لم تخفف التوضيحات الحكومية أمس، درجة الإستنفار السياسي. وبقيت إجراءات التقشف المالي، ومن ضمنها تخفيض رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، محور افتتاحيات الصحف. فأكدت "اللواء" أن "اللعب بالرواتب والتقديمات، هو لعب بالنار، بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى أو معانٍ. ولا حاجة بعد، لأن يعلن المسؤولون المعنيون، المباشرون، والذي يقفون وراء الستارة، ان في الأمر إشاعات حركت الموظفين المعنيين إلى الاعتصام امام مجلس النواب أو إحراق الإطار عند منافذ العاصمة". واعتبرت "الأخبار" أن "انكشاف" سرية نقاشات رئيس الحكومة وبعض الوزراء حول "قص أجور العاملين في القطاع العام" بنسبة 15 في المئة، أفشل التوافق السياسي على إجراءات التقشف" في مشروع موازنة عام 019. أما "البناء" فقد "حذرت من التلويح بسعر الصرف، لأن سقوط هذا السقف سيعني سقوط النظام بكل مؤسساته، وبسقوطه سيخسر الناس مؤقتاً ريثما يعيدون بناء هياكل الدولة، لكن كل السياسيين والحكام، سيسقطون، ولن ينجو من بينهم أي حاكم سياسي أو اقتصادي أو مالي، بل سيحاكمون بتهمة ما جنت أيديهم على البلاد والعباد". هذا هو "الجو السياسي" الآن.
البناء
تمهيد روسي إيراني لعملية إدلب واللجنة الدستوريّة بالتوازي… ونشر الجيش السوري حتى الحدود
إقرار خطة الكهرباء نيابياً… يفتح باب بند الرواتب والتعويضات في الموازنة
الحريري «لعم»… وباسيل «لا إله»… وخليل «ليس مشروعنا»… والشارع جاهز
تناغم الموقف بين وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف الذي تحدث عن سورية من موسكو ووزير خارجية إيران الذي تحدث عن سورية من أنقرة، عشية اللقاء الثلاثي الروسي الإيراني التركي ضمن مسار أستانة، لجهة سقوط مهل الانتظار لحسم الوضع العسكري مع جبهة النصرة في إدلب، وربط السير باللجنة الدستورية بها، وكذلك لجهة اعتبار الحل الأمثل لمتطلبات الأمن التي تثيرها تركيا عبر الحدود، بنشر الجيش السوري بتوافق رعاة أستانة حتى الحدود التركية، ووضع الجماعات الكردية المسلحة، ومن ورائها واشنطن، امام خيار التصادم مع الجيش السوري أو الدخول في تفاوض الجماعات الكردية مع دمشق على قبول الانخراط في الحل السياسي وضمان انتشار بالتراضي لوحدات الجيش السوري.
لبنانياً تصدرت السياسات المالية وكيفية مواجهة مخاطر تفاقم العجز في موازنة الدولة الاهتمام، حيث شكل إقرار متطلبات السير بخطة الكهرباء قانونياً، في مجلس النواب، الخطوة الأولى نحو وضع الخطة قيد التنفيذ، وبدا من مقترحات القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، بربط السير بالخطة بتشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، والتي سقطت لدى التصويت عليها، أن المواجهة لم تنته، وان الخلفية السياسية لا تزال تتحكم بالمواقف، وأن تسجيل النقاط السياسية لا يزال يتقدم على البحث الجدي بالحلول المالية.
جبهة موازية للدفاع عن المصارف والشركات الكبرى، توزع فيها طرفا المعارضة لخطة الكهرباء، حيث تقف القوات في خندق المصارف ويقف الاشتراكي في الضفة المقابلة، ليحل تيار المستقبل محله في تشكيل درع الحماية للمصارف مع القوات، بينما تختار القوات ضفة شعبوية في مقاربة ملف تعويضات القطاع العام الذي فتح على مصراعية مع الكلام الذي قيل بالأمس من رئيس الحكومة سعد الحريري، ووزير الخارجية جبران باسيل، ووزير المالية علي حسن خليل، حيث تبدو القوات أقرب للاشتراكي مجدداً، ويبدو التيار الوطني الحر أقرب للمستقبل عملياً، رغم ما قرأته مصادر سياسية من تراجع خطوة إلى الوراء في كلام رئيس الحكومة، وخطوتين إلى الوراء في كلام باسيل، وقد كان لكل منهما كلام وإيحاءات وتسريبات عنوانها، على الموظفين تقبل مبضع الجراحة يعبث في مداخيلهم مهما كانت ضئيلة، لأن البديل هو انهيار سعر الصرف، وخسارة كل شيء.
مصادر سياسية متابعة حذرت من كثرة الحديث عن التلويح بسعر الصرف، لأن سقوط هذا السقف سيعني سقوط النظام بكل مؤسساته التي لم تقدم لقاء أخذها للبلد نحو حافة الهاوية إلا حماية سعر الصرف، الذي باسمه تم تكبير الدين ورفع الفوائد وزيادة العجز، وعلى خلفيته تمت المحاصصات، وبسقوطه سيخسر الناس مؤقتاً ريثما يعيدون بناء هياكل الدولة، لكن كل السياسيين والحكام، سيسقطون، ولن ينجو من بينهم أي حاكم سياسي أو اقتصادي أو مالي، بل سيحاكمون بتهمة ما جنت أيديهم على البلاد والعباد.
المصادر نصحت المسؤولين في الدولة بسحب سعر الصرف من التداول، والتحدث بلغة تتحدث عن كيفية معالجة نتائج سياسة تذرعت بحماية سعر الصرف، سيعني ثبوت فشلها، عندما يقال أن سعر الصرف سينهار، أن النظام السياسي الذي أدعى أنها وصفة لا تسقط، هو من يجب أن يسقط وينهار.
في مقاربة ملف الرواتب والتعويضات، بعدما أطلق الشارع رسائله التحذيرية، وصفت المصادر كلام الرئيس الحريري بالـ «لعم»، حيث كان واضحاً انه يتفادى تقديم تعهد واضح بعدم المساس برواتب محدودي الدخل، رغم تبدل اللهجة إلى المزيد من تفهم خطورة الاقتراب، وصفت المصادر كلام الوزير باسيل، عن رفض الاجتزاء وتوصيفه للتعامل مع كلامه عن المساس بالرواتب أنه مثل أخذ «لا إله « من جملة «لا إله إلا الله» أي نصف الكلام ليعطي عكس المعنى، تبريراً لتريث يحتاجه باسيل بعد وضوح خطورة الكلام، بينما اكتفى وزير المال بالقول، رغم نسبة البعض للمقترح الخاص بتخفيض الرواتب لمشروع الموازنة المقدمة من وزارة المال، أن الكلام المتداول لا صلة له بمشروعه للموازنة.
الحريري: تخفيض الرواتب وإما الكارثة!
إذا كانت خطة الكهرباء «نجم» ساحة النجمة في الجلسة التشريعية التي عقدها المجلس النيابي أمس، فإن مشروع الموازنة خطف الأضواء داخل قاعة البرلمان وخارجها بالتزامن مع حراك شعبي في الشارع مرشح لأن يكبر ويمتد في الأيام المقبلة ككرة الثلج وسط المعلومات المتداولة عن تخفيضات ستطال رواتب ومعاشات تقاعد الموظفين مدنيين وعسكريين في مشروع الموازنة.
ضغط الشارع، دفع المعنيين لإطلاق تصريحات من مجلس النواب لطمأنة الموظفين وامتصاص الغضب الشعبي، فقد أكد وزير المال علي حسن خليل أن «مشروع الموازنة لا يتضمن ما يحكى عن تخفيضات على الرواتب»، متمنياً على المواطنين ان «يحكموا على هذا الامر عند اصدار الموازنة». ولفت الى أن «موضوع الموازنة يُناقش بشكل كامل ولم يتم اقراره او التوافق على أي أمر بعد»، معلنا أنه «ليس صحيحاً انني وافقت على تخفيض الرواتب 15 في المئة». وشدد على أن «تخفيض الرواتب ليس جزءاً من مشروع الموازنة المقدم من قبلي»، جازماً أن «مشروع الموازنة لم يبتّ اي امر على الاطلاق في ما خص تخفيض المعاشات، والمحضر المسرّب عن اللقاء عند رئيس الحكومة ليس جزءاً من مشروع الموازنة».
أما رئيس الحكومة سعد الحريري فلفت الى أن «الذين توجهوا الى الشارع فذلك نتيجة الشائعات»، لافتاً الى أن لا أحد يملك جواباً حول ماهية هذه القرارات ولن تصيب الفقراء». لكن الحريري وضع الموظفين والمواطنين والبلد أمام خيارين أحلاهما مرُ، إما أن يدفع الموظفون التضحيات من جيوبهم ولقمة عيشهم وإما الذهاب الى كارثة، ما وضعته مصادر نيابية في إطار الضغط والتهديد لتمرير التخفيضات التي يسوق لها فريق الحريري. وأشار الحريري الى أن «في حال لم نتخذ قرارات تقشفية حقيقية فقد نصل إلى كارثة حقيقية خلال سنة. وقال: «من واجبي كرئيس حكومة ان أكون صادقاً مع الناس وان أشرح لهم الوضع الحقيقي الذي نحن فيه، فإذا لم نتخذ إجراءات تقشفية حقيقية ونقوم بخطوات أساسية سنصل الى مكان لا تحمد عقباه». وقال إن « المصارف عليها مسؤولية ومستعدة أن تتحمل وتساهم بكل هذه الخطة، ولكن يجب أن نرى إصلاحاً حقيقياً». وأوضح أن «الخطة التي نتبعها متوازية مع مشروع الموازنة ونحتاج لأكبر توافق ونحتاج الى حوار حقيقي مع كل اللبنانيين». وكانت لافتة مخاطبة الحريري العسكريين بالقول: «العسكري مستعد للتضحية بدمه من اجل بلده واذا كان انقاذ البلد يحتاج الى تضحية فلن يقصّر»، ما اعتبر تلميحاً غير مباشر بأن الاجراءات التقشفية ستطال العسكريين!
بدوره أكد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على ما قاله في صيدا، لكنه اعتبر أن «بعض الاعلام والسياسيين اجتزأ ما قلته في موضوع رواتب القطاع العام وهو يشمل خمسة امور: حجم الدولة الذي يشكل جزءاً يسيراً من الموضوع وخدمة الدين والتهرب الضريبي والجمركي والكهرباء والضرائب التي يمكن ان تستوفي من اصحاب الجيوب الكبيرة».
ووفق مصادر وزارة المال فإن «الاتجاه الى تعزيز ايرادات الدولة بالتوازي مع تخفيض النفقات للوصول الى التخفيض المطلوب للعجز في الموازنة، وتكشف المصادر عن فرض ضرائب ورسوم جديدة على قطاعات للمرة الاولى، كالأملاك المبنية والبحرية والكسارات والمرامل، فهناك 300 مرملة وكسارة معفاة من كل أنواع الضرائب، أما شركتا الاتصالات ألفا وأم تي سي تحققان مئة مليون دولار أرباح سنوية مع رواتب مرتفعة لموظفيها وتوظيف عشوائي. وتشير المصادر الى خلل في الميزان التجاري 17 ملياراً، حيث وصل حجم الاستيراد الى 19 مليار دولار مقابل مليارين صادرات، الأمر الذي انعكس خللاً في ميزان المدفوعات».
وتلفت المصادر لـ»البناء» الى أن «لبنان يدفع اليوم ثمن السياسات النقدية على مر العقود الماضية، فمصرف لبنان يعمل اقتصادا ونقدا ومالا، أما النتيجة فهي الغرق في حلقة من الديون تحت عنوان الحفاظ على النقد وما يتطلبه من هندسات مالية استفاد منها قطاع المصارف مقابل سحب السيولة من السوق وبالتالي تجميد النشاط الاقتصادي وتراجع النمو، فباتت الدولة تخدم الحفاظ على احتياط الدولار».
كما تشير الى أن «العجز بالموازنة وصل الى 11 الف مليار ليرة، بإنفاق 27 الف مليار وايرادات 16 الف مليار». وتوضح أن «تغطية عجز الكهرباء قيمته 2764 مليار سيجري تخفيضه الى 2500 مليار العام الحالي بموجب خطة الكهرباء الجديدة عبر تخفيض الهدر التقني والفني وتعزيز الجباية»، وتكشف المصادر أن «الموازنة الحالية ستكون شفافة وعادلة وواضحة ولن تطال الرواتب المنخفضة وستصيب الضرائب قطاعات جديدة وبالتالي لا مبرر للقلق»، وتتحدّث عن «أن جميع الموازنات السابقة مجزأة ومضخمة ولا تعكس حقيقة الوضع، فهناك الكثير من الحسابات المالية من قروض وموازنات كمجلس الانماء والاعمار والصندوق البلدي المستقل لم تُدرج فيها». كما تؤكد أن «الاجراءات الجديدة في الموازنة ستواكَب بحملة واسعة لمكافحة الفساد والتهرب الضريبي».
