تراوح الحركة السياسية تحت عناوين "التهدئة"، وآخرها كان زيارة النائب السابق وليد جنبلاط إلى رئيس الجمهورية. وكأن السؤال عن تشكيل الحكومة الجديدة وموعد إعلانها لم يعد الشاغل الأول للمعنيين، على كثرة الأصوات التي ترتفع مطالبة بالإسراع في الإجابة. ورجحت مصادر سياسية بارزة أن تكون "جبهة 14 آذار الجديدة" التي تضم حالياً، إلى جنبلاط، كل من الرئيس سعد الحريري و[العميل “الإسرائيلي” السابق] سمير جعجع، قد قررت أن تمد خيوط المماطلة في حل العقد الحكومية. وقالت إن "تريو العرقلة" ينتظر "وفاء" الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصعيد حرب العقوبات الإقتصادية على إيران. ولفتت إلى أن الرئيس حسن روحاني رد على نظيره في واشنطن بالإعلان عن تمسك طهران بمعادلة الأمن النفطي المتبادل، فإذا لم تصدر إيران نفطها فلا أحد في الخليج العربي سيتمكن من تصدير نفطه …
البناء
إيران تهدّد بإقفال مضيق هرمز أمام الصادرات النفطية إذا حُرمَتْ من بيع نفطها
جنبلاط وباسيل يؤكدان التّمسّك بالمواقف من عُقَد التأليف… واللقاءات للتهدئة
فيما فشلت مساعي التوصل لتسوية تنهي القتال في جنوب سورية، بتسليم الجماعات المسلّحة لسلاحها، وتسهيل انتشار الجيش السوري حتى الحدود الأردنية، ودخوله أحياء مدينة درعا وقرى وبلدات ريفها، عادت المعارك إلى الواجهة كخيار وحيد لحسم المشهد، بينما تبدو واشنطن خلف الكواليس تلعب لعبة كسب الوقت لبلوغ قمة هلسنكي بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، قبل أن يكون الوضع في جنوب سورية قد حُسِم.
استحقاق ثانٍ يداهم مفكرة الرئيس الأميركي يتصل بكيفية تصرّف إيران تجاه العقوبات الأميركية في حال فشل أوروبا بتقديم الضمانات اللازمة التي تطلبها إيران للبقاء في قلب التفاهم النوويّ. والضمانات تعني هنا بوضوح إحباط المسعى الأميركي لحرمان إيران من تسويق نفطها، وحرمانها من موارد العملات الصعبة والتبادل المصرفي. وفشل أوروبا بات يعني وفقاً للمواقف التي أطلقها الرئيس الإيراني وقادة الحرس الثوري، والجنرال قاسم سليماني، ما هو أبعد من عودة إيران للتخصيب المرتفع لليورانيوم، بعدما صار إغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط التي تخرج بقرابة عشرة ملايين برميل يومياً من الخليج، موضوعاً على الطاولة كواحد من الإجراءات التي قد تسلكها إيران، ما يضع إدارة الرئيس الأميركي أمام تحدٍّ فوري، في ظل مبادرته لإعلان الحرب التجارية والمالية على إيران، باستخدام نقاط القوة التي تتموضع فيها مصارفه في النظام المالي العالمي، مقابل تهديد إيراني بالردّ باستخدام نقاط قوتها التي تتموضع فيها جغرافيتها في الممرات المائية الحيوية لنقل الطاقة.
من ضمن الانتظارات التي تفرضها قمة هلسنكي تبدو الانتظارات اللبنانية لمصير الحكومة الجديدة، مع المواقف الصادرة عن الأطراف المعنية بالعقد الحكومية، حيث تبدّدت بسرعة مناخات التفاؤل التي انطلقت مع لقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بكل من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. فجاء كلام جنبلاط بعد لقائه عون عن التمسك بالمواقف السابقة تجاه التشكيل الحكومي، مشابهاً لمواقف أطلقها رئيس التيار الوطني الحرّ وزير الخارجية جبران باسيل ليلاً تجاه التمثيل القواتي والاشتراكي.
باسيل لـ«القوات»: اتفاق معراب ليس لائحة طعام
لا جديد على الصعيد الحكومي حتى الساعة، فكل اللقاءات والاتصالات السياسية لم تفض الى النتائج المرجوة، فلا يمكن التعويل على تواصل التيار الوطني الحر و»القوات اللبنانية» من منطلق أن رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل مصرّ على موقفه تجاه الحصة «القواتية»، وبينما الأخيرة قد ألغت من حساباتها نيل حقيبة سيادية، يبدو أن باسيل أراد يوم أمس، نقلاً عن مصادره «زكزكة» رئيس «القوات» سمير جعجع بالإشارة الى أن وزارة الدفاع لا يمكن أن تُسند الى «القوات» طالما أن قيادة الجيش لديها حساسية تجاه معراب، مع لفت المصادر الى أن زيارة جعجع الى بعبدا تزامنت مع خروج قائد الجيش العماد جوزيف عون من لقائه مع رئيس الجمهورية متجنباً اللقاء بجعجع. علماً أن موقف التيار الحر كان يرفض في السابق أن تُسند هذه الحقيبة لـ «القوات» لأن حزب الله أيضاً يرفض ذلك.
وقبيل لقائه المرتقب مع جعجع الأسبوع المقبل، أجرى باسيل جردة حساب مع «القوات» منذ اتفاق معراب وتجربة الحكومة الحالية، وقال «اتفقنا في معراب على المقاعد المسيحية مع الأخذ بعين الاعتبار الآخرين ومنها حصة الرئيس، واتفاق معراب كلّ متكامل، أساسه سياسي بأننا مشروع واحد قائم على إعلان النيات والعمل سوياً ومن ضمنه التوزيع الوزاري والتعيينات والانتخابات، ومع فكرة أساسية بأننا فريق سياسي واحد داعم للعهد، وأساس هذا الاتفاق قد اهتزّ».
وفي حديث لبرنامح «بموضوعية» عبر الـ «أم تي في» أضاف: «أين كانت القوات في أزمة الحريري؟ وهل هذا دعم للعهد؟». مشدداً على أنه بالنسبة الينا المصالحة المسيحية على المستوى الشعبي لا عودة عنها ولهذا تحمّلنا الإساءات والظلم». ورأى أن «اتفاق معراب ليس لائحة طعام نختار منها ما نشاء».
وقال: «بحسب التوزيع المعمول به لا يحقّ للقوات الا بثلاثة وزراء، لكن نحن لم نقل إننا لا نقبل بأن ينالوا أربعة، أما إذا طالبوا بخمسة فيصبح حق التكتل عشرة، لأن حجمنا هو الضعف، ولكن أكرر أن التفاهم السياسي هو الأهم وعلى أساسه نعطي مما هو حق لنا، كما فعلنا في السابق بإرادتنا وليس بالفرض».
وعن اتهام الحزب الاشتراكي لباسيل بالتدخل في الحصة الدرزية، قال باسيل: «لا يمكن اتهامنا بالتدخل في الشأن الدرزي، لأننا نطالب بتوزير شخص درزي بينما هناك مسيحيون في كتلته. وكل ما في الأمر ان الوزير ارسلان ترأس لائحة فاز منها أربعة نواب يحق لهم ان يتمثلوا في الحكومة، وربط تمسك جنبلاط بتوزير ثلاثة دروز اشتراكيين بالفيتو الميثاقي في المستقبل يصعب الأمور. والحلول في الموضوع الحكومي سهلة، لكن تحتاج لبعض الهدوء».
جنبلاط من بعبدا: متمسّك بموقفي ولن أتراجع
وكان رئيس الجمهورية قد واصل أمس، مساعيه لتثبيت التهدئة الإعلامية وتحضير الساحة السياسية لتسهيل مهمة تأليف الحكومة، فبعد لقائه جعجع، التقى أمس، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في قصر بعبدا.
وإن كانت زيارة جنبلاط الى بعبدا تحمل معاني إيجابية في الشكل على صعيد العلاقة بين بعبدا والمختارة بعد الفتور الذي شابها خلال مرحلة الانتخابات النيابية وعقب تصريح جنبلاط الشهير بأن «العهد فاشل»، إلا أنّه لا يمكن تحميلها أكثر مما تحتمل حكومياً لا سيما أن اللقاء لم يتعد في مضمونه أكثر من تثبيت وحدة الجبل وتهدئة الجبهة الإعلامية على خط بعبدا وميرنا الشالوحي كليمنصو وتهيئة الأرضية الملائمة لإعادة إطلاق جولة جديدة من المفاوضات والمشاورات لولادة طبيعية آمنة للحكومة بعد عودة المعنيين بالتأليف الى لبنان من إجازاتهم الخاصة، لا سيما الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس المجلس النيابي نبيه بري والوزير باسيل، وتجنّب الولادة الفجائية والقسرية أو القيصرية، كما أشار القيادي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش.
ولم يَقُل جنبلاط في تصريحه بعد اللقاء مع عون الذي دام ثلث ساعة، ما يوحي بحل العقدة الدرزية، لا سيما وأنهما لم يدخلا في تفاصيل التأليف وبحصة الاشتراكي، لكن رسائل جنبلاط كانت كافية بفصل علاقته مع عون عن علاقة حزبه والتيار الحر، ومن جهة أخرى التمييز بين توافقه مع عون على الهدنة والحوار وبين التنازل عما يعتبره الاشتراكيون حقهم في التمثيل الدرزي في الحكومة.
وحافظ جنبلاط على سقف مواقفه السياسية وفي مسألة التشكيل، بقوله إنه لن يتراجع عن كلمته بأن العهد فاشل، لكنه استدرك الأمر، وقال إنه لا يشمل كل العهد في إشارة الى الوزير باسيل. ولم يغادر رئيس الاشتراكي بعبدا من دون توجيه رسائل إلى باسيل، حيث ردّ جنبلاط على سؤال عما إذا كان عون قد أحاله الى باسيل كما فعل مع جعجع، بالقول: «أكتفي بلقاء عون»، ما يعني رفضه اللقاء مع باسيل.
