افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الجمعة 30 تشرين الثاني، 2018

بعد “لقاء الأربعاء النيابي”، علي عمار  : الدولة أصبحت مهترئة وتحتاج لاعادة بناء بعيداً عن الطائفية
إفتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم السبت 17 آذار، 2018
فرنسا : ديوان المحاسبة يطالب الحكومة بتوخي الحذر مع لبنان

بعد افتضاح مخطط ضرب "سلسلة الرتب والرواتب"، اعترف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بوجود "أزمة". ردَّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري عليه، محذراً من "اشتعال ثورة". هكذا، يكون النظام الرجعي اللبناني واقفاً على حافة الهاوية. الرجعي لأنه طائفي يميز بين المواطنين. الرجعي لأنه ربوي يمتص أرزاق المواطنين. الرجعي لأنه فاسد ومفسد لحياة المواطنين. الرجعي لأنه يصمت على انتهاك "إسرائيل" للسيادة الوطنية، أي للشعب، للمواطنين. الرجعي لأنه يتبع إرادة أميركا بكل مذلة، رغماً عن إرداة المواطنين. آخر الإحصاءات تفيد بأن 77 مليار دولار من مال المواطنين، "نالتها" المصارف فوائد على الدين العام، ما بين عامي 1993 ـ 2017. أي أن "السيد سندات" كان خلال هذه الفترة، ينهب 3,2 مليار دولار سنوياً من أموال المواطنين، من دون أن ينتج لقمة خيز واحدة. لا تنسوا "أزمة" و"ثورة".
               
اللواء
دوَّامة التأليف: إنفعال سياسي وتفلُّت في الشارع والسلسلة في مهبّ التمويل!
جنبلاط يحتوي محاولات التوتير مع بيت الوسط.. وباسيل يلتقي الحريري اليوم

هل اللحظة لاستجماع عناصر القوة في مواقف الأطراف، أو عناصر الضعف في المواقف للجهات نفسها، استعداداً «لحفلة جنون» أو توتر جديدة أم للعودة إلى العقل، في بلد يتخبّط مسؤولون ونوابه وحكومة تصريف الأعمال فيه، في معالجة أزمة الرواتب، أو بدائل العودة عن السلسلة، أو الكف، أقله عن إبداء المراجل والعنتريات، وتوفير الأجواء سواء عبر «تويتر» أو تغيير الاشكال والصور على شاشات التلفزة!
مع بداية اليوم، السياسي أمس، أكّد تيّار المستقبل ان اشخاصاً – يقصد بهم نواب اللقاء التشاوري بينهم من يتهم الرئيس المكلف «بالعمالة للمحور الأميركي – الإسرائيلي» لن يطأوا بيت الوسط..
ومساء امس أكّد الرئيس المكلف سعد الحريري انه لن يغيّر موقفه المعروف من توزير أحد النواب السنة و«الصراخ السياسي لا يوصل إلى أي مكان».
وهو في موقفه هذا لأوساطه يلتزم وفقاً حدود الصلاحيات ولا يتنازل عنها.
والاهم ان حركة الشارع لم تتوقف، على الرغم من البيانات والدعوات المتكررة من تيّار المستقبل أنه لا يقرّ هذه الحركة، ويتمسك بالاستقرار، وبأن تأخذ العدالة سيرها وفقاً للقوانين التي أكّد مدير قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان القدرة على تنفيذها..
والأهم على هذا الصعيد، احتواء التوتر الذي تسببت به تغريدات وئام وهّاب والتي تنصل منها النائب السابق وليد جنبلاط، باسم حزبه وأهل الجبل، فيما أجرى شيخ عقل الطائفة الدرزية نعيم حسن اتصالاً بالرئيس الحريري، رافضاً الحملات المغرضة، التي يتعرّض لها.
وعلى الرغم من انتقال التوتر الميداني إلى بعض نقاط في الجبل بين أنصار التقدمي وتيار وئام وهّاب، فإن مصادر واسعة الاطلاع توقعت ان يعود الوزير جبران باسيل إلى بيروت اليوم، ويتوجه إلى بيت الوسط، حيث سيلتقي الرئيس المكلف، ويتداول معه في الاقتراحات التي جرى تداولها للخروج من عقدة تمثيل سنة 8 آذار.
في هذا الوقت، كشفت مصادر دبلوماسية ان نصائح دولية، أوروبية واممية وروسية اسديت لمسؤولين كبار بأن الوقت لم يفت، ليتحرك المعنيون بتأليف حكومة للخروج من المأزق.
وحذرت المصادر ان العودة إلى التوتر بين إسرائيل والمحور الإيراني – السوري – حزب الله تكشف عن عمق التأزم الإقليمي – الدولي، ومخاطر انعكاساته السلبية على لبنان.
وفي هذا الإطار، علمت «اللواء» ان رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي سيزور العاصمة الروسية موسكو بعد غد الأحد، وان وزير الخارجية سيرغي لافروف، سيستقبله، بناءً على موعد مسبق.. في إطار التشاور مع الشخصيات اللبنانية للخروج من المأزق الراهن.
أزمة فوق أزمة
في هذا الوقت، لم يعد ثمة مجال للنكران بأن الأمور في شأن أزمة تأليف الحكومة ذاهبة إلى التأزم أكثر مما بلغته حتى الآن، في مقابل تصاعد القلق من تفجر الاحتقانات في الشارع، وانكشاف البلاد على الأعظم، في وقت تقترب فيه القوى السياسية من الاستسلام للعجز عن إيجاد الحلول للأزمة.
وفي تقدير مصادر سياسية، ان تغريدة رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الصباحية، من ان هناك أمر عمليات معمماً بالتهجم والتعرض للكرامات واختلاق الأكاذيب، لم تكن سوى مؤشر إلى ان ما يجري من تصعيد، سواء على صعيد المواقف السياسية أو التجريح الشخصي ليس مجرّد ردّات فعل، بقدر ما هي أمور مخطط لها لاستقدام الشارع إلى ساحة الاشتباك السياسي، أو إلى «معركة عض الاصابع» الجارية حالياً، لاجبار طرف على التنازل لمصلحة طرف آخر، وهو ما ظهر في اتساع التساجل بين تيّار «المستقبل» ووهّاب، من جهة، وبين الأخير وجنبلاط من جهة ثانية، وتم خلاله استحضار «التحريض العبثي للبعث السوري» على حدّ تعبير زعيم المختارة، بالتزامن مع معلومات عن قطع طرقات في الإقليم وبرجا والمدينة الرياضية، نفاها لاحقاً «تيار المستقبل».
وكانت هيئة شؤون الإعلام في تيّار «المستقبل» قد سارعت صباحاً إلى «نفي اتهام التيار بالتحريض على استخدام الشارع، مؤكدة ان التيار لا يحتاج للشارع ولا لاقفال الطرقات للتعبير عن موقفه السياسي، وهو يقف دائماً في الخط الامامي لحماية الاستقرار الداخلي».
وارفق «المستقبل» هذا النفي، بإدعاء تقدمت به مجموعة من المحامين من تيارات سياسية مختلفة ومن محامين مستقلين، امام النيابة العامة التمييزية ضد وهّاب في جرم إثارة الفتن والتعرض للسلم الأهلي، سنداً إلى المادة 317 عقوبات، وذلك على خلفية تداول «فيديو» يتعرّض فيه وهّاب للرئيس الشهيد رفيق الحريري وعائلته وللرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري.
ورد وهّاب على الادعاء بشكوى ضد الرئيس الحريري ومعاونيه على خلفية اليافطات التي تضمنت شتائم وتهديداً بالقتل، والتي قال انها سبقت الفيديو المسرب، وانه «ينتظر مدعي عام التمييز ليرى توازن القضاء».
.. وتصعيد على تصعيد
ولم يكن هذا التصعيد على المستوى السياسي والاحتقان الشعبي، سوى ترجمة لتصعيد آخر على المستوى الحكومي، ولا سيما من قبل «اللقاء التشاوري» للنواب السنة الستة، الذي رمى «قفاز التحدي» في وجه رئيسي الجمهورية والرئيس المكلف، عندما أعلن سحب التنازل عن عدم اشتراط حقيبة معينة للوزير الذي سيمثله في الحكومة، مؤكداً «اصراره على ان يتم اختيار الحقيبة الوزارية بالتشاور والتوافق معه، معتبراً ان الحل يكون بتوزير أحد نواب اللقاء الستة حصراً».
وبدا من خلال المعطيات، ان هذا التصعيد جاء رداً على ما كان أعلنه مصدر قيادي في تيّار «المستقبل» عن رفض الرئيس الحريري استقبال هؤلاء النواب، متسائلاً: كيف يمكن للرئيس المكلف ان يستقبل مجموعة نواب، وهناك في صفوفها من يتهمه بالعمالة للمحور الأميركي الإسرائيلي؟
وزاد: «اشخاص من هذا المستوى لن يطأوا «بيت الوسط».
تزامن هذا الموقف، مع تأكيد الرئيس المكلف بأنه «باق على موقفه السياسي بالنسبة لمسألة تشكيل الحكومة العتيدة»، وشدّد خلال ترؤسه مساء أمس في «بيت الوسط» اجتماعاً ضم كتلة «المستقبل» النيابية وممثلي التيار في القطاعات والهيئات المنتخبة، على انه «لن يغير هذا الموقف»، مشيراً إلى ان كلامه ليس من باب التحدي لأحد، بل لإيمانه المطلق بأن الصراخ السياسي لا يوصل إلى أي مكان، ولا يحل مشكلة الكهرباء اوالنفايات أو المطالب الحياتية والمعيشية للمواطنين.
وفي إشارة إلى رفضه للاقتراحات أو للافكار المطروحة لحل الأزمة، أكّد الحريري ان «ما هو مطروح حالياً لا علاقة له لا بالتسويات ولا بمصلحة البلد ولا اللبنانيين»، لافتاً «نظر أصحاب هذه الأفكار من دون ان يسميهم، إلى ان التسويات تقوم عندما تكون هناك مصلحة للبلد، وانه كان في مقدمة الساعين إليها».
واستقبل الرئيس الحريري مساء عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب وائل أبو فاعور، موفداً من جنبلاط، في حضور الوزير غطاس خوري.
سقوط اقتراحات باسيل
الى ذلك، اكدت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» ان التصلب في المواقف لا يزال سائدا في ملف تأليف الحكومة، وانه في ظل سقوط اقتراحي الوزير حبران باسيل لمعالجة العقدة السنية فانه يبقى الاقتراح الثالث الذي لم يكشف عنه وهو في عهدة رئيس مجلس النواب نبيه بري والمرجح ان يقوم على اقناع حزب الله بدور يلعبه لجهة التنازل عن الوزير الشيعي من حصته لمصلحة احد الوزراء السنة المقربين منه لكن كل المعطيات تشير الى ان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ليس في وارد القبول بتوزير احد النواب الستة المستقلين كما يردد كما انه غير موافق على استقبالهم ككتلة انما بشكل افرادي.
ولفتت المصادر الى انه ما لم يمارس حزب الله ضغوطه فإن الوضع سيبقى معقدا، واوضحت ان الوزير باسيل قد يلتقي مجددا الرئيسين بري والحريري.
واعلنت ان رئيس الجمهورية على موقفه القاضي بألا يكون الحل على حسابه كلما اختلف فريقان. وشددت هنا على ان المشهد الحكومي هو كما يلي: حزب الله يقذف المسؤولية باتجاه الحريري في حين ان الحريري يرمي الكرة في ملعب الرئيس عون الذي يريد من الفريقين المتخاصمين ان يقدما على الحل.
ولاحظت المصادر ان الصورة الحكومية صورة تشاؤمية وان التطورات التي تحصل في الخارج ودخول بعض الاطراف الخارجيين على خط ازمة الحكومة دليل على ان الحل لن يكون سريعا خصوصا اذا كان هناك انتظار لما قد يجري في الخارج والتحركات التي بدأت تنطلق.
سنة 8 آذار
وكان النواب السنة الستة المنتمين لفريق 8 آذار، اجتمعوا مساء أمس في دارة الرئيس الراحل عمر كرامي، في غياب النائب قاسم هاشم لوجوده خارج لبنان.
وجدّد المجتمعون في البيان الذي تلاه النائب فيصل كرامي، طلب «اللقاء التشاوري» اللقاء بالرئيس المكلف للمرة الثالثة، تاركين له الحرية الكاملة في تحديد وتوقيت موعد الاجتماع بهم عندما يرى ضرورة لحصول هذا الاجتماع.
واكدوا ان «مسألة طلب الموعد وعدم اعطائهم هذا الموعد لن تدفعهم إلى أخذ الأمور بشكل شخصي، فالمسألة سياسية دستورية، ونحن حريصون على ان تبقى في اطارها السياسي وعلى احترام الدستور».
