبار انّ إقراره حصَل وفقاً للقانون والأصول، ولكنّها سألت عن الفترة الزمنية للتنقيب، وهذا السؤال نفسه سأله باسيل للوزير أبي خليل». كذلك سألت «القوات»: «لماذا في البلوك 9 نسبة ربح الدولة أقلّ، فجاءها الجواب انّ كلفة الحفر مرتفعة أكثر ربطاً بطبيعة الأرض الجيولوجية».
برّي و«الخبرة» بالبحص
وعبّر رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس عن ارتياحه الى إقرار البند النفطي، وقال: «لقد اصبَح لبنان مبدئياً دولة نفطية، فحتى ما قبل استخراج النفط، فإنّ وضعَه وموقعه سيتحسّنان على مستوى التصنيف المالي والاقتصادي، ومن فوائده الجمّة انّه يفيد ايضاً في تشغيل آلاف من اليد العاملة اللبنانية من مهندسين واختصاصيين». وردّاً على سؤال حول البلوكات المتبقية وسبب اقتصار الترخيص الآن على البلوكين 4 و9، قال بري: «هذا الترخيص لهذين البلوكين هو لفائدة لبنان، وأنا كنت منذ البداية ضد التلزيم الشامل لكلّ البلوكات، ونزلنا عند نصيحة النروجيين بهذا الترخيص المحدود ببلوكين فقط لأنه في ضوء النتائج التي ستظهر من هذين التلزيمين يمكن ان يُستفاد اكثر لتحسين شروط لبنان في المفاوضات المقبلة مع الشركات بالنسبة الى البلوكات الاخرى».
ومن جهةٍ ثانية سئل بري عن تقديره للأسباب التي حالت دون ان يبقّ الحريري البحصة، فقال ممازحاً: «في العادة انّ علاج البحصة يتمّ إمّا بالتفجير وإمّا بالتفتيت، ويبدو انّها قد تفتتت واسألوني أنا ولا تسألوا حكيم لأنّي أنا خبير بالبحص».
السفارة في القدس
وعلمت «الجمهورية» أنه وبعد كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحريري في مستهلّ جلسة مجلس الوزراء طلبَ باسيل متحدثاً عن الكتاب الذي وجّهه الى المجلس مقترحا فيه اقتراح إنشاء سفارة لبنانية في فلسطين، شارحاً «أهمّية مبادرة لبنان الى مِثل هذه الخطوة الرمزية التي ربّما تدفع ببقية الدول الى ان تحذوَ حذوه، خصوصاً انّ مبادرة السلام العربية نصّت على انّ القدس عاصمة فلسطين، وهو الامر الذي من شأنه ان يحوّل فلسطين دولةً كاملة العضوية في الامم المتحدة».
ودار نقاش طويل طلبَ فيه الوزير جان اوغاسبيان التأنّي لتجنّبِ الالتباس في فهمه. فيما رأى الوزير خليل انّه «يحتاج الى نقاش دستوري وسياسي عميق ليست الظروف مهيّأة له في هذا التوقيت»، وطلب التزامَ موقف رئيس الجمهورية والتوصية الصادرة عن مجلس النواب في «جلسة القدس». وقال: «الامر ليس بهذه البساطة مع تفهّمِنا للنيات الكافية وراء هذا الطرح، إنّ لهذا الموضوع ابعاداً سياسية وعقائدية وفكرية وثقافية، ونحن نعارضه من هذه المنطلقات».
وتوالى على الكلام الوزير علي قانصو الذي أيّد موقفَ خليل، وتمنّى أن يصدر عن الحكومة موقف محدّد وواضح ضد قرار ترامب، مؤيّداً التريّث في اقتراح باسيل ودرسه، فوافقه الوزراء حسين الحاج حسن ومحمد فنيش وغازي زعيتر ومروان حمادة وجمال الجرّاح. وقال الحريري: «إنّ لبنان وافقَ على المبادرة العربية عام 2002 ويجب ان يبقى موقفه منسجماً مع هذا الامر». فأثنى عليه الوزير غسان حاصباني، وتقرّر تشكيل لجنة برئاسة الحريري وعضوية باسيل وخليل وفنيش والمشنوق وحمادة وسليم جريصاتي لمتابعته. وفُهِمَ أنّ هذا القرار سيكون مقدّمة لصرفِ النظر عن هذا الاقتراح.