وقال جنبلاط بعد اللقاء «في كل جلسة ألتقي فيها الرئيس عون، ألمس حرصه الشديد على وحدة الجبل خصوصاً ووحدة لبنان. وأطلب شخصياً من الرفاق والمناصرين تخفيف حدة اللهجة، والتفكير كما الرئيس عون، بحل المشاكل الكبرى الأساسية ومنها سبل تخفيف العجز ووضع خطة إنمائية من أجل خلق فرص عمل، ويبدو أنه تم البدء بوضع مثل هذه الخطط». واشار رداً على سؤال وعما اذا كان لا زال مصراً على تسمية الوزراء الدروز الثلاثة في الحكومة، أجاب «نعم، لانه نتيجة الانتخابات، اعطانا التصويت الشعبي والسياسي هذا الحق. قد نسقط كلنا في الانتخابات المقبلة».
وبعد اللقاء سجّل خرق للهدنة الجنبلاطية العونية، حيث دعا اللقاء الديموقراطي بعد اجتماعه الأسبوعي برئاسة النائب تيمور جنبلاط في كليمنصو، «المعنيين الى تذليل العقد وإزالة العقبات، وإقلاع البعض عن أسلوب المماطلة ومحاولة فرض معادلات تضرب وحدة المعايير وتهدف الى محاصرة بعض القوى السياسية وتحجيم دورها وفِي مقدمها اللقاء الديمقراطي. ويدعو اللقاء إلى احترام نتائج الانتخابات وتوحيد المعايير ومراعاة حجم التمثيل الحقيقي للقوى والأحزاب». فردّ النائب زياد أسود في تصريح عبر مواقع التواصل الاجتماعي قائلاً: «نتائج الانتخابات أعطتك وزيرين ونقطة على السطر، ولن يُلغى أحد بعد اليوم في الجبل».
دفعة جديدة من النازحين إلى سورية السبت
في سياق آخر، وبعد إعلان الأمين العام لحزب الله دخول الحزب على خط معالجة أزمة النازحين السوريين وتعيين لجنة لهذا الغرض برئاسة النائب السابق نوار الساحلي، أعلنت اللجنة أمس، استعدادها «لقبول طلبات الإخوة النازحين السوريين الراغبين بالعودة الطوعية إلى وطنهم، في مختلف المناطق اللبنانية». وتوقعت مصادر مطلعة على الملف أن يُبدي النازحون التعاون مع مبادرة حزب الله، وأن ترتفع أعداد النازحين الذي سيسجلون أسماءهم للعودة بالآلاف، وأشارت لـ«البناء» الى أن «الدور الذي يلعبه الحزب في سورية والحضور الميداني والعلاقة الممتازة التي تربطه بالدولة السورية يشكل ضمانة للنازحين للعودة الى بلدهم».
وقال رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري لـ«لبناء» إن «مبادرة حزب الله تصبّ في الاتجاه نفسه الذي عملنا عليه، وتتكامل مع جهودنا كبلدية عرسال مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لتوفير الأجواء الملائمة لإعادة النازحين». ودعا الحجيري كل النازحين في لبنان لا سيما الموجودين في مخيمات عرسال الى «التجاوب مع مبادرة الحزب»، ورأى في بيان وزارة الخارجية السورية خطوة جدية وإيجابية للتعاون مع أي جهة لبنانية في سبيل عودة النازحين، داعياً الحكومة السورية الى «توفير ما يحتاجه النازحون فور عودتهم الى سورية من خدمات ومسكن لما يشجعهم على العودة».
وبعد نجاح الأمن العام بإعادة نحو 300 نازح، علمت «البناء» أن «الأمن العام بصدد إعادة نحو 500 نازح كدفعة ثانية السبت المقبل ضمن الـ3 آلاف نازح الذين سجلوا أسماءهم للعودة». ونقلت مصادر متابعة لعودة النازحين لـ«البناء» أن «النازحين الذين عادوا الى سورية يعاملون أفضل معاملة وتقدم لهم الحكومة ما يحتاجونه». ولاحظت المصادر بأنه «وبعد قرار الخارجية اللبنانية بحق مفوضية شؤون النازحين عدلت بسلوكها وتوقفت عن ممارسة الضغوط على النازحين وتخويفهم من العودة»، مشيرة الى أن «صلاحية المفوضية تنحصر في الشؤون الإنسانية وليس بحدود السيادة اللبنانية».
واعتبرت مستشارة وزير الخارجية جبران باسيل لشؤون النازحين، علا بطرس، أن لروسيا دوراً مهماً يمكن أن تقوم به في تأمين عودة النازحين السوريين المقيمين في لبنان، بالنظر إلى كونها لاعباً أساسياً في سورية من خلال مساهمتها في إعادة الأمن والاستقرار والنهوض بهذا البلد».
وفي حديث إلى وكالة « سبوتنيك »، لفتت بطرس، إلى أن «العودة الآمنة للنازحين السوريين ستكون بنداً أساسياً في البيان الوزاري المرتقب للحكومة اللبنانية قيد التشكيل حالياً»، مشدّدة على أن «ذلك يشكل مدخلاً لإزالة الكثير من المعوقات السياسية الداخلية، التي تحول دون الإسراع في العودة، بعدما بات اللجوء السوري عنصراً ضاغطاً على لبنان اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً».
من جهته، أكد السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي أن «التنسيق بين لبنان سورية بشأن النازحين قائم وأنا أنسق مع وزارة الخارجية والأمن العام بتوجيه من رئيس الجمهورية ميشال عون »، مشدداً على أن «مصلحة لبنان أن يكون التنسيق أكبر بين الحكومتين اللبنانية والسورية وأن يخرجوا من المكابرة، لأنها ليست لمصلحة لبنان ولا النازحين ولا سورية».
الجمهورية
بكركي تحذّر: إحموا الإستقرار.. وجنبلاط على موقفه من «فشل العهد»
الجوّ العام محكوم بغفوة سياسية كاملة على خط التأليف، يعزّز من سُباتها تسليم طبّاخي الحكومة بالفشل في توليدها، وانصرافهم إلى إجازات مفتوحة على الاسترخاء والاستجمام، وبالتالي على مزيد من الوقت الضائع من عمر البلد، وما يترتّب عنه من تداعيات سلبية في أكثر من مجال؛ هذا الواقع المشوّه أصلاً في كلّ مفاصله، والذي زاده تشويهاً الصراع المحتدم على حلبة الحقائب والأحجام، دفع بكركي مرّة جديدة إلى أن تقرَع جرس الإنذار من مخاطِره، ولعلّها صرخة متكرّرة في وادٍ سياسي عميق، خصوصاً أنه من الصعب وسط هذه الغابة التي تُعشش فيها ذهنيات المكاسب والمصالح، أن تجد من يتلقّفها ويعمل بموجبها ولو من باب رفعِ العتب.
ثمّة تسليم عام بأنّ الحكومة الجاري تأليفها، صورة مستنسَخة عن سابقاتها، والتغيير الممكن الذي ستحمله هذه الحكومة، اذا ما قُدِّر لها ان تتشكّل في قابل الايام، لن يطال بالتأكيد لا النهج ولا العقليات التي حكمت ما سبق، خصوصا انّ الوجوه تكاد تكون هي نفسها، وأنّ التغيير الذي يمكن ان يحصل، هو تغيير في الوجوه والاسماء لا اكثر ولا أقل. وتبعاً لذلك فإنّ ما تطالب به بكركي ليس حكومة النهج القديم وإعادة تجريب المجرَّب، بل حكومة فاعلة ومنتِجة على كلّ المستويات، ومن هنا جاء تحذيرها عبر مجلس المطارنة الموارنة من «أنّ كلّ تأخير في تشكيل الحكومة سيمنع تفعيل الاقتصاد ويعرّض الاستقرار المالي الى الاهتزاز».
وفي بيانٍ بعد اجتماعه الشهري برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، لم يقارب بإيجابية ما وصَفه» النقاش المسيطر في شأن الحصص والاحجام»، الّا انّه حدّد خارطة الطريق الحكومية بلفتِ الانتباه الى «أنّ الحكومة التي تتمثل فيها الأحزاب، يجب أن تعمل بالدرجة الأولى على اتفاق على سياستها في الحقول كافة، ويجب أن يكون الاتفاق على قواعد الخير العام والعدالة الاجتماعية، ويشرع المكلفون في التشكيل باختيار الأسماء التي ليس من الضرورة أن تكون جميعها من السياسيين، وإلّا يُخشى أن تكون الحكومة مجالاً لتنازع القوى والمصالح الخاصة أو الحزبية الضيقة، وهذا عكس ما ينتظر منها في المرحلة المقبلة».
وإذ لفتَ المجلس الى «أنّ القطاع المالي المستقرّ يتطلّب تفعيل البنى الاقتصادية المُنتجة». عبّر عن قلقه «ممّا تتسبّب به التجاذبات السياسيّة السائدة من اهتزازات بنيوية في القطاعات الاقتصادية في لبنان، ومن تراجعٍ في أكثر من مجال اقتصادي، بالرّغم من الجهود التي تُبذل على هذا الصعيد.
صيّاح
وقال النائب البطريركي العام المطران بولس صيّاح لـ«الجمهورية» إنّ موقف بكركي هو تحذيري، فالكنيسة لا تهدف الى تخويف الرأي العام، بل الى إصلاح الوضع».
وأوضَح أنّ «بكركي تدعو إلى تأليف الحكومة لأنّه يقع على عاتقها مسؤوليات كبيرة، يجب أن تباشر بها، خصوصاً أنّ عملية الإنقاذ الوطني ضرورية ولا يمكن أن تتأخّر، والتأخّر في التأليف ليس من مصلحة أحد من الأفرقاء». وأشار الى «أنّ بكركي تدعو الى تعاون كلّ السياسيين مع بعضهم البعض والحوار من أجل المصلحة العامة».