ورأى اللقاء في بيانه، ان التلويح بالاخطار الاقتصادية التي تُهدّد لبنان ومحاولة تحميله المسؤولية عنها، إنما يندرجان في إطار التحريض السياسي والغرائزي، والأخطر هو التهرب من الحقيقة الدستورية والسياسية التي يتحملها حصراً الرئيس المكلف والعهد بشكل أساسي، وكل القابضين على السلطة التنفيذية، لكن اللقاء أشاد من ناحية ثانية بموقف رئيس الجمهورية حين تحدث عن مفهوم «أم الصبي»، معتبراً أن «أم الصبي» في موضوع تشكيل الحكومة حسمها الدستور وحصرها بالرئيس المكلف بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، لافتاً الى انه لا يرى جدوى من البحث عن «أم الصبي» خارج القواعد الدستورية.
واعلن أخيراً عن سحب التنازل الذي سبق وقدمه في عدم اشتراط حقيبة معينة للوزير الذي سيمثله في الحكومة، مؤكداً الإصرار على ان يتم اختيار الحقيبة الوزارية بالتشاور والتوافق معه، وأن اللقاء يُؤكّد على المؤكد، وهو ان الحل يكون بتوزير احد نواب اللقاء الستة حصراً.
السلسلة في خطر
مالياً، كشف الرئيس برّي للمرة الأولى عن وجود اتجاه لدى الدولة باقتطاع ما نسبته 25 في المائة من سلسلة الرتب والرواتب، معلناً رفضه لهذا الاتجاه، وقال: «هناك موقف لكتلة «التنمية والتحرير» بأن من يريد ان يُخفّف من أعباء المديونية العامة، فليقفل مغاور الفساد والزبائنية»، مشدداً على ان السلسلة حق لا يجوز المس به.
تجدر الإشارة إلى ان وزير المال علي حسن خليل كان اعتبر أمس الأوّل، ان كل ما يقال حول سلسلة الرتب والرواتب والمتقاعدين وعن الرواتب والأجور هو كلام اعلامي، فجاء كلام الرئيس برّي ليؤكد المؤكد، بدليل ان رئيس الهيئات الاقتصادية محمّد شقير حذر في برنامج «صار الوقت» الذي يقدمه الزميل مارسيل غانم من تلفزيون M.T.V من إمكانية عدم تقاضي المتقاعدين لرواتبهم في الأشهر الثلاثة المقبلة، من دون ان يُشير عمّا إذا كان توقيع رئيس الجمهورية لمرسوم فتح اعتماد إضافي في موازنة العام 2018 لتغطية معاشات التقاعد كان لإنهاء هذه المشكلة.
اما وزير الاقتصاد رائد خوري الذي استضافه البرنامج نفسه، فقد حمّل وزير المالية مشكلة الأرقام في سلسلة الرتب والرواتب، والتي بدا ان كلفتها أكثر بكثير مما كان مقدراً لها. وقال ان الوزير خليل اتبع الأرقام التي أعطيت له من الإدارات، كاشفاً بأن ارقاماً أعطيت في مجلس الوزراء تقول ان كلفة السلسلة شيء لكنها أصبحت شيئاً آخر.
واعتبر خوري ان «القطاع الخاص كان العامود الفقري للاقتصاد اللبناني، لكن تمّ ضربه بزيادة الضرائب لتمويل السلسلة»، مشيراً إلى ان الرئيس عون كان يرى مخاطر إقرار السلسلة على الاقتصاد اللبناني، مؤكداً «اننا كلنا مع السلسلة ولسنا ضدها، وأنا حريص على الموظفين».

الأخبار
بري لـ«الأخبار»: المسّ بالسلسلة يُشعل ثورة
تقليص الدين العام مدخل لعلاج الأزمة
سلامة يعرقل صفقة آليات للجيش

في عزّ الأزمة بين وزارة المال ومصرف لبنان بشأن تمويل عجز الخزينة، طُرحت مسألة تقليص القطاع العام وتجميد سلسلة الرتب والرواتب أو جزء منها. وزير الخارجية، حاكم مصرف لبنان، هيئات رجال الأعمال، المصارف، وغيرهم أيضاً، يزعمون أن ارتفاع العجز سببه الرواتب والتقديمات لموظفي القطاع العام، ما قد يفاقم الأزمة إلى انهيار الليرة. في الحقيقة، هؤلاء يقرّون بوجود «أزمة» ويتوقعون نهايتها. يدركون أن العلاج ليس مجانياً، وهم يمثّلون الفئة التي ترفض أن تدفع. يرفضون أي توزيع عادل للخسائر. يحاولون منع النقاش في تقليص الدين العام كمدخل للتصحيح. لكن معركتهم لن تكون سهلة، في ظل تمسّك القوى التي كان لها الدور الأبرز في إقرار السلسلة بالدفاع عنها (مقال محمد وهبة).
فتحت مجموعة من رجال المال والمصارف والسياسة، النار على سلسلة الرتب والرواتب التي أقرّت في النصف الثاني من عام 2017 على اعتبار أنها المزراب الأكبر الذي تتسرّب منه أموال الخزينة وتزيد من تورّم عجزها. بشكل خبيث، يربط هؤلاء بين احتمال الانهيار النقدي وتورّم العجز وتنامي كلفة السلسلة. هم في الحقيقة يحاولون التعمية على أمرين: الأول أنها أزمة نظام، والثاني أن الحلول التي يجب مناقشتها لا يمكن إلا أن تكون شاملة. بهذا المعنى هم يريدون تكريس مبدأ مدّ اليد على رواتب الموظفين في القطاع العام، وعلى أجورهم وتقاعدهم وتعويضاتهم، ومنع أي تصحيح يتوجب لاحقاً لأجراء القطاع الخاص. هاتان المسألتان ليستا بسيطتين، بل تصبّان في جوهر الصراع القائم في لبنان منذ عقدين ونصف عقد. الفئات التي تنصّب نفسها خبيرة في «الحلول السحرية» للأزمة تملك النفوذ السياسي والمالي والإعلامي، وهي نفسها الفئات التي استفادت من «مزاريب» الخزينة وراكمت منها ثروات طائلة. هذه الفئات التي تكلّم يوماً باسمها رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شمّاس قبل أن يصبح مرشحاً للنيابة على لوائح التيار الوطني الحرّ، قائلاً: «نحن نُطاع ولا نطيع»، هي نفسها التي تصوّب على السلسلة استباقاً لأي نقاش في توزيع الخسائر العادل بين الأثرياء والفقراء.
المطالبون بتدفيع الحلقة الأضعف، أي موظفي القطاع العام والمتقاعدين، كلفة تصحيح لن يكون سوى «إبرة مورفين» في جسد النموذج المأزوم، لا يزالون قلة، رغم قدرتهم الهائلة على التأثير. الأعلى صوتاً بين هؤلاء اثنان: رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير (صاحب تأثير على الرئيس الحريري)، ونقولا شماس الذي يزداد مستوى تأثيره على رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، والذي رافقه في زيارته الأخيرة لصربيا. وفي ختام تلك الزيارة، عبّر باسيل عن إعجابه بالنموذج الصربي لجهة خفض رواتب القطاع العام. لكن السعي إلى إسقاط سلسلة الرتب والرواتب لن يكون أمراً يسيراً. فالقوى التي دفعت إلى إقرارها تتأهب للدفاع عنها. وأبرز هؤلاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي قال لـ«الأخبار» أمس إن «السلسلة حق للموظفين، ومن يطرح هذا الموضوع يجب أن يعرف أنه شرارة لثورة». وعلمت «الأخبار» أن بري ناقش الأمر هاتفياً مع الرئيس الحريري، «الذي أكد له تمسكه بالسلسلة»!
أزمة «المالية»
في الأسابيع الأخيرة، حصلت تطورات كثيرة؛ من أبرزها اندلاع أزمة بين مصرف لبنان ووزارة المال على خلفية امتناع مصرف لبنان والمصارف عن الاكتتاب بسندات الخزينة الجديدة، أي امتناعهما عن المشاركة في تمويل الدين الجديد الذي تحتاج إليه وزارة المال للإنفاق.
هذا التطوّر كان له حصّة وازنة في حرف الأنظار عن المشكلة الحقيقية. الأمر بدأ في المجلس النيابي حين أعلن وزير المال علي حسن خليل أن مال الاحتياط أنفق كلّه، وبالتالي لم يعد لديه القدرة على الإنفاق إلا مما لديه من أموال في حساب الوزارة لدى مصرف لبنان (الحساب 36). في هذا الحساب، تتجمّع الأموال التي استدانتها الوزارة بواسطة سندات الخزينة من دون أن تستعملها. المبلغ المتوافر في الحساب لم يكن يزيد على 3000 مليار ليرة، فيما حاجات الخزينة لتسديد الرواتب والأجور وسواها من المترتبات المالية حتى نهاية 2018 تزيد على هذا المبلغ.
في تلك اللحظات، ضاعت القصة بين من فتح النار ومن تلقاها. الاشتباك بين مصرف لبنان ووزارة المال سلّط الضوء على مشكلة هامشية حجبت الحقيقة بأن مصرف لبنان لديه خطّة محكمة تنسجم مع توجهات هيئات المال والسياسة والمصارف. فقد تبيّن يومها، أنه قد مضت أسابيع على امتناع المصارف ومصرف لبنان عن الاكتتاب بسندات الخزينة، وأن مصرف لبنان لديه 13 ألف مليار ليرة يدفع كلفة الاحتفاظ بها من ميزانيته، أي من المال العام، لكنه لا يريد الاكتتاب بها في سندات الخزينة، بل يحتفظ بها «من أجل تأمين تسديد الرواتب والأجور في القطاع العام» كما قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للرئيس سعد الحريري في اللقاء الأخير بينهما، بحضور وزير المال علي حسن خليل.
مزايدة سلامة على وزير المال حملت دلالات مهمة. فهو كان يريد إبعاد النقاش في أصل المشكلة لأنه يطاوله هو وسياساته مباشرة، والتركيز على مسألة عجز الخزينة التي يتحمّل كلفتها خليل بوصفه الوزير المسؤول عن الإنفاق والجباية، وموظفو القطاع العام.
أعطال نظامية
هكذا تم التستّر على أصل المشكلة. وفق توصيف البنك الدولي وتحذيره الأخير، فهي «أعطال نظامية»، أي أنها ناجمة عن مشكلة في آليات النظام. هو أصلاً نظام يتغذّى على تدفق الدولارات من الخارج. تأتي هذه الدولارات إلى لبنان حيث معدلات الفائدة أعلى. تدخل إلى القطاع المصرفي وتتحوّل إلى ودائع بالليرة، فيما يمتصّ مصرف لبنان الدولارات عبر شهادات إيداع أو أدوات أخرى. بهذه المبالغ بالعملة الأجنبية، يكوّن مصرف لبنان احتياطات تساعده على التدخل في السوق لضخّ الدولارات عندما يكون هناك طلب، ولامتصاصها عندما يكون هناك عرض، وهذه الاحتياطات تشكّل ما يسمى «الثقة» التي تساعد على استقطاب المزيد من الدولارات من الخارج التي تستخدم لتثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار. أما الطلب على الدولار، فمصدره الأساسي هو أن لبنان يدفع ثمن السلع والمنتجات التي يستورد معظمها من الخارج.
بهذا المعنى، يصبح واضحاً أحد أوجه أزمة النظام. فمع تقلص التدفقات، ومع استمرار الاستهلاك بالوتيرة نفسها، تستنفد احتياطات مصرف لبنان بسرعة فيضطر إلى اتخاذ إجراءات بعضها غير تقليدي مثل الهندسات المالية، وبعضها تقليدي مثل رفع الفائدة، لإغراء الدولارات وجذبها من الخارج إلى لبنان. وعندما تصبح هذه الأدوات قاصرة عن مواصلة جذب الدولارات، تبدأ الاختناقات في آليات النظام وتظهر عوارض الأزمة البنيوية. ففي مواجهة هذه الأزمة، تحتّم على مصرف لبنان أن يمسك بكل السيولة بالليرة حتى لا تتحوّل طلباً على الدولار، وكان عليه أن يطبع المزيد من السيولة لتنفيذ الهندسات، وأن يدفع كلفة امتصاص هذه السيولة، وألا يسمح للقروض السكنية بالليرة أو أي قروض وتسهيلات أخرى بالليرة، أن تبقى موجودة حتى يخفف من الطلب على الدولار. قام بكل الوسائل المتاحة لديه، ثم رفع الفائدة إلى معدلات لم يشهدها لبنان منذ النصف الثاني من التسعينيات.
77 مليار دولار فوائد
في هذا المجال، يصبح تمويل الخزينة جزءاً بسيطاً من أزمة النظام، وتصبح سلسلة الرتب والرواتب جزءاً أقل أهمية من أزمة عجز الخزينة. فالمشكلة الأساس تكمن في أن هذا النظام، ولكي يستمر، كان عليه أن يستدين، ثم يستدين، ثم يستدين…
الإحصاءات الرسمية تشير إلى أنه بين الأعوام 1993 ـــ 2017 أنفقت الخزينة نحو 216 مليار دولار. توزّع هذا الإنفاق على أربعة أبواب رئيسية: الدين العام وخدمته، الرواتب والأجور، التقاعد والتعويضات، دعم الكهرباء. استحوذت خدمة الدين العام على الحصّة الأكبر من هذا الإنفاق بنسبة 35.6% أو ما قيمته 77 مليار دولار، وتليها الرواتب والأجور بنسبة 21.29% أو ما قيمته 46 مليار دولار، ثم يأتي دعم الكهرباء بنسبة 9.25% أو ما قيمته 20 مليار دولار، والتقاعد والتعويض بنسبة 8.79% أو ما قيمته 19 مليار دولار.
