بعد التفجير الإنتحاري المزدوج الذي وقع أمام سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت يوم 19 تشرين2 / نوفمبر الجاري، تجدد النقاش بين أطراف محور المقاومة الوطنية حول فقه التكفير والإرهاب ودور الديانة الوهابية والمملكة العربية السعودية في دعم تنظيم “القاعدة” والمجموعات الوهابية، والقوى “الإخوانية” من المذهب القطبي وأضرابهم ممن يعتنقون هذا الفقه التخريبي. في هذه المقابلة القيمة مع الشيخ المقاوم ماهر حمود إمام “مسجد القدس” في مدينة صيدا / جنوب لبنان، نتابع بعض عناوين ومواضيع هذا النقاش السياسي ـ الفقهي :
■ كيف تقرأ الانفجارين اللذين وقعا أول من أمس أمام السفارة الإيرانية؟
أعتقد أنهما يأتيان في سياق التطوّر الطبيعي للأحداث الجارية في سوريا، لأن العقول التي تخطّط للفتنة في سوريا، والجهات التي تنفق عليها، مستعدة لفعل أي شيء خدمة للسياسة الاسرائيلية والأميركية التي تريد محاصرة المقاومة من باب الفتنة المذهبية والقومية. بعد قطر التي تسلّمت بداية «مقاولة» إسقاط النظام وتمويل المسلّحين وفشلت، ها هي السعودية تحاول، وبضوء أخضر أميركي.
ونحن نعرف أن الفئة المتنفّذة الآن في السعودية على رأسها بندر بن سلطان، وهو الأكثر أمركة وأسرلة في القيادة السعودية باعتراف أمراء وأشخاص من العائلة الحاكمة. لكنني أتصوّر أن نهاية هذه المغامرة السعودية تشبه ما وصلت إليه قطر من خسارة.
■ هل تعتقد أن كتائب عبدالله عزام تقف خلف التفجير كما يتردّد إعلامياً؟
لا، لا أعتقد أنه عمل سراج الدين زريقات أو شخص بهذا الحجم. قد يجري تركيب أسماء كثيرة في أحداث مماثلة، لكن الواضح من حجم التفجير أنه من تخطيط أجهزة كبيرة كانت قد رصدت موعد نزول السفير الإيراني من مكتبه لارتباطه بموعد محددّ سلفاً. اختيار الوقت ليس عشوائياً، كما أن القوة المستخدمة في التفجير تدلّنا إلى أن الفاعل كبير وقادر.
■ البعض يرى في التفجير ردّ فعل على مشاركة حزب الله العسكرية في الحرب السورية، ما رأيك؟
نحن يجب أن نكون عقلاء قدر المستطاع. هناك فريق من الناس ببساطتهم، أو ما بسبب ما عانوه شخصياً، غير مستعدين لتقبل مشاركة حزب الله في الحرب في سوريا. حتى نحن، في أول الأمر، عندما عرفنا بسقوط شباب من حزب الله غضبنا وأرسلنا إلى السيّد حسن نصرالله ننبّه من المخاطر التي تترتب على هذا الموضوع. لكن تغيّر موقفنا عندما سمعنا تفاصيل عمّا يحدث في سوريا من فم السيد حسن نصرالله شخصياً.
■ ما هي هذه التفاصيل؟
للأسف، لا يمكننا أن نوردها كلّها في الإعلام، لأن فيها أشياء يصعب أن يصدّقها المواطن العادي الذي لا يثق بحزب الله، مثل عمليات الاغتيال والقتل الجماعي التي ارتكبت بحق الشيعة والعلويين في حمص وغيرها. لن يصدقها أحد لأن الإعلام غاب عنها. أنا شخصياً أثق بالسيد حسن نصرالله، وأثق أنهم في حزب الله يشبعون الموضوع درساً وتمحيصاً قبل اتخاذ القرار. ولنتذكّر أن بعض المعارضين كانوا يزجّون باسم حزب الله منذ اليوم الأول في أحداث سوريا، ما يعني أن أحد أهدافهم كان منذ البداية تشويه صورة حزب الله.
■ تقول إنك كنت محرجاً بداية في تبرير تدخل حزب الله في سوريا. هل تغيّر الأمر اليوم؟
الآن، عندما تبيّن أن الموجودين على الأرض هم تكفيريون من صنف «داعش» و«جبهة النصرة»، وأنهم يشكلون البديل المفترض للنظام السوري، وأنه حتى الإسلاميون العاديون لا يستطيعون التفاهم معهم. عندما وصلنا إلى هذه الحقائق الدامغة وباتت «داعش» تعلن عن نفسها بهذه الطريقة البشعة، أصبح تدخل حزب الله أمراً مفهوماً بالحد الأدنى، وبالفعل لم نعد نشعر بالحرج، بل صرنا وكثيراً من الناس، نتفهمّ الأمر. أنا أعذر الإنسان المتضرّر شخصياً من النظام السوري، لكن المشكلة في الذين يعرفون أن الوضع ليس كما يظهره الإعلام.
■ مثل من؟
الإخوان المسلمون مثلاً. منذ الستينيات، كنا نستمع إلى رواياتهم ناقصة. يتهمون النظام بأنه قاتل وظالم وهذا صحيح، لكن فيه تشويهاً للحقيقة التي تقول أيضاً إنهم كانوا يتصرّفون بفردية ومن دون تخطيط. هناك مجموعات من الاخوان المسلمين تعرف تماماً أن الصدام بين الاخوان والنظام لم يكن وليد اعتداء مباشر من النظام، بل كان وليد تحرّشات من الاخوان بالنظام. بعض إخواننا كانوا ينقلون شكاوى عن تحريض يجري للشباب على القتال، كانوا يسمعونهم أشرطة تدفع أي شاب يسمعها إلى إطلاق النار على أول جندي يراه، من دون أن يكونوا مستعدين لهذا الأمر. نعم، الجيش يتحمّل مسؤولية البطش وتوسيع رقعة المعركة، لكن في الوقت نفسه من يفتح المعركة من دون إعداد ومن دون إجماع حتى من زملائه يتحمّل أيضاً المسؤولية.
■ إلامَ يستندون في تحريض الشباب على القتال؟ وتحديداً على قتال مسلمين مثلهم؟
لا سند في الإسلام بالنسبة إلى الانتحاريين. هؤلاء مرجعهم الهوى وشيخهم الإنترنت. لا مشايخ لها قيمة تجلس في مكان معيّن وتدرّس وتفتي بهذا القتل والتكفير بهذا الشكل البشع. هناك منتحلو صفة يكون عندهم اجتزاء من النصوص ويركّبون فتاوى متوافقة مع أهوائهم.
■ لكن هذا الحديث غير العلمي يلاقي قبولاً عند كثيرين، لماذا برأيك؟
لقد تحدّثت مرّة مع شبابنا عن التطرّف ضد الشيعة. قلت لهم «أنتم لم تتخذوا موقفاً من الشيعة بناءً على دراسة. ما حصل هو العكس. رأيتم أن الشيعة يتقدمون، وقد وصلوا إلى مواقع لم تكونوا تتوقعون أن يأخذوها. فالحركة الإسلامية السنية كانت دائماً في موقع الريادة، في حين أن الشيعة أقلية، ومشكوك في عقيدتهم كما تقولون. رغم ذلك رأيتم أنهم تقدّموا عليكم وأخذوا المقاومة واحتلوا الواجهة السياسية في العالم فشعرتم بالغيرة، لذا رحتم تفتشون في الكتب الصفراء حتى تريحوا ضمائركم، وصرتم تقولون صحيح أنهم تفوقوا علينا لكنهم فاسدو العقيدة». رأيي هذا ما يحصل، يفتشون عن الفتوى التي توافق أهواءهم، حسدهم، تخلّفهم، وطبعاً مصالحهم. يحاولون أن يشعروا أنفسهم بالرضى فينقصون من قدرهم عند الله وعند الناس.
■ كيف يمكن أن يحدث هذا الأمر؟ أين رجال الدين الموثوقون؟
لا يجب أن نستخفّ بتأثير الفكر الوهابي والسعودي. شئنا أو أبينا التأثير السعودي على الحركات الإسلامية كبير والكلّ يتمنى رضاها. الطريقة السلفية في التعامل مع النص الشرعي شكلية جداً. لا قدرة على استنباط حقيقة النص. وأُلفت إلى أن الفقه السلفي يقدّم العقيدة على أي شيء آخر مثل السياسة، في حين يفيد المنطق بأن حسن العقيدة يجب أن يؤدي إلى سلوك جيّد. يعتقد السلفيون أن عقيدة الإيراني غير صحيحة، فبالتالي كلّ ما يفعله مرفوض.
■ إذا لخّصت ما قلته نكون أمام: تكوين علمي غير سليم لرجل الدين، مال سعودي ينفق في غير محله وتطرّف يغذي فتنة مذهبية؟
وأضيف إليها أخطاءً شيعية. المخلصون من الشيعة عاجزون عن ضبط متطرّفين يأخذهم السنّة كواجهة لتبرير خصومتهم معهم. بعضهم يتحدّث عبر الفضائيات بما يسيء، ومثل هذه النماذج تجعلنا مكبّلين. في إيران، هناك من لا يستطيع قول كلّ اقتناعاته المتعلقة بالتقارب مع السنّة حتى لا يتعرض للإيذاء المعنوي من متطرفين. وللسيد محمد حسين فضل الله تجربة مؤلمة عندما عمل على التقريب بين المذهبين وبأدلة شيعية محض. وحتى إذا كان هناك محاور شيعي عاقل، يبقى تأثيره على العامة محدوداً.
■ هذا في الشق المتعلق بتكفير الشيعة، ماذا عن تكفير السنّة أيضاً؟
صحيح. التكفيريون يكفّرون الجميع وهذه مشكلة كبيرة لا نجد لها حلاً في المدى المنظور. تحتاج إلى جوّ كامل من الحرية، إلى علماء على مستوى، إلى مؤتمرات فاعلة لا يكون هدفها الضجيج الإعلامي. لكن دور العقلاء الذين يمكن أن نعوّل عليهم معطل. على العكس، هو معرض للاغتيال والإلغاء والسخرية في الحد الأدنى. أعتقد أنه من دون صدمة إيجابية معينة يصعب التوصل إلى حلّ. كثيرون من مناصري الشيخ أحمد الأسير لجأوا إلينا بعد أحداث عبرا.
■ هل نراهن على صدمة أم على إصلاح في التعليم الديني مثلاً؟
إذا أردنا أن نحكي واقعاً، لا إمكانية حالياً لإصلاح ديني. لقد حاولنا مرة، لكننا لم نستطع المتابعة، لأن الجو لم يكن مناسباً. أحداث كثيرة كانت تحصل وتغذي المشاعر المذهبية، ما يعطل أي قدرة على إعمال العقل والحوار. لو كانت العقول تفكر بطريقة سليمة، لكان يكفي انتصار 2009 في غزة لإلغاء المذهبية. الحجة موجودة، لكن الآذان صماء والمال السعودي يعمل.
COMMENTS