هدنات .. لا تبدو صلبة
حكومياً، كلّ ما هو متصل بحركة التأليف، مؤجّل الى ما بعد عودة المسافرين، في الايام القليلة المقبلة، على ان يشكّل الاسبوع المقبل محطةً لجولة مشاورات جديدة. وإذا كان الطباخون الاساسيون قد حاولوا الإيحاءات بنيّات جدّية لتفعيل حركة الاتصالات المقبلة بما يؤدي الى ولادة الحكومة قبل نهاية الشهر الجاري، الّا انّ هذه الوعود تسقط سَلفاً بالضربة القاضية، مع استمرار التباين العميق بين الاطراف السياسية حول شكل الحكومة، وأحجام الأطراف ونوعية الحقائب، وكذلك حول معايير التمثيل، حيث بدا جلياً عدم وجود معايير موضوعية ومنطقية للتمثيل. ما يعني انّ هذا التباين الذي اكّدت مواقفُ الاطراف عمقَه وصلابته، اضافةً الى ما يحيط به وخصوصاً ما يمكن تسميته «الجشع» على الحقائب واحتكار التمثيل، يدفع الى النعيِ المسبَق لهذه المشاورات طالما انّ اياً من اللاعبين على مسرح التأليف لم يتنازل او يتقدّم خطوة في اتجاه الآخر.
واضحٌ في هذا الجو المقفل، أنّ كلّ الشغل الحالي، يجري خارج ملعب التأليف، وتتفرّع عنه محاولات متتالية لتبريد الجبهات السياسية التي علّقها الفشل في تشكيل الحكومة على خط التوتّر العالي، ولعلّ الدافع الى ذلك هو تمرير الوقت وعدم تركِ الاختلاف السياسي في دائرة التفاعل.
وإذا كانت هذه المحاولات قد نجحت ظاهرياً في الوصول الى نوع من الهدنة ووقفِ التراشق السياسي والاعلامي على اكثر من خط، الّا انّها ليست مبنية على اساس جدّية تمنع وصفَها بالهدنة الهشة. ويندرج في هذا السياق الهدنة الجديدة بين فريق رئيس الجمهورية ومن خلاله مع التيار الوطني الحر، وبين الحزب التقدمي الاشتراكي. وكانت لافتةً في هذا السياق ايضاً الزيارة التي قام بها رئيس الحزب النائب السابق وليد جنبلاط الى القصر الجمهوري ولقاؤه رئيسَ الجمهورية ميشال عون.
ووصَف مطّلعون اللقاءَ بالإيجابي «ذلك انّ عون لم يكن ينتظر من اللقاء اكثرَ ممّا أراده. فهو دعا الى عقده في اطار مساعيه لتعزيز اجواءِ التهدئة ووقفِ الحملات المتبادلة على اكثر من مستوى. وشدّد عون على اهمّية تعزيز اجواء المصالحة، وإنهاء الأجواء الضاغطة التي خلّفتها الحملات المتبادلة، وهو ما رحّب به جنبلاط في اللقاء وترجم المتفق عليه في تصريحه على منصّة الرئاسة فور انتهاء اللقاء. بدعوته «المناصرين» الى «تخفيف اللهجة».
وبحسب المطلعين فقد تمّ تناوُل الملف الحكومي من باب المجاملة عند الحديث على أهمية انطلاق العمل في المؤسسات الدستورية وهو أمرٌ ينطلق من تشكيل الحكومة الجديدة لمقاربة الملفات المفتوحة على شتّى الاحتمالات. وتوافق عون وجنبلاط على استحالة مقاربة ملف التشكيل والعقد التي تحول دون إتمامها قبل توفير أجواء الهدوء في البلاد بعيداً عن التشنّج.
وفي خلاصة كلام المطّلعين «إنّ اللقاء كان اشبَه بلقاء كسرِ جليد»، الّا انّه كسرٌ يبدو انّه لم يكتمل. خصوصاً مع تأكيد جنبلاط للصحافيين بأنه مازال على رأيه وموقفِه من فشلِ العهد، حيث قال: «لن أتراجع عن الكلمة. فلو نجح قسم من العهد، كي لا نشمل العهد بكامله، في معالجة قضية الكهرباء منذ سنة ونصف لَما زاد العجز مليارَي دولار». كما اكّد من جهة ثانية على تسمية الوزراء الدروز الثلاثة في الحكومة لأنه نتيجة الانتخابات أعطانا التصويت الشعبي والسياسي هذا الحق.
«القوّات»
ويندرج في سياق هذا النوع من الهدنة الهشّة، ما هو قائم حالياً بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. الّا انّ الطرفين اللذين قرّرا عدم تبادلِ اطلاق النار السياسي والاعلامي، يُشبه وضعُهما، حالَ من يمدّ اليد الى الآخر بغصنِ الزيتون وبإرادةٍ للحوار والنقاش، وأمّا في اليد الثانية فيحمل سلاحاً جاهزاً للقصف السياسي في ايّ لحظة.
وما يعزّز هشاشة الهدنة، هو انّ «القلوب مليانة» بكلّ اسباب الاشتباك، ويتأكّد ذلك بتمسّكِ الطرفين كلٌّ بوجهة نظره وشروطه وثوابته ومطالبِه. وفي هذا السياق، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: القوات متمسكة بما افرَزته الانتخابات، وهي غير مستعدّة للمساومة على الامانة التي منَحها لها الناس، ولديها وجهة نظر ستشرَحها للوزير جبران باسيل مناقضةً تماماً لوجهة نظره.
اضافت المصادر: هناك من يخفي وراءَه محاولات لتحجيم «القوات»، وهذا امرٌ مستحيل، فضلاً عن انّ هناك طريقة احتسابية اجرَتها «القوات» وستشرحها لباسيل بالتفصيل.
وأكّدت المصادر انّ «القوات» ترفض الاقتصاص او الانتقاص من حصّتها، ومِن هنا فإنّ المفاوضات ستكون طويلة وصعبة وشاقّة، ولكن لا نتراجع، وإذا كان المطلوب هو تدوير الزوايا، فهذا يعني تدويرَ زوايا من قبَل الطرفين وليس من قبَل طرف لطرفٍ آخر يَعتبر نفسه منزَّها، والآخَرون يتنازلون له.
وقالت المصادر، وبقدرِ ما نتمسّك بالحوار نتمسّك بتفاهم معراب، وهذا الملف سيأخذ شرحاً مستفيضا بيننا وبينهم، فالقوات لن تقبل على الاطلاق اتّهامَها عند كلّ مفترق انّها ضد العهد، في حال اعترَضت على موقف لباسيل. نحن مع العهد في العناوين الكبرى، وأمّا في العناوين الاخرى فلكلّ طرف موقفٌ يتناسب وقناعاته، وغيرُ مقبول ان يقدّم احدٌ نفسَه على الآخرين ويقول أنا القاطرة وأنتم المقطورون.
باسيل
من جهته، أكّد رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أنّ «اتفاق معراب ليس لائحة طعام نختار منها ما نشاء وأساسه سياسي يقوم على دعمِ العهد لتحقيق مشروع مشترك ومِن ضمنه تفاهم ثنائي غير ملزم للآخرين على الحكومة والتعيينات والانتخابات النيابية».
وأضاف: «بالنسبة لنا المصالحة المسيحية على المستوى الشعبي لا عودة عنها، ولهذا تحمّلنا الإساءات والظلم»، مشيراً إلى أنه من «حقّ القوات أن تسعى لأن تكبر سياسياً وكذلك «التيار»، لكن لا يجب أن نقتل بعضنا بعضاً في السياسة، ونحن لا نريد للآخرين ان ينفّذوا ما نريد، وهذه الفكرة التي يسوقها البعض خاطئة».
وأشار إلى انّ «التكتلات النيابية المعلنة واضحة ومعروفة، وعلى أساسها يجب أن تشكّل هذه الحكومة».
واعتبَر أنّ «العقدة المسيحية من الأسهل حلّها، لأنّ هناك عقداً كثيرة»، وقال: «بحسب التوزيع المعمول به لا يحقّ للقوات إلّا بثلاثة وزراء، لكنْ نحن لم نقل إنّنا لا نقبل بأن ينالوا أربعة، أمّا إذا طالبوا بخمسة فيصبح حقّ التكتّل عشرة، لأنّ حجمنا هو الضعف». وشدّد على «ضرورة تمثيل النائب طلال إرسلان في الحكومة»، مشيراً الى أنّ «هذه العقدة قابلة للحلّ».
سُنّة المعارضة
إلى ذلك، يُعقد اليوم اجتماع لـ»نوّاب سُنّة المعارضة» في منزل النائب فيصل كرامي ويضمّ النواب عبد الرحيم مراد، جهاد الصمد، الوليد سكرية ، قاسم هاشم وعدنان طرابلسي. وأوضح الصمد لـ«الجمهورية» أنّ الغاية من الاجتماعات هي تصويب التمثيل السنّي في الحياة السياسية في لبنان. مؤكّداً ضرورة ان يتمثّل لقاء هؤلاء النواب بوزير في الحكومة، خصوصاً انّهم وصَلوا بأصوات ناخبين حقيقيين وجمهورٍ واسع. إنتخبونا تاييداً لقناعاتنا ومواقعنا، ورفضاً للانحراف الذي اصاب الطائفة وتأكيداً على وجوب تصويب البوصلة وإعادتها الى المسار الصحيح.
وقال: نحن موجودون في الحياة السياسية، ولنا رأيُنا ولنا حيثيتنا وحضورُنا ولنا جمهورنا، ولا أحد يستطيع ان يتخطى كلّ ذلك، لذلك نحن نصرّ على التمثيل في الحكومة، إذا كانوا يريدون ان يشكّلوا حكومة موالاة ومعارضة فأهلاً وسهلاً نحن نقبل الفكرة وساعتئذٍ ننتقل الى المعارضة، لكنّهم يقولون انّهم يريدون حكومة وحدة وطنية، لذلك يجب ان نتمثّل، والاهمّ الآن هو وجود معيار واحد يطبّق على الجميع.
النازحون
من جهةٍ ثانية، لفتَ في الساعات الماضية بروز تسريعٍ في الخطى المرتبطة بعودة النازحين السوريين، واندرَج في هذا السياق بيان لـ«حزب الله»، اعلنَ فيه استعدادَه لقبول طلبات النازحين الراغبين بالعودة الطوعية. واشارت مصادر الحزب الى تنسيق بينه وبين السلطات السورية لإنجاح «مبادرة العودة» التي اطلقَها الامين العام للحزب السيّد حسن نصرالله.