الحصّة الأكبر جاءت من نصيب خدمة الدين العام. الدين الإجمالي كان يبلغ 79.5 مليار دولار في نهاية 2017، أي أن 96% منه كان مجرّد كلفة تكبدتها الخزينة لتسديد العجز.
هناك تبرير واضح لحصّة الرواتب والأجور والتقاعد والتعويضات، فهي تعبّر عن الكلفة التشغيلية للدولة والتي لا مفرّ منها، وهي إن كان هناك مبالغة في بعض جوانبها، فلأن الأمر مرتبط بالتوظيفات السياسية التي تمارسها قوى السلطة. لكن المفارقة أن هذه القوى لا تقوم بهذه المهمة وحدها، بل بالشراكة والتعاون مع رجال المال والأعمال. القسم الأكبر من السياسيين تحوّل إلى رجال أعمال، والقسم الأكبر من رجال الأعمال كانوا في سعي دائم للفوز بلقب «سياسي»، سواء كان نائب أو وزير أو حتى رئيس اتحاد بلديات أو بلدية…
أما العنصر الأكثر أهمية في هذه المسألة، فهو الدين العام وخدمته: 77 مليار دولار دفعها لبنان لتسديد فوائد الدين. والخزينة استدانت كل هذه المبالغ من أجل خدمة هذا النظام فقط. المستفيدون من هذا النظام ومن آلياته هم السياسيون ورجال المال الذين يملكون المصارف والمؤسسات المالية وشركات العقارات. كل هذه الأموال لا تمرّ في أي من آليات الاقتصاد الحقيقي. عامة الشعب، بمن فيهم موظفو القطاع العام يسمعون فقط بهذه الأموال في وسائل الإعلام. يسمعونها على شكل مديح من زعيم أو مصرفي أو منتفع يثني على قدرة النظام على استقطاب الأموال وإدخال الودائع ويسمونها استثمارات أيضاً… المستثمرون هم عبارة عن مضاربين على السندات والودائع والعقارات وحققوا ثروات أيضاً من هذا العمل.
ومن اللازم أيضاً الإشارة إلى أن ما أنفقه لبنان على الكهرباء، وهو عبارة عن دعم لأسعار الكهرباء التي استفاد منها الأثرياء أكثر بكثير من الفقراء، انتهت بأن هناك أكثر من ألفَي مولّد خاص تعمل اليوم بشكل غير شرعي وتتحكّم بتوزيع أكثر من 10 ساعات يومياً من الكهرباء على منازل السكان ومؤسساتهم. أما معامل إنتاج الكهرباء فهي معروضة للبيع بأدنى سعر وبأعلى مردود ممكن تخيّله. انتهى الأمر بأن الخزينة أنفقت 20 مليار دولار من دون أن تبني معامل بقيمة 5 مليارات دولار، وأنها تواصل استيراد الفيول أويل والمازوت لتشغيل معامل الإنتاج والمولدات، ما يزيد الطلب على الدولار بقيمة 4.5 مليارات دولار سنوياً.
إزاء هذا الواقع، يبدو الدين العام المدخل الأفضل لمعالجة الأزمة. بعض المصرفيين يقترحون أن تشطب المصارف ديوناً للدولة مقابل منحها من مصرف لبنان مهلة كافية لإعادة تكوين رساميلها. هذه تكون مساهمتها في معالجة الأزمة. هاجس هؤلاء أن طرحاً كهذا يطيح ما لا يقل عن 14 مليار دولار من الأموال الخاصة، لا يمكن أن يتم إلا ضمن خطة وطنية للتصحيح الطوعي يتضمن وقف الهدر والفساد وتنظيم القطاع العام. مصرفيون آخرون يرفضون الحديث عن هذه المقاربة «المجنونة»، ويفضّلون أن يدفع موظفو القطاع العام وباقي الأجراء في القطاع الخاص كلفة التصحيح، سواء الطوعي منه أو القسري.
أول المعترفين
كان لافتاً أن الأكثر خبرة وحنكة بين هيئات المال والمصارف والسياسة، أي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، هو أول من بادر إلى الاعتراف بوجود أزمة. اعترافه لم يكن بالكلمات المباشرة نظراً إلى حساسية الموقع الذي يشغله، بل جاء بسبب لقائه الوزير السابق شربل نحاس. فهذا الأخير كان قد عقد مؤتمراً صحافياً طلب فيه من ثلاثة أطراف معنية بالأزمة وهي: مصرف لبنان والمصارف، السياسيون، الدول والجهات المانحة، المبادرة إلى التصحيح الطوعي قبل انفجار الأزمة وخروجها عن أي سيطرة. مباشرة بعد المؤتمر الصحافي، تلقى نحاس دعوة لزيارة سلامة واللقاء مع جمعية مصارف لبنان. وبالفعل، التقى نحاس المصارف، لكنه اصطدم بمدى تعنّتها وممانعتها للنقاش. كل فكرة طرحها نحاس، ردّت عليها المصارف بمنطق قذف المسؤولية على السياسيين وموظفي القطاع العام. بعض المصرفيين كانت لديهم وجهات نظر مختلفة، لكن لوم الآخرين طغى على كل كلام.
الأمر كان مختلفا جداً مع سلامة ومدير العمليات المالية في مصرف لبنان يوسف الخليل. بحسب مصادر مطلعة، فإن النقاش أظهر وجهات نظر متقاربة للأزمة والحلول المتاحة. تقول المصادر إن مشروعاً ما بين الطرفين قد يتفق عليه لبلورة حلول للأزمة على قاعدة التصحيح الطوعي. المفاجأة أن هناك خبراً وصورة نشرت بعد اللقاء بموافقة الطرفين.
سلامة يعرقل صفقة آليات للجيش
بعد رفض لبنان تسلّم هبة ذخائر مقدّمة من وزارة الدفاع الروسية للجيش، ثم طلب تحويلها إلى الأمن الداخلي، دخل مصرف لبنان على خطّ عرقلة تنفيذ اتفاقية عسكرية بين لبنان وروسيا، إذ يضع شروطاً تعجيزية على شركة «كاماز» الروسية عبر منعها من فتح اعتمادات في البنوك اللبنانية (مقال ميسم رزق).
