بينما كانت كلمات السيد حسن نصرالله تُخْمِدُ جمر "فتنة بومبيو" في بيروت، ظهر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الكرملين مصافحاً بشدة نظيره الروسي فلاديمير بوتين. بين الكلمات والمصافحة تتجلى "الخطوط الشرقية" التي يريد لبنان السير عليها. إنها رؤية استراتيجية لحماية المصالح الوطنية. إنها استراتيجية التوازن الوطني التي تحتم على لبنان تقليص "الخطوط الغربية" التي تتداخل، في هذه الأيام، وتتشابك، بقوة هائلة، مع "الخطوط الإسرائيلية". يتجه لبنان شرقاً لحفظ حقوقه الوطنية والإقليمية والدولية في الأرض والأمن والإقتصاد. فالإتحاد الأوروبي يتهاوى أمام النظام الصهيوني. أوروبا تخسر استقلالها لصالح "إسرائيل". أما "الولايات المتحدة فهي وإسرائيل نفس الشيء"، قال السيد نصرالله أمس. وهذا صحيح، فالصهيونية قلب الإمبريالية.
اللواء
قمّة موسكو: ربط عودة النازحين بإعمار سوريا!
عون عاد ليلاً والحريري يمضي فترة راحة .. وجعجع لخطة كهرباء بديلة لخطة البستاني
الملفات هي هي: عودة النازحين السوريين محور محادثات الرئيس ميشال عون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو.. خطة الكهرباء، ليست مدرجة على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء غداً الخميس، إذ من المستبعد ان تعقد الجلسة بانتظار عودة الرئيس سعد الحريري، الذي أجرى في باريس عملية «قسطرة في القلب»، هذه العملية أدت أيضاً إلى ارجاء جلسة الأسئلة والأجوبة التي كانت مقررة اليوم.. بالتزامن أيضاً مع سفر الوفد النيابي إلى الولايات المتحدة الأميركية لمناقشة العقوبات الأميركية المالية ضد لبنان، وابلاغ السلطات المالية الأميركية بالاجراءات التي اتخذها لبنان، على مستوى التشريعات القانونية، والإجراءات المالية..
ولا يُخفي رئيس حزب «القوات اللبنانية» د. سمير جعجع مخاوفه من الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد، من الناحية المالية والاستثمارية، معرباً امام زواره عن معارضته لخطة الكهرباء الحالية المطروحة من وزيرة الطاقة والمياه ندى البستاني، والتي تقوم على دمج بين مرحلة دائمة ومرحلة مؤقتة، من دون معرفة متى يعاد النظر بالتقنين لجهة الزيادة، مع معلومات تحتاج إلى تأكيد من مصادر الوزارة أن التقنين سيتراجع كلياً بدءاً من العام 2020.
وينقل عن الدكتور جعجع ان لدى حزبه خطة بديلة لتوفير الكهرباء، بكلفة أقل، وبوقت أقل أيضاً، وستطرح في جلسة مجلس الوزراء المقبلة.
وليلاً، عاد الرئيس عون مع الوفد المرافق إلى بيروت، على ان يصار بدءاً من اليوم إلى تقييم مفاعيل القمة، حيث احتلت عودة النازحين السوريين محوراً واسعاً، بالاتفاق على متابعة ما اتفق عليه، فيما بقي الرئيس الحريري في فرنسا للخلود إلى الراحة، بعد عملية القسطرة..
القمة اللبنانية- الروسية
وفي تقدير مصادر الوفد اللبناني الرسمي، فإن القمة اللبنانية- الروسية، والتي جمعت الرئيسين ميشال عون وفلاديمير بوتين في الكرملين، رسمت اطاراً جديداً للعلاقات بين البلدين في كافة المجالات، بينما اعتبر الرئيس بوتين ان لبنان شريك تاريخي وتقليدي لروسيا، منذ ما قبل الاتحاد السوفيتي، والتي تقف الي جانبه منذ بدء العلاقات الديبلوماسية قبل 75 سنة.
وفيما شدّد بوتين على ضرورة معالجة الأوضاع في الشرق الأوسط، وصف الرئيس عون قرار الرئيس الأميركي السماح لإسرائيل بضم الجولان السوري المحتل إليها، بـ«اليوم الاسود» معتبراً انه يتعارض مع كل قوانين ومبادئ الأمم المتحدة منذ تأسيسها حتى اليوم، لافتاً إلى انها المرة الثانية، بعد القرار حول القدس، يحدث ان تهب دولة، أخرى ارضاً ليست لها، معتبرا ان هذا الأمر مقلق لكل الدول المحيطة بإسرائيل، ونتمنى ان تطمئننا حول المستقبل القريب، فوافقه بوتين بهز رأسه، ورأى في قرار الرئيس الأميركي خرقاً للقوانين الدولية، لكنه أشار إلى انه لا بدّ من انتظار ردود الفعل الدولية على هذه الخطوة، وقال ان «موقف روسيا معروف ولا يتغير».
وأوضحت مصادر وزارية لـ«اللواء» انه بعد عودة الرئيس عون إلى بيروت سيُصار إلى تقييم مفاعيل الزيارة الروسية، خصوصاً وانها تناولت محاور رئيسية في ملفات عدّة أبرزها ملف النازحين السوريين، مشيرة إلى ان كل ما تمّ التوافق عليه في محادثات موسكو ستتم متابعته.
ولفتت إلى ان البيان المشترك الذي صدر في أعقاب محادثات القمة اللبنانية- الروسية أكثر من واف لتضمينه كل النقاط التي بحثت في شتى المجالات، متوقفة عند حرص روسيا على مواصلة دعمها للبنان ومحافظتها على مقاربة مشتركة معه.
ورأت ان زيارة عون وما تخللها من محادثات دسمة سواء مع الرئيس بوتين أو مع رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فالودين، أو مع الاقتصاديين ورجال الأعمال الروس، يتوقع ان تعبد الطريق امام معالجة سلسلة قضايا، وهو ما قد يتظهر في أقرب وقت لدى ترجمة النقاط التي اثيرت ووافق عليها الجانبان اللبناني والروسي.
وأكد البيان المشترك الذي صدر بعد محادثات القمة عزم الرئيسين عون وبوتين على «تكثيف الحوار السياسي بين روسيا ولبنان، بما في ذلك على المستوى البرلماني، وتعزيز وتوسيع العلاقات الثنائية في التجارة والاقتصاد والاستثمار والطاقة والثقافة والمضمار الانساني والتربية والرياضة والسياحة وغيرها من مجالات التعاون».
وأعربا، عن قناعتهما بأنه «لا بديل عن الحل السلمي للقضية السورية»، مشددين على «ضرورة حل هذا النزاع من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية، استنادا الى قرار مجلس الأمن رقم 2254، ومقررات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي».
وأكد البيان المشترك أن الرئيسين اللبناني والروسي «يدعمان بقوة الجهود التي تضطلع بها سلطات الجمهورية العربية السورية وحلفاؤها لمحاربة الارهاب المتمثل بتنظيم داعش وجبهة النصرة والمجموعات المتفرعة عنهما».
