إعادة تقسيم العالم على أسس سبرانية: قراءة في تقرير التوازن العسكرى 2018

إعادة تقسيم العالم على أسس سبرانية: قراءة في تقرير التوازن العسكرى 2018

“البروفسور فيليب سالم وسرطان الطائفية”
واشنطن تغذي الخلاف : وثائق الإستخبارات الأميركية تزعم أن تيران وصنافير تتبعان السعودية لا مصر
عبد اللطيف رباح : الحلّ في الجزائر هو العودة إلى الدولة التنموية

يرصد "تقرير التوازن العسكري The Military Balance 2018"، طبعة 2018، الذي يصدره "المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية" IISS في لندن، أبرز سمات الحالة الأمنية والعسكرية في العالم خلال 2017، خاصة تراجع التكنولوجيا الغربية بالمقارنة بالتكنولوجيات الروسية والصينية وتزايد التحديات أمام صناع السياسات الدفاعية، وذيوع حالة من عدم اليقين في  العلاقات بين الدول، وانتشار قدرات عسكرية متقدمة مع وقوع عديد من الهجمات الإرهابية، وذلك في عشرة فصول وخاتمة (ملاحظات إيضاحية) بإجمالي 520 صفحة من القطع المتوسط. وربما يكون الجديد الذى يفيد التركيز عليه فى عرض هذا التقرير -رغم مرور عام على صدوره- هو التطورات التى تحدث فى مجال القدرات السيبرانية التى يزداد الاهتمام بها فى العالم.

أولاً: دور الذكاء الاصطناعى فى تطور القدرات الدفاعية

يركز الفصل الأول، المعنون "الأسلحة الجوية الروسية والصينية الموجهة اختبار للسيطرة الجوية في الغرب" Chinese and Russian air-launched weapons: a test for Western air dominance، على الصراع الدولى في مجال السيطرة الجوية وتطوير الأسلحة الموجهة، وذلك مع عودة  موسكو إلى ساحة الصراع الدولي، وظهور مؤشرات جديدة للميزان السيبراني عالمياً. فإلى جانب التطورات المتعلقة بسباق التسلح التقليدى، حدث تقدم فى القدرات التسليحية اعتماداً على الذكاء الصناعي في إدارتها. وتعد الصين من الدول القليلة التي استخدمت رادارًا نشطًا إلكترونيًا AESA.[1]

وهناك جهود في روسيا لتطوير AESAفي مجال التطبيقات الجوية، كما أن قطاع الإلكترونيات الدقيقة الروسي يكافح لإنتاج وحدات الإرسال والاستقبال. وتعمل الاستخبارات الدفاعية الأمريكية على تقليل "عبء العوامل البشرية"، وزيادة الذكاء القابل للتنفيذ وتعزيز عملية صنع القرار العسكري. كما أطلقت بريطانيا مختبر العلوم والتكنولوجيا الذى شمل تطوير نظام آلي لتحديد وتصنيف المركبات من صور القمر الصناعي. وإضافة إلى العرض التقليدي للتقرير، تم استحداث قسم عن القدرات السيبرانية.[2]

1- البيانات الضخمةBig data

يؤدى التوسع فى البيانات الضخمة، والتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي[3] artificial intelligenceإلى تقليل دور العمل البشري تدريجيا من خلال نماذج لاتخاذ القرارات المعقدة.[4] وتشتمل هذه البيانات على نماذج خوارزمية تعمل على مجموعات بيانات كبيرة للغاية Big data لها قدرات حقيقية على الإدراك واتخاذ القرار، وتشبه ذكاء الإنسان، بل تفوقه. وعلى الرغم من أن الوضع الحالي في هذه السلسلة التكنولوجية قد يكون موضع جدل، إلا أن هذه التقنيات بدأت في إحداث تأثير تحويلي على القدرة الدفاعية. وفي السياق العسكري، تبدو فرص الاستشعار عن بعد، والمناورة في ساحة المعركة، وغيرها من تطبيقات الذكاء الاصطناعي واعدة.