فيما لا توفّر روسيا وسيلة لتفعيل سُبل التقارب مع لبنان، لا ينتهي مسلسل التهرّب اللبناني من العروض الروسية المتعلّقة بالتعاون العسكري بين البلدين، من تسليح وصيانة وتدريب. لا تزال القوى السياسية تُصرّ على إبقاء الجيش تحت رحمة الولايات المتحدة وحدها، التي ما كانت لتنجح في إجهاض كل اتفاقية لبنانية ــــ روسية لولا الخنوع اللبناني وانصياع فئة سياسية لتهديداتها. لا تلبَث واشنطن تُبدي انزعاجاً واضحاً من استعداد الجانب الروسي لتقديم المساعدات للجيش اللبناني حتى تضرب الاتفاقيات بين البلدين الواحدة تلوَ الأخرى. فواشنطن التي تُعطي لنفسها الحق في التدخل بشأن سيادي، لم يعُد تأثيرها يقتصر على القوى السياسية وفق ما تشير آخر المعطيات، ولا على رفض لبنان تسلّم هبة ذخائر مقدّمة من وزارة الدفاع الروسية إلى الجيش، تضم ملايين الطلقات المتعددة العيارات لبنادق رشاشة ومتوسطة، بقيمة خمسة ملايين دولار. «الفرعنة» الأميركية امتدت لتطاول القطاع المصرفي بهدف استخدامه ضد الشركات الروسية وبموافقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وكأنه لا يكفي تكيّف القطاع المصرفي اللبناني مع قانون العقوبات الأميركية على المصارف والمؤسسات المالية والأشخاص «المتعاملين مع حزب الله» عبر خريطة طريق تنفيذية تجرى بإشراف البنك المركزي، حتى التزم حاكم مصرف لبنان بالعملية الممنهجة لضرب أي تعاون روسي ــــ لبناني، عبرَ وضعه العراقيل أمام طلب الجيش اللبناني فتح اعتمادات في البنوك لتنفيذ اتفاقيات عسكرية موقعة مع شركات روسية.
آخر فصول هذه العملية جرى بعدما أرسلت وزارة الدفاع اللبنانية ــــ المديرية العامة للإدارة، قبل نحو شهرين ونصف شهر، كتاباً الى مصرف لبنان، تطلب من خلاله فتح اعتماد مستندي من أجل تنفيذ اتفاقية مبرمة مع شركة «كاماز» الروسية. وهي اتفاقية تنصّ على تسليم الجيش حوالى 104 آليات (عبارة عن صهاريج ورافعات وقاطرات). وتُعدّ هذه الآليات بشهادة عدد كبير من الخبراء العسكريين «من أجود أنواع الآليات التي تستخدمها المؤسسات الحكومية والجيوش في مختلف أنحاء العالم، إذ إنها تتناسب مع كل الظروف الجغرافية والمناخية». وقد ارتأى الجيش، بعد عدة تجارب وزيارات لمصانع في روسيا عام 2017 ، استيرادها نظراً إلى حاجاته الملحّة، وخصوصاً لأفواج الحدود البرية. المفارقة بحسب الكتاب (الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه) هي أن الإعتماد المستندي سيفتح بالليرة اللبنانية وفي أحد المصارف اللبنانية الخاصة. وهو إجراء إستثنائي تقوم به أي مؤسسة غير لبنانية بهدف التسهيل. فمن النادر جدّاً أن تقبل شركة أجنبية بتوقيع اتفاقية بيع أي سلعة بالعملة الوطنية للبلد المستورد. ووافق الجانب الروسي على الأمر، بحسب مصادر دبلوماسية روسية «بما يتناسب مع تعليمات حاكمية مصرف لبنان، والحاجة اللبنانية لهذه الآليات».
غيرَ أن الأمور لم تسلُك مسارها الطبيعي. فقد فوجئ الجانب الروسي بجواب من البنك اللبناني الذي تقرر فتح اعتماد فيه، يقول إن مصرف لبنان يضع شروطاً تعجيزية لفتح الاعتماد، ما اضطره الى إعادة الطلب من المصرف المركزي. والأخير طالب المديرية العامة في الجيش اللبناني بأن يأتي المورّد بحساب آخر وتفسير تفصيلي عن الاتفاقية. فما كان من المورّد إلا أن تقدّم بشكل رسمي بحساب مصرفي في بنك آخر وبالعملة اللبنانية، ما دفع المديرية نهاية الشهر الماضي إلى إرسال طلب جديد الى مصرف لبنان. وبعد حوالى شهر، تبلغت الشركة عبر وسطاء وبشكل شفهي رفض فتح الاعتماد. الجيش اللبناني قامَ بكل ما يلزم من جهته، وطلب فتح اعتماد من مصرف لبنان للشركة حتى يتمكن من تسديد ثمن الآليات. وفي 31 تشرين الأول الماضي، أرسل وزير الدفاع الطلب، وحتى الآن لم يتمّ تحويل الأموال. العرقلة مستمرة بأكثر من وسيلة وطريقة. تبدأ برفض فتح حساب لتسلم الاعتماد من مصرف معني. وإذا وجد مصرف آخر، تبدأ العرقلة حينها من المصرف المركزي بعدم تحويل الاعتماد. وبحسب مصادر دبلوماسية «جرت محاولات لإقناع المصرف المركزي على مستوى وزاري، إلا أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تهرّب من الأمر»، علماً بأن شركة «كاماز» غير موضوعة على لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزانة الأميركية «أوفاك» أو لوائح العقوبات الأميركية، وتتعامل معها الدول الخليجية الواقعة في الحضن الأميركي. فـ«كاماز» لديها حسابات بنكية في مصر ودبي وقطر وأكثر من دولة عربية حليفة لواشنطن. فلماذا تستطيع هذه الدول أن تحافظ على قدر من الحرية في التعامل مع هذه الشركات، فيما لبنان لا يستطيع ذلك؟

البناء
ترامب يلغي مواعيده مع بوتين وأردوغان ورئيس كوريا الجنوبية في الأرجنتين 
الدفاعات الجوية السورية تسقط طائرة «إسرائيلية» والصواريخ التي أطلقتها 
سباق بين صخب السجالات وكتمان المبادرات… والتفعيل ينتظر باسيل 

محاولات الإنكار هي السمة المشتركة للثلاثي الأميركي الإسرائيلي السعودي، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب العاجز عن المواجهة والعاجز عن التسويات يختبئ وراء التصعيد الكلامي، فيلغي المواعيد المقررة من رؤساء روسيا وتركيا وكوريا الجنوبية، لتتجمّد مساعي التسويات في كوريا الشمالية وسورية وأوكرانيا، ومعها يتهرّب من لقاء الرئيس التركي حيث سيواجه وقائع جديدة محرجة حول تورّط ولي العهد السعودي في قتل جمال الخاشقجي.