وإذ تتحدّث المصادر عن مغادرة الآلاف من النازحين في الفترة المقبلة، تجري تحضيرات لمغادرة دفعة ثانية من بلدة عرسال. وفيما شدّد مجلس المطارنة الموارنة على وضع خطّة وطنية شاملة في شأن النزوح وعودة النازحين إلى بلادهم، اكّد اللقاء الديموقراطي على مبدأ العودة الطوعية بانتظار إيجاد حلّ سياسي شامل.
«الكتائب» لـ«الجمهورية»
وقال مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية»: التأخير في تشكيل الحكومة ينعكس سلباً على المعالجات المطلوبة للأزمات الداهمة ومن بينِها مشكلة النازحين وانعكاساتها السلبية نتيجة عدم مبادرةِ المؤسسات الدستورية اللبنانية الى صوغ مشروع عملي متكامل لحلّ هذه الأزمة.
وأكّد المصدر «انّ أزمة النازحين تتطلب حالة طوارئ سياسية ودبلوماسية واستنفارَ الطاقات والصداقات العربية الدولية لمساعدة لبنان على مواجهة هذه المعضلة، وهو ما لا يمكن ان يتمّ في ظلّ حكومة مستقيلة تصرّف الاعمال ولا يمكنها رسمُ السياسات واتّخاذ القرارات». وعلى الدولة اللبنانية والمؤسسات الدستورية الشرعية ان تتحمّلَ مسؤولياتها في هذا المجال، وألّا تستقيلَ من واجباتها وتتخلّى عنها لأيّ جهة كانت في وقتٍ المطلوب من الدولة استعادة ما تخلّت عنه من صلاحيات وواجبات ومسؤوليات».
وذكّر المصدر بموقف الحزب» الداعي الى الطلب رسمياً من روسيا ان تتولّى دور الوسيط بين الحكومتين اللبنانية والسورية لإعادة من يمكن إعادتهم من النازحين الى المناطق الآمنة التي تشارك روسيا في وضع أسُسِها والاشراف عليها وإلى استحداث المزيد منها والى طلب ضمانتها لأمن العائدين، ممّا يساهم في تشجيع المنظمات الدولية والمجتمع الدولي على رفعِ تحفظاتِها عن عودة النازحين بحجّة عدمِ تعريض حياتهم للخطر.علماً أنّ النائب سامي الجميّل كان قد لمسَ خلال زيارته موسكو استعداداً روسيّاً رسمياً للعِب هذا الدور ونقلِ هذه الأجواء الى المسؤولين اللبنانيين من دون ان يبادر هؤلاء الى ايّ خطوة عملية».
الأخبار
عون وجنبلاط… مجال خصبٌ للنزاع!
باسيل ينعى اتفاق معراب: ليس لائحة طعام!
حزب الله والنازحون: نموذج رفض التوطين
أمن الجبل هو الهمّ الوحيد المشترك بين ميشال عون ووليد جنبلاط. كل ما دون ذلك خلافات تعود جذورها الى خصومات قديمة. وخصومة الرجلين قاعدة ثابتة تحكم علاقتهما وإدارتهما لكل الملفات السياسية… «العدائية» بينهما عصّية على الحلّ (مقال ميسم رزق).
تعدّ علاقة ميشال عون بوليد جنبلاط مجالاً خصباً للنزاع. المعارك الإعلامية والسياسية تندلِع من حينٍ لآخر بينهما، من دون أن يصِل ذلك إلى «حربٍ» ضروس. كأنهما يحرُصان على شعرة معاوية رابطاً لا ينبغي التفريط به. شعرة معاوية هنا، هي الجبل. المكان الذي يشكّل أمنه وأمان أهله المشترك الوحيد بين الرجلين. هو الإيجابية الوحيدة أيضاً التي تنزِل طبقاً على مائدة أي لقاء يجمعهما. أما كل ما تبقّى فهو قابِل للخصومة. وآخر معالم هذه الخصومة ما يحصُل اليوم حول حصّة الطائفة الدرزية في الحكومة الجديدة، حيث يُصر زعيم المختارة على تسمية الوزراء الدروز الثلاثة على قاعدة أنه «الأقوى في طائفته». عون يرفض، ومعه التيار الوطني الحرّ، حُكماً.
المُفارقة في علاقة الرجلين تكمُن في أن ما يجمعهما (أي الجبل) كان ولا يزال هو نفسه نقطة الخلاف. خلاف على القيادة والسطوة في منطقة جغرافية واحدة. وهو ما ظهر في أكثر من محطّة خلال نقاش قانون الانتخابات ومن ثمّ التحالفات الانتخابية. هذا الملف ينسحِب سلباً على كل القضايا الأخرى، ويزيد من التشنّج بين الحزب الاشتراكي والتيار الوطني الحرّ. وعلى إثره عرِفت العلاقة بين الطرفين القليل من المدّ، والكثير من الجزْر، لكنها ظلّت محكومة بسقف «المصالحة المسيحية – الدرزية».
لا يحتاج العونيون والاشتراكيون أكثر من بِضع كلمات لاختصار محطّات العلاقة بين قيادتيهما. الطرف الأول يتهّم «جنبلاط بأنه يرفض أي شراكة قوية في الجبل»، مقابل اتهام الطرف الثاني لعون بأنه يتصرّف من منطلق «الأمر لي في الجبل». حالَ هذا الإشتباك دون التوصل إلى أي تفاهم ثنائي، على رغم كل لقاءات النقاش التي تولاها عدد من نواب ووزراء الطرفين. في المُحصّلة حسابات جمّة تحكُم كلاً من عون وجنبلاط لا يبدو أنها ستسمح يوماً بإصلاح ذات البين.
علامَ رست اليوم العلاقة التي ورثت كل المعارك الدموية التي شهدها «جبل لبنان»، و«نقزة» البيت الجنبلاطي الدائمة من أي رئيس قوي للجمهورية؟ هو سؤال إعجازي بالنسبة الى الاشتراكيين والعونيين، على رغمّ أنهما يُجيبان عنه بالكثير. وبحسب بعض المطّلعين على جوانب العلاقة بين عون وجنبلاط «يجد الرجلان صعوبةً حتى اللحظة في خلق كيمياء بينهما». يعود ذلك إلى طبيعة كل منهما. فرئيس الجمهورية «شخص عنيد غير قابل للتفاوض»، فيما جنبلاط «يملك مرونة استثنائية لا تحرجه في إظهار نفسه في مظهر المتقلّب». هذه أول نقطة تصادم تجعلهما أخصاماً دوماً.
لم يستطِع سير جنبلاط في التسوية الرئاسية إلغاء تاريخ الكراهية مع عون. ولم ينجح في خلق حاضرٍ خالٍ من العدائية، ما يحول حتى الآن دون تهيئة مستقبل سليم. ومع أن «لكل مرحلة موجباتها» التي تفرض «خيارات وطنية» كما يحلو للطرفين تسميتها، فإن لكل منهما في جعبة الآخر ملفاً «أسود» يسرُده على طريقته.
على ذمّة الاشتراكيين فإن «لدى جنبلاط جاهزية دائمة للتفاهم، قوبلت بالرفض المتكرر». يُحاذر هؤلاء العودة الى المرحلة «الدموية» في الجبل. يفضّلون البدء بحديثهم من تاريخ نفي العماد عون خارج البلاد «وهو القرار الذي رفضناه، بالمبدأ». وعلى رغم كل الخلاف «بقي التواصل مع عون وتياره قائماً، شابَه تباعد وتقارب في كثير من الأحيان». لكننا «لم نغلق الباب ولم نذهب يوماً إلى قطيعة». صحيح «أننا عارضنا انتخابه رئيساً في البداية، لكننا عدنا وانتخبناه». سبقت ذلك «لقاءات بين عون وجنبلاط، نظرنا إليها بإيجابية كبيرة نتيجة ما سمعناه على لسانه من حرص على الجبل»، لكنه «كلامٌ شفهي لم يجد طريقه إلى التطبيق». علماً أن «جنبلاط وخلال مؤتمر للحزب الاشتراكي في شباط 2017، شدّد على الشراكة في الجبل، خصوصاً مع التيار الوطني الحر، وعلى تفاهم عريض أياً يكُن القانون الانتخابي الذي سوف يتمّ اعتماده». ومن القانون الانتخابي ينطلق الاشتراكيون لاتهام عون وتياره بمحاولة «تكسير راسنا. أصلاً قانون الانتخابات النيابية أقرّ لمحاصرة وليد بك قبل أي طرف آخر». كل الكلام عن الشراكة «تبخّر» بالنسبة للحزب الاشتراكي «لا سيما أن أحداً لم يهتم لغيابنا عن جلسات النقاش التي سبقت إقرار قانون النسبية». ومن القانون إلى مجلس الشيوخ «الذي تقصّد التيار مناقشته لاستفزازنا»، ينتقل الاشتراكيون من محطّة إلى أخرى لتدعيم وجهة نظرهم. «الخطاب الطائفي ونبش القبور» الذي اعتمده العونيون وعلى رأسهم وزير الخارجية جبران باسيل في حملاتهم الانتخابية، نقطة إضافية يستخدمها الاشتراكيون في «مضبطة» اتهاماتهم. يسجّلون لمصلحتهم نقطة «إصرارهم على تحالف انتخابي مع التيار الوطني الحرّ». يقولون: «انتظرنا طويلاً جواباً منهم، ولم يصِل. وفضلوا التحالف مع الوزير طلال إرسلان، وأصبح مطلبنا للشراكة بالنسبة إليهم وكأنه تربيح جميلة». في هذه اللحظة أخذت الأمور مع التيار الوطني الحرّ منحى أكثر تعقيداً، خصوصاً أن «العونيين رفضوا نتائج الانتخابات، وتمّ لصق 3 نواب مسيحيين إلى النائب إرسلان للحصول على كتلة تسمح له بالحصول على وزير في الحكومة المقبلة. فبأي صفة يفعلون ذلك؟»، تتساءل مصادر في الحزب الاشتراكي. تشكّل هذه النقطة واحدة من العناوين الرئيسية للخلاف مع العونيين اليوم.