2- تطبيقات الحاسب العسكريةMilitary applications

في 11 مايو 2017، أدلى دان كوتس، مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية، بشهادته أمام الكونجرس حول تقييمه السنوي للتهديد العالمي، الذي قال إن وثيقة "الذكاء الاصطناعي" تعمل على تطوير القدرات الحسابية التي تفيد الاقتصاد، إلا أن هذا التقدم يُمكّن أيضًا من بناء قدرات عسكرية جديدة، وهناك العديد من المبادرات الجارية لمجموعة كاملة من التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعي من التكتيكية إلى التشغيلية. ويفرض "الذكاء الاصطناعي" تغييرات كبيرة على جميع مستويات العقيدة والممارسة العسكرية. وفي الوقت نفسه، تعمل وزارة الدفاع الأمريكية على مثل هذه الأنظمة.

وتقوم البحرية الملكية البريطانية بمشروع تسليح بحري كامل. كما أقر مجلس الدولة في بكين مشروعاً مستهدفًا بقيمة 1 تريليون يوان صيني (147.1 مليار دولار أمريكي) بحلول عام 2030. ويتيح البرنامج استخدام "الذكاء الاصطناعى" فى أنشطة القيادة والتحكم والاتصالات والحواسيب والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وجمع البيانات والمعالجة بمقياس وسرعة غير مسبوقين.

3- التطبيقات العسكرية حول العالم

من المتوقع أن تذهب التطبيقات العسكرية إلى أبعد من التحسينات التي تطرأ على أنظمة الأسلحة التقليدية، وسوف تؤدي التغييرات النوعية في التكتيكات والعمليات إلى إجراء مراجعات في العقيدة الاستراتيجية للقوات المسلحة. وبحلول عام 2020، قد يرى المرء عمليات معقدة لإدارة الإدراك قائمة على الذكاء الاصطناعي، وسوف يلعب صنع القرار الآلي دورًا متزايدًا في كل مستوى من مراحل عملية القيادة والتحكم. وهناك تحديات متعددة ومتزامنة أمام الولايات المتحدة، إلى جانب المنافسة المتنامية مع الصين وروسيا. وتوجد على القائمة أيضا إيران، وكوريا الشمالية، والمنظمات الإرهابية.

وفي أغسطس 2017، أصدر ترامب توجيهًا برفع مستوى القيادة الإلكترونية الأمريكية إلى قيادة مقاتلة موحدة، مما يعكس الأهمية المتزايدة لأنشطة الإنترنت الدفاعية والهجومية في العمليات العسكرية. لكن قد تحدث مشكلة بسبب فصل القيادة الإلكترونية عن وكالة الأمن القومي NSA. ويرى الكونجرس أن هذا الفصل لا يمكن أن يتم إلا عندما يشهد وزير الدفاع بأن القيادة الإلكترونية جاهزة للعمل بشكل مستقل. وفى الوقت نفسه، تقوم وزارة الدفاع بزيادة استثماراتها في القدرات الفضائية الجديدة التى تشمل أجهزة استشعار متطورة، والدفاع الصاروخي، والقدرات السيبرانية. وتركز هذه الإستراتيجية على التقنيات السيبرانية الجديدة مثل المركبات البحرية غير المأهولة، والألغام البحرية المتقدمة، والأسلحة الضاربة عالية السرعة، والملاحة الجوية المتقدمة، والأنظمة الذاتية، والسكك الحديدية الكهرومغناطيسية، وأجهزة الليزر ذات الطاقة العالية. هذه التطبيقات سوف يكون لها تأثير عميق في حروب المستقبل.

ثانياً: نظرة مقارنة إلى تطور القدرات السيبرانية

يقدم الفصل الثانى تحليلاً إحصائياً مقارناً لنفقات الدفاع فى العالم، والدول الأكثر إنفاقاً من خلال ميزانيات الدفاع فى كل منها، كما يتضح فى الجدول رقم (1).

جدول رقم (1)
نفقات الدفاع في عدد من الدول (مليار دولار)

الدولة

حجم الإنفاق

الولايات المتحدة

604.8

الصين

150.5

السعودية

76.7

روسيا

61.20

الهند

52.50

المملكة المتحدة

50.7

فرنسا

48.6

اليابان

46

ألمانيا

41.7

كوريا الشمالية

35.7

البرازيل

29.4

استراليا

25

إيطاليا

22.92

إسرائيل

21.6

العراق

19.4

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كما يعرض التقرير فى هذا الفصل التطور الهائل في حجم الأسلحة وأنواعها. وينتقل التقرير بعد ذلك، من الفصل الثانى إلى التاسع، لعرض قدرات التسليح. لكننا نركز هنا على عينة مختارة من القدرات السيبرانية التى توجد لدى 42 دولة فقط وفقاً للتقرير. ويوضح الجدول رقم (2) التوزيع القارى أو الإقليمى لهذه الدول (وهو من إعداد الباحث).