وفي سياق ذلك، ادعى وزير المالية لدى النيابة العامة التمييزية على كل من تثبت مشاركته بمخالفة القانون والمسلكية الوظيفة من موظفين وأفراد في جمارك مرفأ بيروت، للتحقيق واتخاذ كافة التدابير اللازمة وفق ما نص القانون، ويأتي هذا الكتاب بعدما كان خليل كلف ادارة الجمارك اعداد تقرير سريع بشأن ما ورد في احدى الحلقات التلفزيونية بتاريخ 15/4/2019.
الاعتراض على بنود الموازنة لم ينحصر بالموظفين فحسب بل يطال قطاع المصارف والشركات أيضاً، ما ينذر بتجدد النزاع بين وزارة المال وقطاع المصارف الذي يرفض تحميله مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية وتدفيعه أعباء ضرائبية اضافية، وتشير مصادر نيابية ومصرفية من أكثر من كتلة نيابية لـ»البناء» الى أن «قطاع المصارف هو أبرز القطاعات المحركة للاقتصاد، فهو يدين الدولة والمصرف المركزي ويموّل مشاريع القطاع الخاص»، مستغربة «الحملة على الحاكم المركزي وعلى المصارف»، وشددت على اعادة النظر بالسياسات الاقتصادية والمالية وضرورة وضع خطط مستدامة لاعادة تصحيح الوضع الاقتصادي»، ورفضت «تغيير السياسة النقدية قبل اصلاح الوضع الاقتصادي والمالي منعاً لاي انهيار للعملة الوطنية في ظل الظروف الحالية».
المجلس أقرّ خطة الكهرباء
وكما كان متفقاً بين القوى السياسية فإن الجلسة العامة اقتصرت على اقرار خطة الكهرباء. وهذا ما حصل رغم محاولة حزب القوات اللبنانية إدخال بعض التعديلات على الخطة لجهة تعيين الهيئة الناظمة لمدة لا تتعدى ستة أشهر، غير أن الاقتراح القواتي سقط، فأقرت الخطة كما هي من دون اي تعديل، ليرفقها الرئيس بري بتوصية سيبعث بها الى الحكومة لضرورة أن تلتزم تعيين الهيئة الناظمة من الآن حتى ستة أشهر كحد أقصى وليس ثلاث سنوات كما ورد في الخطة.
وجرى الاتفاق بطريقة غير مباشرة، بحسب ما علمت «البناء» على إسقاط صفة العجلة على المشاريع والاقتراحات الأخرى وإحالتها على اللجان النيابية بما فيها قانون سرية المصارف والنفايات وتخفيض غرامات التحقق والغرامات المتوجبة على متأخرات رسوم البلدية، في حين سحب الرئيس الحريري الاقتراحين المتعلقين بالمنطقتين الاقتصاديتين بالبترون وصور، لدرسهما في مجلس الوزراء.
وقالت وزيرة الطَّاقة والمياه ندى البستاني: «بات لدينا اليوم قانونٌ يمكِّننا من تَنْفيذ خطَّة الكهرباء ، وهذا القانون تمَّت الموافقة عليه من لجنة الأَشغال والطَّاقة». وشكَرت لكلِّ السِّياسيِّين الإيجابيَّة الَّتي أَبْدوها في هذا الإِطار، وكشفت في تصريح بعد الجلسة، أَنَّ التَّوْصيات المَطْلوبة من قبَلِنا قد أُخِذ بها، ما يمكِّننا من البدء في التَّنفيذ».
وردًا على سؤال عن معايير الشَّفافيَّة، قالت: «إِنَّ التَّوْصية الَّتي طالبْنا بها هي الَّتي أُقرَّت، وقد طالبنا بتعديل القانون 462، ومن ثمَّ تعيين هيئةٍ ناظمةٍ، واليوم أُدرِجَ ما طالبنا به في التَّوصية وهذا إِنجازٌ كبيرٌ. وهذا ما باتَ في مجلس الوزراء ، كما وفي مجلس النوَّاب. وأَمامنا ثلاثة أَشْهر لدرسِ هذه التَّعْديلات».
إضراب عام
وعلى مقربة من ساحة النجمة، كانت ساحة رياض الصلح تشهد اعتصاماً بدعوة من هيئة التنسيق النقابية، ورابطة الأساتذة المتفرغين والمتعاقدين في الجامعة اللبنانية، رفضاً للمساس برواتب الموظفين والمعلمين والمتقاعدين وإعطاء أساتذة الجامعة اللبنانية ثلاث درجات استثنائية، شارك فيه الناجحون في مجلس الخدمة المدنية، وعضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم وعضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» بلال عبد الله ورئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر.