ليسَ ملف الحزب الاشتراكي عند العونيين أقل سوءاً. من النقاط نفسها ينطلق التيار الوطني الحرّ ومنها ينتهي خلال شرح أسباب الخلاف. لم تكُن العلاقة يوماً جيدة. واقعٌ تجيد مصادر عونية جيداً كيف تبررها. لا ينسى العونيون وليد جنبلاط 2005، حين كان يقود يومذاك حركة 14 آذار ويرسم تحالفاتها في الداخل والخارج. هو الذي جهد لإقصاء العماد عون عن المشهد السياسي حين كان رأس حربة في المعركة ضد النظام السوري، مما جعله على نقيض مع عون الذي كان يصر على عدم اتهام سوريا باغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى أن يثبت الاتهام بالدليل القاطع. ولا ينسى هؤلاء وليد جنبلاط «المعطّل» في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي «حين منعنا من التحرك في محطات كثيرة». وهو «الذي رفض دعم العماد عون، ولم ينضمّ إلى التسوية الرئاسية الإ حين لمسَ بأنها ستحصل معه أو من دونه». هناك إشكالية دائمة تقول مصادر عونية بأن أساسها «تضخيم حجم جنبلاط نيابياً على حساب المسيحيين». ومن الطبيعي أن يظلّ التشنّج قائماً «لأن تصحيح التمثيل المسيحي الذي سعينا إليه كان لا بد أن يأتي على حسابه». لدى العونيين شعور دائم بأن «جنبلاط يرفض أي شراكة في الجبل. لأنه ببساطة اعتاد التعامل مع شخصيات مسيحية لا وزن لها، لكن الحال تغيرت الآن، وعلى الحزب الاشتراكي أن يتكيّف مع ذلك». عدم التحالف الانتخابي مع جنبلاط في الجبل قرار يراه العونيون «سليماً». دليلهم «نتائج الانتخابات التي أظهرت بأننا نستطيع تحقيق مكاسب أكبر من تلك التي كنا سنجنيها من التحالف معه». أما في موضوع الحكومة، فتؤكّد أوساط العهد بأن «الخلاف الأساسي هو على المعيار. فليس بالإمكان تجزئته، وإعطاء الحزب الاشتراكي أكثر ممّا يستحقّ»!
باسيل ينعى اتفاق معراب: ليس لائحة طعام!
لا يزال طريق تأليف الحكومة الجديدة طويلاً ووعراً. ورغم محاولات التبريد واللقاءات الثنائية ودعوات التهدئة، لا تبدو الأجواء واعدة. الموعد الذي جمع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، واتصال الأخير بوزير الخارجية جبران باسيل، وما تبعه من لقاء مع الوزير القواتي ملحم رياشي بحضور النائب إبراهيم كنعان، تمهيداً لإطلاق اجتماعات تعيد وصل ما انقطع بين القوات والتيار، لم تنجح في الحدّ من المسار الانحداري لتفاهم معراب. يبدو أن هذا التفاهم أصبح عبئاً على التيار، إذ لا تتمسّك القوات منه إلا بالبنود المتصلة بالمحاصصة. أمس، خرج باسيل ليطلق كلاماً يُفهم منه نعي اتفاق معراب، رغم تأكيده تمسّكه بالتفاهم السياسي، واستعداد التيار للتنازل عن جزء من حصته، لكن ليس تحت الضغط. وانطلق من كون أن هذا الاتفاق «لا يُمكن فرضه على الآخرين»، محمِّلاً مسؤولية رفض مطالب القوات الوزارية لشركاء مفاوضات تأليف الحكومة. فقد اعتبر باسيل في مقابلة مع قناة «أم تي في» أمس أن «هذا الاتفاق ثنائي ولا نستطيع فرضه على الآخرين، ونحن اتفقنا على المقاعد المسيحية مع الأخذ بعين الاعتبار الآخرين، ومنها حصة الرئيس». ولفت باسيل إلى أن «اتفاق معراب كلّ متكامل، أساسه سياسي بأننا مشروع واحد قائم على إعلان النيات والعمل معاً ومن ضمنه التوزيع الوزاري والتعيينات والانتخابات، ومع فكرة أساسية بأننا فريق سياسي واحد داعم للعهد، وأساس هذا الاتفاق قد اهتزّ». وأضاف: «اتفاق معراب ليس لائحة طعام نختار منها ما نشاء، وأساسه سياسي يقوم على دعم العهد لتحقيق مشروع مشترك، ومن ضمنه تفاهم ثنائي غير ملزم للآخرين على الحكومة والتعيينات والانتخابات النيابية». وقال باسيل: «لا يمكن أن تربط بين «خيّك» والفساد عن غير حق، ثم تقول نحن نعمل للشراكة في ما بيننا»، مشيراً إلى أنه «بحسب التوزيع المعمول به لا يحق للقوات إلا بثلاثة وزراء، لكن نحن لم نقل إننا لا نقبل بأن ينالوا أربعة. أما إذا طالبوا بخمسة، فيصبح حق التكتل عشرة، لأن حجمنا هو الضعف. لكن أكرر أن التفاهم السياسي هو الأهم، وعلى أساسه نعطي مما هو حق لنا كما فعلنا في السابق بإرادتنا وليس بالفرض». وأضاف: «سعينا كثيراً لعدم إخراج الخلاف مع القوات إلى العلن، ولم نهاجمهم حرصاً على التفاهم، واجتمعنا مراراً بهم، لكن في الفترة الماضية لم يجدوا ما يهاجمونه إلا وزراء التيار»، قائلاً: «ألومهم على عمل لم يتحقق في الوزارات التي تسلّموها». في المقابل، رفض الوزير ملحم رياشي في اتصال مع «الأخبار» التعليق على كلام وزير الخارجية.
عشرون دقيقة جنبلاطية ثقيلة في بعبدا: الحكومة مؤجلة
عشرون دقيقة هي مدة لقاء أمس بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، في بعبدا. كانت هذه الدقائق، وبرغم قصر مدة اللقاء، ثقيلة جداً على الزعيم الدرزي. انتظر أن يفاتحه صاحب الدعوة بأمر التمثيل الدرزي في الحكومة، إلا أن ما يشغل بال «سيد القصر» هو مجرى العلاقة المسيحية ــــ الدرزية في الجبل (مقال داوود رمال).
سمير جعجع ووليد جنبلاط هما عنوانا العقدتين القواتية والاشتراكية، لكن رئيس الجمهورية ميشال عون الذي استقبل رئيس حزب القوات اللبنانية أولاً ثم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ثانياً، «لن يحصر برنامجه بهاتين الحيثيتين، بل هو حريص على مروحة واسعة من اللقاءات، بينها اللقاء الذي جمعه مع رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل وقيادة الحزب القومي السوري الاجتماعي من خلال النائب سليم سعادة (أمس)، والاستماع إلى وجهة نظر النواب السنّة من خارج تيار المستقبل، وبينهم النائب أسامة سعد الذي استقبله أول من أمس، وستستكمل هذه اللقاءات مع قيادات أخرى، من أجل مقاربة هادئة لعملية تأليف الحكومة المنتظرة»، على حدّ تعبير مصادر مطلعة.
في كل الأحوال، هي الزيارة الجنبلاطية الأولى منذ السابع والعشرين من تشرين الثاني 2017، عندما لبّى وليد جنبلاط دعوة رئيس الجمهورية، غداة انتهاء أزمة احتجاز الرئيس سعد الحريري في السعودية.
في لقاء أمس، استهل عون حديثه مع جنبلاط بعبارة مفتاحية: «حرصي شديد على وحدة الجبل وتنوّع الاحزاب»، وذلك في معرض تأكيد أهمية أن يكون التمثيل في الجبل وزارياً كما أفرزت الانتخابات النيابية تنوّعاً في التمثيل، فكان أن ردّ جنبلاط بالتعبير عن تقديره لهذا الحرص على وحدة الجبل، وقرن هذا التقدير بعبارة مفتاحية قالها بعد اللقاء «أنا مصرّ على تسمية الوزراء الدروز الثلاثة في الحكومة»، معتبراً أن نتيجة الانتخابات والتصويت الشعبي والسياسي أعطياه هذا الحق، واستدرك قائلاً: «وإلا في الانتخابات المقبلة منسقط كلنا سوا»، ما يعني أيضاً تمسّكاً بحصرية التمثيل، وهذا يؤشر الى مراوحة العقدة الجنبلاطية مكانها.
أما النقاط التي جرى عرضها في لقاء عون – جنبلاط فقد تناولت المواضيع الاتية:
– موضوع الجبل لجهة تعزيز الوحدة، لأن أمان الجبل مؤشّر للأمان في لبنان.
– موضوع مصالحة الجبل، على قاعدة تحريم المساس بها بأي شكل من الأشكال.
– العلاقات بين بعبدا والمختارة، وبين الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر، وأهمية فتحها على نقاش وحوار هادئ لتثبيت المشتركات الكثيرة ومعالجة الاختلافات القليلة.
– الشكوى المشتركة من الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحقن الاجواء بشحنات لا مبرر لها من التشنج.
– التقارير التي ترفع إلى رئاسة الجمهورية تباعاً، وتتضمن تحذيراً من موجة الشحن الطائفي والمذهبي التي يشهدها الجبل، الأمر الذي يقتضي من الجميع الترفع عن كل الحساسيات والحسابات لمنع الانزلاق الى أمور يصبح معها البلد في مكان آخر.
أما موضوع تأليف الحكومة، ووفق معلومات الجانبين، فقد تم المرور عليه في سياق عابر، ولم يجرِ الحديث لا عن الحصص ولا عن الحقائب، مع تأكيد مشترك أن «تخفيف التشنج من شأنه أن يساعد في حلحلة العقد».
في حديثه بعد اللقاء أمام الصحافيين، لم يوحِ جنبلاط بأن الموضوع الحكومي يتحرك الى الامام، رغم لهجته الهادئة المعتادة، وقوله «كل جلسة التقي فيها الرئيس عون، ألمس حرصه الشديد على وحدة الجبل خصوصاً، ووحدة لبنان. إن القرار المركزي يسري في أحيان، لكن لا سيطرة في المطلق على بعض الذين يتهامسون من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك أقدّر كثيراً حرص الرئيس عون على وحدة الجبل وتنوع الاحزاب ــــ وقد مرّت الانتخابات بهدوء إلا الحادث المؤسف الذي حصل في الشويفات (مقتل الشاب الاشتراكي علاء أبو فرج) ــــ رغم بعض «الهيجان» على مواقع التواصل الاجتماعي. لذلك، أطلب شخصياً من الرفاق والمناصرين تخفيف حدة اللهجة، والتفكير، كما الرئيس عون، في حل المشاكل الكبرى الاساسية، ومنها سبل تخفيف العجز ووضع خطة إنمائية من أجل خلق فرص عمل، ويبدو أنه تم البدء بوضع مثل هذه الخطط».
