نكبة السيول التي تضرب بلاد بعلبك الهرمل لم تغير الدولة. أمس اجتيحت يونين ونبع العاصي بمياه السيول الهادرة من أعالي جرود الجبال الشرقية، واليوم تكرر مشهد الغرق في الوحل والطين في راس بعلبك والقاع، حيث اختنقت مواطنة لبنانية حتى الموت، وخربت بيوت وأرزاق كثير من المواطنين. وغدا لا يعلم إلا الله من هم الضحايا. الدولة، كل ما تفكر فيه هو التعويضات الشحيحة والتافهة. مأساة المواطنين البعلبكيين ـ الهرملانيين تبدو وكأنها من الطبيعة، لكن الحقيقة أنها مأساة سياسية أولا. وإذا لم تصدقوا، فكروا في السؤال التالي : لماذا لا تنكب السيول التي تتساقط على المقلب السوري من جرود الجبال الشرقية، اي في القلمون الغربي، المواطنين السوريين الأشقاء. الجواب بسيط : السدود.
اللواء
«المونديال» يشغل العالم.. وكرة الحكومة في مرمى الإجازة!
الملف السوري بين بوتين والحريري.. وباسيل إلى جنيف مروراً بعرسال
هموم لبنان، عشية عيد الفطر السعيد، من التباطؤ الاقتصادي، وضعف الحركة التجارية في موسم العيد، وتداعيات الخلاف بين وزارة الخارجية والمغتربين والمفوضية العليا للنازحين، فضلا عن عقبات تواجه تأليف الحكومة على الرغم من ان الرئيس المكلف سعد الحريري، الذي قابل أمس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تراجعت اندفاعته إلى المحلّ الثاني، بعدما اتجهت أنظار اللبنانيين كما أنظار الكوكب بأسره، إلى «المونديال» الذي يبدأ أولى مبارياته اليوم، ولمدة شهر كامل، في مشاهدة بطولة كأس العالم لكرة القدم، اللعبة الأكثر شعبية حول العالم.
وكشف مصدر مقرَّب في بيروت لـ «اللواء» ان خلوة عقدت بين الرئيسين بوتين والحريري استمرت 15 دقيقة، وتناولت الوضع في سوريا، وقضية عودة النازحين السوريين، من زاوية القانون رقم 10 الذي أصدره النظام في سوريا.
ووصف المصدر الخلوة بالودية والجيدة، وهي تناولت إلى ذلك العلاقات الثنائية بين البلدين، وان الكرملين مهتم بدور للشركات الروسية في إعادة تأهيل البنى التحتية في لبنان، من شبكات الكهرباء وانتاج الطاقة إلى شبكات المياه وغيرها.
الحريري في موسكو
إلى ذلك، أوضح المكتب الإعلامي للرئيس الحريري، ان اللقاء الذي جمعه مع الرئيس بوتين في مبنى الكرملين، استغرق ساعة كاملة، وجرى خلاله عرض لمجمل التطورات في لبنان والمنطقة والعلاقات بين البلدين، وانه حضر اللقاء عن الجانب الروسي وزير الخارجية سيرغي لافروف ومساعد الرئيس بوتين للشؤون الخارجية يوري أوشاكوف ووزير التنمية الاقتصادية مكسيم أوريشكين، وعن الجانب اللبناني، مستشار الرئيس الحريري للشؤون الروسية جورج شعبان.
ونقل عن الرئيس بوتين تهنئة الرئيس الحريري بإعادة تكليفه تشكيل الحكومة، داعياً اياه إلى الاستمرار في نهج تعزيز التبادل التجاري بين البلدين، فيما أقر الرئيس الحريري بأن العلاقات الاقتصادية بين لبنان وروسيا هي دون المستوى المطلوب، واعداً بالسعي لتحقيق تقدّم على هذا الصعيد في الحكومة المقبلة.
ولفت الحريري بعد اللقاء إلى انه جرى بحث مطوّل في ما يخص اللاجئين السوريين وعودتهم إلى سوريا، ومساعدة روسيا في هذا الشأن، وفي شؤون المنطقة، موضحاً انه «ليس خائفاً من تأجيل أو تأخير تشكيل الحكومة، ولكن كان هناك شهر رمضان، وهناك فترة اعياد، وكذلك طموح بعض الأفرقاء السياسيين بأن تكون لديهم حصص.
وقال: كنت اتمنى ان ننتهي قبل العيد، وعلينا ألا نفكر بالحصص بل بالانتاجية وما يمكننا ان نفعله».
وأشاد الحريري بسياسات ولي العهد السعودي محمّد بن سلمان لمناسبة مرور عام على توليه ولاية العهد، معتبراً ان هذه السياسات الحكيمة والحازمة أكدت الدور الريادي للمملكة في الوقوف امام اعدائها، وقال، بحسب ما نقل عنه تلفزيون «المستقبل»، «ان اللبنانيين ينظرون بعين الارتياح لاستمرار المملكة في الوقوف إلى جانب لبنان في كل الظروف، وحرص ولي العهد في تقديم كل عوامل الدعم للحفاظ على أمن واستقرار لبنان والنهوض باقتصاده في هذه الظروف الصعبة والحساسة.
ورجحت مصادر مطلعة ان يلتقي الرئيس الحريري الأمير بن سلمان على هامش الحدث الرياضي العالمي الذي ستشهده موسكو اليوم، وفي طريق العودة من موسكو إلى الرياض.
وكان الحريري وصل بعد منتصف الليل الماضي إلى العاصمة الروسية ويشارك اليوم في حفل افتتاح كأس العالم لكرة القدم، ويحضر المباراة الأولى بين روسيا والسعودية إلى جانب عدد من رؤساء الدول.
الحكومة
وطبيعي في غياب الرئيس الحريري ودخول البلاد في عطلة عيد الفطر ان تنحسر مشاورات تأليف الحكومة، لا سيما بعد ان اودع الرئيس المكلف رئيس الجمهورية تصوره الأولي لتوزيع الحصص على الكتل النيابية الكبيرة، من دون ان يعني حدوث اختراق، لا على صعيد الحصة المسيحية ولا على صعيد الحصة الدرزية.
الا انه سجل أمس، زيارة قام بها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب تيمور جنبلاط يرافقه الوزير السابق غازي العريضي للرئيس نبيه برّي في عين التينة، ادرجت ضمن الأحداث المهمة لا سيما وانها جاءت في أعقاب زيارة وفد «اللقاء الديموقراطي» برئاسة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى السعودية.
وغرد جنبلاط في وقت لاحق عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «ان الوضع الذي يمر به لبنان يحتم الإسراع في تشكيل حكومة يعكس تمثيلها نتائج الانتخابات وتكون أولى اولوياتها معالجة الوضع الاقتصادي والمالي الدقيق. اللقاء مع الرئيس برّي صاحب الدور الوطني وحارس اتفاق الطائف تميز بإيجابية نحتاج إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى للنهوض بالوطن.
كذلك سجلت دعوة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد خلال حفل تأبيني في بلدة الغسانية، إلى «الإسراع في تشكيل الحكومة»، مشيرا إلى انه «لا مبرر لأي تأخير فكل الناس أصبحت تعرف أحجام وأوزان القوى السياسية بعد الإنتخابات، لذلك يجب الإسراع بتشكيلها»، معتبرا أنه «لا يمكن وقف الهدر وتسريب القوانين والمراسيم إلا بتشكيل الحكومة».
وقالت مصادر وزارية لـ«اللواء» أن أدق توصيف اليوم للملف الحكومي هو الانتظار لأن ما من شيء استجد منذ التصور الذي قدمه الرئيس الحريري الى الرئيس ميشال عون.
ولفتت إلى أن الرغبة أو الاستعجال بتأليف الحكومة لا يزالان قائمين لكن المرحلة الثانية من التأليف لا توحي بالسهولة.
وقالت إن الرئيس عون أبلغ زواره أن الوضع الاقتصادي الضاغط لايحتمل أي تأجيل غير أن الزوار لم ينقلوا عن الرئيس عون إلا تأكيده على أهمية الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة.
ملف النازحين
وفي ظل «الاجازة الطبيعية» لمشاورات تأليف الحكومة العتيدة، بسبب عطلة عيد الفطر السعيد، استحوذ ملف النازحين السوريين على معظم الاهتمام السياسي اللبناني، حيث تصدر محادثات رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، أمس، كما سيكون اليوم محور اللقاء الذي سيجمع وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل مع المفوض العام للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين فيليب غراندي في جنيف، ولو من زاويتين مختلفتين، وان كان القاسم المشترك للمقاربة اللبنانية، هو عودة هؤلاء النازحين إلى بلدهم سوريا.
فالرئيس الحريري، حرص خلال محادثاته في موسكو على الطلب من الرئيس بوتين مساعدة روسيا للبنان في ما خص عودة اللاجئين السوريين، من خلال حث النظام السوري على شرح ما يتعلق بالقانون رقم 10والذي تمّ تمديده لمدة سنة، بشكل أفضل، لكي لا يبقى يوحي للاجئين السوريين في لبنان بأنه لا يحق لهم العودة إلى سوريا، مؤكدا على ان حقوق النازحين السوريين في بلدهم يجب ان تكون دائمة، وان لا ينتزع أحد منهم هذه الحقوق.
اما الوزير باسيل، فإنه سيطرح مع غراندي اليوم مسألة النازحين ولكن من زاوية النزاع الديبلوماسي الحاصل بين وزارة الخارجية مع المفوضية العليا باللاجئين، حول ضرورة تشجيع المفوضية لهؤلاء النازحين على العودة إلى سوريا بدلاً من تخويفهم، بحسب وجهة نظر باسيل، طالما هذه العودة تتم بصورة طواعية، وبغض النظر عمّا إذا كانت تتوفر لهذه العودة ضمانات من السلطات السورية الرسمية وشروط آمنة، بحسب ما تطالب به الأمم المتحدة، ومعها فريق آخر من اللبنانيين، خاصة وان أي حل سياسي للأزمة السورية ليس متاحاً في الأفق.
ومن هنا، ترى أوساط رئيس الحكومة المكلف، انه في المبدأ لا خلاف مع باسيل حول ضرورة عودة النازحين السوريين إلى بلدهم بعد ان تحول هؤلاء إلى عبء نازف للاقتصاد اللبناني، لكن الخلاف هو على الطريقة لا على المبدأ، أقله من زاوية إنسانية.
