خاص ـ الحقول / لا يزال حلف شمال الأطلسي يرفع "فزاعة" الأسلحة الكيمائية السورية. ويؤكد تصريح وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا في زيارته الأخيرة إلى الكويت[1]، أن “أي تغير لم يطرأ في الوقت الراهن على معلومات الاستخبارات” الأميركية عنها، “لكن … خوفنا هو أن الحكومة [السورية] إذا شعرت بأن النظام مهدد بالانهيار فقد تلجأ إلى هذه الأسلحة" ضد معارضيها.
يكشف تقرير ديبلوماسي من إحدى دول "بريكسا" عن أن تصريحات الأميركيين عن جاهزية الجيش العربي السوري لاستخدام الأسلحة الكيمائية ضد المقاتلين "الإخوانيين" والسلفيين الوهابيين، هي خطوة تمهيدية لعملية عسكرية، تنتهي بدخول قوات حلف شمال الأطلسي / ناتو إلى سوريا. فالأميركيون لا يكفون عن "تسريب" أنباء مشككة في موقف دمشق، رغم نفي القيادة السورية القاطع لمثل هذه الخطط، بل النوايا "الكيميائية" لديها.
وتتطابق هذه المعلومات مع مضمون تقرير نشرته صحيفة "إندبندنت" البريطانية[2] عن "استضافة رئيس أركان الجيش البريطاني الجنرال ديفيد ريتشاردز قبل بضعة أسابيع اجتماعا سرّيا حضره قادة جيوش كل من فرنسا وتركيا والأردن وقطر والإمارات العربيّة المتحدة، إضافة إلى جنرال أميركي، بحثوا فيه الاستراتيجية المطروحة" للتدخل العسكري ضد سوريا.
يضيف التقرير الـ"بريكساوي" أن "إسرائيل" هي المصدر الأساسي لكل "اللغط الكيميائي" في الأزمة السورية. إذ دأبت مراجع وأجهزة "إسرائيلية" على تزويد الدول الغربية بتقديرات ترجح استخدام أسلحة كيمائية. وهذا "اللغط" ترافق مع تغيير طرأ ـ في الأيام الأخيرة ـ على وجهة نظر "إسرائيل" إلى الأزمة السورية. فقد أعطى "الإسرائيليون" موافقتهم على تسليم "الإخوانيين" والسلفيين والوهابيين الحكم في سوريا. وهو ما تنشده أميركا والإتحاد الأوروبي، وتركيا والسعودية وقطر.
يعرض هذا التقرير ثلاثة أسباب لهذا التغير الإستراتيجي الطارئ على موقف الحكومة الصهيونية في تل أبيب من الأزمة السورية :
ـ الأول، أن "الإسرائيليين" يرون أن التدخل العسكري الأطلسي قد يغير النظام السياسي في سوريا. وهم يعلمون أنه عبر إسقاط النظام السوري الحالي، وتطويق سوريا بسلسلة الحكم "الإخواني" الشرق أوسطية المتمددة من المغرب ومصر حتى أنقرة، سيتم حل [جزء من] مشكلتهم مع الجمهورية الإسلامية في إيران.
ـ الثاني، أن إقرار "الإسرائيليين" بالدور المركزي لـ"الإخوانيين" والسلفيين الوهابيين في تكوين نظام الحكم "الديموقراطي" الذي يخطط الغرب لفرضه على سوريا في المرحلة المقبلة، قد اقترن بالتزام إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بحماية الأمن الإستراتيجي "الإسرائيلي" في المشرق العربي والشرق الإسلامي.
ـ الثالث، أن الشائعات التي تبثها الأجهزة "الإسرائيلية" عن "انتقال" أسلحة كيمائية سورية إلى يد المقاومة الوطنية اللبنانية، وتحديدا إلى "حزب الله"، يستغلها اللوبي الصهيوني للضغط على الكونغرس والحكومة وهيئات الدولة في أميركا، كي تسعى لنزع أسلحة المقاومة، وإخراج هذا الحزب من المعادلة السياسية في لبنان، وذلك بإسقاط الحكومة الحالية، وتسليم الحكم فيه لـ"الديموقراطيين" الموالين لواشنطن والغرب.
ويتابع، إن التغيير المفترض الذي يريد الأميركيون وأعوانهم إملاءه على الشعب السوري يركز على عام 2014 كموعد متوقع. وهم يحاولون جلاء الإبهام الذي يغشي رؤيتهم إلى كيفية حدوث التغيير في سوريا، بتزويد مجموعات الإرهاب والتكفير فيها، بأسلحة ومعدات نوعية تمس التوازن الإستراتيجي في ميدان القتال ضد القوات الحكومية.