الجَمل والجمّال
وخلال الجلسة حصَل اتصال بين الخليل وبري الذي عارض هذا الامر. وقال بري امام زوّاره: «هذا الموضوع لا يمكن ان امشيَ به، إنّ النيات حسنة، والمَثل يقول «الجَمَل بنيّة والجمّال بنية والحمل بنيّة». إنّ هذا الأمر ينطوي على خطورة كبيرة ويخدم بنحوٍ غير مباشر ما قاله نتنياهو قبل يومين من انّ دولاً اخرى ستفتح سفارات لها في القدس بعد اعتبار الرئيس الاميركي القدس عاصمة لاسرائيل. بالنسبة إلينا، وإليّ شخصياً، فلسطين واحدة والقدس واحدة عاصمة لدولة فلسطين لا قدس غربية ولا قدس شرقية، وبالتالي فتحُ سفارة يضرب هذا المبدأ».
القمّة الروحيّة للقدس
وحضَرت قضيّة القدس بقوّة في بكركي أمس، حيث ساهمت القمّة الإسلامية – المسيحية بإخراجها من إطارها الضيّق وجعلِها قضيّة أمميّة تُطاول المسيحي قبل المسلّم. وقد رَفض البيان الختامي للقمّة القرار الاميركي وطالبَ بالرجوع عنه «لأنه يسيء الى ما ترمز اليه مدينة القدس كمدينة روحية جامعة». وناشد المرجعيات السياسية «العمل معاً بغية الضغطِ على الادارة الاميركية للتراجع عن قرارها»، وقال: «ندعم الموقفَ اللبناني الرسمي الرافض قرار ترامب، والمشروعَ الذي طرَحه عون أمام الامم المتحدة في اعتبار لبنان مركزاً دولياً للحوار».
«المستقبل» ـ «القوات»
وعلى خط العلاقة بين تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» اطلق الحريري اشارات ايجابية في اتجاه «القوات اللبنانية» التي سارعت الى تلقفِها إيجاباً. وسُجّل على هامش جلسة مجلس الوزراء دردشة بين الحريري والوزير ملحم الرياشي الذي اتصَل برئيس حزب «القوات» سمير جعجع ناقلاً موقفَ الحريري الإيجابي وحرصَه على علاقة جيّدة مع «القوات» وأن يتوقّف السجال وتعود الامور الى مجراها الطبيعي من خلال قنوات الاتصال القائمة.
ووصَفت مصادر القوات لـ«الجمهورية» كلام الحريري بأنه «كلام طيّب ورسالة إيجابية نفّسَت التصعيد الذي كان قائماً، إلّا انّ هذا الامر لا يلغي حقيقة وجود جوٍّ تشكيكيّ حيالنا وتخويني وتضليلي منذ شهر حتى الأمس، وهذا امر يجب ان ينتهي، وهو يتطلب قراراً يضع حدّاً لكلّ هذه المسألة ويزيل نهائياً الجوّ الذي كان سائداً».