ورفع المعتصمون لافتات عن رفض اقتطاع او اجتزاء الرواتب او منح التعليم والتعويضات وسائر الحقوق المكتسبة. ودعوا الى استعادة أموال الضرائب من جباية أموال التهرب الضريبي والمصارف والشركات الكبرى والأملاك البحرية والنهرية. وتوازياً، عمّت الإضرابات مختلف المناطق اللبنانية، وشملت الادارات الرسمية والثانويات والمدارس وغيرها من المرافق العامة التي أقفلت أبوابها احتجاجاً على ما يصدر من تصريحات وتلميحات حول المساس برواتب الموظفين وحقوقهم التقاعدية وتأميناتهم الاجتماعية. كما طال الإضراب كلاً من الوكالة الوطنية للإعلام والإذاعة اللبنانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار
سقوط «التوافق» على خفض الرواتب
اعتصام جامع ضد اقتطاع المعاشات: بحث عن قيادة مشتركة؟
انتفض ثلاثي «الإجراءات التقشفية» أمس، محاولاً ردّ تهمة المسّ برواتب موظفي القطاع العام، فإذا به يؤكدها. الرئيس سعد الحريري والوزيران جبران باسيل وعلي حسن خليل نزلوا شخصياً إلى الميدان. تحدثوا إلى الإعلام عن الدور السلبي للإعلام في إشاعة أجواء غير صحيحة عن الخطط الحكومية. لكنهم مع ذلك، دعوا الناس إلى تقبّل خططهم بذريعة أن البديل سيكون الانهيار. رغم ذلك، فإن ما تحقق في الأيام الماضية، سقوط محاولة تأمين توافق جميع مكونات مجلس الوزراء على خفض رواتب جميع العاملين في القطاع العام بنسبة تصل إلى 15 في المئة
شهد المجلس النيابي، أمس، الجرعة الأكبر من جرعات السعي الرسمي إلى تسويق الإجراءات التقشفية التي تُعدّها الحكومة. تولى رئيس الحكومة ووزيرا الخارجية والمالية ردّ التهم بالمسّ برواتب الموظفين، فإذا بهم يؤكدون أن ما يُنشر ليس سوى غيض من فيض الإجراءات القاسية التي تنتظر محدودي الدخل، وأولها تخفيض الرواتب ومعاشات التقاعد والتقديمات الاجتماعية. وعلى وقع الاعتصامات والإضرابات التي عمّت كل المناطق، استسهل المعنيون تحميل الإعلام مسؤولية القلق الذي يعمّ البلاد، طالبين منه أن يكون إلى جانبهم في إقناع الرأي العام بحتمية المشاركة بإنقاذ الاقتصاد، من دون أن تُقدِم الطبقة الحاكمة، من ناحيتها، على أيّ خطوة من شأنها أن تعدّل في النموذج الاقتصادي الذي أثبت فشله وأدى إلى حالة شبه الانهيار. لكن كثافة التصريحات التهويلية لم تخف ما كشفته مصادر سياسية لـ«الأخبار»، إذ أكّدت أن انكشاف جزء من النقاشات التي كان رئيس الحكومة وعدد من الوزراء يريدونها أن تبقى سرية، أدى إلى فشل مشروع تأمين التوافق على إجراءات التقشف و«قصّ أجور» العاملين في القطاع العام، قبل إحالة مشروع الموازنة على مجلس الوزراء.
وزير المال علي حسن خليل، كان قد صبّ جام غضبه على «الأخبار»، على أثر ما نشرته عن تقديمه اقتراحاً بحسم 15 في المئة من الرواتب. وهو اعتبر أن «من نقل محضر اللقاء الذي حصل عند رئيس الحكومة إما لم يكن حاضراً أو هناك نية لفتح نقاش مع الجهة السياسية التي ننتمي إليها، وموقفها واضح بهذا الشأن». مع ذلك، عاد وأكد أن ما نشرته «الأخبار» كناية عن «وجهة نظر تُناقش» في اللقاءات التي تضم ممثلي مكونات مجلس الوزراء في منزل الحريري، قبل أن يعفي نفسه من المسؤولية، ليؤكد أن خفض المعاشات ليس جزءاً من مشروع الموازنة المقدّمة من قبله.
وزير الخارجية جبران باسيل، رأى أن الإعلام تعامل مع كلامه، في جولته الجنوبية يوم الأحد، على طريقة لا إله، فاقتطع من تصريحه ما يتعلق بدعوته إلى تخفيض الرواتب في القطاع العام، وتغافل عن تطرقه إلى ضرورة أن تطاول الإجراءات الحكومية خمسة أمور أخرى، هي: حجم الدين الذي يشكل جزءاً يسيراً من الموضوع، وخدمة الدين، والتهرب الضريبي والجمركي والكهرباء والضرائب التي يمكن أن تستوفى من أصحاب الجيوب الكبيرة.
رئيس الحكومة سعد الحريري قال، بدوره، إن «كل ما يحكى عن تخفيضات هو كلام صحف»، قبل أن يقدم الحريري الجرعة الأكبر من محاولات التمهيد لمشروعه، إذ قال: «نحن مع المتقاعدين ومع الإدارة، ولكننا نريد الحفاظ على الليرة، وعلينا أن نكون صادقين معهم، إن البلد قد يتدهور». كذلك، حاول اللعب على وتر نظرة الناس إلى القطاع العام. وصمه مراراً بالفساد، نازعاً عن السياسيين هذه الصفة، بالرغم من أنهم وحدهم يتحملون مسؤولية إفساد ما فسد من القطاع العام. عندما تطرق الحريري إلى ضرورة تحمّل الجميع للمسؤولية للخروج من الأزمة، سأله النائب جميل السيد: لماذا لا تقول لنا من يتحمل مسؤولية ما وصلنا إليه قبل أن تطلب منا تحمّل مسؤولية ما سيأتي؟ تناست السلطة أنها هي التي عمدت إلى «رشوة» الموظفين بالسلسلة قبل الانتخابات، فيما تسعى بعدها إلى نزع بعض مكتسباتها. أمام أي اعتراض، كان الحريري يلجأ إلى سؤال النواب: «قولوا إذا كنتم لا تريدون سيدر، وهل تريدوننا أن نستدين بـ9 أو 10 بالمئة من أجل بناء مطار ومشاريع وبنى تحتية؟».
كرر الحريري في مجلس النواب أمس ما سعى إليه في الاجتماع الذي ترأسه في منزله ليل الأحد الفائت، وضم إليه ممثلي الكتل المشاركة في الحكومة (راجع «الأخبار» أمس). وصف الاقتطاع من حقوق الموظفين بالإصلاحات، واعتبر أن تقليص الجزء اليسير من أرباح المصارف، من دون المسّ بخدمة الدين، مساهمة بخفض العجز. ودعا إلى المقايضة بين الأمرين. قال تحديداً إن «المصارف عليها مسؤولية ومستعدة لأن تتحمل وتساهم بكل هذه الخطة، ولكن يجب أن نرى إصلاحاً حقيقياً»، مشيراً إلى أنه «في باريس 2 ذهب لبنان إلى فرنسا والمصارف وضعت 10 آلاف مليار في تصرف الدولة، ونحن لم نقم بأي إصلاح، لذلك يجب أن نكون صادقين مع المواطنين ومع العسكريين ومع إدارة البلد، فإذا بقينا على هذا النمط سنصل إلى كارثة. إذا أصابتنا المصيبة فمن سيُنقذنا؟».
اعتصام جامع ضد اقتطاع المعاشات: بحث عن قيادة مشتركة؟
هذه هي البداية، قالها بعض من شارك في اعتصام أمس، في إشارة إلى رهانهم على تكرار المشهد الجامع للمتضررين من السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتأسيس عليه. إلّا أنّ هؤلاء حضروا على عجل، وخطاباتهم التقت محض صدفة، من دون أي إعداد مسبق، أو تنسيق بين الممثلين النقابيين لموظفي القطاع العام في الملاك والمتقاعدين والمتعاقدين وأساتذة الجامعة اللبنانية والناجحين في مجلس الخدمة المدنية. وباستثناء ما قاله رئيس الاتحاد العمالي بشارة الأسمر لجهة امكان عقد مؤتمر نقابي يشمل كل الأطياف لمواجهة اقتطاع المعاشات، لوّحت خطابات القيادات النقابية بـ«انتفاضة اجتماعية»، لا ملامح لها ولا خطة برنامجية ولا رؤية ولا حتى تكتيك.
لكن برزت خلال الاعتصام دعوات من نقابيين متقاعدين لتجميع قواعد الأساتذة والمعلمين والموظفين ضد اعتداء السلطة على حقوقهم. فرئيس رابطة قدامى أساتذة الجامعة اللبنانية، عصام الجوهري، أشار إلى أن «المواجهة لا يمكن أن تحصل بهذا التشتت، ومطلوب تشكيل قيادة مشتركة جديدة للتحرك». فيما شدّد النقابي حسن إسماعيل على أن «الاعتصامات المتفرقة غير مجدية ما دام الجمهور الحزبي والقيادات النقابية غير متفلتة من قرارات أحزابها». ورأى النقابي عدنان برجي أن «تجميع الناس لا يتطلب في الظرف الحالي الكثير من التعبئة، والحاجة هي لتجميع نقابي وشعبي وإطلاق تحرك ميداني متواصل».
رئيس الحزب الشيوعي حنا غريب سأل عمّا «إذا كانت القيادات النقابية على استعداد للسير في سقف عالٍ للمواجهة. هذا هو التحدي»، مشيراً إلى أنّ تظاهرة الأول من أيار «مناسبة لمشاركة كل أصحاب الحقوق في حركة شعبية ورفع مطلبين أساسيين مشتركين للجميع تنضوي فيهما المطالب الخاصة الأخرى للقطاعات: الأول تعديل النظام الضريبي باتجاه تصاعدي، والثاني المطالبة بالقبض على مكامن الهدر والفساد».
رئيسة رابطة موظفي الإدارة العامة نوال نصر، نقلت عن الموظفين الإداريين استعدادهم للدخول في إضراب مفتوح قبل جلاء الموقف النهائي الحكومة حيال الرواتب والتقديمات. ومع أن نصر أكدت أن التزام الإضراب كان واسعاً، أفادت معلومات بأن التحرك شهد خروقاً ملحوظة.
وفي الاعتصام، بدا لافتاً ما قاله رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، يوسف ضاهر، لجهة أنّ «الأزمة سياسية قبل أن تكون اقتصادية نظراً إلى التوازنات الهشة والمحاصصات في كل المؤسسات والمرافق. فمؤسسات الدولة ومرافقها ليست ملكاً لها إلا بالاسم. أما بالفعل، فهي ملك للطرف السياسي الطائفي الذي وقعت عليه، فأرباحها له، وموظفوها له، وهو يقرر كل شيء فيها، والحل يكون بسيادة الدولة على مقدراتها».
رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي نزيه جباوي، أعرب عن اطمئنانه إلى أن جمهور هيئة التنسيق لا يمكن اللعب به، فيما جزم رئيس رابطة أساتذة التعليم الأساسي بهاء تدمري بـ«أننا لن نسمح لكم بإعدامنا، لقد اعتديتم علينا، ومن واجبنا الدفاع عن النفس بكل الوسائل»، قائلاً: «خفض هباتكم لزوجاتكم في جمعياتهن الوهمية وفي مهرجاناتهن الفولكلورية، يخفض العجز بأكثر من مليار دولار، وقف الصفقات بالتراضي يخفف أكثر من مليار دولار، ووقف الفساد الذي أنتم مشجعوه والقائمون به وعليه يخفض العجز بأكثر من خمسة مليارات دولار».
من جهتهم، حضر الناجحون في مجلس الخدمة المدنية إلى الساحة، بحسب زينة مشيك، للمطالبة بحق طال انتظاره من أربع سنوات، «وذنبنا أننا لسنا محسوبين على أي فئة حزبية، فيما أدخلتم 2500 عسكري بلا امتحان دخول و5000 موظف كانت لكل منكم حصة فيهم، وإذا اتفقتم تتفقون على قضم حقوقنا، وإن اختلفتم تختلفون على تقطيعنا حصصاً».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللواء
مصائر الرواتب: إقتطاع لا تخفيض.. حقائق أم إشاعات؟
الحريري: الإجراءات أو الكارثة. خليل: لا مسّ بالمتوسِّطة ومحدودي الدخل. باسيل : لتصفية القطاع العام
ما يُمكن قوله، في خضم النقاش التقني والرقمي (من رقم، أرقام) ومن ورائه النقاش الصامت، وراء الجدران، والصاخب في الشارع، حول موازنة العام 2019 ان عنصر المفاجأة يسقط بالضربة القاصمة، الاستباقية.. التي بادر إليها العسكريون؟ قبل المدنيين، في محاولة، لإبلاغ مَنْ يعنيه الأمر، ان اللعب بالرواتب والتقديمات، هو لعب بالنار، بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى أو معانٍ..
.. ولا حاجة بعد، لأن يعلن المسؤولون المعنيون، المباشرون، والذي يقفون وراء الستارة، ان في الأمر «إشاعات» حركت الموظفين المعنيين إلى الاعتصام امام مجلس النواب أو إحراق الإطار عند تقاطع المنافذ الجهوية باتجاه العاصمة بيروت.
والاسئلة، هنا، تطرح، سواء استأثرت الأزمة الاقتصادية الخطيرة بنقاشات الجلسة التشريعية التي فتحت الطريق إلى التلزيمات في خطة الكهرباء، وان كانت الهيئة الناظمة، ومجلس الإدارة، بإمكانهما ان ينتظر إلى أشهر تتجاوز الثلاثة أو حتى الستة، وربما بعد تنفيذ الخطة؟! هل حقاً هي إشاعات، ومن مصدرها؟ هل كلام وزير ورئيس كتلة نيابية كبرى، ورئيس حزب حاكم، هو مجرّد إشاعات.. وهل ما ظهر على لسان الرئيس سعد الحريري، بعد الجلسة، يُمكن تأويله، وأخذه على محمل الجدّ، أم الإشاعات.. وصولاً إلى الوزير المعني، وزير المال علي حسن خليل، الذي غرَّد ليلاً، على حسابه على «تويتر»:اتمنى على النّاس ان تحكم بعد صدور الموازنة، وما سيتم العمل فيه لا يمس بالطبقة المتوسطة أو ذوي الدخل المحدود.
وفيما يستعد الرئيس الحريري للمغادرة إلى الخارج اليوم للاحتفال بعيد ميلاده الـ49 مع عائلته، علمت «اللواء» من مصادر مطلعة ان مشروع الموازنة الذي يخضع لتعديلات شيه يومية يجريها الوزير خليل بشأنه يعتمد التقشف، وبالتالي اي كلام اخر عن تخفيضات معينة غير صحيح.
واكدت المصادر نفسها ان هناك نوعا من الحملة الاستباقية في هذا الموضوع من خلال الإشارة الى مسؤولية العهد.
واذ قالت ان هناك صعوية في تعديل القوانين الصادرة، اوضحت ان اي قرار يتصل بسلسلة الرتب والرواتب لجهة اي تعديل لا بد له ان يقوم على اسس سليمة وذلك بعد دراسة علمية تقنية ومالية، مشيرة الى ان هناك فرضية استبعاد المس بهذه السلسلة وان التعديل في المراسيم يصبح اسهل.
واشارت الى ان موضوع التخفيضات يتطلب دراسة، في حين ان التوجه في القصر الجمهوري هو ان في حال حصلت تخفيضات فإنه من غير المقبول ان تكون عشوائية انما قائمة على اسس علمية ورقمية واضحة ومدروسة مع العلم انه لم يتم تقرير اي شيء.
وأفيد ان الاجتماع سيعقد قريبا في القصر الجمهوري التالي دون ان يحدد موعده.
وأوضح مصدر مطلع ان ما هو مطروح، هو اقتطاع جزء من الرواتب لا تخفيضه لوقت محدد باستثناء العلاوات والتقديمات العائلية.
صرخة الأساتذة والقطاع العام
وفيما أقرت الجلسة التشريعية التي انعقدت أمس في ساحة النجمة، خطة الكهرباء التي احيلت من الحكومة إلى البرلمان، من دون أي تعديل، باستثناء توصية غير ملزمة بتعديل القانون 462 بما يسمح بتعيين الهيئة الناظمة للقطاع خلال ستة أشهر، وتعيين مجلس إدارة مؤسسة الكهرباء خلال ثلاثة أشهر، بدا واضحاً ان صرخة الأساتذة والموظفين في القطاع العام فرملت احتمالية المس بالرواتب التي تحدث عنها بعض الوزراء، خصوصاً وان هذه الصرخة كان لها صدى مدوياً في أروقة المجلس النيابي، حيث خطفت الإجراءات التقشفية التي ستلحظها موازنة العام 2019 الأضواء حتى من جدول الأعمال، ليركز النواب تساؤلاتهم، في الأوراق الواردة، عن حقيقة ما يقال عن تخفيض رواتب الموظفين، وليتولى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ومعه الوزيران علي حسن خليل وجبران باسيل، الرد على استيضاحات النواب، وصراخ الموظفين في الخارج، والذين نفذوا، وبالتزامن مع الجلسة التشريعية، اعتصاماً حاشداً في ساحة رياض الصلح، القريبة من ساحة النجمة بدعوة من هيئة التنسيق النقابية، ورابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، وشارك في الاعتصام الذي ترافق مع إضراب عام شمل المدارس والثانويات الرسمية والإدارات العامة كافة في جميع المناطق وطاول أيضاً الوكالة الوطنية للاعلام والاذاعة الرسميتين اللذين امتنعا عن بث الاخبار، الأساتذة في المدارس الرسمية والمتعاقدون وموظفو الإدارات العامة والمتقاعدون والناجحون في مجلس الخدمة المدنية والمساعدون القضائيون والأساتذة المتفرغون في الجامعة اللبنانية والدفاع المدني، كما شارك في الاعتصام النائبان قاسم هاشم وبلال عبد الله، والأمين العام للحزب الشيوعي حنا غريب، ورئيس الاتحاد العمالي بشارة الأسمر وموظفون أتوا من مختلف المناطق رافعين لافتات عن رفض اقتطاع أو اجتزاء الرواتب أو منح التعليم والتعويضات وسائر الحقوق المكتسبة، محذرين في الوقت نفسه من انتفاضة شعبية في حال تأكد توجه الحكومة للمس بسلسلة الرتب والرواتب أو بالمعاشات التقاعدية.
إرباك حكومي وخوف نيابي
وفي حين انتهى الاعتصام الذي استمر ساعتين بسلام، عكست مداخلات النواب واجوبة الحكومة في خصوص الإجراءات التقشفية في الموازنة، حالة من الإرباك بين أركان الحكم من جهة وعلى التباين في وجهات النظر بينهم من جهة ثانية، وعلى الخوف من تداعيات إجراءات قد تكون موجعة وقاسية وقد تطال فئات شعبية على الاستقرار الداخلي من جهة ثالثة، في ظل حديث يجري عن تحضيرات لتحركات شعبية في الشارع قد تصل إلى حدود الانتفاضة.
وقد عبّر وزير الخارجية عن حالة الإرباك هذه عندما لفت، بعد الجلسة إلى ان «المداولات السرية التي تجري بين أصحاب القرار من رؤساء واحزاب وكتل نيابية تختلف عمّا يُحكى وينقل في وسائل الاعلام».
ولوحظ ان الوزير باسيل بدل ان يتبرأ من تصريحاته في صيدا والتي أثارت ضجة واسعة في صفوف موظفي القطاع العام، أصر على موقفه وقال للصحافيين: «قلت ما قلته عن موضوع الرواتب وهذا أمر يتطلب صراحة وجرأة ومسؤولية وطنية، كاشفاً عن ان ما قصده هم الموظفين الذين يتقاضون رواتب عالية جداً، وهم معروفون جيداً من الإعلام والاعلاميين ومن شريحة واسعة من اللبنانيين، ولم اقصد الموظفين ذوي الداخل المحدود».
وشدّد الوزير باسيل على انه عندما اقترح خفض الرواتب لبعض موظفي القطاع العام جاء ذلك من ضمن سلّة متكاملة تشمل خمسة أمور هي: حجم الدولة الذي يُشكّل جزءاً يسيراً من الموضوع وخدمة الدين والتهرب الضريبي، والكهرباء، والضرائب التي يُمكن ان تستوفى من الشركات ومن أصحاب الجيوب الكبيرة، وهذا يعني تصفير القطاع العام.
الحريري: سقوط الهيكل
وجاء موقف باسيل، منسجماً مع موقف رئيس الحكومة في بعض جوانبه، ومختلفاً عنه في جوانب أخرى لا سيما تلك التي تتعلق بتخفيض رواتب موظفي القطاع العام، إذ أكّد الحريري، في سياق رده على مداخلات النواب، ان كل ما يحكي عن تخفيضات هو كلام صحف، لافتاً إلى ان الحكومة تعمل ليل نهار للوصول إلى أرقام تحفظ مالية الدولة وأصحاب الدخل المحدود، مشدداً على ان المزايدة لا ولن تفيد أحداً، لأن البلد إذا سقط فسنقع كلنا معه».
وقال: «نحن مع المتقاعدين ومع الإدارة ولكننا نريد الحفاظ على الليرة وعلينا ان نكون صادقين معهم ان البلد قد يتدهور».
وبعد الجلسة، حذر الرئيس الحريري أن «في حال لم نتخذ قرارات تقشفية حقيقية فقد نصل إلى كارثة حقيقية خلال سنة»، وقال: «انا من واجبي كرئيس حكومة ان أكون صادقاً مع الناس وان أشرح لهم الوضع الحقيقي الذي نحن فيه، فإذا لم نتخذ إجراءات تقشفية حقيقية ونقوم بخطوات أساسية سنصل الى مكان لا تحمد عقباه. يجب التكلم بصدق مع الناس بعيدا من المزايدات، والمطلوب منا كحكومة موازنة أكثر تقشفية بتاريخ لبنان لأن وضعنا المالي لا يسمح لنا بزيادة الإنفاق التي حصلت فيها مشكلات في هذا الشأن».
وقال أن «المصارف عليها مسؤولية ومستعدة أن تتحمل وتساهم بكل هذه الخطة ولكن يجب أن نرى اصلاحا حقيقيا».
وأشار إلى انه «في باريس- 2 ذهب لبنان إلى فرنسا والمصارف وضعت 10 آلاف مليار في تصرف الدولة، لكننا لم نقم بأي إصلاح، لذا يجب ان نكون صادقين مع المواطنين ومع العسكريين ومع الإدارة في البلد، بأنه إذا بقينا على هذا النمط سنصل إلى كارثة، وإذا اصابتنا المصيبة من سينقذنا؟».
وأوضح أن «الخطة التي نتبعها متوازية مع مشروع الموازنة ونحتاج لأكبر توافق ونحتاج الى حوار حقيقي مع كل اللبنانيين» .
وتوجه الى العسكريين بالقول: «نحن مع المتقاعدين ومع الإدارة، ولكن ايضا نريد الحفاظ على الليرة، العسكري مستعد للتضحية بدمه من اجل بلده واذا كان انقاذ البلد يحتاج الى تضحية، فلن يتأخر».
تجدر الإشارة إلى ان الرئيس الحريري استقبل مساء في السراي قائد الجيش العماد جوزف عون وأعضاء المجلس العسكري الجديد، في زيارة كانت في جزء منها للشكر على تعيين الأعضاء الجديد، والجزء الأهم فيها بحث الشؤون العسكرية، وفي مقدمها موضوع التدبير رقم 3، في ضوء الموقف الذي أعلنه وزير الدفاع الياس بوصعب من ساحة النجمة من ان تفاهما جرى بعدم المس برواتب العسكريين الا بعد تنسيق مع قيادة الجيش.
توضيحات خليل
اما وزير المال فقد أكّد من جهته، ان مشروع الموازنة المقدم من قبله لا يتضمن ما يُحكى عن تخفيضات على الرواتب بنسبة 15 في المائة، داعيا المواطنين إلى الحكم على هذا الأمر عند إصدار الموازنة التي لم يتم اقرارها أو التوافق عليها.
وكشف خليل، الذي بدا عليه الاستياء مما نشر في بعض الصحف، من ان نقل محضر الاجتماع الذي حصل في «بيت الوسط» اما لم يكن حاضرا فيه أو يبيت نية بفتح نقاش مع الجهة السياسية التي ينتمي إليها وزير المال نفسه.
وتوقع خليل في تصريحات لـ«رويترز» عجزاً في مشروع موازنة 2019 يقل عن 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع 11.2 في المائة في العام 2018، مع تخفيضات واسعة في الانفاق تشمل اجراءات تقشفية استثنائية، لكنه جزم بأنه ليس هناك أي ضرائب جديدة تطال الفقراء ومتوسطي الدخل، معرباً عن اعتقاده بأن الموازنة ستكون شفافة وواقعية تتضمن الانفاق الحقيقي بكل جوانبه ولا تخفي ارقاماً وتتضمن واردات واقعية مستندة الى معطيات حقيقية نتيجة المتابعة والتدقيق التفصيلي.
وقال خليل أن الموازنة، التي يُنظر إليها على أنها اختبار حاسم لإرادة الدولة المثقلة بالديون على إجراء اصلاحات، تستند إلى نمو متوقع قدره 1.5 بالمئة، لكنه قد يصل الى حوالي 2 بالمئة مع تحريك عجلة الاقتصاد.
وتوقع أن تتضمن فائضا أوليا مقارنة مع عجز أولي في عام 2018. مشيراً الى أن «الشيء الاهم اننا وضعنا انفسنا على سكة معالجة العجز المتفاقم وسيطرنا عليه».
رؤية بري
وكان الرئيس برّي، استبق النقاش النيابي في مستهل الجلسة بالتأكيد على سلّة مسلمات بالتوازي مع دعمهِ لكل الإجراءاتِ التي تمكّنُ من احتواءِ الأزمة وتخفيضِ العجز ولكن الأساس هو عدم مس هذه الإجراءات لا الطبقة الفقيرة ولا حتى المتوسطة, وشددَ على ضرورة أن يكونَ هناكَ قبل كلْ شيء تطبيقٌ لكلِ القوانين من دون استثناء وعدمِ تعطيلها مع شمولِ تخفيضاتِ الرواتب الخيالية ومنعِ قبضْ أكثرْ من راتب من الدولة وتخفيف ِالإنفاق على السفر وما شابه وسريان ذلكَ على الجميع إضافةً الى وقفِ التقاعد المبكر في بعض القطاعات ووقفِ التوظيف نهائياً بفعلِ التخمة في الموظفين الذين يُمكنُ الاستفادةُ منهم وتوزيعُهم على الإدارات والوزارات التي تحتاجُ إليهم وقبلَ وبعدَ كل هذه المسلمات وقفُ بدعةِ وجودِ الموازنات الملحقة التي لا معنى لوجودها أصلاً طالما أن هناك موازنة عامة.
واصر الرئيس برّي على ان يكون مشروع الموازنة حاضراً في المجلس قبل 31 أيار، بعدما كان لمس من الرئيس الحريري الذي كان التقاه قبل الجلسة، بتمديد المهلة المعطاة من المجلس ثلاثة أشهر أخرى ليتسنى للحكومة تقديم المشروع.
وفي السياق، غرّد رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على «تويتر» قائلاً: «حبذا لو تقف تلك التحليلات الهمايونية حول القلوب المليانة ومن جهة اخرى واجب على المصارف المساهمة في خفض الدين العام كما واجب على الدولة مصارحة الرأي العام في اهمية اعادة النظر ببعض التعويضات في القطاع العسكري وفي القطاع المدني التي لا تنسجم والمنطق. اليونان فرضت ضريبة على الاوقاف».
واتبع جنبلاط تغريدته بأخرى قائلا: «وفي المناسبة فإن خطة الكهرباء شملت كل شيء ما عدا تشكيل الهيئة الناظمة ومجلس الادارة كي تبقى سلطة الوزيرة مطلقة او سلطة وزير الوصاية بالأحرى سارية، وكي تبقى سلطة المصالح الكهربائية الكبرى بعيداً من الرقابة والمحاسبة».
خطة الكهرباء
وفي هذه الغضون، سلكت خطة الكهرباء، التي أقرها مجلس الوزراء الأسبوع الفائت، مسارها القانوني إلى التنفيذ بعد أن صادق مجلس النواب على مشروع القانون الرامي إلى تمديد العمل بالقانون 288 المتعلق بتنظيم قطاع الكهرباء بعد مناقشات نيابية وحكومية أخذت حيزاً واسعاً من الوقت سقطت خلالها جملة من الاقتراحات التي قدمت لتعديله، لا سيما تلك التي تقدّم بها نائب «القوات اللبنانية» جورج عدوان على ان تُعيّن الهيئة الناظمة في غضون ستة اشهر، وتشكيل مجلس الإدارة في ثلاثة أشهر. وقد سجل نواب الكتائب اعتراضهم على المشروع، وكذلك فعل النائب أنور الخليل.
وقد رصد من سياق النقاش ان التفاهم السياسي على إقرار المشروع استبق النقاش في المجلس، حيث ان الذين طالبوا ببعض التعديلات استبقوا ذلك بالتأكيد على تأييدهم مشروع القانون الذي دافع عنه الوزير باسيل وناقش في بنوده وكأنه هو وزير الطاقة ولا أحد غيره.
ما عدا ذلك، فإن الحكومة طلبت إرجاء البت باقتراح القانون المتعلق بإنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة في قضاء صور، وكذلك اقتراح إنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة في البترون بطلب من الرئيس الحريري، حيث ان الاقتراح المتعلق بالبترون كان مشروع سجال بين الوزير باسيل ونواب طرابلس الذين يعتبرون ان لا حاجة لهذه المنطقة ما دام يوجد في طرابلس منطقة اقتصادية مما ينعكس سلباً على ايرادات هذه المنطقة.
وإذ صادق المجلس على إنشاء محمية حرج بيروت الطبيعية فإنه أحال إلى اللجان عشرة اقتراحات قوانين بعد سقوطها في التصويت على صفة العجلة، ومن بين هذه الاقتراحات ما يتعلق بتعديل قانون سرية المصارف، وكذلك تعديل المادة 16 من قانون تبييض الأموال وهو ما اثار حفيظة الوزير باسيل الذي حاول معرفة أسماء النواب الذين صوتوا مع أو ضد الاقتراحين. وصوت المجلس إلى جانب الاقتراح الرامي إلى تمديد مهلة الترشح إلى المجلس الدستوري.
وزيرة الطاقة: بدء التنفيذ
وبعد إقرار المجلس النيابي، مشروع قانون تعديل القانون 288، أكَّدت وزيرة الطَّاقة والمياه ندى البستاني خوري بعد الجلسة أَنْه قد «بات لدينا اليوم قانونٌ يمكِّننا من تَنْفيذ خطَّة الكهرباء، وهذا القانون تمَّت الموافقة عليه من لجنة الأَشغال والطَّاقة». وكشفت أَنَّ التَّوْصيات المَطْلوبة من قبَلِنا قد أُخِذ بها، ما يمكِّننا من البدء في التَّنفيذ».
وعلمت «اللواء» من مصادر الوزيرة بستاني، ان وزارة الطاقة ستباشر خلال فترة قريبة إعداد دفتر الشروط لمناقصات انتاج الكهرباء وفق المرحلتين القريبة والبعيدة المدى بعدما تم دمجهما، وستحيل دفتر الشروط الى هيئة ادارة المناقصات في التفتيش المركزي، موضحة ان المناقصات ستكون استثنائية لتوفير الشفافية والسرعة في وقت واحد، وان مواكبة التحضير للمناقصات ستكون من قبل استشاري فني دولي ومن مكتب محاماة دولي أيضا.وشددت على ان القانون المعدل رقم 288 لا يلغي ابدا دور هيئة المناقصات، وانه في حال حصول اختلاف بوجهات النظر بين وزارة الطاقة وهيئة المناقصات حول دفاتر الشروط والمناقصات يُحال الموضوع الى اللجنة الوزارية الخاصة بملف الكهرباء او الى مجلس الوزراء للبت به.
يذكران المرحلة الاولى من خطة الكهرباء للعام 2019 تتضمن النقاط الاتية:
– البدء بتنفيذ معمل دير عمار 2.
– خفض الهدر الفني وغير الفني على شبكة التوزيع.
– العمل على تحصيل متأخرات المخيمات الفلسطينية والمؤسسات العامة ومصالح المياه. (لزيادة واردات مؤسسة الكهرباء).
– البدء بتركيب العدادات الذكية والاعداد لمركز التحكم.