جدول رقم (2)

"بيان  الدول التى لديها قدرات سيبرانية"

النطاق القاري/الإقليمي

عدد الدول

عدد الدول ذات القدرات السيبرانية بالإقليم

أمريكا وكندا

2

02

أوروبا

37

24

الاتحاد الروسي

12

02

اسيا

27

08

الشرق الأوسط

20

02

أمريكا اللاتينية

28

03

أفريقيا ( في  الصحراء)

45

01

الإجمالي

171

42

 

ولأن المجال لا يسمح بعرض قدرات هذه الدول كلها، فقد أخذنا عينة ممثلة للتوزيع الإقليمي، وتعد الأبرز في القدرات السيبرانية وفق ما جاء في التقرير.

1- الولايات المتحدة

تتمتع الولايات المتحدة بقدرات إلكترونية متطورة، وهناك عناصر عسكرية إلكترونية داخل كل فرع فى قواتها المسلحة. وقد حددت استراتيجية الدفاع عن النفس (DoD)، التي أطلقتها وزارة الدفاع الأمريكية في عام 2015، الفضاء (الإنترنت) كتهديد استراتيجي رئيسي للولايات المتحدة، ووضعته فى مرتبة تسبق الإرهاب للمرة الأولى منذ عام 2001. وتخطط القوات الجوية الأمريكية لدمج العمليات الإلكترونية الهجومية والدفاعية في نطاق قدرات "إنترنت" واسعة النطاق تسمى سرب العمليات الإلكترونية Cyber Operations Squadron  بحلول عام 2026. وكان الجيش الأمريكي قد أصدر دليلاً ميدانياً للحرب الإلكترونية (EW) في أبريل 2017، ثم أعلن الاتجاه إلى تطوير استراتيجية فى هذا المجال، تشمل الجهات الفاعلة على نطاق أوسع، وتتضمن سيناريوهات لتأمين البنية التحتية الحيوية الوطنية. كما أفاد "مجلس العلوم الدفاعية" أنه من أجل تحسين الردع السيبراني[5]، ينبغي أن تقوم وزارة الدفاع بتعزيز المرونة السيبرانية لأنظمة عسكرية مختارة لتحسين قدرات الضربة الثانية.

2- كندا

في أكتوبر 2010 أُعلنت خطة عمل للتنفيذ في عام 2013 عن طريق مركز تشغيل "وحدة الدفاع الإلكتروني التشغيلية" بشكل دائم، وهو مخصص لدعم عمليات القوات الكندية. وفي يونيو 2017، أعلنت كندا مراجعة السياسة الدفاعية وأنها "ستطور القدرة على إجراء عمليات سيبرانية نشطة تركز على التهديدات في سياق المهام العسكرية. وتقع مسئولية الحرب الإلكترونية والدفاع عن الشبكات على مجموعة عمليات معلومات القوات الكندية.

3- جمهورية التشيك[6]

في عام 2011، أُنشئت "هيئة الأمن القومي" the National Security Authority (NSA)  كهيئة رائدة في مجال الأمن الإلكتروني في البلاد، و"مركز الأمن القومي الإلكتروني"، (كجزء من NSA). كما دخل قانون الأمن السيبراني حيز التنفيذ في يناير 2015. وتم نشر الإستراتيجية الأمنية وخطة العمل للفترة 2015-2020. وتم تأسيس "وكالة الأمن السيبراني الوطني" و"أمن المعلومات"، بهدف "زيادة القدرات الوطنية للدفاع السيبراني النشط والهجمات ضد الهجمات السيبرانية، باعتبارها الهيئة المركزية لإدارة الدولة للأمن السيبراني، بما في ذلك حماية المعلومات السرية في مجال نظم المعلومات والاتصالات وحماية التشفير، والتي كانت في السابق ضمن مسئولية وكالة الأمن القومي. وتقوم وزارة الدفاع بتطوير قدراتها الدفاعية الخاصة وفقا لمهام محددة تستند إلى وثائق الحلف الأطلسى، أو الاتحاد الأوروبي، ومتطلبات خطة العمل الوطنية.

4- فرنسا

في منتصف ديسمبر 2016، نشرت وزارة الدفاع الفرنسية عقيدة أمنية جديدة تقوم على مفهوم الدفاع  السيبراني النشط active defence، حيث تم تفويض هيئة عسكرية حديثة للكشف عن هوية المهاجمين المحتملين وتعقبهم وتتبعهم، وتحييد مثل هذه الهجمات، على أساس وقائي، والانتقام من الهجمات على أساس نموذج التصعيد. ومن المقرر أن يرتفع مستوى الأفراد العسكريين على الإنترنت إلى 2600 فرد، تكملها قوة احتياطية لتصل إلى 4400 فرد.

5- ألمانيا

أصدرت ألمانيا إستراتيجية الأمن السيبراني في فبراير 2011، حيث يقوم مجلس الأمن القومي الإلكتروني، وهو هيئة مشتركة بين الوزارات، بتحليل القضايا المتعلقة بالإنترنت. وتم إنشاء مركز وطني للإستجابة الإلكترونية في المكتب الاتحادي لأمن المعلومات في الأول من أبريل 2011. وفي عام 2016 عززت ألمانيا قدراتها الإلكترونية من خلال تنفيذ إصلاحات بعيدة المدى داخل وزارة الدفاع الفيدرالية، مع قسمين لحوكمة تكنولوجيا المعلومات وأمن المعلومات. والهدف العام من هذه الإصلاحات هو تحسين القدرات من أجل الاستجابة بشكل أفضل للهجمات السيبرانية. ودخلت القيادة الإلكترونية في ألمانيا الخدمة النشطة الأولية في أبريل 2017. ومن المقرر أن يزداد عدد الأفراد العسكريين العاملين فى هذا المجال إلى 2600 فرد، تكملها قوة احتياطية، يصل عددها إلى 4400 فرد.

6- بريطانيا

يلعب المركز الوطني للأمن الإلكتروني دورًا محوريًا في تنسيق السياسة السيبرانية في بريطانيا، ويعمل مع الوزارات والوكالات لتنفيذ برامج الأمان الإلكتروني. وتم تأسيس مجموعة عمليات سايبر للدفاع في عام 2011 لوضع "الإنترنت في قلب العمليات الدفاعية، من حيث العقيدة والتدريب"، ونُقلت هذه المجموعة إلى قيادة القوات المشتركة. كذلك تم إنشاء مجموعة "سايبر فورتس للقوات المشتركة" في عام 2013، ومركز عمليات الأمن السيبراني عام 2016 عندما أعلنت لندن استخدام القدرات السيبرانية الهجومية ضد "داعش".

7- روسيا الاتحادية

صدر أول بيان رسمي حول دور الجيش الروسي في الفضاء السيبراني "الآراء المفاهيمية حول نشاط القوات المسلحة للاتحاد الروسي"  Russian Federation Armed Forcesفي نهاية عام 2011. وحدد التقرير مهام القوة السيبرانية، مركزاً على دورها الدفاعي، والوقاية من حرب المعلومات. كما أُعلن فى يناير 2012 عن ثلاث مهام رئيسية هى: تعطيل أنظمة المعلومات العدوانية، والدفاع عن أنظمة الاتصالات والقيادة، والعمل على الرأي العام المحلي والأجنبي باستخدام وسائل الإعلام والإنترنت، واعتبار الحرب السيبرانية جزء لا يتجزأ من حرب المعلومات.