وعن موضوع تأليف الحكومة قال جنبلاط «الرئيس لم يفاتحني بالمسألة، وأنا من جهتي لم أعمد الى إثارتها».
وعن وصفه العهد بالفاشل في تغريدة له قبل حوالى أسبوع، ردّ جنبلاط بالقول «لن أتراجع عن الكلمة. فلو نجح قسم من العهد، كي لا نشمل العهد بكامله، في معالجة قضية الكهرباء منذ سنة ونصف، لما زاد العجز ملياري دولار».
اللقاء الديموقراطي: توحيد المعايير
ورغم أن جنبلاط أطلع أعضاء اللقاء الديموقراطي على نتائج زيارته للقصر الجمهوري، إلا أنه غاب عن صورة اجتماع اللقاء في منزله بكليمنصو، عصر أمس، تاركاً لنجله النائب تيمور جنبلاط أن يحتل صدارة الصورة. الاجتماع ناقش ملفات كثيرة، وأصدر بياناً شدّد على أهمية العمل المتواصل والإسراع في تشكيل الحكومة من أجل الانصراف إلى معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية»، داعياً المعنيين «الى تذليل العقد وإزالة العقبات، وإلى احترام نتائج الانتخابات وتوحيد المعايير ومراعاة حجم التمثيل الحقيقي للقوى والأحزاب».
واستنكر اللقاء «التمسك المريب وغير المبرر بمرسوم التجنيس بعد الأرقام الواضحة والفاضحة المستخلصة من تدقيق الأمن العام، خصوصاً أن هناك ما يقارب 85 اسماً مشبوهاً لم تتضح حتى الآن دوافع وخلفيات تجنيس أصحابها»، داعياً المعنيين إلى تصحيح هذا الخطأ وإعادة النظر في المرسوم بشكل كامل. وقرر «اللقاء» إطلاق ورشة سياسية ــــ تشريعية «ستتبدى معالمها الأولى مع انطلاقة ورشة العمل النيابي في مجلس النواب، وتتجسد بالمواظبة على حضور اجتماعات اللجان والهيئة العامة وإعداد عدد من اقتراحات القوانين من وحي معاناة الناس»، على حدّ تعبير أحد أعضاء اللقاء الديموقراطي.
حزب الله والنازحون: نموذج رفض التوطين
قرّر حزب الله، كما دائماً، أن يكون حيث يجب أن يكون، في مقدّمة الساعين إلى حلول لأزمة النازحين، كما كان في مواجهة أعداء لبنان، إسرائيل والإرهاب. خطوة حزب الله تأتي في ظلّ «ميوعة» لبنانية، رسمية وسياسية، في التعامل مع الملفّ وتواطؤ قوى داخلية مع قوى دولية لاستخدام ورقة النازحين في اتجاهات متعدّدة (مقال فراس الشوفي).
لا تُقرِن القوى السياسيّة اللبنانية مواقفها العلنيّة بضرورة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، بخطوات عمليّة جديّة توصل إلى هذه النتيجة. الرئيس سعد الحريري على سبيل المثال، لا يترك مناسبةً في أي محفلٍ دوليّ، إلّا ويطالب بعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، لكنّه يربط هذه العودة بدور الأمم المتّحدة، وبمصطلحات مثل العودة إلى المناطق «الآمنة»، كشرطٍ لبناني. والحريري، في قرارة نفسه، يعرف أن هذا الربط، وهو تكرار لمعزوفة دوليّة وعربية، هدفه ليس العودة، بل الاستخدام السياسي ضدّ الدولة السورية، طالما أن المناطق «الآمنة» في عُرف هؤلاء، ليست تلك التي استعادها الجيش السوري من قبضة المسلّحين، وأعاد إليها الأمن والأمان.
أما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والنائب وليد جنبلاط، فهما جزء من «الجوقة» التي تعتبر أن عودة النازحين إلى المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري، «تشكل انتصاراً معنويّاً وديموغرافياً لسوريا وبشار الأسد وتثبيتاً لحقيقة أن التهجير سببه دور المجموعات المسلّحة والتحريض الدولي والإغراءات بالمساعدات المالية». لكنّهما يغلّفان مواقفهما بعاطفة جيّاشة تجاه النازحين السوريين، وبمواقف «أخلاقيّة» تتّهم الأسد بإحداث تهجير سكّاني.
المؤسف، أنه في ظلّ الخطر المحدق بالكيان اللبناني، فإن مواقف بعض الأطراف اللبنانية، يقوم على ثلاث ركائز: الكيد السياسي ورفض التسليم بهزيمة مشروع إسقاط سوريا، الرهانات الخاطئة المستمرّة على تحوّل دراماتيكي في الساحة السورية من خلال الحلّ السياسي المقبل، والأهم، الارتباط بمشروع أميركي ـــــ سعودي، يريد استخدام النازحين ورقة ضغط أوّلاً في الداخل اللبناني ضدّ حزب الله ولتحريك عصبيّات مذهبيّة وطائفية، في مسار مشابه لـ«الاستثمار السلبي» للوجود الفلسطيني في لبنان والذي أدّى لاحقاً إلى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. وثانياً، في سوريا، مع تصاعد وتيرة الحديث خصوصاً في كواليس مسار جنيف، عن ضرورة مشاركة النازحين السوريين في الأردن وتركيا ولبنان في الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة، مع سهولة التأثير بموقف هؤلاء في الانتخابات في تركيا والأردن وجزء منهم في لبنان، للحدّ من اندفاعة الأسد ومنعه من استثمار النصر العسكري في ولاية رئاسية جديدة.
ماذا عن موقف الرئيس ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل؟
يشكّل النزوح السوري هاجساً كبيراً لدى عون، مع إدراكه خطورة وأعباء هذا الملّف/ الأزمة. لكنّ تشدّد عون أمام الموفدين الدوليين والسفراء، وطلباته المتكرّرة من هؤلاء المساهمة بمساعدة لبنان في حلّ هذه الأزمة، فضلاً عن خطوات باسيل الأخيرة تجاه موظّفي مفوضية شؤون اللاجئين ولقائه المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي مستورا منتصف الشهر الماضي في جنيف، لا تخرج عن إطار تسجيل المواقف، مع قناعة عون وباسيل بأن القوى والمنظمات الدولية منخرطة في سياسة ممنهجة لإيجاد حلول مستدامة للنزوح السوري في لبنان. وهذه الطروحات، سمعها اللبنانيون أكثر من مرّة، إمّا عبر الحديث عن تأمين موارد عيش ومشاريع اقتصادية طويلة الأمد للنازحين السوريين، أو عبر ربط المساعدات المالية للنازحين، بسياسات داخلية لبنانية تحدّ من موجات نزوح جديدة تجاه أوروبا.
أمّا لبنان الرسمي، أو الحكومة اللبنانية، فتكفي تجربة وزيري الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي، والدولة لشؤون النازحين معين المرعبي، لمعرفة مدى جديّة الحكومة في المعالجة، بالتزامهما سياسة حزب القوات وتيار المستقبل. أمّا تجربة المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، كجهة رسميّة لبنانية، فقد أعطت نموذجاً عن تحقيق التنسيق اللبناني ــــ السوري نتائج إيجابية. غير أن تجربة إبراهيم والقنوات الأمنية ــ السياسية التي يعمل عبرها لإعادة النازحين، لا يمكن أن تستمر طويلاً. فالرئيس السوري، يرفض أن يمنح الدول الأوروبية التي لا تزال تكابر في رفضها التنسيق العلني من دولة إلى دولة مع سوريا، تنسيقاً أمنيّاً مع الأجهزة الأمنية السورية، ما لم يكن التنسيق جزءاً من عودة دبلوماسية ورسمية صريحة لهذه الدول للتواصل مع دمشق. وفي حالة لبنان، فالهامش الذي يحظى به إبراهيم مردّه إلى مكانة المدير العام للأمن العام في سوريا وحرص الدولة السورية على تقديم هذا النموذج للبنانيين عن مصلحة البلدين في التعاون الرسمي، وليس كرمى للحكومة اللبنانية أو للذين لا يزالون يرهنون زياراتهم إلى دمشق بالتسويات السياسية المحليّة أو لعدم إغضاب قوى إقليمية ودولية مثل السعودية وأميركا.
كل هذا المسار اللبناني المائع والمتخبّط تجاه أزمة النزوح، لا يوصل إلّا إلى نتيجة واحدة: توطين جزء كبير من النازحين السوريين في لبنان بقوّة الزمن والأمر الواقع.
من هنا، يأتي تحرّك حزب الله سبّاقاً بين القوى السياسية للبحث عن آليات عمل، مستفيداً من إقدامه الدائم على أن يكون «حيث يجب أن يكون يكون»، ومن تحالفه مع سوريا والأهم من وجوده في الميدان السوري.
وقبل إعلان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله عن تكليف النائب السابق نوّار الساحلي بملفّ النازحين، كانت دوائر الحزب قد انخرطت في إعداد هيكلية عمل إدارية وتنظيمية لإعداد مشروع يخصّ عودة النازحين وبحسب البيان الصادر عن الحزب، أمس، تقرر فتح تسعة مراكز في المناطق التي يوجد للحزب فيها تواجد تنظيمي لاستقبال النازحين وتعبئة استمارات العودة الطوعية لمن يرغب منهم بذلك.
وهذه المراكز موزعة كالآتي: أربعة مراكز في الجنوب (النبطية وصور وبنت جبيل والعديسة) وأربعة مراكز في البقاع (بعلبك والهرمل وبدنايل واللبوة) ومركز في الضاحية الجنوبية مع نشر أرقام هواتف للنازحين الراغبين بالاستفسار(راجع الجدول المرفق).