وتعتقد انه لم يكن هناك من داع لإفتعال مشكلة مع المنظمة الدولية التي هي شريكة فعلية للبنان في مساعدته على تحمل جزء من أعباء النازحين، وترى ان حقيقة حل المشكلة يجب ان تتحملها الحكومة السورية التي لم تضع حتى الآن سياسة واضحة للتعامل مع النازحين السوريين أو حثهم على العودة، لا بل ان القانون رقم 10 التي أصدرته، اوحت للكثيرين من هؤلاء بأن السلطات السورية لا تريدهم ان يعودوا، طالما ان حقوقهم في ملكية عقاراتهم يُمكن ان تضيع في حال لم يتمكنوا من تثبيتها في ظرف فترة معينة مددت إلى سنة.
ولم تشأ هذه الأوساط التعليق على الزيارة التي قام بها باسيل أمس إلى بلدة عرسال، مكتفية بأنه لا مشكلة في هذه الزيارة، لكن مصادر سياسية تساءلت عن حقيقة دوافعها في هذا الوقت بالذات، وأسباب اقتصارها على «مخيم الفلاطنة»، نسبة إلى بلدة فليطة في القلمون السوري، ولم تشمل مخيمات أخرى مثل مخيم القصير، علماً ان مخيمات السوريين في عرسال تفوق الثلاثين مخيماً؟
وتعتقد هذه المصادر ان باسيل أراد من زيارته التأكيد فقط على وجهة نظره، لجهة «حث» النازحين السوريين على العودة، «واغرائهم» بالمناطق الآمنة المتوافرة في بعض المناطق السورية، ولو اقتضى الأمر الاشتباك مع المنظمة الدولية، ورفع «البطاقة الحمراء» في وجهها من عرسال بالذات قائلاً لها: «كفى»، رغم ان باسيل اعترف، من ناحية ثانية، بوجود خلاف مع فريق من اللبنانيين حول هذا الملف، لكنه عزا هذا الخلاف إلى انه «ليس جديدا، بل بدأ من العام 2011، الا انه أشار إلى اننا سنتفق على صياغة هذا الأمر في البيان الوزاري، مؤكدا ان الحكومة الجديدة ستصدر ورقة جديدة لسياسة النزوح، وان إرادة اللبنانيين ستجعلنا نتفق بعيداً من الانقسام السياسي».
وإذ شدّد على انه لا يُمكن انتظار الحل السياسي، أعلن ان العودة هي الكفيلة بإيجاد هذا الحل، معتبراً ان لبنان لم يوقع معاهدة جنيف للاجئين الصادرة في العام 1951، غير انه قدم النموذج الأفضل عن استضافتهم.
وكشف انه سيزور جنيف اليوم للقاء المفوض الأعلى للاجئين ليشرح له السياسة التي نريدها ومطبات عدم تنفيذها من قبل الأمم المتحدة، مؤكدا انه لا يريد مشكلة مع المنظمة الدولية ولا مع سواها في ملف سيادي، لكن عليهم ان يحترموا السياسة التي نرسمها نحن ما دمنا أكثر إنسانية من أي دولة في العالم، موضحا اننا نريد من المفوضية ان تزودنا بلائحة بالعائدين إلى سوريا وعدم السماح لهم بالعودة مجددا إلى لبنان.
مرسوم التجنيس
وبالنسبة إلى مرسوم التجنيس، الذي لم يغب بدوره عن الاهتمام، اشارت محطة MTV إلى ان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم انجز معظم تقريره عن مرسوم التجنيس وسيرفعه إلى رئيس الجمهورية خلال الـ48 ساعة المقبلة».
ولفتت إلى «ان تقرير ابراهيم يتضمن نحو 40 إسماً ثبت على اصحابها مخالفات مسلكية وقضائية تمنع عنهم الحق باكتساب الجنسية اللبنانية».
الا ان مصادر وزارة الداخلية «نفت هذه المعطيات وأكدت ان الحديث عن الأربعين اسما، «غير صحيح»، مشيرة الى ان «دراسة الاسماء مستمرة ولن يكون هناك اي رقم قبل انتهاء التحقيقات».
وأشارت مفوضية الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي في بيان، إلى ان الحزب سيقدم طعناً بالمرسوم امام مجلس شورى الدولة، التزاما بالموقف الذي سبق ان أصدره حيال هذا الملف الذي وصفه «بالفضيحة».
واستغرب الحزب الطريقة التي يتم التعامل فيها مع المرسوم، حيث يبدو ان المسؤولين عنه يعمدون إلى لفلفته على الطريقة اللبنانية المعروفة، بعيداً عن الشفافية والوضوح، بما يُؤكّد مخاوف الحزب عن صفقات تعتريه، وتساءل عن أسباب التكتم عن حقيقة وأسباب منح الجنسية اللبنانية للمستفيدين من المرسوم ومن رشحهم لنيلها، وما هي المعايير والأسباب الموجبة لذلك لا سيما وان بعض الأسماء تثير الكثير من التساؤلات والشبهات، وبينها على سبيل المثال فريد بـ(كشف البيان اسمه كاملاً) الذي يقال انه متهم بسرقة أكثر من ملياري دولار من الجزائر، وانه أحد الضالعين في فضيحة «سونا طراك» وفقاً لما نشرته عدّة صحف عربية وأجنبية.
وختم: هل هذا هو المستوى من النّاس الذين يشرفون لبنان بمنحهم الجنسية؟ وهل ينقص لبنان المزيد من الفساد ليستورد ابطال الصفقات المشبوهة؟
مرسوم شمص
وعلى صعيد آخر، أعلنت وزارة الدفاع في بيان عن تعيين العميد الركن مالك شمص مديراً عاماً للادارة في وزارة الدفاع الوطني وعضواً في المجلس العسكري وترقيته إلى رتبة لواء، وذلك بموجب المرسوم رقم 3254 تاريخ 11/6/2018 والمرسوم رقم 3253 بنفس التاريخ والذي رقي فيه إلى رتبة لواء.
البناء
الأسد: لا نعرض علاقاتنا بحلفائنا للمساومة… ومسيرتنا مع حزب الله طويلة… والعلاقة بإيران استراتيجية
تدمير بارجة إماراتية يُربك هجوم الحُدَيْدة… وتموضع الصدر مع الحشد يخلط أوراق العراق
باسيل من عرسال إلى جنيف في مواجهة «المفوضيّة»… والحريري يدعو لـ «شرح أكثر للقانون 10»
حسم الرئيس السوري بشار الأسد الجدل الذي أثارته ما وصفها، بـ»البروباغندا» الإعلامية الهادفة لتمويه هزائم حلف الحرب على سورية واختراع انتصارات وهمية لتغطيتها، مجيباً على كثير من النقاط التي أثارتها التصريحات السياسية، التي يكون لها أحياناً كثيرة دور الرسائل، بمعزل عن دقة ما تعطيه من معلومات، فصواريخ الـ»أس أس 300» الروسية وهل ستسلمها روسيا أم سلّمتها لسورية، أمر لا يمكن استقاؤه من التصريحات التي تؤدّي وظيفة الرسائل السياسية، وسورية لن تكشف ما لديها من سلاح. والتجربة تقول في حينها الجواب. ومثل هذه التصريحات عن الصواريخ يوضح الرئيس الأسد التصريحات حول الوجود الإيراني ومشاركة حزب الله في سورية. فالتسوية في الجنوب لا تزال قيد التفاوض الذي يُجريه الروس، وسورية وحلفاؤها ليسوا من النوع الذي يعرّض العلاقة بالحلفاء للمساومة، وعلاقة سورية بإيران استراتيجية وليست معروضة في بازار مع أحد، والحملات الإعلامية تهدف لإحراج إيران واستفزازها، وتندرج في سياق الحملة التي تستهدفها بالتزامن مع الانسحاب الأميركي من التفاهم النووي. أما حزب الله فالمسيرة معه طويلة، ومن المبكر الحديث عن موعد خروج من سورية ينتظره حزب الله والإيرانيون، بعد انتصار سورية، كما قال السيد حسن نصرالله.
في المنطقة تتالى الضربات التي يتلقاها المشروع السعودي، فمن جهة فشل الحملة الثانية على الحُدَيْدة في اليمن، بعد تدمير عشرات الآليات التي شكلت طليعة الهجوم نحو المطار، واعتراف الإمارات بمقتل طاقم بارجتها التي جرى تدميرها قبالة الساحل اليمني. وفيما يستنفر الإعلام السعودي والإماراتي والقنوات الفضائية التابعة له على مدار الساعات الأربع والعشرين لمتابعة الحملة على الحُدَيْدة دون عرض أيّ صور للتقدّم، بدأ حديث الناطق العسكري السعودي عن اعتبارات إنسانية تؤخر تحقيق التقدّم، في المقابل يتحدث أنصار الله بثقة عن مفاجآت لم تظهر بعد في المعارك التي تشهدها الحُدَيْدة، وعن نهايات محسومة لمصلحتهم، رغم كثافة القصف الجوي والبحري والبري وشراكة بريطانية أميركية إسرائيلية في العمليات البحرية والجوية، بينما بدأت مساعٍ في مجلس الأمن لعقد جلسة اليوم لإطلاق مبادرات لوقف الحرب، يقول أنصار الله إنّ سببها هو فشل الهجوم. فالمبادرة البريطانية للتحرك الدبلوماسي ناتجة عن موقع بريطانيا في الهجوم على الحُدَيْدة ودورها العسكري والأمني فيه.
الضربة الثانية التي تلقاها السعوديون، كانت في العراق، حيث فاجأهم السيد مقتدى الصدر بالتموضع في تحالف معلن مع تيار الفتح الذي يمثل فصائل الحشد الشعبي، بعد شهور من التسويق الإعلامي السعودي والخليجي لاعتبار فوز تياره عنواناً لهزيمة حلفاء إيران الذين يمثلهم الحشد الشعبي وتحالف الفتح، والذين كان إبعادهم عن تحالف حاكم يقوده الصدر عنواناً للحركة السعودية. وكان كلام رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري عن الفشل الإيراني في العراق، جزءاً من هذا المناخ السعودي، الذي أصيب بالصدمة بإعلان التحالف الجديد، خصوصاً مع تسريبات تتحدّث أنه جاء كنتيجة لمساعٍ قادها الجنرال قاسم سليماني بين الفريقين، وتوّجتها رسالة توجّه بها للسيد مقتدى الصدر عن قراءة المرحلة ومقتضياتها ومقترحاته لمواجهتها، فانقلب الإعلام السعودي والخليجي ليرسم الشكوك والأسئلة حول مصداقية الصدر بعد شهور من تقديمه بطلاً لعروبة عراقية معادية لإيران، ورمزاً لحركة استقلال عراقي تستعيد الأوصاف الممنوحة سعودياً لحركة الرابع عشر من آذار في لبنان تجاه العلاقة بسورية.