وتتحدث معلومات التقرير عن أن الولايات المتحدة ودول ناتو تقيم الظروف الحالية بأنها مؤاتية للتدخل العسكري ضد سوريا. وقد تفسر هذه المعلومات "البريكساوية" مغزى رد الفعل المصري والروسي الذي ظهر خلال زيارة الوزير محمد كامل عمرو إلى روسيا. فقد أعلن عمرو في مؤتمر صحفي مع الوزير سيرغي لافروف أن "القاهرة وموسكو تعارضان أي تدخل عسكري أجنبي لحل الأزمة في سوريا".[3]
ينبئ الإعلان المصري ـ الروسي بأن خطط العدوان العسكري الأطلسي على سوريا قطعت، بالفعل، شوطا واسعا. وفي سياق عرض المشهد الميداني، يسرد تقرير ديبلوماسية "بريكسا" معلومات تفصيلية عن دور ضباط الإستخبارات الأميركية والغربية والتركية في تخطيط وتوجيه الهجمات الكثيفة التي شنها مسلحو المعارضة في دمشق ومحيطها الحضري في الآونة الأخيرة.
وتتضمن هذه المعلومات وقائع مختلفة عن قيام هؤلاء الضباط الأطلسيين بربط حلقات العمل المسلح الميداني، وعقد اجتماعات "منتظمة" مع قادة المسلحين داخل الأراضي السورية، وذلك على غرار ما حصل في "الجماهيرية الليبية" قبل الحرب الأطلسية عليها.
وتكشف معلومات هذا التقرير عن بدء التحضير لشرارة العدوان. وتقول إن الإستخبارات الأميركية والأطلسية باشرت بتنفيذ خطة سرية لنقل أسلحة كيميائية لم يعرف ما إذا كانت غاز "السارين" أو غيره، من ليبيا "الجديدة" إلى سوريا عبر تركيا بالتعاون مع حكومة رجب أردوغان وأجهزتها الإستخبارية.
وطبقا لمعلومات التقرير نفسه فإن استخبارات دول أطلسية تريد تسليم هذه الأسلحة القاتلة إلى المجموعات المسلحة في سوريا، لكي تستخدمها في اعتداءات وانتهاكات إرهابية في بؤر التوتر الأمني والعسكري المنتشرة في أنحاء البلاد. وبعد ذلك يجري اتهام حكومة الجمهورية العربية السورية بارتكاب هذه الجرائم المروعة.
يكشف التقرير عن سيناريو تكميلي ورد في خطة "الإرهاب الكيميائي" الأطلسية السرية. وينص على قيام الطيران الحربي الأطلسي بقصف قواعد جوية للجيش العربي السوري، تسهل استيلاء المسلحين "الإخوانيين" والسلفيين الوهابيين عليها، كما تمكنهم من احتلال بعض القواعد العسكرية السورية، وتحديدا القواعد التي تأوي الأسلحة الكيميائية للجيش.
ظهرت ملامح هذه الخطة في صحيفة "جويش كرونيكل" البريطانية[4]. فقد نشرت هذه الصحيفة معلومات عن أن "اسرائيل اجرت محادثات مع الحكومة الأردنية وحلفائها الغربيين، تناولت امكانية تدمير ترسانة سوريا من الأسلحة الكيميائية".
الصحيفة المذكورة نقلت معلوماتها عن مسؤولين "اسرائيليين" شاركوا في المحادثات. وهؤلاء "أكدوا أن هذه المحادثات جرت" فعلا، وأن "إسرائيل عرضت شن هجوم على قواعد الأسلحة الكيميائية في سوريا عبر الأراضي الأردنية، غير أن الخطة رُفضت [من الأردن] نظراً للغياب الواضح لجدواها … [فـ] نحن نتحدث عن 50 قاعدة، وهذه العملية ضخمة جداً للقيام بها".
معلومات بعض المصادر الصحفية العربية[5] عن حصول هذه المحادثات تقاطعت مع معلومات "جويش كرونيكل". وقالت هذه المصادر إن العرض "الإسرائيلي" للهجوم على سوريا عبر الأردن، وبمشاركته طبعا، قد تكرر ثلاث مرات.
ويرى التقرير الـ"بريكساوي" أن نتائج اجتماع مراكش لما يسمى "أصدقاء سوريا"[6]، قد استعمل "فزاعة" الأسلحة الكيمائية أيضا، تارة على لسان وزير الدفاع البريطاني، وطورا بصوت وصورة رئيس "ائتلاف الدوحة" معاذ الخطيب. واعتبر أن اعتراف الدول المشاركة بهذا "الإئتلاف" المعارض كـ"ممثل شرعي للشعب السوري"، ليس سوى تبرير للدعم الغربي والتركي و"الخليجي" للإرهابيين المتعددي الجنسيات والتنظيمات الذين تغلغلوا في سوريا.
ويقول التقرير إن أجهزة الإستخبارات الأميركية والأوروبية، والتركية وكذلك الأجهزة السعودية والقطرية التي تنظم عمليات تسليح وتدريب وتمويل مجموعات المعارضة المسلحة في سوريا، تعرف مقدار التشتت السياسي والتفتت التنظيمي الذي تتصف به تلك المجموعات، حتى زاد عددها عن 1000 مجموعة، تتقاتل على الغنائم المنهوبة والأموال المسلوبة، حسب تقرير صحفي نشرته الغارديان البريطانية[7].
ويقول معارض سوري معروف[8]، أن الدور السياسي للمعارضة السورية يصطدم بما يسميه "فوضى القيادات … التي تم اختيار معظمها من قبل الخارج"، وانتقد "تبعيتها لمؤسسات وهيئات عابرة للوطنية، ذات ارتباط واه بالوطن الذي غابت عنه لفترة طويلة جداً لم تفعل خلالها أي شيء من أجله".
ويخلص تقرير ديبلوماسية "بريكسا" إلى أن هذه الأجهزة تعلم علم اليقين بأن المال والجهد والسلاح الذي تبذله لـ"عسكرة" الأزمة السورية، بما في ذلك حصول المعارضين على أدوات "الإرهاب الكيميائي" من ليبيا، يصل حتما إلى تنظيم "القاعدة" وتفرعاته. ومن بينها "جبهة النصرة" الإرهابية التي تعد اليوم أقوى تنظيم مسلح في سوريا.
كما ينبه التقرير من أن إعلان واشنطن وضع "جبهة النصرة" على لائحة الإرهاب ليس سوى "ورقة توت"، لا يمكن أن تخفي التورط الأميركي والأطلسي في دعم "الإخوانيين" والسلفيين الوهابيين الذين يشنون أحدث حروب الإرهاب لتدمير المؤسسات المدنية والعسكرية العامة في سوريا، والقضاء على سائر مظاهر الحياة الحديثة في المجتمع السوري.
"الإخوان" "والنصرة" و… "الإرهاب الكيميائي"
أهم حليف للأميركيين والأطلسيين في الأزمة السورية حاليا، وهو فاروق طيفور نائب المراقب العام لـ"جماعة الإخوان" السوريين، كشف عن علاقة جماعته مع تنظيم "القاعدة" حينما أعلن من أنقرة "أن واشنطن اتخذت قراراً خاطئاً للغاية بإدراج جبهة النصرة على قائمة المنظمات الإرهابية".
وأضاف طيفور الذي قاتل ضمن مجموعة إرهابية داخل سوريا في الثمانينات من القرن الماضي، أن "القرار [الأميركي] خاطئ تماماً ومتسرع … [لأنه] من السابق لأوانه تصنيف الناس داخل سوريا بهذه الطريقة نظراً لحالة الفوضى في البلاد”[9].
تطرح هذه المعلومات سؤالا كبيرا، هو :
إذا مضت واشنطن بخطة تزويد تحالف "الإخوانيين" والسلفيين الوهابيين في سوريا بأسلحة كيمائية "ليبية"، لفتح أسوار دمشق امام جحافل حلف شمال الأطلسي، فمن يضمن نجاة الأميركيين وحلفائهم من عواقب "الإرهاب الكيميائي"؟.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] رويترز، 11 كانون الأول 012.
[2] يوم الأربعاء 12 كانون الأول 012.
[3] وكالات، 28 كانون الأول 012.
[4] يوم السبت، 29 كانون الأول، 012.
[5] الأخبار، يوم الإثنين 31 كانون الأول 012، تقرير الصحفي الأردني ناهض حتر.
[6] وكالات، 12 كانون الأول 012.
[7] يوم السبت 29 كانون الأول 012.
[8] ميشال كيلو، السفير، 29 كانون الأول، 012.
[9] أ.ف.ب، رويترز، 11 كانون الأول 012.
علي نصار، مدير موقع الحقول / ومدير مركز الحقول للدراسات والنشر
الإثنين، 31 كانون الأول، 2012
COMMENTS