واعلنا تأييدهما «للجهود الرامية الى تطبيق مبادرة روسيا لتأمين عودة اللاجئين السوريين والمهجرين داخليا»، معتبرين أن «حل هذه المشكلة يعتمد مباشرة على تهيئة الظروف المؤاتية في سوريا، بما في ذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية، من خلال اعادة الاعمار ما بعد الصراع». كما دعيا «المجتمع الدولي والامم المتحدة والمنظمات الانسانية الى تأمين كل المساعدة الممكنة لهذه العملية».
وفي مجال آخر، دعا الرئيسان عون وبوتين «الى ايجاد حل عادل للمسألة النووية الايرانية، مع الأخذ بعين الاعتبار حق الجمهورية الاسلامية الايرانية المشروع بالاستعمال السلمي للطاقة الذرية وفقا لمعاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية».
نصر الله
تزامناً، عكست إطلالة الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله عبر قناة «المنار» والتي خصصها للرد على مواقف وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو في بيروت، إضافة الي التعليق على القرار الأميركي المستجد بالاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السوري، حالة من ارتياح الحزب للمواقف الرسمية اللبنانية «الشجاعة» من طروحات الوزير الأميركي، ترجمها نصر الله، بالشكر الذي وجهه للرئيسين عون ونبيه برّي ووزير الخارجية جبران باسيل، وكل القوى السياسية والشخصيات والنخب الذين عبروا عن رفضهم لهذه الطروحات. وايضاً شكره للقوى التي قال انه كان لا يتوقع منها ان تدافع عن الحزب أو تمدحه، عندما رفضت ان تتجاوب مع دعوات التحريض وتحدثت بشكل عقلاني وقدمت المصلحة الوطنية.
وأوضح نصر الله، الذي لم يجد جملة صادقة أو صحيحة مما قاله بومبيو سوى تحريض اللبنانيين على بعضهم البعض وتخويفهم والتهويل عليهم، ان الذي يمنع إسرائيل من القيام بحرب هو وحدة الموقف اللبناني والمعدملة الذهبية، وليس التحذير الأميركي من شن حرب، لأن أميركا لا يعنيها أحد من اللبنانيين، بل ان ما يعنيها هو إسرائيل التي هي جزء من أميركا وهي قاعدة عسكرية أميركية متقدمة في المنطقة.
وخلص نصر الله، بعد ان فقد كل عبارة من عبارات بيان بومبيو، إلى ان «حزب الله» أشدّ اقتناعاً والتزاماً بالسلم الأهلي والعيش المشترك وبالدولة والجيش والوحدة الوطنية رغم الخصومات والتباينات، وان نكون قادرين على تجاوز الخلافات، وان لا نسمح لا للشياطين الكبار أو الصغار ان تلعب بتفاصيلنا، مبدياً اعتقاده بأن هذه الزيارة التي توقع كثيرون ان تكون بداية لمرحلة خطرة، قد جرى تجاوزها بسبب الوعي والحكمة وشجاعة المسؤولين، لكنه ختم مؤكداً انه طالما ان الظلم واقع علينا، فإننا سنواجه هذا الظلم وسنبقى أقوياء، لكن بالتأكيد عندما يطال الظلم بلدنا وشعبنا سنفكر بموقف آخر».
وكان نصر الله قد اعتبر ان الرد الحقيقي من العالم العربي على قرار الرئيس الأميركي بشأن الجولان يكون بسحب المبادرة العربية للسلام التي تقررت في قمّة بيروت عام 2002 والعودة إلى نقطة الصفر.
كتلة «المستقبل»
اما كتلة «المستقبل النيابية»، فقد اعتبرت بعد اجتماعها الأسبوعي أمس، بأن زيارة بومبيو حملت رسالة مزدوجة حول الضغط الأميركي المتصاعد على إيران، وحول نية واشنطن مواصلة دعم مؤسسات الدولة اللبنانية، وفي طليعتها الجيش وقوى الامن»، ورأت بأن «السبيل الوحيد لحماية لبنان من تداعيات الصراع الإقليمي هو تقديم المصلحة الوطنية على كل ما عداها، والتزام الجميع بالنأي بالنفس الذي اعتمدته الحكومة في بيانها الوزاري، وفي التطبيق الكامل للقرار 1701»، أقله في الوقت نفسه ان تولي الحكومة الأميركية الأهمية القصوى لاستقرار لبنان واقتصاده وقطاعه المصرفي أي خطوات قد تقررها لاحقاً.
واعتبرت الكتلة القرار الأميركي بشأن الجولان «خطوة تفتقر إلى الحد الأدنى من الحكمة والديبلوماسية في مقاربة أزمات المنطقة، وهو يصب في خانة السياسات الخاطئة التي تُهدّد الاستقرار الإقليمي، على صورة ما سبق من اعتبار القدس العربية المحتلة عاصمة ابدية لإسرائيل».
خطة الكهرباء
في غضون ذلك، ادخلت الجراحة التي خضع لها الرئيس سعد الحريري في باريس، مما اضطره للبقاء في العاصمة الفرنسية للتعافي من العارض الصحي، الحركة السياسية الرسمية في شبه إجازة قسرية، إذ رجحت مصادر وزارية عدم انعقاد جلسة لمجلس الوزراء غداً، فيما ارجأ الرئيس برّي جلسة الأسئلة والأجوبة التي كانت مقررة اليوم إلى يوم الجمعة المقبل في الثالثة بعد الظهر، ولم تنعقد اللجنة الوزارية المكلفة للبحث في خطة الكهرباء التي قدمتها وزيرة الطاقة ندى البستاني لهذا السبب، لكن يبدو ان وجهات النظر المتباينة من الخطة بدأت بالظهور بعد موقف «القوات اللبنانية» الذي عبر عنه رئيسها سمير جعجع وعضو اللجنة الوزارية نائب رئيس الوزراء غسان حاصباني، واللذان حددا اولويات مختلفة عن اولويات الوزيرة بستاني لا سيما لجهة وقف الهدر التقني والفني وتعزيز الجباية وتقوية شبكات النقل، ومن ثم البحث في الوسائل المتاحة لزيادة انتاجية الطاقة ووقف التقنين سواء عبر الخطة المؤقتة بالاستجرار من البواخر او مصدر اخر او البدء بتأهيل المعامل الحالية وبناء معامل جديدة.وهناك قواسم مشتركة في الملاحظات والاولويات بين «القوات» وبين الحزب التقدمي و»حركة امل وحزب الله». بينما يقف وزراء «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» موقفا موحدا بإقرار الخطة كما هي، والبدء بالحل المؤقت الذي يقوم على اعتماد البواخر وربما استقدام باخرة ثالثة وهو ما يرفضه الفريق الاخر، ويصر على ترابط الحلول.
وهذا يعني ضرورة الاتفاق على كيفية ادارة المرحلة الانتقالية و تأمين الكهرباء في الفترة الفاصلة عن بدء المعامل اللبنانية إنتاجها. وكيفية الربط بين الخطة المؤقتة والخطة الدائمة للنهوض بقطاع الكهرباء، وتلزيم تنفيذهما في وقت واحد وعبر هيئة المناقصات لا وزارة الطاقة او مؤسة الكهرباء، على أن تتولى اللجنة الوزارية وضع دفتر شروط التلزيم؛ تمهيداً لإجراء مناقصة دولية لتلزيمهما. هذا عدا المطالبة بتشكيل مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان والهيئة الناظمة للطاقة.
