الخصخصة أضعفت الدولة : الشهادات الرسمية وأي مصير للنظام التعليمي في لبنان؟

الخصخصة أضعفت الدولة : الشهادات الرسمية وأي مصير للنظام التعليمي في لبنان؟

إصلاح الأمم المتحدة وقواعد السياسة الأميركية
Progressive Phonies
تغريدات غريبة خارج السرب!.. شذرات تاريخية «شبه فلسفية»

احتفل الأهل بأولادهم وبنجاحهم الباهر في امتحانات الشهادات الرسمية ( البريفيه والبكالوريا قسم ثاني)، ومن حقهم ان يفرحوا، بالرغم ان مظاهر الفرح تنطبع باللون اللبناني لناحية التباهي واطلاق المفرقعات والرصاص، وإنزال البوستات على الفايسبوك مع صور للعلامات والنتائج. ولست هنا بوارد إفساد بهجة الأهل، وأنا أذكر تماماً لحظات السعادة العارمة عندما وجدت والدتي اسمي في الجريدة التي نشرت أسماء الناجحين في شهادة السرتفيكا، وكيف تكرر الوضع مع امتحانات البريفيه والبكالوريا بقسميها الاول والثاني.
الملفت في ايامنا ظاهرتان: اولاً، نسبة النجاح المرتفعة، والتي تلامس سقف المئة بالمئة ( اذا احتسبنا الدورتين)، وثانياً، المعدلات العالية التي حصل عليها عدد كبير نسبياً من التلاميذ.
هذا الوضع يدفع بالبعض للمطالبة بالغاء امتحانات الشهادة الرسمية، وبهذا، تأتي هذه الدعوة لتلاقي السعي من قبل التعليم الخاص لخصخصة الامتحانات الرسمية.
إن الوضع القائم اليوم في النظام التعليمي هو غير منفصل عن حالة الانهيار العامة في لبنان. والنقاش لا بد وأن ينطلق من الاسئلة عن السياسة المعتمدة في ميدان التربية والتعليم، وعن اهدافها، وآليات تنفيذها، من دون إسقاط من الاعتبار ما يجري من محاولات لتصفية القطاع العام ودور دولة الرعاية الاجتماعية.
في تجربتي الشخصية، كأستاذ في كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية، وعندي من الخبرة الاكاديمية ما يتعدى الثلاثين عاماً، يمكنني الجزم بأن تراجعاً كبيراً قد طرأ على نوعية الطلاب المنتسبين الى الكلية ( وهم كلهم خضعوا لامتحانات دخول لا غبار على صدقية نتائجها)، وأن هذه التراجعات بدأت تلمسها ما بعد العام الفين، اي بعد التعديلات التي أقرت على برامج التعليم الاساسي والثانوي. ما يمكن ملاحظته خلال هذه الفترة ان الطلاب اصبحوا اكثر ميلاً للتلقين، واقل استعداداً وقدرة على التحليل. ناهيك عن التغيرات في النظرة الى العمل والمثابرة بحيث تراجعت بشكل كارثي المحفزات للدرس والبحث والتفتيش، ليحل مكانها الرغبة بتكريس التلقي السلبي كشكل وحيد للاكتساب المعرفي، مع الميل الدائم للتشكي من الدرس، وخلق اجواء ضاغطة على الاستاذ قبيل الامتحانات من اجل حذف بعض المواضيع من المقرر والغاء اخرى بذريعة ضغط الامتحانات. هو مناخ عام لم يكن قائماً قبل العام الفين، واحد اسبابه تفريخ العشرات من " الجامعات" الخاصة، حيث يقارن طلاب الجامعة اللبنانية انفسهم مع طلاب "الجامعات" الخاصة، مما يزيد من تفاقم الوضع.
التعديل الذي جرى على برامج التعليم الثانوي لم تتم مناقشته مع حلقة التعليم الجامعي، ولم يتم اقراره بما يعزز الاعداد الجامعي. والنتيجة، خطوات متتالية الى الوراء. 
السؤال الذي يحتاج للبلورة: ما هي وظيفة الاعداد المدرسي، وما هي العناصر التي يمكن البناء عليها لتحديد عدد مخرجات هذا الإعداد؟ نحن امام عدد محدود من المخرجات: علوم عامة، علوم الحياة، اقتصاد، وادب. ومن لا يمكنه تخطي الدراسة امامه التعليم المهني. 
لا خطة تربوية متكاملة لكل مراحل التكوين الاكاديمي والمهني مرتبطة بمخرجات تلبي احتياجات اجتماعية واقتصادية وعلمية على المستوى الوطني العام. المخارج تفضي الى المزيد من العاطلين عن العمل من محامين ومهندسين وخريجي كليات العلوم وادارة الاعمال و..و.. 
هي بنية مأزومة، تقوم على قرارات اعتباطية في ظل غياب خطة تنموية وطنية تقوم على التخطيط المستقبلي ضمن مراحل قريبة المدى وبعيدة الآجال.
الامتحانات الرسمية هي احد اشكال سيادة الدولة في مجال التعليم، وتشكل معياراً موحداً لكل التلاميذ في نظام تربوي تحتل فيه الطوائف مكانة الدولة، ولكل طائفة مدارسها وبرامجها وخطتها لغسل الادمغة. نحن بحاجة لنظام امتحانات رسمية ولكن لأي امتحانات؟ 
لا يمكن فصل نظام الامتحانات عن كل العملية التعليمية، وما يجري هو تكييف للعملية التعليمية مع شروط الامتحانات، والتي تحولت الى مجرد بنك اسئلة، يتم اعداد التلاميذ ليتخطوه. يتم تحفيظ الاولاد نصوصاً بكاملها، يقومون بتفريغها على كراسة الاجابة لينالوا في الانشاء ثمانية عشر من عشرين علامة. ومن ينال هكذا علامة، تراه عاجزاً عن كتابة نص بسيط من عدة أسطر. انها عملية تصفية للابداع، عملية محاصرة لكل ارهاصات التحرر العقلي باتجاه الابداع والخروج من المألوف، انها عملية ترويض خطيرة تفضي لتعويد التلميذ على الحفظ والتسميع.
ما قيمة الفيزياء او الرياضيات اذا نال التلميذ علامات عالية من دون اكتساب المنطق الرياضي او المقاربات الفيزيائية القائمة على البحث عن الاسئلة من دون توقف، وبناء العقل النقدي التحليلي؟
افرحوا ايها اللبنانيون باولادكم ولكن انتم امام انهيار حقيقي في كل النظام التعليمي، وهو جزء من الانهيار العام.

طنوس شلهوب، أستاذ جامعي / كلية الهندسة ـ الجامعة اللبنانية
المصدر من صفحة ​Wafaa Y. Abouchakra، بتاريخ 4 تموز، 018. 
وفاء أبوشقراء،
بروفسور في كلية الإعلام ـ الجامعة اللبنانية، وقد نشرت النص مرفقاً بتعليق، قالت فيه : "نص رائع يستحق القراءة المعمّقة للزميل في كلية الهندسة د. طنوس شلهوب، تعليقا" وتعقيبا" على نتائج الامتحانات الرسمية ونجاح طلابنا "المدوّي". النص بعنوان: الشهادات الرسمية وأي مصير للنظام التعليمي؟.
محرر الحقول : تم تغيير عنوان المقال ليتناسب مع حاجات النشر. 

Please follow and like us: