تقديم(*) : "محمد على دوس" (1866 – 1945) ، كاتب وناشط سياسى، ولد بالاسكندرية من أب مصرى وأم سودانية . كتب عن تاريخ مصر فى :" أرض الفراعنة – تاريخ مختصر لمصر " بالإنجليزية 1911 In The Land of The Pharaohs" ، ونشط مع قيادة حركة الوحدة الإفريقية Pan Africanism خلال حياته بين لندن وواشنطن وباريس والقاهرة ، والتى أكملها فى نيجيريا حتى وفاته فى " لاجوس" (نيجيريا) 1945، وطوال حياته الطويلة مع الأفارقة لم ينس أنه وطنى مصرى إفريقى يتعمق فى تاريخ بلاده من العرابية حتى ثورة 1919 وعقبها لفترة ، واقترب وقابل أحمد عرابي والعرابيين ، كما تعاون مع مصطفى كامل ومحمد فريد ، وسعد زغلول
مدخل عن حياته الخاصة
نشأ " محمد على دوس " بالإسكندرية فترة طفولته ، ورحل عنها عقب وفاة والده فى معركة التل الكبير خلال مشاركته – كضابط – فى جيش "عرابى " . وارتحل صبيا إلى انجلترا وأكمل تعليمه الجامعى هناك.
انخرط "دوس" فى قضايا التفرقة العنصرية، والتمييز العنصرى ضد الملونين والزنوج وخاصة عند ارتحاله إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد عام 1921، حيث قابل وعمل مع زعماء حركات الزنوج والملونين ( وليم ديبويس و ماركوس جارفى )
أسس "دوس" عدة صحف ، وكتب فى العديد من المجلات ، متابعا لأوضاع الملونين ، وحركة شعوب ومسلمى آسيا وإفريقيا ، وتاريخ مصر ونضال زعمائها ، وإن برز عنده الاهتمام بالعالم الإسلامى ، والدفاع عن الدولة التركية ، كدولة اسلامية ضد التكالب الغربي عليها .
و خلال ذلك ايضا قابل زعماء إفريقيا واسيا القادمين من المستعمرات ، كما قابل زعماء الثورة المصرية وسط موجة من تحركه وسط الشباب المصريين في انجلترا لتأسيس جمعيات حول مختلف ارتباطاته التي غلب عليها صلته بمصطفي كامل ومحمد فريد وقادة الحزب الوطني قبل وصول وفد ثورة 1919 الي لندن محاولا مساعدة الجميع باتصالاته في بريطانيا ..
سافر إلى بعض البلدان الإفريقية مثل سيراليون وليبريا فترة قوة الدعوة لعودة الزنوج ( من أرض العبودية – الدياسبورا ) إلى أرض الوطن ، فيما اسماه البعض " بالصهيونية السوداء " .
استقر فى بلدان غرب افريقيا وخاصة في نيجيريا وفى حضن حركتها الوطنية ( الزعيم نامدي أزيكوى ) حتى وفاته عام 1945 .
انخراطه مع الحركة الوطنية المصرية
لايرجع وعى " محمد على دوس " بمصريته إلى مجرد انخراطه مع زعماء ثورة 1919 ، بل كان ذلك مبكرا منذ رده على هجوم الرئيس الأمريكى علي اخلاق وطبائع الشعب المصري بهجوم مماثل عُرف فى انجلترا وأوربا ، وليس أدل على ذلك من تأليفه مبكرا لكتاب :"في أرض الفراعنة ،مختصر تاريخ مصر من بعد اسماعيل باشا حتى إغتيال بطرس باشا " ، مدافعا عن العرابية عام 1911 ومهاجما تناقضات روزفلت واخلاق الاوربيين…
بعد ذلك كتب فى" سيرته الذاتية " 1937 عن صداقته مع مصطفى كامل ومحمد فريد أثناء زيارتهما أو اقامتهما فى أوربا . وكان دائما يتحدث عن أهمية "الحزب الوطنى" بقيادة هذين الزعيمين المصريين، وقد فسر البعض قدرا من عزوف سعد زغلول عنه لهذا السبب رغم دعايته للوفد ، ومن جهة اخري سجل اخرون،، من مؤرخى حركة الوحدة الإفريقية مسعاه الدائم لهؤلاء الزعماء بين الجماعات الاوربية حتي اشراك زعماء هذا الحزب فى "مؤتمر عالمى معادٍ للامبريالية " فى بلجيكا 1927 ، وحضره فعلا "حافظ رمضان بك ويوسف ابراهيم …الخ عن الحزب الوطني.