وقال عضو في اللجنة الوزارية لـ«اللواء»: يجب ان نصل الى حلول سريعة فلا يجوز ان يبقى وضع الكهرباء على ما هوعليه.خاصة ان المشكلة باتت معروفة وجرى تشخيصها والمهم أن تتخذ اللجنة والحكومة القرار بالحل المفروض اعتماده، والاولوية هي لزيادة التغذية، والاتفاق على المرحلة الانتقالية والنهائية بعدما تم دمجهما بحيث يجب ان تقدم العروض للمرحلتين سويا.
اما الموازنة، فقالت مصادر وزارية ان هناك احتمالاً لأن تبادر الحكومة إلى عقد جلسات لمناقشة مشروع الموازنة قبيل عيد الفصح المجيد.
انتخابات طرابلس
وسط هذه الانشغالات، ما زالت اجواء الانتخابات الفرعية في طرابلس باردة نسبيا برغم بعض المواقف والتحركات التي يقوم بها «تيار المستقبل» وبحضور من الامين العام للتيار احمد الحريري، وبعض حلفائه في المدينة لدعم المرشحة ديمة جمالي، واقتصر الترشيح الرسمي حتى الان على جمالي ويحيى مولود، وسامر كبارة، وثمة من يتوقع ترشيح الصحافي عمر السيد، فيما تم رفض طلب ترشيح نزار زكا الموقوف في ايران بسبب نقص في التواقيع وبعض الاجراءات القانونية المطلوبة.
وينتظر ان تقرر جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية الموقف من ترشيح طه ناجي خلال الساعات الاربع والعشرين المقبلة، وحتى يوم غد الخميس على ابعد تقدير حسبما قالت مصادرها، وقبيل انتهاء مهلة تقديم طلبات الترشيح رسميا منتصف ليل 29-30 اذار الحالي، فيما علمت «اللواء» ان رئيس «تيار الكرامة» النائب فيصل كرامي سيعلن خلال احتفال تأبين القيادية في التيار أمل فخر الدين في الرابع من نيسان المقبل، الموقف الرسمي من الانتخابات سواء بدعم طه ناجي اذا ترشح أو دعم شخصية اخرى مستقلة، أو ترك الخيار للمناصرين وهو امر مستبعد.
وذكرت المعلومات ان كرامي لا زال يميل الى عدم خوض الانتخابات معتبرا ان مرشح «لائحة الكرامة» طه ناجي «هو الفائز عملياً بعد قرار المجلس الدستوري إبطال انتخاب جمالي، وان هذا التحالف هو الفائز سياسياً وشعبياً، وحتى لا يعطى شرعية لقرار المجلس الدستوري، عبر المشاركة في الانتخابات». لكن كرامي ينتظر ما ستقرره جمعية المشاريع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء
القرار الأميركي بتهويد الجولان… وغزة تفرض معادلتها
بوتين – عون لأولوية عودة النازحين السوريين… وتعاون متعدّد المجالات
نصرالله يُسقط بومبيو بالنقاط التفصيلية… والناشف للاستثمار على خيار المقاومة
الإجماع العالمي والإقليمي على استنكار القرار الأميركي بالاعتراف بالسيادة الإسرائيليّة على الجولان، لم ينفصل عن حال الاستغراب لموقف واشنطن الذي يقفل باب التسويات والمفاوضات، ويفتح الطريق للمزيد من التوتر والتصعيد وربما الحروب، حيث لا مصداقية إلا لمن ربطوا مصيرهم ومصير خياراتهم منذ البداية بمشروع المقاومة، فكل الكلام الأوروبي والأممي والعربي عن القرار الأميركي، كان ضمناً رداً على أصحابه الذين رفعوا شعار الرهان على واشنطن، بصفتها الجهة التي تضمن فرصاً للتسوية والحلول التفاوضية، بينما كان الرد الأمثل تقوله غزة، ولو أنّها لم توجه رسائلها للجولان السوري المحتل، فما قالته غزة عملياً إنها جلبت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو من ذورة الاحتفالية التي أقامتها واشنطن بمناسبة تهويد الجولان، بعدما صارت «إسرائيل» رسمياً دولة يهوديّة، وعلى عجل وصل نتنياهو مغادراً عيد واشنطن ليلحق عيد تل أبيب التي فاجأها صاروخ «طائش» من غزة، فلم يلحق العيد، ولم يفلح بالتوقيع على قرار التهدئة ولا وقع قرار الحرب.
في مصادفة رمزية بالغة المعاني، كان نتنياهو الذاهب إلى واشنطن يغادر على عجل رغم الاحتفال التاريخي الذي جرى إعداده، بينما الرئيس اللبناني ميشال عون يصل بهدوء إلى موسكو ويلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لإعلان بدء تعاون شامل ومتنوّع، في زمن تتقدّم فيه أولوية ترسيخ معايير القانون الدولي في العلاقات الدولية، وتتقدّم في المنطقة قضية الأمن على سواها بعد حروب ضارية مع الإرهاب، والتلاقي الروسي اللبناني المنشغل بمصير مسيحيي الشرق في جزء منه، كانت قضية عودة النازحين السوريين أولويته، وتفرّعت مباحثاته نحو النفط والغاز والسياحة والكهرباء.
مصادر متابعة لزيارة رئيس الجمهورية إلى موسكو قالت إن موسكو تريد الدخول السياسي والاقتصادي إلى المنطقة من البوابة اللبنانية بعدما ضمنت الدخول العسكري وأسست له من البوابة السورية، وإن لبنان بخصوصيّته المسيحيّة وتعدديّته الدينيّة يناسب روسيا كمدخل سياسيّ، بينما يناسبها بمصارفه ومشاريعه في مجالات النفط والغاز والكهرباء وسكك الحديد والسياحة، على المستوى الاقتصاديّ كثيراً. وتوقعت المصادر أن يعقب حضور لبنان لقاءات مسار أستانة كمراقب دوراً إقليمياً في إعمار سورية تضعه موسكو على الطاولة من بوابة التشارك مع أوروبا في ملف عودة النازحين، وكان لافتاً مقترح رئيس مجلس الدوما الروسي الدعوة لمؤتمر برلماني تستضيفه بيروت حول النازحين، يضمّ تركيا وأوروبا وسورية وإيران وروسيا والأردن إضافة للبنان.
بينما كانت المنصة السياسية للتأسيس مع روسيا لرئيس الجمهورية، كانت المنصة النوعية لمواجهة السياسات الأميركية، للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي وضع القرار الأميركي حول الجولان في كفّة لا يوازيها إلا إعلان العرب في قمة تونس لسحب المبادرة العربية للسلام. وفنّد بالنقاط كلام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مثبتاً باللغة الجدلية السجالية جهله بالملفات التي تناولها، مظهراً ما قدّمته المقاومة من حماية وضمانات للاستقرار في لبنان، مقابل سياسات التهديد والحصار التي يخاطب الأميركي عبرها لبنان.
دان رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بسيادة الاحتلال الصهيوني على مرتفعات الجولان السوري المحتل، واصفاً القرار بأنه ترجمة للسياسات الأميركية المعادية لشعبنا وأمتنا.