ومثلما يعيش الرئيس الأميركي حالة الإنكار للحقائق الجديدة وفي مقدّمتها العجز الأميركي عن تغيير المعادلات الحاكمة لتوازنات العالم ومنطقة الشرق الأوسط خصوصاً، يبدو ولي العهد السعودي وهو يعيش بصورة نموذجية حالة الإنكار ليستعيض عن الحقائق بالتقاط الصور التذكارية مع ما تيسّر من رؤساء الدول المشاركين في قمة العشرين المنعقدة في الأرجنتين، حيث المحاولات الحثيثة لحجز المواعيد المدفوعة بوعود الاستثمار تفلح بترتيب موعد مع الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون، بعدما كان الموعد اليتيم سيجمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في ظل امتعاض أميركي مما وصفته وسائل الإعلام الأميركية بمحاولة روسية للاصطياد في المياه الأميركية السعودية العكرة.
حالة الإنكار الإسرائيلية للمتغيرات ترجمت عدواناً جوياً على الجنوب السوري بغارات من أجواء الجولان المحتل أطلقت صواريخها نحو مناطق جنوب دمشق، وتصدّت لها بفاعلية الدفاعات الجوية السورية، التي قالت وكالة سبوتينك الروسية إنها نجحت بإسقاط الصواريخ كافة التي أطلقتها الطائرات الإسرائيلية وأنها أسقطت إحدى الطائرات التي دخلت الأجواء السورية، وأكدت مصادر سورية «عودة الهدوء الى محيط مدينة دمشق بعد غارات نفذتها الطائرات الحربية الإسرائيلية استهدفت مواقع عدة للجيش السوري في جنوب دمشق وهي اللواء 90 في القنيطرة واللواء 76 جنوب كناكر».
وأكدت مصادر عسكرية سورية أنه «تم التصدي للعدوان وإسقاط كل اهدافه»، مشيرةً إلى انه «استمرت الغارات وتصدّي الدفاعات الجوية حوالي الساعة والنصف وكانت تسمع أصداؤها في مدينة دمشق، كما سمع دوي انفجارين في منطقة الديماس الواقعة على طريق سورية – لبنان الدولي وتبين أنها ناجمة عن إطلاق صواريخ سورية باتجاه أهداف معادية».
التصعيد والتوتر المخيمان على المنطقة ينبئان بالمزيد، وتبدو التسويات الصعبة مكلفة وفوق قدرة الأطراف التي بلغت مرحلة العجز عن فرض مشاريعها بالقوة مباشرة أو عبر الجماعات المسلحة التي استقدمتها، سبباً للمزيد من الفوضى السياسية والأمنية، وفقاً لمصادر متابعة قالت إن قوى محور المقاومة ستكون معنية بالعودة لبرامجها في العمل العسكري إذا تواصل تعثر فرص التسويات، من مسار أستانة في سورية إلى الحرب على اليمن، وإذا تواصل العبث الإسرائيلي العدواني فسيكون الردّ قاسياً عبر المواجهات في فلسطين وعبر جبهة الجولان وربّما سواهما.
لبنانياً، بين صخب السجالات وكتمان المبادرات، تسرّب أن ثمة أفكاراً طرحها وزير الخارجية جبران باسيل ربما تنجح في خرق جدار الجمود، وأن السيطرة على التصعيد الكلامي محور مساعٍ حثيثة تلاقي موعد وصول باسيل عائداً من الخارج، حيث تنتظر مبادرته التفعيل.
«التشاوري» يُصعّد والحريري: لن أتراجع…
يبدو أن المشهد الحكومي يزداد تعقيداً وغموضاً على وقع المواقف التصعيدية والتوترات المتنقلة في الشارع، فبعد الموقف السلبي الذي لاقاه اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين من الرئيس المكلف برفضه استقبالهم في بيت الوسط والتحاور معهم حول عقدة تمثيلهم في الحكومة العتيدة، بادروا أمس الى تصعيد الموقف عبر سحب تنازلهم عن حقيبة وزارية، وجاء موقفهم بعد تعميم قول مصدر قيادي في «المستقبل» بأن «سنّة حزب الله لن يطأوا بيت الوسط»، الأمر الذي يرفع سقف التحدّي بين طرفي النزاع: اللقاء التشاوري والرئيس سعد الحريري الذي سارع الى الردّ على موقف معارضيه السنة بأنه باقٍ على موقفه، وقال خلال ترؤسه مساء امس في بيت الوسط اجتماعاً ضمّ كتلة المستقبل النيابية وممثلي تيار المستقبل في القطاعات والهيئات المنتخبة: «لن أغير موقفي، وكلامي هذا ليس من باب التحدّي لأحد، إنما لإيماني المطلق بأن الصراخ السياسي لا يوصل إلى أي مكان، ولا يحلّ مشكلة الكهرباء أو النفايات أو المطالب الحياتية والمعيشية للمواطنين».
وأضاف: «إن التسويات تقوم عندما تكون هناك مصلحة للبلد، وأنا كنت في مقدمة الساعين إليها باستمرار، والبلد بحاجة لكل أبنائه وفئاته لكي ينهض ويتقدم نحو الأفضل، ولكن ما هو مطروح حالياً لا علاقة له، لا بالتسويات ولا بمصلحة البلد ولا اللبنانيين».
أما اللقاء التشاوري فأعلن عن سحب التنازل الذي سبق وقدّمه في عدم اشتراط حقيبة معينة للوزير الذي سيمثله في الحكومة، وعقب اجتماع اللقاء في منزل الوزير فيصل كرامي، أشار الأخير في بيان الى إصرار اللقاء «على أن يتم اختيار الحقيبة الوزارية بالتشاور والتوافق معنا وأن الحل يكون بتوزير أحد نواب اللقاء الستة حصراً».
وتابع كرامي: «نصرّ على طلب الموعد لأننا لا نرى حكمة في الردّ على السلبية بسلبية مماثلة، تاركين للرئيس المكلف الحرية الكاملة في تحديد وتوقيت الاجتماع به عندما يرى ضرورة لقيام هذا الاجتماع»، مشدّدين على أن «احترام الدستور الذي ينص على الدور المحوري للرئيس المكلف في تشكيل الحكومة ولسنا بوارد المس بالصلاحيات التي منحها الدستور للرئيس المكلف من منطلقات شخصية».