لبنانياً، مع جمود الملف الحكومي بانتظار عودة الرئيس سعد الحريري من سفره إلى موسكو ونتائج لقاءاته المتوقعة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تقدّم ملف النازحين السوريين وعودتهم المشهد، من خلال الحركة التي يقودها وزير الخارجية جبران باسيل سياسياً ودبلوماسياً، ويقودها عملياً الأمن العام اللبناني في ترتيب قوافل العائدين، وكان أبرز ما سُجّل أمس، استعداد باسيل للسفر إلى جنيف لتثبيت موقف لبنان الاحتجاجي على أداء المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين التي سجّلت تراجعاً عن المجاهرة بالدعوة لتوطين اللاجئين ورفض مشاريع العودة، فيما كانت زيارة باسيل إلى عرسال ومخيّمات اللاجئين فيها مناسبة لتظهير حجم الاستعداد الذي يُبديه النازحون للعودة، مقابل حجم القلق الذي خلقته المفوضية الأممية بين صفوفهم. بالتوازي كان رئيس الحكومة سعد الحريري يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث نالت قضية النازحين وعودتهم نصيباً رئيسياً من اللقاء الذي خرج بعده الحريري ليقول، «تمّ البحث مطوّلاً في ما يخصّ عودة اللاجئين السوريين الى سورية ومساعدة روسيا في هذا الشأن خاصة في شرح القانون رقم 10 الذي مدّد لمدة سنة»، مشدداً على أنه «يجب أن يكون هناك توضيح وحث للنظام في سورية على شرح هذا القانون»، بصورة بدا فيها موقف الحريري مختلفاً عن السابق وأقرب للإجماع الداخلي الذي يدعم التعاون مع الحكومة السورية في ملف العودة.
زيارة جنبلاط للمملكة خلطت أوراق التأليف
في وقتٍ انطلق ماراتون «المونديال» لكرة القدم بمباراته الأولى بين المنتخبَيْن الروسي والسعودي في روسيا، بقي «ماراتون» تأليف الحكومة رهن اللقاء المرتقب بين الرئيس المكلف سعد الحريري وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وسط تأكيد أكثر من مصدر معني بالتأليف بأن مفاوضات التشكيل لم تنهِ شوطها الأول، ولم يتم حسم العقد الثلاث المتمثلة بحصة حزب القوات اللبنانية والحصة الدرزية والوزير السني من حصة فريق 8 آذار.
وإذ تمنى الحريري لو انتهت مسألة تأليف الحكومة قبل عيد الفطر، أعلن أنه ليس متخوّفاً من التأخير في تشكيلها، لكن مصادر سياسية رجحت لـ«البناء» إطالة أمد التأليف في ظل العقد المتعددة التي تواجه التأليف، في ضوء محاولات السعودية إحداث تغيير في المعادلة الداخلية والتوازن السياسي القائم منذ التسوية الرئاسية حتى اليوم، من خلال تجميع فريق 14 آذار التقليدي في إطار جبهة واحدة في الحكومة المقبلة، ما أدّى بحسب المصادر الى «خلط أوراق التأليف وتجميد المفاوضات ريثما تتبلور الصورة الداخلية بعد عودة رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط الذي زار السعودية منذ أيام ونتائج الزيارة المتوقعة لرئيس القوات سمير جعجع الى المملكة الأسبوع المقبل، ما سيدفع فريق 8 آذار الى التريّث في تحديد حصته قبيل تحديد حصة فريق 14 آذار، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن جنبلاط بات ضمن الفريق الآذاري في ملف تشكيل الحكومة على الأقل».
باسيل إلى جنيف
وبانتظار تحضير «ملعب» التأليف الحكومي وانطلاق دورة المفاوضات المتوقع أن تبدأ بعد عطلة عيد الفطر، وصولاً الى مرحلة التصفيات نصف النهائية والنهائية، تملئ بعض الملفات الخلافية الداخلية الوقت الضائع، لا سيما ملف النازحين السوريين في ظل الاشتباك بين وزارة الخارجية اللبنانية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين الذي يبدو أنه يتجه الى الانحسار بعد الخطوات المتدحرجة التي اتخذها وزير الخارجية جبران باسيل واعتراف المفوضية بحق النازحين في العودة، وفي ظل إعلان باسيل بأنه سيسافر إلى سويسرا للقاء الأمين العام للمفوضية العليا لشؤون النازحين لحل المشاكل كافة.
وفي خطوة حملت رسالة لبنانية واضحة الى الأمم المتحدة تؤكد رغبة معظم النازحين العودة الى سورية بعكس ما تسوّق مفوضية الشؤون، جال باسيل أمس، في عرسال التي تحتضن مخيماتها مئات آلاف النازحين. وعقد اجتماعاً في بلدية عرسال حضره رئيس البلدية وممثلون عن النازحين في البلدة الذين أكدوا «أننا نريد العودة إلى بلادنا لأنها باتت آمنة»، داعين الدولة اللبنانية إلى «تأمين الأمان للنازحين». واعتبر أن لو كانت الأمم المتحدة تريد أن تعيدنا إلى بلادنا فعلاً لأوقفت الحرب منذ الشهر الأول».
وعلمت «البناء» أن إعادة 3000 نازح سوري من عرسال الى القلمون باتت في خواتيمها النهائية كدفعة أولى، بعد أن سجلوا أسماءهم لدى البلدية حيث يتم التواصل بين الأمن العام اللبناني والسلطات الأمنية السورية». وتعلق مصادر مشاركة في الاجتماع لـ«البناء» «الرهان على أن نجاح هذه التجربة ستفتح الباب أمام عودة دفعات عدة من النازحين لأن ذلك سيشجع النازحين على العودة». وتشير مصادر رسمية لـ«البناء» الى إصرار رئيس الجمهورية على حل أزمة النازحين بأسرع وقت ممكن، لأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لم يعد يحتمل تأجيل ومراوغات والرئيس ميشال عون يدعم توجّه وخطوات الوزير باسيل لوضع الملف على سكة الحل وينتظر تشكيل الحكومة الجديدة لبحث الخطة التي أعدتها وزارة الخارجية بشكل جدي واتخاذ قرار جدي يُنهي الأزمة». ما يطرح السؤال هل بدأ العد العكسي لعودة النازحين؟
وتلفت مصادر قيادية في التيار الوطني الحرّ لـ«البناء» إلى أن «مفوضية الشؤون شريكة في المؤامرة الدولية والإقليمية لتوطين السوريين في لبنان أو على الأقل إبقاءَهم مدة زمنية طويلة لأهداف ومخططات طويلة الأجل أمنية وسياسية واجتماعية واقتصادية، أما الهدف الأخطر بحسب المصادر، فهو «ديموغرافي أيّ المسّ بالنسيج الاجتماعي والسكاني في لبنان وتحقيق نوع من الغلبة السنيّة على باقي المكوّنات وللضغط على حزب الله في مسألة سلاحه في مراحل مقبلة»، وحذّرت من «قرار أوروبي يقضي بمنع عودة اللاجئين إلى سورية كي لا يؤدي ذلك إلى هجرتهم مجدداً الى دول أوروبية».
وقال رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري لـ «البناء» إن «زيارة باسيل الى عرسال هو أول تحرّك رسمي جدّي من الدولة اللبنانية لمقاربة أزمة النزوح السوري، لكن المعالجة الفعلية تكون بتسهيل العودة الآمنة التي تحفظ كرامة النازحين»، موضحاً أن «معظم النازحين يرغبون بالعودة ومطمئنين إلى الوضع الأمني في سورية، لكن بعض الظروف والمقاربات المختلفة والتقييم المتناقض لخيار عودتهم يجعلهم يتردّدون، لذلك جاءت زيارة باسيل لتشجّعهم على البدء بستجيل أسمائهم لإعادتهم في دفعات مقبلة»، وأكد الحجيري باسم أهالي عرسال دعمه أي خطوة لعودة النازحين «لا سيما أن عرسال تتحمّل العبء الأكبر من أزمة النزوح ودفعت الثمن الباهظ على كافة الصعد الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية»، وأشار الى أن «لا أحد يضغط على النازحين للعودة التي نريدها طوعية، لكن لا يمكن أن تتدخل جهات دولية مع النازحين لثنيهم عن العودة».
ودعا الحجيري الحكومة اللبنانية المقبلة الى اتخاذ خطوة جريئة ومتقدّمة على صعيد إنهاء هذه الأزمة المأساوية بحق لبنان وسورية من خلال التنسيق بين لبنان وسورية لإعادة مليون ونصف لاجئ سوري»، مطالباً بـ «موقف لبناني موحد إزاء هذا الأمر».
ومن عرسال توجه باسيل للمجتمع الدولي بالقول: كفى، مشدداً على أنه «لا يمكن انتظار الحل السياسي للأزمة السورية لعودة اللاجئين». وقال: «لا عودة عن العودة، وهي قريبة وآمنة وكريمة»، وأكد أن الإجراءات التي اتخذها أولية وتندرج في إطار صلاحياته في ملف سيادي لبناني»، واعتبر أن «النازحين في عرسال فئتان: إحداهما تعتبر أن العودة مؤمنة وهم أهل القلمون الذين أمهلوا 3 أيام للتسجيل، فتسجل منهم 3 آلاف، علماً أنهم لو أعطوا وقتاً كافياً، لبلغ العدد 31 ألفاً لأن الجميع يرغبون في العودة». أما الفئة الثانية، فـ»هم أهل القصير، فتعتبر أن ظروف العودة إلى هذه المنطقة غير مؤمنة وهم يريدون العودة. وينتظرون السماح بذلك».
وبحث الحريري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ملف النازحين، ولفت الحريري الى أنه «يجب توضيح القانون رقم 10 وحثّ النظام في سورية على شرح هذا الأمر بشكل واضح وتحديد حقّ اللاجئين في العودة الى سورية». وأضاف: «بحثنا ملف عودة اللاجئين السوريين والقانون رقم 10 في سورية الذي يجب توضيحه».
تصعيد قواتي ـ عوني
وطغى الخلاف بين «القوات اللبنانية» والتيار الوطني الحر حول النازحين على سطح الخلاف على الحصص الحكومية، وفي وقت اتهم رئيس التيار جبران باسيل وزارة الشؤون الاجتماعية بالتقصير في ملف عودة النازحين، باعتبار «أنّها لا تضع جداول عن النازحين لدى الأمن والمعابر، لمنع دخول من سقطت عنهم صفة النزوح»، ردّ رئيس القوات سمير جعجع على باسيل بالقول: «إذا أردت أن تعرف ماذا في خلفيات هجوم باسيل على وزراء القوات تدرّجاً من الصحة إلى الشؤون الاجتماعية، فابحث عن صفقة بواخر الكهرباء… كلما ازددنا صلابة في مواجهة تمرير الصفقة يرتفع منسوب نسج الحملات ضدنا».
وردّ وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل على جعجع قائلاً: «يا حكيم القرارات لي إنت واقف ضدها؟ كانوا وافقوا عليها وزراءك حاصباني والرياشي وبوعاصي، وكالعادة وافقوا عليها بالداخل وانتقدوها بالإعلام». وأضاف:» أما بشأن التقصير، طلب مجلس الوزراء من حاصباني مرسوم توزيع الأسقف المالية منذ أكثر من سنة وضيّع الوقت. وخلصت الحكومة وأصدرها خلافاً للقانون بقرار منه».
تقرير الأمن العام حول «التجنيس» خلال أيام
على صعيد مرسوم التجنيس، تردّدت معلومات بأن «المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم سيقدّم تقريره عن المرسوم وسيرفعه إلى رئيس الجمهورية ميشال عون خلال الأيام القليلة المقبلة»، ورفضت أوساط التيار الحر منطق الحديث عن صفقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف بهذا الإطار، مؤكدة بأن الرئيس ميشال عون بعيد كل البعد عن أي صفقات وهو معني بالمصلحة العليا للبلاد. وهو أول مَن طلب تجميد المرسوم وإرساله الى الأمن العام للتدقيق به، مشيرة لـ«البناء» الى أن «الرئيس عون وقّع المرسوم بناء على معطيات ومعلومات وزارة الداخلية التي هي الجهة المخوّلة التدقيق بالأسماء»، متسائلة لماذا لم تعرض الداخلية الأسماء على الأمن العام قبيل إرسال المرسوم الى رئاستي الحكومة والجمهورية؟ وأبدت الأوساط استغرابها الشديد حيال موقف بكركي من المرسوم والاعتراض على قرار رئيس الجمهورية في الإعلام، بدلاً من أن يضع تحفظاته ومخاوفه لدى الرئيس! داعية الكنيسة للابتعاد عن السياسة والاهتمام بالشؤون الدينية والكنسية وترك السياسة لأهلها، موضحة أنه «من المفترض على البطريرك التنسيق مع رئيس الجمهورية قبيل اتخاذه أي موقف سياسي»، وتساءلت عن «موقف بكركي من مراسيم التجنيس في عهد الرئيس ميشال سليمان!».
وأعلن الحزب التقدمي الإشتراكي أنه «سيقدم طعناً بمرسوم التجنيس أمام مجلس شورى الدولة التزاماً بالموقف الذي سبق أن أصدره حيال هذا الملف – الفضيحة». وقال الحزب في بيان: «بالرغم من الضغط السياسي والشعبي، لا تزال الدوائر المعنية بإصدار مثل هذه المراسيم، تتكتّم حول حقيقة وأسباب منح الجنسية اللبنانية لهؤلاء، ومَن رشحهم لنيلها، وما هي المعايير والأسباب الموجبة لذلك، لا سيما أن بعض الأسماء تثير الكثير من التساؤلات والشبهات». وأكد الحزب أن «اللقاء الديموقراطي سيتابع ملف الطعن بالمرسوم أمام مجلس شورى الدولة حتى نهايته».
الجمهورية
خمول على خط التأليف.. وبرّي يستعجل تشغيل المحرّكات.. والحريري: لستُ قلقاً
يقدّم الممسكون بمفاصل السلطة والسياسة في البلد، كلّ يوم دليلاً إضافياً على أنّهم لا يحترفون سوى لعبة تضييع الوقت، وخصوصاً في المفاصل والأوقات الحسّاسة، التي تتطلّب الحدّ الأعلى من المسؤولية. يأتي ذلك، في ظلّ كارثةٍ طبيعية ضَربت القاع ورأس بعلبك بسيولٍ جارفة وأدّت إلى وفاة امرأة، وإلى أضرار وخسائر فادحة في ممتلكات المواطنين.
في هذا الوقت الضائع من عمر البلد وأهله، تتراكم في الأوساط الشعبية والسياسية أسئلة وعلامات استفهام حول سرّ الخمول القابض على عنقِ التأليف، وحول هوية «راجح» الممسِك بزمام التأخير والمانع لأيّ خطوة تتقدّم في اتجاه التعجيل في هذا الاستحقاق. ما يرسّخ أكثر القناعة الراسخة أصلاً لدى الناس بأنّ الحكومة العتيدة والموعودة، مركونة إلى أجلٍ غير مسمّى على رفّ انتظار أن تأتي يدٌ سحرية تأمر بإنزالها عن هذا الرف، وتُحرّر التأليفَ من قبصة التعطيل، وتضع حدّاً للمهزلة التي أدخَلوا فيها البلد، وحجَبوا فيها تقصيرَهم وعدم مبادرتهم لا بل تقاعسَهم في التصدّي الجدّي لاستحقاق التأليف، بإشغال البلد بملفّات أقلُّ ما يقال فيها إنّها مشبوهة، على ما حصَل تحديداً في «فضيحة» مرسوم التجنيس، التي نزَعت آخِر ورقةِ توتٍ عن شعارات ومبادئ صُنِّفت يوماً بأنّها إنقاذية ومثالية.
كلّ ذلك يؤكّد، على ما يقول عاملون على خط التأليف والمشاورات «الخجولة» الجارية، أنّ أهل التأليف، محكومون بأولويات أخرى ما بعد الحدود، وليس مضموناً أن تتحقّق هذه الأولويات، أو أن تخدم المراهِن عليها. ويَلفت هؤلاء إلى أننا قد نصل في نهاية المطاف إلى صراع وسِباق قاتل مع الوقت، ذلك أنّ تحقيقَ هذه الأولويات كلّها أو جزءٍ منها، يتطلّب وقتاً، وهذا الوقت الضائع يأتي على حساب البلد، لأنّ الانتظار هنا، سيوازيه انتظار مِثله وربّما أطولُ منه إذا ما وضِع التأليف على نار الاتصالات الجدّية. علماً أنّ التأليف في حالته الراهنة يتطلّب جهداً استثنائياً عابراً للخلافات والانقسامات والمكايدات والمزاجيات والمطالب التعجيزية، ولحدودِ القوى السياسية المتصارعة على الحقائب الوزارية والمتسابقة للظفر بالوزارات السيادية، والخدماتية الأساسية، خصوصاً تلك التي تُعتبَر «مدهنة» وحلبة خصبة للمشاريع والصفقات وجنيِ الأموال.
وعلى الرغم من الإيجابيات الشكلية التي يحاول بعض فريق طبّاخي التأليف، أن يملأ فيها الفراغ الداخلي، فإنّ أجواء المطبخ الحكومي لا توحي بقربِ الولادة الحكومية، وهذا ما تؤكّده مصادر رسمية رفيعة المستوى لـ«الجمهورية»، إذ إنّ الخشية الكبرى هي من الدخول في دوّامة لا مخرج منها.
وقالت المصادر لـ«الجمهورية»: علّقنا آمالاً على تكليف الرئيس سعد الحريري الذي وَعد بحكومة سريعة، ولكنّ الوقائع التي توالت منذ التكليف وحتى اليوم، تؤشّر إلى أن لا حكومة بعد العيد مباشرةً، بل لا حكومة خلال الشهر الجاري، وسينقضي شهر حزيران من دون أن تولد الحكومة، وفي هذا الجو، سيَجرُّ الشهر الضائع خلفَه شهراً ضائعاً مِثله، وعلى هذا المنوال سيبقى البلد معلّقاً على حبال مملّعة، تدير زمامَه حكومةٌ لا حول لها ولا قوّة، ولا تملك حتى الحد الأدنى من القدرة على الإدارة وتصريف الأعمال.
وإذا كانت الأجواء الرئاسية تؤكّد استعجالَ رئيس الجمهورية ميشال عون بلوغَ حكومة في أقرب وقت ممكن وتجاوزِ كلّ المطبّات التي يمكن أن تمثلَ في طريق التأليف، فإنّها تتناغم مع تأكيدات الرئيس المكلّف سعد الحريري بتركيزه على التأليف إنّما بشكل هادئ، والمهم هو الإنتاجية وليس هذه الحقيبة الوزارية أو تلك. وهو ما عكسَه من موسكو أمس، بعد لقائه الرئيسَ الروسي فلاديمير بوتين.
بوتين والحريري
وقد حضَرت أزمات لبنان وتأليفُ الحكومة وأزمة اللاجئين في اللقاء، حيث هنّأ بوتين الحريري بإعادة تكليفِه تشكيلَ الحكومة، وقال: «أمامكم مهمّة تشكيل الحكومة الجديدة». أضاف: «علينا أن نستمرّ في نهج تعزيز التبادل التجاري بين البلدين، خصوصاً أنّ هناك نقصاً في هذا المجال، وعلينا بذلُ الجهود لتعزيز التبادل. كذلك علينا تكثيفُ أعمال اللجنة الحكومية المشتركة، وفي إطار هذه اللجنة، هناك شركات روسيّة تعمل بنشاط وهناك أعمال مكثَّفة في مجالات أخرى».