وفي تصريح له أمس، قال الناشف: «إن قرار ترامب بشأن مرتفعات الجولان، لا قيمة حقوقية له، لكنه يكشف عن عداء مكشوف لأمتنا وشعبنا، وهذا دأب الإدارات الأميركية المتعاقبة ونسق سياساتها الداعمة لكيان العدو الصهيوني، غير أن ترامب تفوّق على أسلافه في الصلافة والعتوّ وفي ضرب القانون والدولي ومواثيقه بعرض الحائط».
أضاف الناشف: «إن قرار ترامب الأخير حول مرتفعات الجولان، لا يغيّر في واقع أن هذه المرتفعات أرضاً سورية محتلة، وستتحرّر بالقتال والمقاومة، لكنه يشكل تحدياً خطيراً يطال العالم بأسره، لأن هذا القرار استهانة بالشرعية الدولية ومواثيقها التي تمنع المحتل من ضمّ الأراضي بالقوة، واستهتار بحق الشعوب بالسيادة على أرضها».
وتابع: «إن عدم قيام ما يُسمّى المجتمع الدولي ومؤسساته بالخطوات اللازمة رداً على قرار سابق أصدره الرئيس الأميركي يعترف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال اليهودي، هو ما شجّعه على قراره الأخير، لذلك نطالب دول العالم قاطبة والأمم المتحدة على وجه الخصوص ليس إدانة القرار وحسب، بل اتخاذ خطوات عملية لوضع حد لشريعة الغاب التي تنتهجها الادارة الأميركية وتصدياً لما تسببه هذه القرارات الرعناء من فوضى عالمية».
وأكد الناشف: «بأنّ أرض فلسطين، وأرض الشام، هي أرضنا وحقنا، ولا يملك ترامب، أو أي قوة في العالم مهما علا شأنها التصرف بهذه الأرض وبهذا الحق. وإن مرتفعات الجولان أرض محتلة، كانت وستعود إلى كنف سيادة الدولة السورية».
وقال الناشف: «إننا نعلن استنكارنا ورفضنا لقرار ترامب، وبأن هذا القرار لا يساوي الحبر الذي كُتب به. كما نعلن وقوفنا بقوة وانخراطنا الى جانب شعبنا في فلسطين والشام في معركة تحرير أرضنا المغتصبة من الاحتلال العنصري الغاشم».
وختم: «نحن لا نستجدي الحق استجداءً، بل نكافح ونقاوم في سبيل استعادته، وما من سبيل لتثبيت حقنا وتحرير أرضنا إلا من خلال المقاومة، نهجاً وخياراً، ونحن واثقون بأن أمتنا ستنتصر على أعدائها، مهما كان حجم التآمر ضدها من قوى الغدر والغطرسة والاستعمار».
الى ذلك، لا شك في أن وقع إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس، جرياً على العادة كان كبيراً في الداخل والخارج. فإطلالة السيد نصر الله التي تناولت نقطتين فقط مرتبطتين بالسياسة الأميركية لجهة اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بسيادة «إسرائيل» على الجولان السوري المحتل، وزيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو التحريضية الى لبنان، حيث تضمّن حديث السيد نصرالله تحليلاً علمياً ومنطقياً سلساً لأحداث الاسبوع الفائت ورداً مدروساً بدقة عرّى خلاله السيد نصر الله الولايات المتحدة الأميركية ومواقفها المزيفة.
وبحسب مصادر متابعة لـ»البناء» فقد فضح السيد نصر الله الدعم الأميركي لـ»إسرائيل»، الأمر الذي يفقد واشنطن حق القيام بوساطة أو برعاية تسوية في المنطقة او في العالم، فضلاً عن انه حمّل العرب مسؤولية ما يجري بسبب تفريطهم بالقضية الفلسطينية وتحديداً بالقدس الأمر الذي دفع ترامب الى اعلان اعترافه بسيادة «إسرائيل» على الجولان، وبالتالي فإن السيد توجه الى العرب بضرورة التنبه وعدم الارتهان الى السياسة الأميركية تجاه الجولان، لأن من شأن ذلك ان يدفع الى الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية. ولفتت المصادر الى اشارة السيد نصر الله الى الموقف الدولي الجامع الرافض للإعلان الأميركي رغم أنه أكد ان هذا الرفض الكلامي يستدعي تحشيداً بالفعل وليس بالقول. ليبقى الأكيد بحسب المصادر أن السيد نصر الله خلص الى القول إن حقوقنا لا تحميها قوانين إنما المقاومة، وإن المقاومة هي طريق استعادة الحقوق.
ورأت المصادر في هذا السياق، أن القرار الأميركي نسف كل المبادرات والمؤتمرات التي لطالما دعت الإدارات الأميركية السابقة في ما خص السلام الشامل والعادل، مشددة على أن إسقاط ادارة ترامب لأسس ما تسمّيه «مبادرات السلام» لن يُبقي أمام سورية وحلفائها الا خيار المقاومة لاسترجاع الحقوق المشروعة.
وبالنسبة الى بومبيو، فكان لافتاً، بحسب المصادر، تفنيد الامين العام لحزب الله زيارة بومبيو الى بيروت وما تخللها من تحريض، وشددت المصادر على ان السيد نصر الله فضح المسؤول الأميركي في خطته ومؤامرته، وأبرز أن المحاولة الأميركية لإثارة الفتنة في لبنان دفنت قبل أن تولد بفضل تعاون جميع الفئات اللبنانية التي لم تستجب للمطالب الأميركية.
وكان الأمين العام لحزب الله أكد أن اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل وجّه ضربة قاضية لما يُسمّى «عملية السلام» في المنطقة، معتبراً أن صمت العالم العربي على مصادرة ترامب للقدس جعله يتجرأ على موقفه بشأن الجولان المحتل، ولم يستبعد أن يعترف ترامب بالسيادة «الإسرائيلية» على الضفة الغربية بعد قراره بشأن الجولان المحتل.
ورأى أنه إذا بقي بعض الحياء والشهامة العربية فإن أبسط الأمور يكون بالردّ عبر سحب ما يُسمّى بـ «المبادرة العربية للسلام» خلال القمة العربية المقبلة في تونس، مشدّداً على أن ما تعرّضت له القدس والجولان دليل إضافي على أن خيار المقاومة هو الطريق الوحيد لاسترجاع الحقوق والأرض المحتلة.
وحول زيارة وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو الأخيرة إلى لبنان، بيّن السيد نصر الله أن في الشكل شاهدنا وزير خارجية أقوى دولة في العالم يقرأ نصاً مكتوباً بعد لقاءاته وزيارته إلى وزارة الخارجية اللبنانية وقد ذكر اسم حزب الله 18 مرة و»إيران» 19 مرة في دقائق معدودة، مشيراً إلى أن بومبيو أتى وكأنه يريد أن يُعطي بلاغاً ويمشي وهو ضعف في المنطق ويبرهن عن استعلاء واستكبار.
وجزم أنه «يُسعدنا ولا يُخيفنا أن يذكر وزير خارجية أقوى دولة مستكبرة في العالم اسم حزب الله وأن تكون إدارة ترامب غاضبة من حزب الله الى هذا الحد، لأن الإدارة الأميركية هي الشيطان الأكبر، وهذا يعني أننا أقرب الى الله»، موضحاً أن غضب الولايات المتحدة منا يجعلنا نطمئن ونزداد يقيناً بسلامة موقعنا وخياراتنا.