البناء
بعد قرار القمّة الإسلامية لحلف يواجه أميركا وإسرائيل… السعوديّة لحلف معهما بوجه إيران
الجعفري يلقّن دي ميستورا والرياض درساً في الدبلوماسية… والعقدة بالانسحاب الأميركي
قمّة للقدس في بكركي… وتلزيم النفط لائتلاف روسي فرنسي إيطالي يُظهِر المظلة الدولية للبنان
قبل أن يجفّ حبر قرار القمة الإسلامية في إسطمبول بسقوط دور واشنطن كوسيط مقبول للتفاوض في عملية التسوية للقضية الفلسطينية، وبالدعوة لحلف دولي لمواجهة التهويد الأميركي «الإسرائيلي» للقدس، أكد وزير الخارجية السعودية عادل الجبير أن غياب القيادات السعودية، بما في ذلك غيابه هو، عن القمة لم يكن بداعي الانشغال وظروف صحية، وقد شوهد يتنزه في شوارع باريس بعد مشاركته في حملة تمويل مشروع أمني فرنسي في الساحل الأفريقي، بل الغياب ناجم عن رفض خوض معركة القدس واعتبار الأولوية للمواجهة مع إيران، ضمن حلف تقوده واشنطن، وتشترك فيه «إسرائيل»، كما كشفت الممثلة الدائمة لواشنطن في الأمم المتحدة، فيما أكد الجبير التزام السعودية بمشروع سلام بين الفلسطينيين و»إسرائيل» بالتعاون مع واشنطن، التي لا تزال الوسيط المقبول والقادر على ذلك، وفقاً للنظرة السعودية.
مسرح المواجهة بين قوى محور المقاومة والمشروع الأميركي السعودي «الإسرائيلي» كان في جنيف، حيث يفترض أن تدور المحادثات السورية ـ السورية، سعياً لحلّ سياسي، وقد جرى تفخيخ جنيف في الرياض بحضور ومشاركة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، الذي شهد ولادة بيان الرياض -2، الذي زرع القنبلة الموقوتة في طريق المحادثات، وباركه دي ميستورا، كما بارك التشكيل المجتزأ للوفد الذي لم يحقق الشروط التي نصّ عليها القرار الأممي 2254، كما قال رئيس الوفد السوري المفاوض السفير بشار الجعفري في مؤتمره الصحافي الذي فتح فيه الباب، لتقييم مهمة دي ميستورا في ضوء الإحاطة التي سيقدّمها لمجلس الأمن حول مسار المحادثات. وقد تميّز كلام الجعفري باللغة الواضحة والحاسمة، لوضع النقاط على الحروف وتوضيح صورة ما جرى وأسباب الغياب السوري لأيام والإصرار على سحب بيان الرياض وإعادة تشكيل الوفد المفاوض تحقيقاً للشروط الأممية، قبل البحث بالمسار التفاوضي مجدداً، مسقطاً بكلامه ووضوحه كل الترويج السعودي المباشر عن ضغوط روسية جلبت الوفد السوري إلى جنيف، ليصير الكلام عن عدم وجود ضغوط روسية عنوان الخطاب السعودي، فيما الارتباك عاد لخطاب دي ميستورا ووفد الرياض بغياب خارطة طريق لكيفية التعامل مع الإعداد لجولات مقبلة، فيما قالت مصادر دبلوماسية متابعة لمسار جنيف لـ «البناء» إن جوهر التعقيد يرتبط بعجز أميركي عن مواجهة تحدي البقاء في سورية، إذا أقلع قطار الحل السياسي، ولا تبدو واشنطن قادرة على تحمل قرار الانسحاب بعد، وتراهن على الوقت لبلورة بدائلها، خصوصاً في زمن الحديث عن حلف أميركي سعودي «إسرائيلي» بوجه إيران، يريد أن يتخذ من سورية ولبنان واحدة من ساحات المواجهة، ويسعى لتصوير المواجهة الدائرة في فلسطين تحت عنوان القدس، كامتداد للمواجهة بين إيران وحلفائها من جهة، وحلف الخصوم من جهة مقابلة، حيث السعودية و»إسرائيل» لم يعد يحرجهما الظهور معاً حتى في ملف القدس وفلسطين.