وتقول مصادر متابعة لـ«الأخبار» إن الهدف الأول هو العمل على النازحين الراغبين بالعودة، قبل البحث في سبل إقناع النازحين غير الراغبين وطمأنتهم بضمانات من الجانب السوري.
ولا تخفي المصادر صعوبة المسؤولية الملقاة على فريق العمل، وتعقيدات العملية اللوجستية، التي تتطلّب تحضير الأسماء ومراجعتها مع الأمن العام اللبناني والجهات الأمنية والرسمية السورية، فضلاً عن الدمار الذي أصاب العديد من المدن والقرى التي تحرّرت مؤخّراً، وعدم توفّر البنية التحتية اللازمة في بعضها للحياة، مع الجهد الذي تبذله مؤسسات الدولة السورية في المناطق المحرّرة لإعادة المتطلّبات الخدمية وإطلاق ورشة البنى التحتية.
غير أن هذا المسار الذي دشنّهُ حزب الله، أمس، لا يعفي الدولة اللبنانية من مهامها، بل على العكس، يضع على عاتقها مسؤولية أكبر للبدء بالعمل أمام النموذج الذي سيقدّمه حزب الله. إذ على القوى السياسية التي لا تزال تكابر في رفض الحلول العملية للأزمة، أن تتذكّر، بأن حزب الله سيعمل في المناطق التي يوجد فيها ولديه إمكانات لوجستية وبشرية فيها، وإذا ما نجح في تحقيق عودة جزء من النازحين، سيبقى الجزء الأكبر في المناطق الأخرى، مثل المتن وإقليم الخروب والشوف وعاليه وكسروان وجبيل ومحافظة الشمال بكاملها.
الوقت لم يعد وقتاً للمكابرة. أمام الحكومة المقبلة امتحان صعب في إيجاد الحلول المناسبة، ليس على طريقة المرعبي وبو عاصي. على الأقل، لا بدّ أن يكون وزير الدولة لشؤون النازحين ووزير الشؤون الاجتماعية، إمّا يمثّلان جهات سياسية ليست على عداء مع سوريا، أو أن يكونا باللّين والعقلانية المطلوبة للتواصل مع السوريين من أجل مصلحة البلدين.
أما الموقف اللبناني الرسمي تجاه سوريا، على الأقل من بوابة النازحين، لا يمكن أن يستمر على هذه الحال. سوريا قرّرت أن لا تقدّم الأمن على حساب السياسة مع الأوروبيين وغيرهم، وحان الوقت الذي تريد فيه من لبنان التعامل معها وفق القاعدة ذاتها. أمّا محرّضو النازحين على عدم العودة، فهؤلاء يشاركون في «مؤامرة التوطين»، عن عمد، وحان الوقت الذي يكفّ فيه العهد عن «المسايرة» ويخطو خطوات جريئة تجاه عودة الحرارة إلى العلاقات الرسمية اللبنانية ــــ السورية، خصوصاً أنه سبق أن وعد بخطوة ما في هذا الاتجاه بعد الانتهاء من الانتخابات النيابية وتأليف الحكومة الجديدة.
اللواء
تأليف الحكومة في عالم الغيب .. وباسيل يدافع عن التأخير!
لقاء مرتقب بين الحريري ورئيس التيار الحرّ في فرنسا.. وجنبلاط لن يتراجع عن وصف العهد «بالفاشل»
هل تأليف الحكومة بات في عالم الغيب؟ وهل الاتصالات واللقاءات لا سيما اجتماع الرئيس ميشال عون مع كل من الدكتور سمير جعجع رئيس حزب «القوات اللبنانية» والنائب السابق وليد جنبلاط رئيس اللقاء الديمقراطي، من شأنها ان تشكّل كاسحة ألغام من امام التأليف، الذي ينتظر عودة الرئيس سعد الحريري من «اجازة عائلية»، وهي مرجحة قبل بداية الأسبوع المقبل؟
لا أحد بإمكانه ان يدلي بإجابات، ما دامت الاجتماعات لم تلامس أصل المشكلة وهي تشكيل حكومة، وقادرة على معالجة المشكلات المتراكمة والمتفاقمة والمتعلقة بالمالية والاقتصاد والنازحين والنفايات والكهرباء، والبطالة وأزمات السير، وخلاف ذلك.
مَنْ استمع إلى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، قبل سفره في إجازة عائلية أيضاً، يتيقن ان عملية التشكيل ليست قريبة، ولا بأس لو تأخرت، بانتظار التفاهمات السياسية، سواء في ما يتعلق بالبرنامج أو نوعية الوزراء على حدّ تعبير باسيل نفسه، الذي اعتبر ان تبني الرئيس المكلف مطالب «القوات اللبنانية» والوزير جنبلاط فيه خطأ ومن شأنه ان يتبين له الأمر لاحقاً.
ومن وجهة نظر باسيل ان حصة «القوات» لا يجب ان تتجاوز «3 وزراء» في ما حق النائب طلال أرسلان ان يكون وزيرا من زاوية الثنائية الدرزية.
وقال ان مصلحة الرئيس الحريري استمرار التفاهم الحاصل، كاشفا انه عرض عليه التخلي عن وزارة الخارجية مقابل تخلي تيّار «المستقبل» عن الداخلية لمصلحة «القوات اللبنانية»، مقابل ان يتولى فريق الرئيس المكلف وزارة الخارجية.
وحسم باسيل ان الحكومة ستولد في شهر تموز، مؤكداً أنه هو من يعين وزراء التيار الوطني الحر، ويقرر ما إذا كان يبقى وزيراً أم لا؟
لقاء عون- جنبلاط
وبحسب ما تجمع لدى المعنيين من معطيات، فإنه صحيح ان لقاء الرئيس عون بجنبلاط، لم يتطرق إلى الحكومة، وهذا ثابت بتأكيد جنبلاط ونواب «اللقاء الديموقراطي» وكذلك أوساط بعبدا، وانه نجح في إعادة وصل ما انقطع من لقاءات من آخر لقاء بينهما في 27 تشرين الثاني من العام الماضي، وبالتالي ساهم في التخفيف من التشنج والاحتقان السياسي الذي تفاقم مع «التيار الوطني الحر» خلال الانتخابات النيابية، ثم زاد مع نتائجها، إلا ان ذلك لم يلغ السؤال عن الأسباب التي حالت دون طرح الموضوع الحكومي، طالما هو الأساس فيما يزيد من حدة التوتر السياسي، ولماذا استعاض عنه الرئيس عون بالتشديد على المصالحات والعيش المشترك في الجبل والهوس من الحملات المتبادلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بين مناصري «التيار الحر» والحزب الاشتراكي، ومن ثم الخطة الاقتصادية الإنقاذية التي وضعتها شركة ماكينزي الأميركية قبل ان يختم متمنياً ان يكون اللقاء بداية حوار بين الطرفين لتكريس المصالحة في الجبل، من دون ان يوضح أو يُحدّد الجهة التي ستتولى متابعة هذا الحوار.
وحينما طرح على جنبلاط هذا السؤال بعد لقاء الرئيس عون والذي لم يتجاوز الـ20 دقيقة، اكتفى بالجواب بأن الرئيس عون لم يفاتحه بموضوع الحكومة، وهو من جهته لم يعمد إلى اثارته»، متمسكاً بوصف العهد بالفشل: «لن أتراجع عن الكلمة فلو نجح قسم من العهد، كي لا نشمل العهد بكامله في معالجة قضية الكهرباء منذ سنة ونصف لما زاد العجز ملياري دولار.
وعما إذا كان عدم إثارة الموضوع الحكومي يعني ان عون يريد ان يستمر التواصل مباشرة مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، جاء ردّ جنبلاط قاطعاً: «انا اتحدث فقط مع رئيس الجمهورية وهذا يكفي».
معنى ذلك بالسياسة، ان لقاء قصري بعبدا والمختارة، نجح فقط في كسر الجليد بين الطرفين، في إطار سياسة تبريد المناخات المتوترة والتهدئة التي اتفق عليها الرئيسان عون والحريري، لكنه لم يضف أي تطوّر على صعيد موضوع التمثيل الدرزي في الحكومة العتيدة، كما يبدو انه لم يحدث أي تغيير أو حلحلة في المواقف السياسية، وما زال يحتاج إلى جهد إضافي لمد جسور التفاهم من قبل الطرفين، بدليل ان جنبلاط لم يتزحزح عن وصف العهد «بالفاشل» رافضا التراجع عن هذه الكلمة، التي أثارت في حينه عاصفة من الحملات المتبادلة بين الحزب الاشتراكي والتيار العوني، لكنه، تخفيفا لوقع كلمة الفشل على العهد، والتزاماً بالتهدئة، أشار إلى انه «لو نجح نصف العهد في معالجة قضية الكهرباء منذ سنة ونصف، لما زاد العجز ملياري دولار؟».
ولم تشأ مصادر «اللقاء الديموقراطي» الكشف عن تفاصيل أخرى عن لقاء جنبلاط- عون، غير ما قاله زعيم المختارة، مكتفية بالتأكيد لـ«اللواء» ان الحديث لم يتطرق إلى الوضع الحكومي، وان اللقاء كان نوعاً من كسر الجليد، في إطار سياسة المعالجات والحوار والتهدئة، وان الكلام كان فقط في العموميات، مشيرة الى ان مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة مجمدة في الوقت الحاضر، في انتظار عودة الغائبين، ولا سيما الرئيسان الحريري ونبيه برّي والوزير باسيل.
ولفتت إلى ان جنبلاط واضح في تصريحه بأنه مُصر على موقفه من موضوع التمثيل الدرزي في الحكومة، وانه لا تراجع عن تسمية للوزراء الدروز الثلاثة.
وفي المعلومات ان جنبلاط شارك لبضع دقائق في الاجتماع الذي عقده «اللقاء الديموقراطي» عصراً في كليمنصو، برئاسة النائب تيمور جنبلاط، والذي كان مقررا قبل لقاء بعبدا، وتم النقاش في ملفات تشكيل الحكومة والتجنيس والنازحين والاسكان والناجحين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية ومتطوعي الدفاع المدني وعدد من الملفات الاقتصادية والاجتماعية.