ودعا اللقاء الرئيس المكلف الى «تثبيت صلاحياته بالشكل والمضمون كرئيس لحكومة تصريف الاعمال، وبالتالي فإن هذا التصريف يجب ان يتم من السراي الكبير وليس من بيت الوسط، ونستغرب خشيته وتردده في القبض الكامل على صلاحياته بشكل يوحي وكأن هناك آخرين يشاركونه تصريف الاعمال». وأوضح أن «التلويح بالأخطار الاقتصادية التي تتهدد لبنان ومحاولة تحميل اللقاء التشاوري المسؤولية عنها، انما يندرجان في إطار التحريض السياسي والغرائزي والأخطر هو التهرب من الحقيقة الدستورية والسياسية التي يتحملها حصراً الرئيس المكلف والعهد بشكل أساسي وكل القابضين على السلطة التنفيذية»، وناشد «رئيس البلاد الذي اقسم اليمين بأن يبذل كل ما أوتي من مقدرة وشجاعة وقوة لانقاذ الوطن من هذه الألاعيب السياسية التي تكاد تطيح الوطن».
«التيار الحر»: العقدة عند الحريري
أما التيار الوطني الحر فأكدت مصادره لـ«البناء» أن «رئيس التيار الوزير جبران باسيل مستمر في مسعاه لتذليل العقدة من المنطلق الوطني لتسهيل الحل وولادة الحكومة وليس كطرف في العقدة»، مؤكدة بأن المشكلة ليست عند رئيس الجمهورية ولا عند التيار الحر ولا حتى عند حزب الله، بل باتت في بيت الوسط وداخل الطائفة السنية، وعلى الحريري الحوار مع شركائه داخل الطائفة للتوصل الى حل، فلا يمكن لأي مكون لبناني احتكار التمثيل داخل طائفته مهما بلغت قوته النيابية والسياسية والشعبية». وشدّدت المصادر على أنه «سيكون لنا حكومة في نهاية المطاف لكن ليس في الوقت القريب»، وأبدت المصادر استغرابها إزاء استهداف البعض للتيار وللرئيس ميشال عون بموضوع نيلنا 11 وزيراً في الحكومة، مشددة على أننا «لسنا متمسكين بهذا الحجم لكن في الوقت نفسه هذا يعبر عن حجمنا النيابي ولم نأخذ من حصة أحد». وأكدت المصادر النيابية العونية أن «الرئيس عون لن يتنازل عن الوزير الـ 11 لمصلحة اللقاء التشاوري لأن الحل ليس عنده بل عند الرئيس المكلف، فالتيار الحر تنازل للقوات اللبنانية شريكنا في الساحة المسيحية وعلى الحريري التنازل لمصلحة شركائه في الطائفة السنية». وأبدت المصادر تخوفها من «وجود ما هو أبعد من وزير الى وجود تداخل العامل الخارجي مع الداخلي».
وفي سياق ذلك، أكدت مصادر مطلعة للـ «أو تي في» أن «فكرة باسيل بتوسعة الحكومة إلى 32 وزيراً أعجبت رئيس مجلس النواب نبيه بري وأيّدها من بين أفكار عدة طرحها باسيل». فيما لفتت مصادر « بيت الوسط » إلى أن «لا امتعاض من جانبنا من مبادرة باسيل بل إشادة بجهده الذي نراه طبيعياً لإنقاذ العهد من الضياع وإنقاذ البلاد لا بل إنه هدف مشترك».
اشتعال جبهة الحريري – وهاب
بموازاة اتساع نطاق الجبهة بين «اللقاء» والرئيس المكلف كانت جبهة أخرى تشتعل نيرانها بين الحريري ورئيس حزب التوحيد الوزير السابق وئام وهاب انعكست توتراً في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بين مناصري تيار المستقبل وأنصار التوحيد، فبعد الكلام الذي صدر عن وهاب بحق الرئيس الحريري، تقدّمت مجموعة من المحامين من تيارات سياسية مختلفة ومن محامين مستقلين، أمام النيابة العامة التمييزية بإخبار ضد وهاب في جرم إثارة الفتن والتعرض للسلم الأهلي، ما دفع بوهاب للرد بدعوى على الحريري ومعاونيه على خلفية لافتات تضمنت شتائم وتهديداً بالقتل. وغرّد وهاب على تويتر قائلاً: «لنرجع الخلاف مع الحريري إلى أصله ونحن اعتذرنا عن الشخصي لأننا أبناء طائفة معروفة بتعاليها عن كل ما هو شخصي ولن أستدرج الى لغة تبعدنا عن جوهر الخلاف وهو بالأصل سياسي مالي وهذه بنوده. يتبع».
وقد خرج أنصار حزب التوحيد بمظاهرة حاشدة في بيروت دعماً وتأييداً له ولمواقفه السياسية.
وقد دخل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط على خط السجال لمؤازرة الحريري ما فجّر سجالاً بين وهاب وجنبلاط أيضاً، وقد أوفد جنبلاط النائب وائل أبو فاعور الى بيت الوسط للقاء الحريري بحضور وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال غطاس خوري .
وإذ أدان جنبلاط في تغريدة كلام وهاب «الذي خرج عن كل الأعراف والقيم الأخلاقية»، رد وهاب بتغريدة متسائلا: «هل تتذكر يا استاذ جنبلاط الأوصاف التي أطلقتها على الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعلى قريطم والتي لا نسمح لأنفسنا بتكرارها أما نحن فأطلقنا موقفاً يتعلق بالمال العام المنهوب والمسؤولة عنه السلطة القائمة منذ الـ1990».
كما دخل شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن على خط السجالات ، مستنكراً التعرض للحريري، فردّ وهاب قائلاً: «لا ألومه فهو اختار أن يكون شيخ فريق من الدروز ولكن أتمنى عليه أن ينتبه لمالية مشيخة العقل والأوقاف أفضل من التدخل بالسياسة ».
«الاقتصاد»: مصادرة المولدات ستشمل كافة المناطق
على صعيد آخر، وبعد مصادر وزارة الاقتصاد أحد المولدات الكهربائية المخالفة للقانون في منطقة الحدث، أكد وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري في حديث تلفزيوني أن «الوزارة تدرّجت في خطواتها التصعيدية، من تسطير محاضر الى مصادرة المولدات، وكما شملت المحاضر كل المناطق اللبنانية فإن مصادرة المولدات المخالفة ستشمل كل المناطق بما فيها الضاحية الجنوبية لبيروت لما فيه خير ومصلحة المواطن».
واشار الى أن «دور البلديات مهم في هذه المرحلة فهي السلطة المحلية المعنية بمراقبة تطبيق القرارات ولها صلاحية تصل الى حد مصادرة المولدات»، مؤكداً أن «عدداً لا بأس به من بلديات الضاحية الجنوبية يتعاون مع الوزارة لتطبيق قرار العدادات».
وأعلن أن «الخطوة التالية ستكون دعاوى ضد البلديات التي ستظهرها المتابعات كمتواطئة او متقاعصة في أداء دورها، وسيطلب من وزير الداخلية اتخاذ الإجراءات اللازمة التي قد تصل الى حد الإقالة».

Please follow and like us: