الاحتجاجات الاجتماعية في “إسرائيل” : فلسطينيو 48 جماعة قومية لا نقابة عمال؟

السعودية : اتهام جهاز المباحث بارتكاب جرائم ضد الإنسانية
حدود التحالف بين مصر والسعودية
إحصاءات رواد إنترنت هل هي دقيقة ؟

لا شك في أن حملة الاحتجاج الاجتماعية والمطلبية التي تشهدها “إسرائيل” منذ نحو شهر غير مسبوقة في حجمها ونوعية مطالبها. وتتمحور عناوينها حول تحسين الحالة المعيشية للطبقات الوسطى والفقيرة، خاصة خفض أسعار المساكن، وإدخال إصلاحات في مبنى السياسة الاقتصادية، دون تغيير النظام الاقتصادي أو السياسي القائم، ودون الاعتراض على أهداف المشروع الصهيوني، أو الربط بين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وسياسات الاستيطان في الأراضي المحتلة أو في الجليل والنقب، والتي تتوازى مع سياسات تقليص القطاع العام والتراجع عن تزويد خدمات عامة وتحويلها إلى القطاع الخاص أو إلى القطاع الثالث، بغية التوفير وتقليص العجز في الميزانية، وضبط الإنفاق العام. ويرى كثيرون أن السياسة الاقتصادية الحالية كسرت توازنات ضرورية بين الحاجة إلى اقتصاد حرّ والحاجة إلى تكافل وتضامن اجتماعي داخل الجماعة اليهودية في “إسرائيل”.
في ظل هذه الحملة تعالت أصوات تنادي بمشاركة فعالة للمجتمع الفلسطيني في الداخل فيها. وإزاء ذلك تبرز ضرورة توضيح الفارق بين حالة هذا المجتمع ونوعية مطالبه من ناحية، واحتجاج المجتمع “الإسرائيلي”، بغية موضعة نضاله الاقتصادي الاجتماعي في سياق صحيح، من ناحية ثانية.
الاحتجاج الحالي شرعي وفقا لمفاهيم الجماعة الصهيونية، وطبقًا لأصول اللعب المتفق عليها في المؤسسة السياسية “الإسرائيلية”. وحدوده تراوح بين ترويض النظام الرأسمالي وإخضاعه أكثر إلى مفاهيم العدالة الاجتماعية، واستعمال أدوات اقتصادية ليبرالية لتفكيك احتكارات ما زالت قائمة. وربما يكون هناك تعديل لجهاز الضرائب، بهدف تقسيم أكثر عدلا للثروات وتحسين أحوال الطبقات الوسطى والضعيفة وتصحيح الفجوات في الدخل، أو تخفيض الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات. ولا يتعامل أحد بجدية مع فكرة العودة إلى “دولة الرفاه”، أو مع فكرة تأميم مرافق كبيرة جرت خصخصتها.
بالنسبة للمجتمع الفلسطيني طبيعي أن يكون لديه رأي إزاء الحراك، لكن في المقابل لديه أيضًا مطالب خاصة ذات صلة بنضاله القومي، ولديه غايات جماعية ترتبط مباشرةً بالمكانة السياسية والمدنية لأفراده. هذا لا يلغي طبعًا إمكان خوض نضال مشترك مع أجزاء من المجتمع “الإسرائيلي” ينطلق من الحاجة إلى تغيير النظام القائم لا الاكتفاء بإدخال تعديلات شكلية على بعض السياسات الاقتصادية الاجتماعية. وتجارب الماضي أثبتت أن أي مطلب ونضال لا يتأتى عنهما تغيّر المكانة السياسية أو القانونية للفلسطينيين يبقيان شكليين، وأن التجاوب مع مطالب اقتصادية واجتماعية لفلسطينيي 48 عادة ما يكون رهن مواقف سياسية، وتطبيقها يكون متعلقًا برضا الحكومات. وبالتالي يظل الخيار الأسلم التصرف كمجموعة قومية ذات مصالح وأهداف مشتركة، لا كنقابة عمال فقط.

COMMENTS