وشدّد اللقاء في البيان الذي تلاه النائب هادي أبو الحسن على أهمية الاسراع في تشكيل الحكومة من أجل الانصراف إلى معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، خصوصا في ظل الوضع المالي والاقتصادي المتأزم. داعيا المعنيين إلى «تذليل العقد وإزالة العقبات، واقلاع البعض عن أسلوب المماطلة ومحاولة فرض معادلات تضرب وحدة المعايير وتهدف إلى محاصرة بعض القوى السياسية وتحجيم دورها وفي مقدمتها «اللقاء الديموقراطي». كما دعا إلى احترام نتائج الانتخابات وتوحيد المعايير ومراعاة حجم التمثيل الحقيقي للقوى والاحزاب».
إلى ذلك، اشارت مصادر مطلعة في بعبدا لـ«اللواء» إلى ان اللقاء القصير بين الرئيس عون وجنبلاط تناول موضوع الجبل والمصالحة والعلاقات بين «التيار الوطني الحر» والحزب الاشتراكي.
وعلم أن الرئيس عون وجنبلاط شكا من الحملات المستعرة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تؤثر سلبا على العلاقة بين أبناء الجبل.
وأوضحت المصادر أن الملف الحكومي غاب عن النقاش الموسع ومر في السياق العام. وأفادت أنهما تناولا الوضع الاقتصادي وما نتج في اجتماع الرئيس عون لاطلاق الخطة الاقتصادية، ونفت المصادر أن يكون البحث تطرق إلى ما يعرف بالعقدة الدرزية أو الحصص والحقائب, لكن جنبلاط كان واضحا في عدم تراجعه عن أحقية تعيين 3 وزراء دروز يسميهم الحزب الاشتراكي عندما قال إن «التصويت الشعبي والسياسي أعطانا هذا الحق» مضيفا: «قد نسقط كلنا في الانتخابات المقبلة».
وأفادت المصادر انه لم يطرح على جنبلاط أي تصور يتصل بتسمية الوزير السابق مروان خير الدين. مشيرة إلى أن موضوع التواصل مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل علق عليه جنبلاط بالقول: «لم يتم التطرق إلى الموضوع» مؤكدا أنه يتحدث مع الرئيس ويكفيني هذا الأمر.
ورأت المصادر أن جنبلاط مرر ما أراد تمريره، لافتة إلى أن التشنج بين «التيار» و«الحزب الاشتراكي» ينعكس سلبا وما قام به رئيس الجمهورية لجهة اللقاء مع جنبلاط يساعد على تخفيفه الأمر الذي ينعكس حلحلة في الملف الحكومي.
ورأت المصادر أن هناك توجها لدى الرئيس عون قائم على معالجة التشنج قبل الحديث حكوميا، ومن هنا توقعت مواصلة المساعي الرئاسية دون معرفة ما إذا كانت تشمل السنة المستقلين أم لا، علماً ان هؤلاء سيعاودون الاجتماع اليوم بعد ان انخفض عددهم إلى ستة نواب من خارج تيّار «المستقبل».
وقال النائب عبد الرحيم مراد، انه إذا احتسب عدد الذين اجتمعوا للمرة الأولى بستة نواب، فيحق لهم بالتالي بوزير واحد، وهذا حق لنا وليس منّة من أحد.
باسيل
اما بالنسبة لمصالحة «القوات اللبنانية» و«التيار الحر»، والتي لم تشهد أمس، أي تطوّر على هذا الصعيد، بعد زيارة الوزير ملحم رياشي للوزير باسيل في مقر التيار في سن الفيل، أمس الأوّل، تمهيداً للقاء قد يعقد مع رئيس «القوات» سمير جعجع باستثناء إطلالة مسجلة لباسيل قبل سفره على محطة M.T.V عبر برنامج «بموضوعية»، رأى فيه ان لا شيء يمنع حصول اللقاء مع جعجع، دفعاً لمسار سياسي واتفاق لا رجوع عنه، متمنياً الإعلان عن اتفاق معراب الذي قال انه وقعه شخصياً، وليس الرئيس عون، كما تمنى ان تشكّل الحكومة خلال شهر تموز الحالي.
وحرص باسيل ان تكون اطلالته بمثابة دفاع عن سياسة التيار وانه لم يكن البادئ في الهجوم على «القوات»، مشيرا إلى انه لا يُمكن اتهام فريق كل رصيده قائم على محاربة الفساد بأنه فاسد بدون دليل ثم توافق على ما كان غيرك ينادي به، معتبرا ان «ربط تمسك وليد جنبلاط بتوزير ثلاثة وزراء دروز اشتراكيين بالفيتو الميثاقي يصعب الأمور والحلول في الموضوع الحكومي».
ولفت إلى انه بحسب التوزيع المعمول به لا يحق للقوات الا بثلاثة وزراء ولكن نحن لم نقل اننا لا نقبل بأن ينالوا أربعة، اما إذا طالبوا بخمسة فيصبح حق التكتل عشرة وزراء لأن حجمنا هو الضعف، واعتبر ان رئيس الجمهورية والحكومة لا يحتاجان إلى ثلث ضامن لانهما الثلث الضامن، علما ان الطائف تحدث عن ثلث ضامن للرئاسة، ورأى ان هناك من يسعى لخلق جو بأن الرئيس الحريري يتنازل عن الطائف وعن صلاحيات رئاسة الحكومة، وهذا غير صحيح، ونحن اختلفنا معه على أمور كثيرة، لأنه لا يتنازل عنها ومنها المادة 52 من الدستور، وكذلك موضوع مقر مجلس الوزراء، موضحا ان ما حكي عن ملفات بينه وبين نادر الحريري خارج الإطار السياسي غير صحيح على الإطلاق، وهو خسارة لتيار «المستقبل» بعد استقالته، لكن هذا لا يعني ان العلاقة مع الحريري ليست اقوى.
خطة ماكينزي
وكانت مسألة تشكيل الحكومة حضرت في الاجتماع الشهري للمطارنة الموارنة في بكركي، حيث اعتبروا ان كل تأخير في تشكيلها سيمنع تفعيل الاقتصاد ويعرض الاستقرار المالي إلى الاهتزاز، فيما خصص الرئيس عون، فترة ما قبل الظهر، للاطلاع من وزير الاقتصاد رائد خوري ومن فريق العمل والخبراء في شركة «ماكينزي» على ملامح «الخطة الاقتصادية الوطنية» الذي سبق لمجلس الوزراء ان كلف الشركة الأميركية بوضعها لإنقاذ الاقتصاد اللبناني من حالة التعثر التي يعانيها.
واعتبر عون ان الخطة تساهم في وضع رؤية متكاملة ومتناسقة بين مختلف القطاعات الانتاجية الحيوية في البلاد للمضي قدماً في تنمية وتطوير الاقتصاد اللبناني بشكل مستدام، مثمناً جهود الجهات التي أسهمت في تطوير الدراسة من القطاعين العام والخاص والخبراء الاقتصاديين والاكاديميين، لافتا إلى قدرة لبنان على إيجاد بيئة أعمال جاذبة للاستثمارات الخارجية المباشرة، وعلى تفعيل قطاعات انتاجية تنافسية قادرة على تعزيز مؤشرات الأداء الاقتصادي.
وعرض الوزير خوري وأعضاء الفريق الملامح الرئيسية للدراسة التي ترمي إلى تفعيل سائر القطاعات الانتاجية على مستوى الجمهورية ضمن آلية اقتصادية تكاملية، لافتا إلى ان الدراسة ستعرض على الرئيس الحريري تمهيدا لعرضها والتصديق عليها من قبل الحكومة المرتقبة فور تشكيلها.
واللافت ان العرض الذي قدمه خوري في مؤتمر صحافي عقده لهذه الغاية في بعبدا، لم يشر إلى الإصلاحات التي يفترض ان تكون الخطة قد لحظتها لتطوير بنية الاقتصاد اللبناني، الا انه عندما سئل عن ذلك، أكّد ان الدراسة التي يبلغ حجمها ألف صفحة تتضمن إصلاحات، لكن الوقت لا يسمح بشرحها كاملة، مؤكدا ان هذه الإصلاحات ستتم بالتزامن مع مؤتمر «سيدر» الذي يلحظ آلية متابعة وهي أمور مترابطة.
وأوضح انه حرص منذ اليوم الأوّل لوضع الخطة قبل نحو ستة أشهر، على اطلاع الأفرقاء السياسيين عليها، وشارك البعض منهم في النقاشات التي دارت حولها وكان هناك تجاوب، إنما يبقى على الحكومة المقبلة ان تتخذ القرار بشأن التنفيذ.
أزمة النازحين
وإذا كانت خطة ماكينزي لم تشر إلى أزمة النازحين، على اعتبار ان هذا الأمر من مهمات مؤتمر «سيدر» والمؤتمرات الدولية الأخرى، الا انه بدا واضحا من المؤشرات ان ملف العودة الطوعية للنازحين، والذي بدأت فصوله تتوالى، قد وضع على نار حامية منذ دخول «حزب الله» على الخط، حيث أعلنت أمس اللجنة المكلفة من الحزب بهذا الملف في بيان استعدادها لقبول طلبات النازحين السوريين الراغبين بالعودة الطوعية إلى وطنهم، يوميا ما عدا أيام الاحاد، من التاسعة صباحا وحتى الخامسة عصرا.
وحددت اللجنة، مراكز قبول طلبات العودة وارقام الهواتف المخصصة لهذا الغرض، في كل من بلدات: بعلبك، الهرمل، اللبوة، بدنايل، الضاحية الجنوبية، النبطية، صور، بنت جبيل والعديسة.
ولفتت مصادر قريبة من حزب الله إلى ان التزامن بين المبادرة التي اعلنها الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله وبيان الخارجية السورية ليس صدفة، وإنما هو دليل على التنسيق بين الحزب والسلطات السورية لإنجاح «مبادرة العودة» كاشفة بأن لبنان سيشهد قوافل عودة بالآلاف في اتجاه مناطق سورية عدّة.
وفي السياق، اشارت معلومات إلى ان دفعة جديدة من النازحين تضم نحو 450 نازحاً ستغادر عرسال السبت المقبل، بعدما سبقتهم دفعة أولى قبل نحو أسبوع.