في فلسطين تواصلت المواجهات وسط دعوات ليوم غضب شامل في الأراضي الفلسطينية كلها، بما فيها الأراضي المحتلة عام 48، اليوم الجمعة، كما دعت حركة حماس لجعل جمعة الغضب حضوراً شعبياً حاشداً للدفاع عن القدس، بينما تواصلت المواجهات على خطوط المواجهة في القدس وغزة والضفة الغربية.
لبنانياً، كانت قمة بكركي الروحية للتنديد بالقرار الأميركي بتهويد القدس علامة جديدة ورسالة تأكيد لموقع لبنان في التضامن مع فلسطين، ولحجم الوحدة الوطنية العابرة للسياسة والطوائف تحت عنوان القدس، بينما على المستوى السياسي شهد مجلس الوزراء نقاشاً تفصيلياً لجدوى التفكير باعتماد سفارة لبنانية في القدس الشرقية وشكلت لجنة لاستكمال النقاش.
مجلس الوزراء شهد أول إقرار لتلزيم مربعات تنقيب عن النفط، واللافت كان أن التلزيم لحساب ائتلاف شركات روسية وفرنسية وإيطالية، وهو ما وصفته مصادر واسعة الاطلاع بتظهير للمظلة الدولية الضامنة للاستقرار اللبناني، التي ظهر مفعولها في مرحلة أزمة الاحتجاز السعودي لرئيس الحكومة سعد الحريري، لكن أطرافها ظهرت مع التلزيم النفطي واضحة، فمثل هذه الائتلافات الكبرى لشركات حكومية وشبه حكومية لدول كبرى لا تتم بمعزل عن السياسة، ولا بمعزل عن توافقات تضمّ مَن لم يشاركوا بالائتلاف ضمن تقاسم للأدوار الإقليمية، ما يعني وفقاً للمصادر أولاً أن شراكة روسية أوروبية تتولى رعاية الاستقرار اللبناني، وأن ذلك يتمّ برضا وقبول أميركيين، ما كان ليتمّ التوافق من دون توافرهما.
لبنان إلى نادي الدول المنتجة للنفط…
تحت مظلة التوافق الداخلي الجامع وإعادة تثبيت التسوية الرئاسية وفي ضوء الدعم الدولي الذي شكله مؤتمر باريس، عاد مجلس الوزراء الى الانعقاد في مؤشرٍ إيجابي الى المرحلة الواعدة التي تنتظر لبنان، بحسب ما عبر أكثر من مصدر وزاري لـ»البناء»، إذ خطا المجلس في جلسته أمس، وبعد سنوات من المماطلة والعرقلة الخطوة التنفيذية الأولى على طريق دخول لبنان الى نادي الدول المنتجة للنفط من خلال منح رخصتين لاستكشاف وإنتاج النفط في البلوكين 4 و9 الى ائتلاف شركات «توتال» الفرنسية، «نوفاتك» الروسية، و»إيني» الإيطالية، حيث علا التصفيق داخل مجلس الوزراء، فور إقرار البند.
ولفتت مصادر وزارية لـ البناء الى أن قرار المجلس في ملف النفط اتخذ بالإجماع ولم يُسَجل أي اعتراض باستثناء استفسار وزراء القوات اللبنانية عن تفاصيل المهل الزمنية لبدء الشركات التي ستأخذ التلزيم في مرحلتي الاستكشاف والتنفيذ . ولفتت المصادر الى أن الخطوة الثانية هي إجراء مناقصة لاستكشاف البلوكين وفقاً للخطة الموضوعة لاستخراج النفط خلال خمس سنوات ، موضحةً أن الإشراف على تطبيق الخطة سيكون مهمة مشتركة بين وزير الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول، على أن تتمّ العودة إلى مجلس الوزراء عندما تدعو الحاجة إلى أي قرار يدخل ضمن صلاحياته .
لقاء قريب بين الحريري وجعجع؟
وقد كان لافتاً تراجع حزب «القوات اللبنانية» عن اعتراضه على ما كان يصفه قبل أزمة الرئيس سعد الحريري بـ «صفقة النفط»، بعد أن تراجع في وقتٍ سابق عن استقالة وزرائه من الحكومة، ما فسّرته مصادر وزارية على أنه تغير واضح في الأداء «القواتي» على الصعيد الوزاري بعد تهديد رئيس الحكومة سعد الحريري بـ «بق البحصة» عن مرحلة استقالته في الرياض. ما يؤشر الى تقدم الجهود التي تبذل لترطيب الأجواء بين الطرفين بعد تنازلات عدة قدّمتها «القوات» لاسترضاء الحريري الذي طلب شروطاً للقاء جعجع.
غير أن وزير الإعلام ملحم رياشي انتقد، بحسب ما علمت «البناء» آلية التعيين في مجلس الوزراء، بحيث أجرى جملة من التعيينات في جلسة أمس، لم تحظ بتوافق مسبق، ولم تُعرض على الوزراء في مقابل رفض بعض القوى السياسية ملء الشواغر في مؤسسة تلفزيون لبنان، رغم وجود ملف جاهز وآلية قانونية واضحة من وزارة الإعلام.
وسجّل على هامش الجلسة، دردشات جانبية بين وزير الإعلام ووزيري الداخلية نهاد المشنوق والثقافة غطاس خوري، انضمّ إليها أيضاً الرئيس الحريري. وأشارت المعلومات إلى أن المشاورات تطرقت الى العلاقات بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل، وقد أفيد أن وزير الإعلام خرج إثرها من قاعة مجلس الوزراء وأجرى اتصالاً برئيس حزب القوات سمير جعجع، وتردّد أنه نقل خلاله اليه، رسالةً من الحريري.
وفي حين أرجأ الرئيس الحريري بقّ البحصة بعدما كان مقرراً ذلك في حلقة تلفزيونية الخميس المقبل، تحدّث عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار عن لقاءٍ قريب بين الحريري وجعجع، لافتاً الى أن الحريري «لا يزال في مرحلة تقييم ما جرى معه بعد تقديم الاستقالة في الرياض ، بهدف تحسين العلاقات مع القوات اللبنانية وغيرها من الجهات».
وقد ربطت مصادر مطلعة بين تراجع الحريري عن «بق البحصة» وبين زيارة البطريرك الماروني مار بشارة الراعي الى بيت الوسط، حيث تمنّى على الحريري التهدئة وعدم أخذ الأمور الى التصعيد».
وسبق انعقاد الجلسة اجتماع بين رئيسَيْ الجمهورية والحكومة، جرى فيه بحث البنود المدرجة على جدول الاعمال.
الى ذلك، أقرّ المجلس سلة تعيينات إدارية. فعيّن القاضي محمد مكاوي محافظاً لجبل لبنان، والقاضي كمال أبو جودة محافظاً للبقاع، وقرّر وضع المحافظ انطوان سليمان بتصرف رئاسة الحكومة. كما وافق مجلس الوزراء على تطويع 2000 عنصر من الذكور في قوى الأمن الداخلي للعام 2018.
وأقرّ أيضاً مشروع تلزيم أوتوستراد ضبية – العقيبة والذي يقوم على إنشاء أنفاق تحت الأرض. وبقي من جدول أعمالها 35 بنداً، منها ملف النفايات والاتصالات، أرجئ البحث فيها الى الجلسة المقبلة.
ولم تخلُ الجلسة من المواقف السياسية، فقد أكد الرئيس الحريري أن «التضامن العربي أصبح اليوم حاجة لإنقاذ القدس كي تبقى عاصمة لدولة فلسطين فقط». وشدّد على «قرار الحكومة بالنأي بالنفس، والابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية»، معتبراً أنه «من باب أولى منع أي طرف خارجي من التدخل في شؤون لبنان، او استخدام الاراضي اللبنانية منصة لتوجيه رسائل إقليمية ومخالفة التزام لبنان بالقرارات الدولية».
.. وتحفّظ من «القومي» وحزب الله
وعلى رغم انهماك مجلس الوزراء العائد حديثاً الى «الخدمة الفعلية» بحزمة الملفات المكدسة على الطاولة طيلة الأزمة، لا سيما ملف النفط، إلا أن قضية القدس لم تغِب عن اهتمام المجلس الذي أعلن بالإجماع أن «القرار الأميركي لاغياً وباطلاً وفاقداً للشرعية الدولية وكأنه لم يكن»، وأكد «التزام لبنان مبادرة السلام التي أقرّت في قمة بيروت».
ولم يحظَ اقتراح وزير الخارجية جبران باسيل إنشاء سفارة لبنانية في القدس الشرقية، برضى وزراء حزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي، الذين لم يتحمّسوا له لكونه يحمل اعترافاً ضمنياً بالقدس الغربية عاصمة لـ «إسرائيل». وقد رأى وزير الدولة لشؤون مجلس النواب علي قانصو أن «فلسطين لا تُجزّأ»، فتم تشكيل لجنة وزارية برئاسة الرئيس سعد الحريري لدرس الاقتراح ومتابعته.
وأكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مستهل الجلسة أن «موقف لبنان كان قوياً في مؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائي حول القدس الذي انعقد في اسطنبول»، مبدياً اعتقاده ان «الوضع الدولي يساعد على إلغاء القرار الاميركي ذي الصلة، ولا سيما أن 14 دولة عضواً في مجلس الأمن رفضته».
قمّة روحية على نيّة «القدس»
وبعد التضامن الشعبي والنيابي والوزاري والدبلوماسي اللبناني الجامع حول القضية الفلسطينية، انعقدت على نيّة القدس القمة الروحية التي استضافتها بكركي بحضور رؤساء الطوائف كافة. وأجمع الحاضرون على «التنديد بالقرار الاميركي»، وطالب البيان الختامي الرئيس الاميركي «بالرجوع عن قراره»، معتبراً «انه يُسيء الى ما ترمز اليه القدس وهو مبني على حسابات سياسية ويشكّل تحدياً لأكثر من 3 مليارات شخص»، ومتخوّفاً «من ان يؤدي التفرد الأميركي بالانقلاب على قرار هام من قرارات الشرعية الدولية التي تتعلّق بالقضية الفلسطينية، الى الانقلاب على قرارات أخرى بما في ذلك القرار الذي يتعلق باللاجئين الفلسطينيين لمحاولة فرض تقرير مصيرهم خارج إطار العودة الى بلادهم المحتلة. وهو أمر يشكل اعتداء على امن وسلامة ووحدة لبنان الذي يستضيف حوالي نصف مليون لاجئ فلسطيني منذ عام 1948، والذي أكد في ميثاقه الوطني وفي دستوره على رفض التوطين شكلاً ومضموناً».
عودة الحياة إلى معبر جوسيه
على صعيد آخر، وبعد تطهير الجرود على الحدود اللبنانية السورية من الإرهابيين، عادت الحياة الى معبر جوسيه الحدودي الذي أعيد افتتاحه أمس، فيما افتتح المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم مركز الأمن العام في القاع.
وأكد إبراهيم أن «صلابة الدولة ومؤسساتها في انتظام سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتطبيق القانون والتزام الشفافية ومحاربة الإرهاب، ودرء الخطر يكمن في نعزيز صمود الجيش والأجهزة الأمنية كما في استقلالية القضاء». ومن الجانب السوري للمعبر أكد وزير الداخلية السوري محمد الشعار أن «العلاقات بين لبنان وسورية أكبر من تصريحات أو غيرها. ذلك أنها طبيعية، لا تستطيع أن تفصلها لا الجغرافيا ولا الحدود، ولا أي إعاقة أخرى، مشدداً على أن لا عوائق أمام عودة النازحين إلى بلادهم».