أمّا الحريري فقال: كان بحثٌ مطوّل في ما يخصّ اللاجئين السوريين وعودتهم إلى سوريا، ومساعدة روسيا في هذا الشأن، ولا سيّما في ما يتعلق بشرح القانون رقم 10، الذي تمّ تمديده لمدة سنة، لكن لا بدّ مِن توضيحٍ أكبر له وحثِّ النظام السوري على شرحِ هذا الموضوع بشكل أفضل، لكي لا يوحي بأنّ اللاجئين في لبنان لا يحقّ لهم العودة إلى سوريا. حقوقُ النازحين السوريين ببلدِهم يجب أن تكون دائمة ويجب ألّا ينتزع أحدٌ هذه الحقوق منهم. تحدَّثنا مطوّلاً في هذا الشأن وفي شؤون المنطقة».
وعن أنّه يتأنّى في موضوع تشكيل الحكومة، أجاب الحريري: «ليس هناك أيُّ هدف، فنحن اليوم في نهاية شهر رمضان المبارك وهناك فترةُ أعياد. كنت أتمنّى أن ننتهي قبل العيد، لكن جميعنا يعلم أنّ لكلٍّ مِن الأفرقاء السياسيين طموحاً، ونحن نتحاور مع الجميع حتى نصل إلى نتيجة. أنا لستُ خائفاً من تأجيلٍ أو تأخيرٍ في تشكيل الحكومة، ولكن كان هناك شهرُ رمضان وكذلك طموحُ بعضِ الأفرقاء السياسيين بأن تكون لديهم حصص. علينا ألّا نفكّر بالحصص بل بالإنتاجية وما يمكننا أن نفعله».
برّي: محرّكات معطّلة
وأمّا أجواء عين التينة، فتؤشّر إلى مراوَحةٍ قاتلة على خطّ التأليف، والرئيس نبيه بري يصرّ على قوله بأنّ محرّكات التأليف لم تشتغل بعد، وهذا يعني أنّ ما أشيعَ في الأيام الأخيرة حول صيغٍ ومسوّدات طرِحت على خط التأليف لا أساس له.
وعندما سُئل بري عن هذه الصيَغ والمسوّدات نفى عِلمه بها، وقال: ما عندي خبر.. أنا مِن جهتي سبقَ وقلتُ إنني أريد الحكومة الأمس قبل اليوم، وتوافَقنا في اللقاء الرئاسي في بعبدا على أن تولد الحكومة في أقرب وقت ممكن، وعلى ضرورة أن تقوم القوى السياسية كلها بتسهيل هذه الولادة. ولكنّني اليوم، وفي ظلّ الجمود الموجود، لا أرى أجواء مشجّعة حول قربِ ولادة الحكومة، ولا أرى أمامي شغلاً على صعيد التأليف، ذلك أنّ المحرّكات لم تشتغل أصلاً بعد، وما زالت حتى الآن معطّلة بالكامل.
وعمّا إذا كانت قد عُرِضت عليه مسوّدات أو تصوّرات، قال برّي: لا شيء من هذا القبيل، لقد حصَل نقاش وحيد بيننا ككتلةٍ نيابية وبين الرئيس المكلّف خلال المشاورات التي أجراها بعد تكليفه تشكيلَ الحكومة، ويومها طرَحنا أمامه رؤيتنا وما نريده في الحكومة الجديدة، وأبلغناه أنّنا كما هو واضح أنّ كلّ النواب الشيعة جعلتهم نتائج الانتخابات من حصّة حركة أمل و»حزب الله»، وبناءً على ذلك حصّتُنا في الحكومة هي 6 وزراء في حكومة موسّعة (30 وزيرا)، 3 وزراء لـ«أمل» و3 لـ«حزب الله»، ولنا طبعاً مِن بين الوزارات التي ستكون من حصّتِنا وزارةٌ سيادية من حصّة «أمل» وهي وزارة المالية، وحقيبة خدماتية أساسية تكون من حصّة «حزب الله»، وهي وزارة الصحّة.
وعمّا إذا كان الحديث قد تناوَل الفصلَ بين الوزارة والنيابة، قال برّي: لا، لكن في هذه المسألة أنا شخصياً لا أقبل بهذا الفصل، هذا الأمر يجيزه الدستور ومنصوصٌ عليه في الدستور، وبالتالي الذهاب نحو هذا الفصل يتطلّب قبل أيّ شيء إجراءَ تعديل دستوري، لذلك أنا شخصياً لستُ في هذا الوارد.
وردّاً على سؤال قال: الأمل مقطوع في أن تتشكّلَ الحكومة قبل عيد الفطر. ومع حلول العيد يعني الدخولَ في عطلة لمدّة أسبوع على الأقل، وفي هذه الحال إن لم ألمس إيجابية في الأيام القليلة المقبلة، فليس هناك ما يَمنعني من أن أسافر بزيارة خاصة لبعض الوقت.
المستقبل: تزخيم
إلى ذلك، توقّعت مصادر في كتلة المستقبل عبر «الجمهورية»، أن تشهد عودة الرئيس الحريري من موسكو تزخيماً لحركة الاتصالات حول الحكومة، التي يفترض ألّا تستغرقَ أكثرَ مِن بضعة أسابيع. ولعلّ عاملَ التسهيل الأساس هو عدم تكبير الطروحات والمطالب التي قد تكون مستعصية على التلبية والتطبيق.
مجموعة عقبات
وكشَفت شخصية سياسية رفيعة لـ«الجمهورية» أنّ مجموعة مِن العقبات ما زالت ماثلةً في طريق التأليف، وهي التي قد تجعل من مهمّة الرئيس المكلّف عندما يبدأ بها شديدةَ الصعوبة، حيث تتوزّع هذه العقبات كما يلي:
عقبة تمثيلِ «القوات اللبنانية»، ومطالبتها بسِتّ وزارات ومنصبِ نائب رئيس الحكومة. وكان اللافت في الساعات الماضية بلوغ العلاقة بين القوات والتيار الوطني حداً كبيراً من عدم الانسجام، خصوصاً في ما خصَّ التمثيل في الحكومة. وبَرز في هذا السياق قولُ رئيس حزب القوات سمير جعجع «لا أحد قادر على إحراجنا لإخراجنا من الحكومة»، مشدّداً على أنّ «القوات لن تقبل بالحصول على أقلّ من حجمها الذي أفرَزته الانتخابات في الحكومة العتيدة».
عقبةُ تمثيلِ التيار الوطني الحر، ومطالبتُه بالحصّة المسيحية شِبهِ الكاملة في الحكومة الجديدة.
عقبة الحصّة الرئاسية، التي تبدو وحدها التي حسِمت حتى الآن، على اعتبارها أنّها كما يصفها التيار الوطني الحر «حصّة ميثاقية تعويضية عن الصلاحيات الرئاسية التي انتزَعها اتّفاق الطائف.
عقبة التمثيل الدرزي التي تبدو محسومةً للحزب التقدّمي الاشتراكي باعتباره يملك كلّ التمثيل الدرزي تقريباً في مجلس النواب باستحواذِه على 7 من أصل 8 نوّاب دروز في المجلس. إلّا أنّ هذه العقبة ما زالت قيد التجاذب الشديد على المستوى الدرزي وكذلك بين الحزب الاشتراكي وبين حلفاء جُدد للتيار الوطني الحر.
عقبة التمثيل السنّي، وكيفية اختيار أسماء الوزراء قبل الحقائب، وهل سيقتصر التمثيل على سنّة تيار المستقبل أم أنّه سيَشمل سنّةً من خارج التيار وتحديداً من قبَل النواب السنّة الذين فازوا في الانتخابات وغالبيتُهم من سنّة 8 آذار؟
إستنساخ الحكومة السابقة
في هذا الجو، عبّرت مصادر معارضة عن تشاؤمها حيال مستقبل الوضع الحكومي. وقالت لـ«الجمهورية»: المضحك المبكي على خط التأليف، هو تكرار طبّاخي الحكومة بوعودهم بحكومة ستركب الموج لإنقاذ البلد، وأنّها ستكون عبرةً يُشهَد لها في نقل البلد من مرحلة الأزمات المظلمة إلى مرحلة الحلول المضيئة. وستقدّم للناس الإنجاز تلو الآخر، فمَن يسمع هؤلاء يظنّ نفسه وكأنّه يعيش في المدينة الفاضلة، ولكنّ كلامهم في جانب والواقع والحقيقة في جانب آخر، إذ إنّ وعودهم تنتفي صلاحيتُها مع حقيقة أنّ جلَّ ما يسعى إليه أصحاب الطبخة الحكومية هو استنساخ الماضي لا أكثر ولا أقلّ، والوصول فقط إلى أمرٍ واقع تولد فيه حكومة تشبه سابقاتِها في كلّ شيء. والحقيقة المرّة تتبدّى في أنّ الجميع من دون استثناء متّفقون على أنّ الحكومة التي سيولدونها، هي حكومة أقلّ مِن عادية يُطلب منها أكثر من استطاعتها.
السفير الفرنسي
على صعيد سياسي آخر، التقى رئيس الجمهورية، أمس، السفيرَ الفرنسي برونو فوشيه، وعلمت «الجمهورية» أنّ اللقاء تناوَل القضايا المحلّية والإقليمية، وأشار فوشيه إلى متابعته الدقيقة للوضع اللبناني، وأنّ هناك لجنة متابعة لمؤتمرَي روما 2 وسيدر 1، وأنّ بلاده تدعم المراحل التنفيذية لهذين المؤتمرَين، وملتزمة دعمَ الجيش والقوى الشرعية، وتعمل لترجمة مقرّرات المؤتمرَين وأنّ الالتزام تجاه لبنان مستمرّ.
كارثة من صنع الإهمال
حلّت الكارثة أمس في بلدة رأس بعلبك البقاعية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة. وأدّت السيول الجارفة التي اجتاحت المنطقة إلى أضرار في الأرواح والممتلكات والمزروعات.
وفي حين بدت الكارثة للوهلة الأولى وكأنّها من نتاج الطبيعة الغاضبة والأمطار الغزيرة، تبيَّن بعد التدقيق أنّها نتيجة الإهمال، وعدم مبادرة الدولة إلى معالجة الأزمة التي كانت واضحة ومعروفة منذ فترة.
وفي هذا السياق، اتّضَح أنّ السيول الجارفة هبَطت بشكل مفاجئ على البلدة من الجرود، في حين لم تشهد البلدة هطولَ أمطار، لكنّ المياه تجمَّعت في الجرود نتيجة الأمطار هناك، واتّجهت على شكل سيول نحو المنازل والمتاجر، وأخذت في طريقها المزروعات.
وكشَف النائب أنطوان حبشي لـ«الجمهورية» أنّ هذه الكارثة سبقَ وحصَلت بأضرار أقلّ منذ نحو أسبوعين، «ولدى تفقّدِنا للمنطقة حذّر رئيس بلدية رأس بعلبك من أنّ تجدُّد تكوُّنِ السيول الجارفة ستكون له نتائج أسوأ على سكّان المنطقة، وهذا ما حصَل بالفعل. لذا نحن نشدّد على معالجة أسباب المشكلة وليس نتائجها فقط». (تفاصيل ص 10 – 11)
الأخبار
هل يكرّر حزب الله تجربة فؤاد شهاب؟
برّي: لا حقائب لديّ للتنازل عنها
جنبلاط وحصة الدروز في الحكومة: توريث آمن لتيمور
في الحادي والعشرين من آذار، ولمناسبة إطلاق البرنامج الانتخابي لحزب الله، أطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ليقرع ناقوس الخطر: «نحن في مرحلة خطرة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وصار لزاماً على الجميع أن يتعاطوا مع قضية مكافحة الفساد في جميع مؤسسات الدولة باعتبارها أحد أهم أسباب دفع البلد إلى الكارثة». وقال: «نحن ملتزمون أن نُبقي تنظيمنا وحزبنا نظيفاً وغير متورط بأي فساد أو هدر». في الخامس والعشرين من أيار، ولمناسبة عيد التحرير، أعلن نصرالله عن تكليف النائب حسن فضل الله بمسؤولية إدارة هذا الملف «الذي سيشكل مركز الإسناد والتخطيط وجمع المعطيات وتقديم الاقتراحات».
في معركة تحرير الأرض، اعتمد حزب الله مجموعة من التكتيكات القتالية، أوصلته في الخامس والعشرين من أيار عام 2000، إلى تقديم تجربة غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي. تجربة التحرير وطرد الاحتلال بالقوة، وتكريس الهزيمة الإسرائيلية من دون إراقة الدماء، بعكس ما كان العدو يريدها لحظة فوضى وانتقام.
في عيد التحرير الثامن عشر، اختار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أن يضع معركة مكافحة الفساد في خانة القضية الوطنية الكبرى (المرتبة الثانية عملياً بعد مواجهة الاحتلال والإرهاب).
أسئلة كثيرة تبادرت إلى أذهان كثيرين: هل تأخر نصرالله في حمل راية هذه المعركة. وهل استشرى المرض في الجسم، فصار علاجه صعباً… وصار الموت حتمياً. هل فرصة الإنقاذ موجودة في ظل صعوبات اقتصادية ومالية واجتماعية تهدد بانهيار البلد. ماذا يعني أن تنجح مقاومة في تحرير أرضها من الاحتلال ومقارعة الإرهاب في لبنان وسوريا، وعندما يحين أوان استراحة المقاتل، لا يجد حجراً يركن إليه ولا بشراً يتعرفون عليه؟
بين 2000 و2018 ماذا تغير؟
بعد عام 2000، أطلق حزب الله ورشة نقاش داخلي، تشبه إلى حد كبير أدبيات اليسار اللبناني منذ سنوات: تلازم التحرير والإصلاح (التغيير عند اليساريين). لم يقتصر الأمر على الداخل. في لقاء عقد بين السيد نصرالله والرئيس بشار الأسد، ولم يكن قد مضى على توليه مقاليد السلطة سوى فترة قصيرة، طُرحَ الأمر بينهما، وأن يكون الرئيس إميل لحود شريك المقاومة، في هذه المعركة. وقتذاك، كان المناخ إيجابياً، بمعزل عن تجربة لحود بصدق خياراته الوطنية التي قابلتها إخفاقات داخلية كبيرة. إلى أن جاء الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003 وصدر القرار 1559 عام 2004 وقتل رفيق الحريري عام 2005، فكان أن وُضعَ لبنان على خط الزلزال السياسي والمذهبي والطائفي… ولا يزال حتى يومنا هذا.
في المرحلة الفاصلة بين انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، وبدء ولاية الرئيس ميشال عون، كان حزب الله، يشهد نقاشات غير ممنهجة، تبدت أولى ملامحها في مداخلات عدد من نواب كتلة الوفاء للمقاومة وإمساك لجنة الاتصالات التي يرأسها النائب حسن فضل الله بعدد من الملفات التي تندرج بمعظمها في خانة الفساد السياسي والأمني والمالي.
البلد ينهار بين أيدينا… ماذا نفعل؟
بدا بالنسبة للبعض أن الدولة صارت فجأة تعني حزب الله. الحزب الذي طالما تعرض للاتهام بأنه صار «دولة ضمن الدولة»، لم يتردد في إبداء حرصه، على فكرة الدولة. هو تراكم كان أحد تعبيراته قول السيد نصرالله غداة حرب تموز 2006 أن الدولة الظالمة أهون من اللادولة. حتى في موضوع المقاومة، لطالما كرر الأمين العام لحزب الله أن المقاومة حملت راية التحرير عندما تخلت الدولة عن أرضها وناسها، وعندما تكون هناك دولة قوية وقادرة وعادلة، تصبح هي مرجعية الناس وملاذهم الأول والأخير.
سؤال الناس متصل بالتوقيت. هذه مسألة محقة. قبل سبع سنوات، توجه مرجع سياسي كبير بسؤال محدد إلى السيد نصرالله: هل نضع أولوية مكافحة الفساد عنواناً وحيداً للبيان الوزاري للحكومة الجديدة (حكومة الرئيس نجيب ميقاتي)؟ فأجابه السيد: هذه ليست أولويتنا في هذه اللحظة. الأولوية لتجميع حلفاء وأصدقاء. بالطبع، كان البلد، في تلك اللحظة، عالقاً بين سندان أزمة داخلية صعبة وبداية أزمة سورية مفتوحة على احتمالات كبيرة وكثيرة.
إذن التوقيت صار مناسباً. وهو توقيت سياسي واقتصادي ـ مالي بامتياز. وجود عهد على رأسه العماد ميشال عون. وجود مجلس نيابي محكوم بلعبة أكثرية وأقلية متحركة وفق العناوين. وجود حكومة محكومة بقواعد اللعبة نفسها. قوة ضغط دولية من أجل إطلاق برنامج إصلاحي إقتصادي – مالي، ولو كانت أهدافه مختلفة. استشعار جميع أهل القرار الاقتصادي بأن قدرة النظام على تمديد حياة «النموذج» تكاد تستنفذ، وبالتالي، «رح يوقع البلد بين أيدينا»، فهل «نقف مكتوفي الأيدي ومجرد متفرجين»؟
ما عجزت عنه الشهابية يتنطح له حزب الله
لن يقبل حزب الله بأن يخوض معركة إقليمية ينتصر فيها على الإرهاب، ولا يجد المقاومون في النهاية سوى ركام بلد قاتلوا لأجله حتى في ساحات، لم يكن يتوقع أحد أن يكونوا فيها، وما زالوا يقدمون كبير التضحيات…
ولكن خوض المعركة، ولو متأخرة، ضد الفساد، لن يبقي للحزب صديقاً أو حليفاً. وفي المعركة ضد الفساد، ستجد لا دولة. ستجد نظاماً طائفياً قائماً على الزبائنية السياسية. أركانه ثابتة. حتى فؤاد شهاب نفسه كفر بهذه الدولة التي حاول إصلاحها. شرح في بيان عزوفه التاريخي عن الترشيح للرئاسة في عام 1970 أن تجربته في السلطة أقنعته بأن شعبه ليس جاهزاً للتخلي عن العقلية الإقطاعية والاقتناع بأهمية الدولة الحديثة.
لم يتغير «الشعب» بل تبدلت وجوه الاقطاع. سنة بعد سنة، ابتعد لبنان سنوات ضوئية عن فكرة الدولة. لذلك، يصبح السؤال البديهي: هل يمكن للحرب ضد الفساد أن تنتصر إذا تم تأبيد هذا النظام الطائفي ولم تفتح نوافذ الإصلاح والتغيير الحقيقية؟
في المعركة ضد الفساد، تفتقد الوعاء الحاضن. أين الهيئات الرقابية والقضاء المستقل، وقد بلغ الفساد صميم هذه البنى الإصلاحية التي ورثناها من العهد الشهابي، وحاولت العهود من مطلع السبعينات حتى يومنا هذا، تهشيمها وتقزيمها حتى صارت مجرد هياكل أو أشباح.
وزير شاطر أم فاسد؟
في المعركة ضد الفساد، يقول مرجع كبير إن أحد الوزراء «شاطر بامتياز». تسأله عن مكمن الشطارة وهو بالنسبة لآخرين «فاسد بامتياز»؟ يجيب المرجع نفسه أنه حاول طيلة سنوات أن يجد دليلاً واحداً يدين هذا الوزير ولكنه لم يجده حتى الآن. صارت «الشطارة» بالسرقة والفساد من دون ترك بصمات وهذه «مهنة» بحد ذاتها، سواء أكان اسمك رئيساً أو وزيراً أو نائباً أو مديراً عاماً أو موظفاً من أية فئة كانت.
في المعركة ضد الفساد، ثمة مافيات مصرفية وعقارية موجودة في صلب السلطة. قبل شهور قليلة، وفي إحدى جلسات مناقشة تمويل سلسلة الرتب والرواتب، كاد نصاب الهيئة العامة للمجلس النيابي يطير. لكن، ما إن بدأ نقاش الضرائب المفروضة على القطاعين المصرفي والعقاري، حتى توافد النواب، واحداً تلو الآخر، لإسقاط هذه الضرائب. النواب هم أعضاء مجالس إدارات في مصارف أو في شركات تطوير عقاري أو وكلاء (محامين) عنهم أو شركاء بالمباشر في الرساميل، وبطريقة سافرة جداً.
في المعركة ضد الفساد، توجد بنية أمنية تتواطأ أحياناً ضد مصالح الدولة. حتى مفهوم الأمن القومي، يختلف بين جهاز وآخر. تكفي قضية الإنترنت غير الشرعي وشبكة الباروك وتنصت الأجهزة والتجسس الإسرائيلي والاتفاقية الأمنية الشهيرة بين قوى الأمن الداخلي والأميركيين، للتدليل على حجم الاختراق وانحراف دور بعض الأجهزة الأمنية.
مافيات في كل الزوايا
في المعركة ضد الفساد، بنيان طويل عريض يحتاج إلى تدمير. صار راسخاً في أذهان عامة الناس، بأن لا معاملة تمر من دون مقابل. أبسط حقوق الناس عرضة للابتزاز. نتحدث هنا عن المياه والكهرباء والهاتف. أين تبدأ المافيات وأين تنتهي. مافيا المولدات الكهربائية، مافيا الفانات، مافيا المياه، مافيا المخدرات، مافيا الأدوية، مافيا اللحوم والأطعمة الفاسدة، مافيا الطحين الفاسد ومافيا البلديات التي تشرع مجاريها على أنهار كالليطاني تروي معظم خضار وفواكه اللبنانيين، فتتكشف سنوياً أرقام خيالية للمصابين بمرض السرطان وغيره من الأمراض المستعصية؟
في المعركة ضد الفساد، تجد مافيا في المدرسة والجامعة والضمان والمستشفيات. حتى المافيا موجودة في المقابر والمآتم واحتكار حفلات الأعراس. في البحر والنهر والجبل والهواء. مرامل وكسارات وانتهاكات غير مسبوقة للملك العام والمشاعات.
لا يأتي طرح الأسئلة والعناوين من زاوية تيئيس الناس بأن محاربة الفساد هي مهمة من رابع المستحيلات. بل للقول إن حزب الله، وتحديداً أمينه العام، يدرك حجم المهمة التي أخذها على عاتقه شخصياً وأوكل أمرها إلى فريق حزبي متخصص بقيادة النائب حسن فضل الله الذي صار اسمه ملازماً لطرح عناوين تصب في خانة معركة مواجهة الفساد.
البعض لم يتردد في إبلاغ حزب الله بصراحة: «هذه آخر خرطوشة، فإذا لم ينجح الحزب في معركة حماية الداخل وبيئته الحاضنة اجتماعياً، الله يرحم لبنان، وليبحث كل واحد منا عن وجهة للهجرة».
إستراتيجية لمحاربة الفساد
منذ ثلاثة أسابيع، لا تهدأ ورشة التحضيرات الحزبية. الفريق الداخلي قيد التكوين وسيكون قابلاً للتمدد تبعاً لما يتشعب من ملفات. الأولوية للخبراء والمتخصصين. سيكون للفريق مقره، أي عنوانه الذي يقصده الناس ويتواصلون مع العاملين فيه. ليس المقصود أن يتحول صندوق شكاوى. هذه ليست مهمة الفريق أو المكتب. الأولوية هي للملفات الكبرى. ليس المطلوب فتح ملف دركي أو موظف يقبض رشوة على مخالفة، ولا فتح ملف بلدية تهدر مالاً. الفريق المكلف بصياغة إستراتيجية لمحاربة الفساد سيضع خطة ويبدأ عملية تجميع الملفات، شرط أن تكون موثقة بالكامل ولا يشوبها عيب من أي نوع كان.
هذه الورشة يفترض لا بل من واجب كتلة الوفاء، أن تواكبها بضخ اقتراحات قوانين يتولى الدفع بها الفريق الوزاري أو النيابي الحزبي، سواء باتجاه السلطة التنفيذية أم التشريعية… على سبيل المثال لا الحصر، يجري نقاش حول آلية التوظيف في مؤسسات الدولة كلها، من أمنية وعسكرية وإدارية. نقاش يدعو إلى حصر هذه الآلية بمجلس الخدمة المدنية. بعض المؤسسات العسكرية والأمنية بدت متحمسة للفكرة. الامتحانات الصحية والرياضية تجريها هذه المؤسسات، أما الخطية، فيتولاها مجلس الخدمة. هذه نقطة جوهرية لتكريس معيار الكفاءة، ولا تتعارض مع ضرورة أخذ التوازن الطائفي في الاعتبار.
الشراكة حتى في الإدارات العامة
هي معركة بكل معنى الكلمة، وحتما لا بد من شركاء في خوض غمارها. من أقرب الحلفاء إلى أبعد الأخصام، وبينهما أصدقاء وقطاعات ونقابات مهن حرة وتشبيك حيث يلزم مع كل الأطر التي تريد الانخراط في هذه المعركة. لا أحد بوارد فتح ملفات قديمة، سواء عمرها من عمر الاستقلال أو من عمر جمهورية الطائف.
بعد تأليف الحكومة ونيلها الثقة، واستكمال ورشة اللجان النيابية، يفترض بالفريق الحزبي أن يحدد «ساعة صفر»، سيكون حضور وزراء حزب الله في الحكومة، جزءاً لا يتجزأ منها. للمرة الأولى، سيضع الحزب يده على حقيبة خدماتية وازنة، بحسب الاتفاق مع رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، ما يعني أن هذه التجربة يجب أن تفرض نفسها أمام الجمهور العريض، خصوصاً بالشفافية وعدم الاستنساب والحرص على المالية العامة وتقديم أفضل خدمة للناس بأوفر وأقل سعر ممكن. أن يكون حزب الله في بطن الدولة ومؤسساتها، وقريباً جداً في صلب إداراتها العامة بالشراكة الكاملة مع حركة أمل، هذا ليس ترفاً، إنما يضاعف قيمة التحدي. تحدي تحويل معركة محاربة الفساد إلى إستراتيجية وطنية. تجربة وزارية منشودة يفترض أن يواكبها الفريق النيابي، برفع الصوت في الهيئة العامة والامساك بملفات ومتابعتها حتى تصل إلى خواتيمها.
المطلوب تحميل القوى السياسية مسؤولياتها، طالما يتباهى معظمها بحمل راية محاربة الفساد. هي قضية رأي عام أيضاً من خلال تكثيف حضور الحزب في وسائل الإعلام، على أنواعها، كما في وسائل التواصل الاجتماعي.
لا أوهام عند حزب الله
لا أوهام عند حزب الله بأن محاربة الفساد أو تفعيل عجلة الدولة يحتاج فقط إلى كبسة زر، فقد أثبتت تجربة الفراغ والتعطيل، الحكومي أو المجلسي، أنها صنو الفساد واستغلال السلطة، بحيث يخرج كثيرون عن الأصول الدستورية أو القانونية أو الإدارية، ما يعني أن محاربة الفساد لا تكون إلا من ضمن الدولة وبمنطق الدولة نفسها، لا بمنطق الجزر والمربعات أو المعسكرات.
الأساس أيضاً أن يحاول حزب الله التوفيق بين عدم تهاونه في هذه المعركة وبين عدم انعكاس هذه الحماسة السياسية، على طبيعة علاقته بحلفاء سواء أكانوا قريبين جداً أو بعيدين. هذه المعادلة كانت موضع مناقشة في كل اللقاءات التي عقدها السيد حسن نصرالله، غداة الانتخابات النيابية.
فضل الله لـ»الأخبار»: هدفنا حماية المال العام
قال النائب حسن فضل الله لـ«الأخبار» إننا في مرحلة التحضير لمعركة مكافحة الفساد «ولم نباشر الخطوات التنفيذية، وأكد أن الملفات التي سنعمل عليها مرتبطة بالمال العام لأن هدفنا حمايته، حماية للدولة ومؤسساتها وحماية للشعب اللبناني كله، وأي ملف سنطرحه سيكون متكاملا ومدققا من جميع النواحي ومدعما بالأدلة والبراهين».
وشدد فضل الله على أنه لا مكافحة للفساد بالتراضي، بل علينا تحويل هذه المعركة إلى قضية وطنية كبرى، يشترك فيها الجميع حكومة ومجلسا نيابيا وقوى سياسية بمعزل عن الإعتبارات السياسية أو الحزبية أو الإجتماعية الضيقة.
وأكد أن الحزب، وفي سياق التحضير، حدد مجموعة من السياسات العامة، وهي ورشة كانت قد سبقت الإنتخابات الأخيرة، ولكن تم تزخيمها في في ضوء خطاب الأمين العام لحزب الله في مناسبة عيد التحرير.
وأكد فضل الله، بصفته مسؤولا للملف، على مجموعة من الضوابط، وأولها أن تكون الملفات التي ستتم مقاربتها موثقة ومستوفية الشروط وليس كيفما كان أو بطريقة إنتقائية، وثانيها، أن تكون هذه القضية وطنية ولا تخص حزبا، وثالثها، أن يكون الهدف هو الحد من الفساد وحماية المال العام ورابعها، تحصين هذه المعركة بسلسلة من القوانين، على قاعدة أن الوقاية خير من ألف علاج، وخامسها، الشراكة مع الرأي العام من دون أن يكون القصد هو خوض معارك إعلامية، «فإذا أمكن أن نعالج ملفا بهدوء لن نتردد في ذلك».
وأوضح فضل الله أن حزب الله سيخوض هذه المعركة من قلب مؤسسات الدولة حماية للدولة، وقال ردا على سؤال إنه ليس في قاموس حزب الله شيء إسمه الهزيمة أو الإنهزام سواء في هذه المعركة أو في غيرها من المعارك.
برّي: لا حقائب لديّ للتنازل عنها
دخلت البلاد ومعها ملف التأليف الحكومي، وملفات أخرى أبرزها مرسوم التجنيس، في إجازة عيد الفطر. الكل ينتظر ما سيحمله معه رئيس الحكومة سعد الحريري الذي سيشارك، اليوم، إلى جانب عدد من رؤساء الدول والحكومات والوفود الرسمية في افتتاح مونديال العام 2018.
ومن المرجح أن يلتقي الحريري على هامش زيارته الروسية بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ظل تقديرات بأن يتوجّها معاً الى الرياض لتهنئة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بحلول عيد الفطر.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد استقبل الحريري في قصر الكرملين، وقال الأخير بعد اللقاء إنه كان يتمنى الانتهاء من تأليف الحكومة قبل عيد الفطر «ولكن كل فريق له طموح وأتواصل مع الجميع لنصل الى نتيجة». وأضاف: «أننا تطرقنا خلال اللقاء إلى العلاقات الثنائية بين البلدين، كما تم البحث مطولاً في ما يخص عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم ومساعدة روسيا في هذا الشأن خصوصاً في شرح القانون رقم 10 الذي مدد لمدة سنة»، مشدداً على وجوب حث النظام في سوريا على شرح هذا القانون!
بري: الصحة لحزب الله
وبحسب ما كشف رئيس المجلس نبيه برّي، فهو متفق مع الرئيس المكلف على ان الحصة الشيعية، بمقاعدها الستة، ستتوزع مناصفة بين حركة امل وحزب الله. ما يتضمنه اتفاق «الثنائي» حصول رئيس المجلس على حقيبة سيادية (المال) ــــ وقد بُتت نهائياً ــــ وحقيبة خدماتية لحزب الله، في الغالب ستكون الصحة. اما الحقائب الاربع الباقية فيقول بري: «نتحدث عنها في وقتها مع الرئيس المكلف».
الا ان برّي يجزم سلفاً انه ليس في وارد تقديم تنازل جديد عن جزء من حصته، او حصة «الثنائي الشيعي»، بعد تنازل اول عن مقعد شيعي في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011 بغية تسهيل توزير سنّي حليف لقوى 8 آذار هو فيصل كرامي، وبعد تنازل ثان في الحكومة الحالية للحريري عام 2016 بالتخلي عن حقيبة الاشغال لتيار المردة تسهيلاً لتأليفها. هذه المرة، يقول برّي: «ليس لديّ حقيبة يمكن التخلي عنها. السيادية عندي والخدماتية عند حزب الله. ليتدبّروا امرهم».
ولا يتردّد رئيس المجلس في ابداء امتعاضه من التباطوء في التأليف: «محركات الحكومة ليست معطلة، بل معطلة ونص. منذ اسبوع لم يطرأ اي تقدّم. نحن على ابواب العيد. اذا انقضى الاسبوع الاول بعد العطلة بلا حكومة، فلن يجدونني هنا، وسأكون في اجازة في الخارج».
مرسوم القناصل الفخريين
وعلى وقع إعطاء الرئيس ميشال عون، في الأيام الأخيرة، إشارات سلبية متكررة، يعبّر فيها عن انزعاجه من عدم وجود جدية في متابعة ملف تأليف الحكومة، خصوصاً من جانب الرئيس المكلف، استقبل الرئيس برّي، أمس، النائب تيمور جنبلاط الذي وضعه في أجواء زيارته ووالده إلى الرياض واجتماعهما بولي العهد السعودي وعدد من المسؤولين السعوديين، وقال جنبلاط إن اللقاء مع بري، «صاحب الدور الوطني وحارس اتفاق الطائف، تميّز بإيجابية نحتاج إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى للنهوض بالوطن».
إلى ذلك، علمت «الأخبار» أن وزير المال علي حسن خليل ينتظر أن يعيد وزير الخارجية جبران باسيل إليه مراسيم تعيين القناصل الفخريين الـ 32 من أجل توقيعهم وإعادة إحالتهم مجدداً إلى رئاستي الحكومة والجمهورية، على أن يصدر باسيل مراسيم لاحقة تؤدي إلى تحقيق التوازن الطائفي في قضية القناصل الفخريين. وقالت أوساط عاملة على خط باسيل – خليل لـ«الأخبار» إن الأول سيحيل الملف إلى وزير المال في غضون اليومين المقبلين.
من جهة ثانية، علمت «الأخبار» أن مراجعات رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية مع المديرالعام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أفضت إلى تكوين قناعة مشتركة بأن مهمة دراسة ملفات مرسوم التجنيس الأخير تحتاج إلى وقت إضافي، وربما يقتضي الأمر تمديد مهمة فرق الأمن العام حتى نهاية شهر حزيران الجاري.
جنبلاط وحصة الدروز في الحكومة: توريث آمن لتيمور
لم يتأخر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في إبلاغ من يعنيهم الأمر، من خصومه وحلفائه على حدٍّ سواء، تمسّكه بالحصة الدرزية الكاملة في الحكومة، أي ثلاثة وزراء دروز في حكومة ثلاثينية، هم من حصة الحزب الاشتراكي… وحده (مقال فراس الشوفي).
وبلا شكّ، فإن الضغوط التي يتعرّض لها جنبلاط، في مسعىً من رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل، لتوزير النائب الدرزي طلال أرسلان، تجعل جنبلاط أكثر تصلّباً وقناعة بقطع الطريق أمام تحقيق «العهد» أي مكاسب على الساحة الدرزية، خصوصاً في ظل استشعاره أن هناك من يحاول قبل الانتخابات وبعدها اللعب في «البيت الدرزي الداخلي».
وفيما كان من الممكن أن يدعم الحريري، أو يتساهل مع مطالب عون بمنح إحدى الحقائب الدرزية لأرسلان، حسمت زيارة جنبلاط إلى السعودية موقف الحريري، الذي بحسب المعلومات، أبلغ أكثر من معني خلال اليومين الماضيين تأييده لمطالب جنبلاط «المحقّة» في الحصول على الحقائب الدرزية كاملةً، طالما أن جنبلاط فاز بغالبية المقاعد النيابية الدرزية. وبذلك، يصبح جنبلاط متسلّحاً بتأييد الحريري والرئيس نبيه برّي، الذي يقف مع حليفه التاريخي «ظالماً كان أم مظلوماً»، فيما يبدو حزب الله، خصوصاً بعد الاجتماع القيادي الأخير المشترك بين الطرفين، قد قطع شوطاً في علاقة بعيدة المدى من التفاهم مع جنبلاط، مع احتفاظ الأخير بهامش سياسي واسع. وزاد الطين بلّة، تأزم علاقة أرسلان بحلفائه في قوى 8 آذار أوّلاً، ومع بري ثانياً، وثالثاً، بعد افتعال كتلة «ضمانة الجبل» من نواب في التيار الوطني الحر ليرأسها أرسلان، وتخريج الأمر بصورة تحدٍّ لجنبلاط في الجبل من «القوّة المسيحية» المستجدّة، في خطوة تزيد من قوّة جنبلاط في الساحة الدرزية لا تضعفه.
أكثر من سيناريو/ عرض تمّ تداوله لإقناع جنبلاط بتوزير أرسلان، وأوّلها منح جنبلاط حقيبة مسيحية لكاثوليكي، في عمليّة مقايضة مع رئيس الجمهورية؛ وفي سيناريو آخر، توزير مروان أبو فاضل (أورثوذكسي)، في وزارة الدفاع. غير أن جنبلاط بقي على موقفه، من دون أي تراجع. وفي طرح مضاد، يجري الحديث، في حال استمرار إصرار رئيس الجمهورية، على توسيع حصّة الدروز في الحكومة، من ثلاثة وزراء إلى أربعة، بعد أن كسر بري وحزب الله القاعدة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ومنحوا النائب فيصل كرامي حصّة وزارية موسّعين بذلك التمثيل السّني من ستة وزراء إلى سبعة، على حساب مقعد شيعي، وهو الأمر الذي لا يحتمله عون. وفي حال حصوله، لَعَدّه جنبلاط مكسباً له على حساب العهد، بتوسيع حصّة الدروز «تحت الضغط».
هي المرّة الأولى التي يضع فيها جنبلاط «فيتو» من هذا النوع على أرسلان، بعد سنوات من «الخصومة» المضبوطة تحت سقف «وحدة الطائفة» وتوزيع الأدوار، في سياسة درزية تقليدية تظهر في أوضح صورها بالمقعد الفارغ الذي تركه جنبلاط لأرسلان في عاليه، وفي عدم خروج أرسلان عن مواقف جنبلاط في اللعبة الداخلية اللبنانية حيال تأليف الحكومات وتوزيع الحصص بين الطوائف. إلّا أن التطوّرات الأخيرة، تدفع جنبلاط إلى هذا التعنّت، لأسباب كثيرة. أوّلاً، خروج أرسلان إلى مرحلة المواجهة مع جنبلاط في لحظة هجوم عون وباسيل عليه، وفي لحظة صعود «ماروني» مستجدّ يذكّر بالصراعات القديمة بين الطائفتين في الجبل. ثانياً، حاجة جنبلاط إلى عبور آمن لتوريث تيمور، لا يحضنه سوى شدّ عصب درزي، مهما توسّعت التحالفات السياسية الأخرى، في مرحلة يكاد يكون فيها جنبلاط بلا حاضن خارجي أو إقليمي. ثالثاً، على رغم اقتناع جنبلاط بضرورة حيازة كتلته على نوّاب مسيحيين وسنّة، يكونون امتداداً للزعامة الجنبلاطية في الطوائف الأخرى، إلّا أن رئيس الاشتراكي، يدرك تماماً مآل الأمور في البلاد نحو فرز طائفي ومذهبي، تعمّد في القانون الانتخابي الجديد، أو كما يراه جنبلاط: قانون «أورثوذكسي مقنّع»، وبالتالي، فإن التركيز على العمل في الساحة الدرزية، يعني حتماً قطع الطريق على أي قوى أخرى، خصوصاً إذا كانت تتسلّح بدعم «العهد»، الذي انطلق منذ بداياته، بمواجهة جنبلاط.
«الإشتراكي»: ما هي قصة فريد بجاوي؟
أعلن الحزب التقدمي الإشتراكي أنه سيقدم طعناً بمرسوم التجنيس أمام مجلس شورى الدولة «إلتزاماً بالموقف الذي سبق أن أصدره حيال هذا الملف ــــ الفضيحة».
وحذر من أنه «بالرغم من الضغط السياسي والشعبي، لا تزال الدوائر المعنية تتكتم حول حقيقة وأسباب منح الجنسية اللبنانية لهؤلاء، ومن رشحهم لنيلها، وما هي المعايير والأسباب الموجبة لذلك، لا سيما أن بعض الأسماء تثير الكثير من التساؤلات والشبهات». وتوقف «الإشتراكي» عند إسم الفرنسي من أصل جزائري «المدعو فريد بجاوي الذي يقال أنه متهم بسرقة أكثر من ملياري دولار من الجزائر، وأنه أحد الضالعين بفضيحة سوناطراك»، وسأل «هل هذا هو المستوى من الناس الذين يشرفون لبنان بمنحهم الجنسية؟ وهل ينقص لبنان المزيد من الفساد ليستورد أبطال الصفقات المشبوهة»؟.