وأوضح السيد نصر الله أن بومبيو جاهل بما يجري في لبنان وما ذكره في كلمته من معطيات قُدّمت له من خونة، منوّها السيد نصر الله إلى أن الشعب اللبناني يحلم بسلامه الداخلي واستقراره وأن لا تكون هناك دولة فيها نهب وهدر مالي، لافتاً إلى أن من يقف عائقاً أمام تحقيق اللبنانيين لأحلامهم هو «إسرائيل» ومَن يدعمها.
وأكد أن حزب الله جزء أساسي من صنع معادلة الاستقرار والسلام الداخلي والازدهار في لبنان، وأن لبنان ينعم بالأمن ببركة صواريخ المقاومة التي تمنع أميركا الجيش اللبناني من الحصول على مثلها، مبيّناً أننا في حزب الله أشدّ الناس حرصاً على الاستقرار والسلام الداخلي والازدهار في لبنان وإيران معنا في هذا الأمر.
وحذّر السيد نصر الله من أن العين الأميركية على إثارة فتنة وحرب اهلية في لبنان لمصلحة «الإسرائيلي»، ورأى أنه لولا وجود حزب الله لما اعترف بومبيو بلبنان ولا أتى لزيارته، وأن مشكلة بومبيو وأميركا مع إيران وحزب الله أننا عقبة في وجه صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية.
ولفت السيد نصر الله إلى أن بومبيو كذب حين تحدث عن استعداد الولايات المتحدة للمساعدة في عودة النازحين السوريين، مشيراً إلى أن السوريين في مخيم الركبان يريدون العودة إلى قراهم والدولة والسورية وافقت على ذلك، لكنّ الأميركيين يعرقلون عودتهم.
الى ذلك، أصدر القاضي العقاري في النبطية أحمد مزهر قراراً بعد أن تقدمت شركة باستدعاء امامه لمسح الأراضي المحتلة في شبعا وكفرشوبا.
وطالب القرار الشركة بإجراء مسح للأراضي المحتلة والتي أثبتت لبنانيتها والواقعة خلف الخط الأزرق كجزء لا يتجزأ من المساحة اللبنانية وذلك باستخدام الخرائط الجوية ووسائل المسح المتاحة عن بعد.
وطالب القرار بإطلاق تسمية الأراضي اللبنانية المحتلة على الأراضي موضوع الاستدعاء على ان تنظم محاضر لها باسم الجمهورية اللبنانية وتسلم الى المحكمة في مهلة أقصاها أول أيار المقبل.
مع ذلك، لم يُستغرب لجوء كتلة المستقبل أمس، الى التطمين لزيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، وإن كانت دانت قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بسيادة «إسرائيل» على الجولان، فلجأت الى التعاطي معها بإيجابية لجهة أن واشنطن مستمرة في دعم الجيش والقوى الأمنية آملة من الحكومة الأميركية إيلاء الأهمية القصوى لاستقرار لبنان واقتصاده وقطاعه المصرفي في أي خطوات قد تقررها لاحقاً. وأكدت كتلة المستقبل ان «السبيل الوحيد لحماية لبنان من تداعيات الصراع الإقليمي هو تقديم المصلحة الوطنية على كل ما عداها، والتزام الجميع بالنأي بالنفس الذي اعتمدته الحكومة في بيانها الوزاري، وفي التطبيق الكامل للقرار 1701».
أما الحدث الأبرز محلياً فكان في روسيا حيث توّج رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لقاءاته في موسكو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة هي الأولى بين الرجلين منذ وصول عون الى قصر بعبدا.
وبحسب مصادر الوفد المرافق للرئيس عون لـ»البناء» فإن الاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس الروسي على تفعيل التعاون بين لبنان وسورية وروسيا من أجل عودة النازحين السوريين وفق المبادرة الروسية التي تحظى بتأييد الجانبين اللبناني والسوري. ورأت المصادر أن الجانب الروسي أبدى تفهماً كبيراً لموقف لبنان من أزمة النزوح، وكان مقتنعاً بضرورة إيجاد الحلول انطلاقاً من مصلحة الدول المضيفة وعلى رأسها لبنان، مع إشارته الى ان الدولة السورية من جهتها تريد عودة السوريين الى ديارهم.
واعتبرت مصادر تكتل لبنان القوي لـ»البناء» ان الزيارة الرسمية للرئيس عون الى موسكو تاريخية لأن روسيا تلعب دوراً مهماً في المنطقة لا سيما لجهة حماية المسيحيين، متوقعة أن تترك الزيارة نتائج إيجابية على صعيد حل أزمة النازحين والتعاون الاقتصادي والعسكري في مرحلة لاحقة، لافتة الى ان روسيا دولة عظمى وتتمتع بنفوذ كبير في المنطقة وبإمكانها اليوم أن تلعب دور الوسيط في ما خصّ الصراع العربي الإسرائيلي.
فيما نقل عن السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسيبكين أنه توقع مفاجأة جيو سياسية، لفتت المعلومات من جهة أخرى الى ان روسيا وجهت دعوة للبنان للمشاركة في مؤتمر أستانة المقبل بصفة مراقب.
وأعرب رئيس الجمهورية والرئيس الروسي في بيان مشترك صدر بعد المحادثات التي عقداها في الكرملين عن قناعتهما بأن لا بديل عن الحل السلمي للقضية السورية، مشدّدين على ضرورة حل هذا النزاع من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية، استناداً الى قرار مجلس الأمن رقم 2254، ومقرّرات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي.
وأكد البيان أن الرئيسين اللبناني والروسي «يدعمان بقوة الجهود التي تضطلع بها سلطات الجمهورية العربية السورية وحلفاؤها لمحاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش وجبهة النصرة والمجموعات المتفرّعة عنهما.
وأعرب الرئيسان عن تأييدهما للجهود الرامية الى تطبيق مبادرة روسيا لتأمين عودة اللاجئين السوريين والمهجرين داخلياً، معتبرين أن حل هذه المشكلة يعتمد مباشرة على تهيئة الظروف المؤاتية في سورية، بما في ذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية، من خلال إعادة الإعمار ما بعد الصراع. كما دعوا المجتمع الدولي والامم المتحدة والمنظمات الإنسانية الى تأمين كل المساعدة الممكنة لهذه العملية.
وقبل ذلك، وخلال زيارته رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فالودين في موسكو، وصف الرئيس عون قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعطاء الحق لـ»إسرائيل» بضم الجولان السوري، «بأنه يوم أسود يشهده العالم»، «وهذا العمل التعسفي يشكل مساساً بالشرعية الدولية التي ترعى الحدود بين الدول». وأكد رئيس مجلس الدوما الروسي، أن من مصلحة روسيا استقرار سورية وعودة النازحين السوريين الى ديارهم، مقترحاً عقد مؤتمر برلماني في بيروت يجمع بين ممثلي البرلمانات اللبنانية والروسية والأوروبية والتركية والإيرانية والسورية، يخصص لدرس عودة النازحين السوريين الى ديارهم.
أما على صعيد التعاون بين البلدين اقتصادياً، فاستقبل الرئيس عون في مقر إقامته، بحضور الوزير جبران باسيل، رئيس مجلس إدارة شركة «روسنفت Rosneft « التي رست عليها مناقصة إعادة تأهيل منشآت النفط في طرابلس، مع وفد من كبار المسؤولين في الشركة الذي قال: «إن لبنان دولة استراتيجية بالنسبة الى نشاطات الشركة، ونحن نتعامل مع شركات لبنانية وننسّق معها بإيجابية في سبيل النهوض مجدداً بمنشآت النفط في شمال لبنان».
ونشر الوزير جبران باسيل صورة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر حسابه على «تويتر» معلقاً بالقول: مع الرئيس بوتين يكون الحديث عميقاً واستراتيجياً من المشرق الى العالم، من التنوّع الى مقاومة الارهاب، من القدس الى الجولان، من النفط الى الغاز، من السياحة الى الزراعة أساسه تاريخ غني وأفقه مستقبل واعد».
وعطفا على المحادثات الروسية في ما خصّ ملف النازحين، أصدرت وزارة الداخلية السورية تعميمًا أشارت فيه الى أنه نتيجة الظروف الأمنية التي تعرّضت لها البلاد غادر عدد من المواطنين وعليه فإنه يتعين على قادة الوحدات ورؤساء المراكز الحدودية التقيّد بحسن استقبال المواطنين الذين غادروا سورية عبر منافذ غير رسمية. كما طالبت وزارة الداخلية الجهات المعنية بإلغاء الإجراء الإداري الذي كان معمولاً به سابقاً في هذه الحالات والذي كان يفترض التوقيف.
الى فرضت الجراحة التي خضع لها رئيس الحكومة سعد الحريري في باريس، إرجاء جلسة مجلس الوزراء التي كان مقرراً أن تُعقد يوم غد الخميس، ليرجئ رئيس مجلس النواب نبيه بري أيضاً جلسة الأسئلة والأجوبة التي كانت مقرّرة اليوم الى يوم الجمعة المقبل في الثالثة بعد الظهر.
وفيما لم تعقد اللجنة الوزارية الفرعية لدراسة خطة الكهرباء اجتماعها الذي كان مقرراً اليوم في السراي. تبلغت مؤسسة كهرباء لبنان توقيع وزير المال علي حسن خليل على فتح اعتماد باخرتي الغاز اويل لمصلحة معملي دير عمار والزهراني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار
عون ــ بوتين: تحالف استراتيجي
تفاهمات نفطية وتنسيق ثلاثي في ملف النازحين مع دمشق
الحكومة تستمر في تجاهل الموازنة | بري: خفض العجز… أو مشكلة كبيرة
رسم الرئيسان ميشال عون وفلاديمير بوتين الخطوط الأولى لعلاقة استراتيجية بين لبنان وروسيا، بعد سنوات طويلة من العلاقات المتأرجحة بين البلدين. لقاء القمة أمس محطّة مفصلية في تاريخ العلاقة، مع التفاهمات السياسية والنفطية الكبرى التي أرساها الرجلان (تقرير فراس الشوفي).
تكسر شمس العاشرة صباحاً، حدّة البرد القارس المحمّل مع ريح الساحة الحمراء في قلب العاصمة الروسية موسكو. الموعد صار قريباً، والجنود الروس يروحون ويجيئون يتدربون بانتظار وصول الرئيس ميشال عون لوضع إكليل الورد على ضريح الجندي المجهول في الباحة الخارجية للكرملين. الأصابع تتصلّب والريح الباردة تلفح الرؤوس، وفرقة الموسيقى الروسية العسكرية بالزي الرمادي المذهّب، تستعد لعزف النشيد اللبناني ونشيد الموتى إكراماً لشهداء «الحرب الوطنية» (شهداء الحرب العالمية الثانية).
يسير عون بخطى جنرال قديم نحو الضريح، يعاون الجنود على وضع الإكليل، ثم يؤدّي تحيّة عسكريّة، على وقع نشيد الموتى ثم النشيد اللبناني. ومع لحظات الحزن البادية على وجوه الروس في ساحة الشهداء، ها هي الفرقة الروسية تختتم الطقس الرسمي بعزف موسيقى من التراث الروسي، فتنقل مزاج الحاضرين من الحزن إلى الحماسة.
قمّة عون ــ بوتين
الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، تحطّ مروحية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين. قبل لقاء عون، نظم بوتين احتفالاً تكريمياً داخل الكرملين لعددٍ من المبدعين الروس. وأمام حشد من المميزين في مجالات الهندسة والعلوم والفن، أطلق الرئيس الروسي خطاباً تغنّى فيه بقوّة وعظمة الشعب الروسي والدولة الروسية، القديمة والجديدة. ساعة بالتمام والكمال، يستعد بوتين للقاء نظيره اللبناني، في إحدى قاعات القصر الكثيرة. السقف مقوّس نحو السماء، ومن داخله تظهر القباب العالية، مكسوّة بالقماش المذهّب والأضواء الباهرة. يدخل عون من الباب الأيسر وبوتين من الباب الأيمن، ويلتقيان بالوسط، حيث كان قد سبقهما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
خمس دقائق علنيّة، كانت كافية لتضع أسساً لمحطّة مفصليّة من عمر العلاقات اللبنانية – الروسية، ولتنسج كيمياء واضحة بين الرجلين، وتقديراً متبادلاً. اعتبر بوتين في كلمته المقتضبة أن لبنان شريك لروسيا، فيما رمى عون بأوراقه بثقة: تقدير مواقف بوتين في حماية المسيحيين المشرقيين، أخبره عن تفاهمات مهمّة في الشقّ الاقتصادي مع الشركات الروسية، وطلب من سيّد الكرملين طمأنات لكبح جماح إسرائيل بعد قرار الرئيس الأميركي الاعتراف بـ«السيادة الإسرائيلية» على الجولان السوري المحتل. وما إن أنهى عون نقطته الأخيرة، حتى طلب بوتين مغادرة الصحافيين والكاميرات، وكأن الدسم قد بدأ في الجلسة للتوّ.
نصف ساعة في الاجتماع المغلق، بحضور لافروف ومساعد بوتين يوري أوشاكوف والسكريتير الصحفي ديميتري بيسكوف عن الجانب الروسي، ووزير الخارجية جبران باسيل ومستشارة الرئيس ميراي عون عن الجانب اللبناني، وُضعت فيها أسس علاقة استراتيجية بين البلدين. وبحسب المعلومات، عرض الطرفان خطوط تفاهم عامّة حيال مختلف الملفّات المشتركة، بدءاً من ملفات النفط والغاز والتعاون العسكري والمالي والتبادل التجاري والاقتصادي، وصولاً إلى التعاون في الملفات الدبلوماسية على المستوى الدولي ومآلات الأزمة السورية وانعكاساتها على لبنان، ولا سيّما مسألة النازحين.
وركّز عون خلال هذه الجلسة، على الخطر الإسرائيلي على لبنان وسوريا، وأشار إلى خطورة مسألة الجولان، مفيداً بوتين بأن أهالي الجولان المحتل على مدى خمسة عقود رفضوا أن يكونوا جزءاً من دولة الاحتلال الإسرائيلي، وجرت محاولات إسرائيلية عديدة لإخضاعهم، لكنّهم صمدوا. وشرح للرئيس الروسي كيف أن لبنان يتضرّر من هذا الإعلان الأميركي، وأن في منطقة الجولان أجزاءً لبنانية يطالب لبنان باستردادها من الاحتلال.
لقاء القمّة كان إطاراً عاماً لتفاهمات كبيرة، ستؤثّر بمستقبل لبنان اقتصادياً وسياسياً، وبموقعه في السياسة الدولية، ولتظهر لاحقاً أيضاً في اللقاء الموسّع، جديّة عون وباسيل للبدء بتحويل تلك التفاهمات إلى خطوات عمليّة.
غداء العمل
بعد لقاء القمّة، انتقل الجانبان إلى مائدة الرئيس الروسي، لتنضمّ إليهم مجموعة من الشخصيات البارزة من الجانب الروسي، بما يعكس أيضاً جديّة روسية عالية في تطوير العلاقات وتعميقها مع لبنان: سيتشين إيغور إيفانوفيتش (رئيس الشركة النفطية روسنفط)، وزير الطاقة نوفاك أليكساندر فالينتينوفيتش، وزير التنمية الاقتصادية أوريشكين ماكسيم ستانيسلافوفيتش، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا أليكساندر لافرينتييف والسفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبيكين، فيما انضم عن الجانب اللبناني مستشار وزير الخارجية للشؤون الروسية أمل أبو زيد، والسفير اللبناني في موسكو شوقي أبو نصار ورئيس المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية رفيق شلالا ووفد المراسم اللبناني.
وبحسب أكثر من مصدر روسي ولبناني شارك في اللقاء، بدا التناغم في المواقف واضحاً بين الجانبين، مع مواقف متقاربة جداً حيال المصالح المشتركة بين البلدين.
من جهته، بدأ لافرنتييف بوضع الحاضرين بصورة تطوّرات الأزمة السورية، مؤكّداً إصرار سوريا وروسيا على مكافحة الإرهاب والحفاظ على وحدة الأراضي السورية ورفض أي وجود عسكري غير شرعي على الأرض السورية. وكشف لافرنتييف أن الجانب الروسي يعمل مع شركائه في مسار أستانا ومع سوريا على إخراج مسألة اللجنة الدستورية، متوقّعاً أن تكون اللجنة جاهزة خلال شهرين من الآن. وقال إن العمل حثيث على التسوية السياسية في سوريا، وأن سياسة روسيا هي خلق الظروف المواتية عبر تذليل العقبات مع دول الجوار ومع الدول الأوروبية.
أمّا وزير الطاقة الروسي، فشكر الدولة اللبنانية على جهودها بمساعدة شركتين روسيتين كبيرتين (نوفاتك وروسنفط) على العمل في لبنان، مؤكّداً حرص الجانب الروسي على توسيع أعماله في لبنان في قطاع النفط والغاز. من جهته، رحّب باسيل بكلام وزير النفط الروسي، مؤكّداً أن لبنان جاهز للتعاون مع روسيا في هذا المجال إلى أبعد الحدود، وأثنى ممثّل روسنفط على كلام باسيل، كاشفاً أن الشركة الروسية أصلاً تزوّد لبنان بنحو مليون طن سنوياً من الغاز.
ورأى لافروف أن الجانب الروسي يتعامل بشكل كامل في الشؤون الدولية بطريقة ايجابية، مشيراً إلى أن «الموقف الأميركي دائماً يعارض قضايانا المشتركة»، وكشف عن نيّة الخارجية الروسية دعوة لبنان والعراق لحضور اجتماعات أستانا بصفة مراقب. وحول ملفّ الجولان، انتقد لافروف أحادية الموقف الأميركي، مشيراً إلى أن «القرار غير منتظر ومفاجئ وأن انعكاساته ستكون خطيرة على مسار السلام في الشرق الأوسط، ومن الصعب جداً أن يقبل به أي أحد، والشرعية الدولية بأسرها تقول إن الجولان جزء محتل من سوريا». وانتقد لافروف الموقف الأميركي الذي يحمّل إيران مسؤولية كل الأزمات، «إذا امطرت يقولون طهران، وهم (الأميركيون) يخططون لإقامة حلف ناتو خليجي وتسعير حرب في الخليج». وكشف لافروف عن أنه لمس في محادثاته خلال الجولة الخليجية الأخيرة، رفضاً كويتياً وعُمانياً وقطرياً لفكرة الناتو الخليجي الذي يُعَدّ ضد إيران، وأن هذه الدول أقرب إلى المنطق الروسي، متّهماً الأميركيين بالسعي للتفرقة «على أسس مذهبية وعلى قاعدة سُني وشيعي».
وحين سُئل عون عن جاهزية حزب الله للتصدي لأي حرب إسرائيلية، في ظلّ الاستفزازات المستمرة من جانب إسرائيل، أكّد رئيس الجمهورية أن حزب الله قادر على مواجهة أي عدوان إسرائيلي.
بدوره، طرح باسيل مسألة النازحين السوريين، مؤكّداً أهمية وجود تنسيق ثلاثي، روسي – لبناني – سوري، لحلّ الأزمة. وقال إن هناك تواصلاً ممتازاً بين لبنان والحكومة السورية، وهناك تفهّم واضح من الجانبين، ولبنان يأخذ بالاعتبار كل ما يتعلّق بالأزمة السورية. واتُّفق على تفعيل التنسيق السوري – اللبناني – الروسي لتسريع عودة النازحين في إطار المبادرة الروسية التي تشكّل مظلة سياسية لهذه العودة، على أن يتضمن ذلك إجراءات ملموسة بالتفاهم مع دمشق، يدخل التعميم الذي صدر عن وزارة الداخلية السورية أمس في إطارها (أمر وزير الداخلية السورية محمد رحمون أمس شرطة الحدود بحسن استقبال النازحين الذين خرجوا من بلادهم طوال سنوات الحرب من غير المعابر الرسمية)، إضافة إلى قرارات أخرى ستصدر تباعاً.
وبعد أن استمع بوتين إلى مداخلات الجميع، أكّد أنه يوافق على كلّ ما قيل في سبيل تطوير العلاقات بين البلدين، وأنه واثق من قدرة الطرفين على التطوير، على الرغم من الصعوبات والضغوطات، وأن العمل يجب أن يحصل بإيجابية وتأنٍّ، مثنياً على موقف عون من ضرورة الابتعاد عن الأحادية في الموقف الدولي بالإشارة إلى الهيمنة الأميركية. وأضاف أن «العقوبات التي تُوضَع ضد سوريا وروسيا والآن لبنان، تضيّق بعض الشيء العلاقات الاقتصادية، لكن علينا البحث في أُطر للتعاون». وهذا الموقف من بوتين، جاء بعد الحديث عن ضرورة وضع آلية للتعاون المالي بين البلدين، في ظلّ الضغوط الخارجية.
وبناءً على دعوة عون بوتين إلى زيارة لبنان، قال الرئيس الروسي إنه سيضع زيارة لبنان على جدول أعماله هذا العام وعلى جدول زياراته لمنطقة الشرق الأوسط. كذلك جرى الحديث عن لجان اقتصادية ولجان تواصل. وسمّت الخارجية اللبنانية مستشار باسيل للشؤون الروسية أمل أبو زيد ليكون ممثلاً للخارجية.
وفي ما خصّ اتفاقات التعاون العسكري، لم يدخل الجانبان في التفاصيل، إلّا أن الجانب الروسي يعوّل على زيارة وزير الدفاع اللبناني الياس بو صعب المرتقبة لموسكو في تموز المقبل لتوقيع اتفاقية التعاون العسكري، فيما علمت «الأخبار» أن بو صعب أعاد إرسال ملفّ الاتفاقية إلى مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، ومن المفترض أن توضع على جدول أعمال مجلس الوزراء في أقرب فرصة للبت فيها والتحضير لزيارة بو صعب لموسكو.
لقاء ممثلي الكنيسة والشركات الروسية
يوم الاثنين، عقد الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل ثلاثة اجتماعات مهمة: الأول ضمّ ممثلين عن أبرز الشركات الروسية، بينها «سترونغ ترانس غاز» (قطاع الغاز والفوسفات)، و«أنتر راو» (الطاقة والكهرباء). وبحسب المعلومات، جرى الحديث عن التنقيب عن النفط والغاز في الحقول اللبنانية وخطوط نقل الغاز والأنابيب وبناء المنشآت النفطية والعمل على تمديد شبكات لنقل الغاز المنزلي إلى البيوت في لبنان. أما الاجتماع الآخر، فضمّ رئيس قسم العلاقات الخارجية في بطريركية موسكو وكل روسيا، المتروبوليت هيلاريون على رأس وفد بحضور المعتمد البطريركي للروم الأرثوذكس في موسكو، المطران نيفون صيقلي، وجرى الحديث عن العلاقة التي تربط الكنيسة الروسية بالكنيسة الأنطاكية ورفض المحاولات الأميركية الساعية إلى تقسيم الكنيسة والحفاظ على الوجود المسيحي في المشرق. كذلك الأمر عقد عون وباسيل اجتماعاً مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول إفريقيا ميخائيل بوغدانوف، وجرى الحديث عن التطورات السياسية الخطيرة في المنطقة، ولا سيّما مسألة الجولان.
الحكومة تستمر في تجاهل الموازنة | بري: خفض العجز… أو مشكلة كبيرة
يمرّ أسبوع جديد من دون أي تقدم على مستوى معالجة الوضع المالي. الحكومة لا تزال غائبة عن الملف، في ظل عدم البدء بمناقشة الموازنة، فيما وزارة المالية لم تحسم قرارها بشأن الوجهة المتوقّعة لخفض العجز. وعلى الخط نفسه، يتفق تكتل لبنان القوي مع الرئيس نبيه بري على أولوية إقرار الموازنة ومخاطر تأخيرها.
أعاد رئيس مجلس النواب نبيه بري تأكيد أولوية إقرار الموازنة، معلناً تأجيل جلسة مساءلة الحكومة، التي كانت مقررة اليوم إلى الجمعة. كما تردد احتمال أن يُؤجّل الموعد مجدداً، بسبب خضوع الرئيس سعد الحريري لعملية قسطرة في القلب. وهو ما أدى أيضاً إلى تأجيل جلسة مجلس الوزراء المقررة يوم غد.
في هذا الوقت، كان الوضع المالي يستحوذ على الاهتمام الرسمي، من بوابة ضرورة الإسراع بإقرار الموازنة، متضمنة خَفضاً للنفقات بقيمة تعادل واحداً في المئة من الناتج المحلي، في حد أدنى. وبالرغم من أن التأخير في إقرار الموازنة مرتبط بتحديد أي من البنود سيطاوله الخفض، إلا أن ثمة من يؤكد أن الإجراء الذي لجأ إليه وزير المالية، أي وقف كل المصاريف باستثناء الرواتب، سيُسهم في ضبط العجز، ولو ورقياً، إلى حين إقرار الموازنة، متضمنةً الإجراءات المطلوبة. إلا أن هذا الإجراء يتطلب في المقابل الإسراع في البت بالموازنة، خاصة أنه يشمل نفقات قد لا يكون بالإمكان تأجيلها لفترة طويلة، أضف إلى أن تأخير إقرارها سيلغي مفعول أي إصلاحات تتضمنها، لأن الاعتمادات ستكون قد صرفت في معظمها على أساس القاعدة الاثني عشرية.
وفيما بدأت أكثر من جهة تسعى إلى أن لا يطاول الخَفض مكتسباتها، كان الرئيس بري يؤكد لـ«الأخبار» ضرورة إنجاز الموازنة في أسرع وقت ممكن، مشيراً إلى أن الحل الأمثل هو في خفض العجز، لأن بقاء الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى مشكلة كبيرة.
وفي هذا السياق، كان النائب حسن فضل الله قد قدم اقتراح قانون يُسهم بخَفض العجز ما يقارب 400 مليار ليرة، عبر خَفض 50 في المئة من البنود المتعلقة بالمساهمات لغير القطاع العام (أبرزها يتعلق بالجمعيات التي لا تتوخى الربح والتي تكبّد الدولة 318 مليار ليرة سنوياً)، وبنود التمثيل والأعياد، السفر والمؤتمرات، الأثاث والمفروشات، إضافة إلى بند «النفقات المتعددة».
في المقابل، أكد تكتل لبنان القوي، الذي عُقد برئاسة النائب إبراهيم كنعان، ضرورة «إحالة موازنة عام ٢٠١٩ مع قطع الحساب على المجلس النيابي». ورأى كنعان بعد الاجتماع أن «أي حل يكون بالعودة إلى المؤسسات الدستورية، فلا أحد يختصر المؤسسات، وأي خروج عن هذا المنطق يعرّض البلد لمشكلة ثقة جديدة ولمشكلة مالية اقتصادية بغنى عنها». ودعا إلى «تحريك الملف المالي بسرعة والانتظام تحت سقف الدستور والقانون بأيّ قرار يصدر عن الحكومة أو الوزراء».
وقد جاء هذا الموقف ليؤكد رفض التكتل لخطوة خليل، انطلاقاً من أنها خطوة غير قانونية، تخالف قانون الصرف على القاعدة الاثني عشرية الذي أقره مجلس النواب أخيراً، وتتخطى صلاحية منوطة بمجلس الوزراء مجتمعاً.
وهذا الأمر كان محل نقاش في الاجتماع الوزاري المخصص للكهرباء، من بوابة مخالفة قرار الوزير للمادة 118 من قانون المحاسبة العمومية، التي تنص على أن «لوزير المالية، إذا وجد ضرورة لذلك، أن يقترح على مجلس الوزراء وقف استعمال بعض الاعتمادات المرصودة في الموازنة. ولمجلس الوزراء أن يقرر الموافقة على الاقتراح إذا كانت الظروف الراهنة تبرر اتخاذ مثل هذا التدبير».
واستغربت مصادر التكتل عدم عقد الحكومة لأي جلسة متعلقة بالموازنة أو بالوضع المالي حتى اليوم، محذّرة من مغبّة الاستمرار بهذه السياسة التي لا تتناسب مع الظرف الدقيق الذي يمرّ به لبنان.
أما بشأن الخَفض في الموازنة، فقد دعت إلى درس هذه الخطوة، ومن ثم الرقابة على الإنفاق كي لا تتكرر تجربة إقرار موازنة عام 2018، حيث خفَضت نفقات الوزارات 20 في المئة، قبل انعقاد مؤتمر سيدر، لكن بعد ذلك جرت زيادة اعتمادات كهرباء لبنان ووزارة الصحة لتتمكن من تأمين أدوية الأمراض المزمنة، فتحول الخفض إلى خفض وهمي.