ولأن محمد علي دوس كان دائب الحركة في الوسط البريطاني وخاصة انه كان يشتهر ايضا بقدرات فنية، فان المؤرخ " بلنت" الذي كان يحب ان يبدو عارفا وحده باسرار مصر والحركة الوطنية كان دائم التقليل من شأنه
عالمه الإفريقى وسط الأجواء العالمية
عاش "دوس" مرحلة عمره الأولى فترة النهوض والتنوير فى مطلع القرن العشرين ، بين الملونين والزنوج ، وتحرك شعوب آسيا وإفريقيا خاصة اثناء الحرب الاولي وعقبها للحصول على حق تقرير المصير – الحكم الذاتى – الاستقلال . ونشط دوره الوطنى بالتحامه مع قيادات حركة الوحدة الإفريقية Pan Africanism فى الولايات المتحدة بين ماركوس جارفى ، ووليم ديبويس، باتجاهاتهماالمختلفة بين طلب رحيل الزنوج في الدياسبورا لوطنهم فى إفريقيا "جارفي"، وبين التحرر الوطنى لجميع شعوب القارة "ديبويس "…وخلال ذلك أسس "دوس " الصحف التى عبّر فيها عن رأيه وآراء الحركات الإفريقية والاسلامية الاسيوية ،اشتهر منها خاصة مجلات African Times و مجلة African Times and Orient ، للتعبير عن أفقها الاوسع الآسيوى الإفريقى مع متابعة انشطة التجمعات المصرية الوطنية ، حتى اعتبره بعض الكتاب من المبشرين بحركة " باندونج" .
رغم علاقة" دوس " و أحد مفكرى الحركة " جورج بادمور" – بعدد من قيادات حركة البان أفريكانيزم-فانه ، لم يشاركهم فى اتجاههم نحو التوجهات الاشتراكية الأممية فترة ازدهارها ، وإن كان تأثر بما صدر عن ثورة 1917 البلشفية حتي بدا احيانا اشتراكيا.
عاش "دوس" إذن أجواء التنوير والتحركات الشعبية قبل الحرب العالمية الأولى ، بل وقبل ذلك متأثرا بوطنية والده ، وخلال ذلك كان يأتى إلى مصر ويتعرف على العرابيين رغم صعوبة معرفته باللغة العربية ، ثم تعرف على مصطفى كامل ،وصادق محمد فريد وكتب عنهما فى الصحف البريطانية والأمريكية.
من هنا تيسر له التأثر بما ساد بعد هذه الحرب من تحركات شعبية للمطالبة بتنفيذ الوعود الغربية حول الحكم الذاتى والاستقلال للمستعمرات والمحميات، بل وبما أعلنه الغرب فى أنحاء عالم الاستعمار من جهة ، ونتائج ثورة 1917 البلشفية من جهة أخرى.
خاتمة
يعتبر وجود المصريين بالخارج ثروة لابد من العناية بدورها الثقافى والوطنى ، وخاصة من يبرز دوره مع الحركة الوطنية بالداخل . وقد لاقى آخرون مثل محمد صبرى السربونى وغيره عناية من المثقفين المصريين يستحقها بالفعل ، وذلك لعمله على المستوى الأوربى . وأشعر أن "محمد على دوس" لم يلق هذه العناية ، رغم توفر كتاباته والكتابة عنه فى جل المصادر الإفريقية التي كتبت عن تاريخ حركة الوحدة الإفريقية Pan Africanism .
وانا بدوري أعتقد أن دور" محمد على دوس " يعتبر تأسيسا مبكرا لمعرفة المصريين بإفريقيا ، لم تستثمر بعد .
حلمي شعراوي، كاتب ومفكر ومناضل عربي من مصر، باحث في الاجتماع السياسي، المدير السابق لمركز البحوث العربية والإفريقية ـ القاهرة.
(*) قدم الدكتور حلمي شعراوي هذه المحاضرة خلال ضمن أنشطة "ندوة مئوية ثورة 1919" في المجاس الأعلى للثفافة بالقاهرة. ونشر النص على صفحة الدكتور شعراوي، يوم 25 آذار/مارس 2019.
———————————–
بعض القراءات :
1- محمد على دوس : سيرة ذاتية – ترجمة د. أحمد محمد البدوى – نشر مركز البحوث العربية 1991.
2- ايزيس مرقس : مجلة إفريقيا – عدد رقم (1) – 1988 – دار المستقبل العربى – القاهرة
3- عبد الملك عودة ، فكرة الوحدة الإفريقية : النهضة العربية – القاهرة 1966.
4 – محمد صبري السوربوني : الثورة المصرية ج 2 ترجمة مجدي عبد الحافظ -علي كورخان -المركز القومى للترجمة 2017.
5- Duse Mohamed Ali, In The Land of Pharaohs, A short history of Egypt,1911 Stanley paul.
6- Geiss, Imanuel. The Pan-African Movement. translated by Ann Keep, Methuen London, 1974 .
7- Duffield,Ian. Duse mohamed Ali, the development of Pan – africanism,Edinboyth 1971.
8- Hakim Adi, Pan African History ,Political figures,Routledge2003 .
9- Padmore, G. Pan Africanism or Communism, Dennis Dobson, 1956.