8– الصين

خصص الجيش الصينى الكثير من الاهتمام لحرب المعلومات على مدى العقد الماضي، من حيث الحرب الإلكترونية في ساحة المعركة، والقدرات الواسعة للحرب السيبرانية. والعقيدة الأساسية هي وثيقة "الشبكة الإلكترونية المتكاملة للحرب" ‘Integrated Network Electronic Warfare’. ويبدو أن تفكير الجيش الصينى قد انتقل إلى ما هو أبعد باتجاه دمج كل من الجوانب الإلكترونية وغير الإلكترونية لحرب المعلومات داخل سلطة قيادة واحدة. ومنذ عام 2008، كانت العمليات العسكرية الرئيسية لهذا الجيش تشتمل على مكونات "الإنترنت" وعمليات المعلومات التي كانت ذات طبيعة هجومية ودفاعية في الوقت نفسه. كما أُعيد تنظيم الجيش عام 2015، من خلال إنشاء ثلاثة فروع دعم جديدة، بما في ذلك قوة الدعم الاستراتيجي (SSF). وبرغم أن المسئوليات الدقيقة لا تزال غير واضحة، إلا أن قوات الأمن الخاصة لديها ثلاثة أقسام: الأول للتعامل مع الاستخبارات والعمليات العسكرية في الفضاء السيبراني (دفاعية وهجومية)، والثاني للعمليات الفضائية العسكرية (المراقبة والأقمار الصناعية)، والثالث المسئول عن القدرات الدفاعية والهجومية والذكاء الإلكتروني.

9- كوريا الشمالية

قام الجيش الكوري الشمالي بعملية تطوير نتيجة للمراجعات الإستراتيجية التي أعقبت عملية عاصفة الصحراء، ودخل مجال الحرب المعلوماتية information-warfare (IW)  تحت مفهوم "حرب الاستخبارات الإلكترونية"   electronic intelligence warfare’ (EIW).، عن طريق منظمتين هما مكتب الاستطلاع العام  Reconnaissance General Bureau (RGB),، الذي يقوم بعمليات سرية في وقت السلم، وإدارة الأركان العامة (GSD)  General Staff Department، وهي المسئولة عن العمليات السيبرانية لدعم الجهود العسكرية التقليدية.

وتقدر كوريا الجنوبية أن لدى كوريا الشمالية وحدة قوامها حوالي 7000 شخص من المتخصصين في الحرب الإلكترونية.

10- إيران

 تتمتع إيران بقدرة متطورة للعمليات الإلكترونية، وتعطى أهمية لدور المجلس الأعلى للفضاء السيبراني، وهي هيئة لوضع السياسات والإشراف، وكانت حادثة Stuxnetعام 2010 نقطة تحول في نهج إيران فيما يتعلق بالقدرات السيبرانية، فقد أنشأت طهران قيادة مشتركة لأركان القيادة الإلكترونية مع التركيز على إحباط الهجمات ضد المنشآت النووية، وتنسيق الحرب الإلكترونية القومية، وأمن المعلومات. وهناك تقارير متواترة عن زيادة الاستثمار في القدرات السيبرانية لدى إيران، والتي تُستخدم ليس فقط لأغراض الدعاية والاستغلال الاستخباري وإنما أيضا كوسيلة هجومية.

11- إسرائيل

لدى إسرائيل قدرة كبيرة فى مجال العمليات السيبرانية. في أوائل 2012 تم إنشاء المكتب الإلكتروني الوطني National Cyber Bureau (NCB، في مكتب رئيس الوزراء لتطوير التكنولوجيا والموارد البشرية والتعاون الدولي. ويذكر أن "الوحدة 8200" التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي هي المسئولة عن العمليات السيبرانية. وطبقًا لبيانات الجيش الإسرائيلي، تم دمج مديرية C4Iووحدة 8200 في فريق مهام جديد "مكلف بتطوير القدرات الهجومية والعمليات". وفي أبريل 2016، تم دمج الدفاعات السيبرانية في هيئة واحدة.

الخلاصة

لقد أصبح الفضاء السيبراني جزءاً من التفاعلات الدولية التى تبذل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الجهود لضبط مجالات المسئوليات فيه، لأن معدلات التهديدات وفرص الحروب السيبرانية تتوسع بشكل كبير. وبزيادة عدد الأطراف في هذا المجال، صار الصراع ذا طبيعة سياسية، لكنه يتخذ شكلاً عسكرياً -إن صح التعبير- من حيث طبيعة الأضرار وتدمير الثروة المعلوماتية في البنية التحتية للدولة لأهداف سياسية. فخط التقسيم الجديد للعالم لن يكون بين عالم الشمال والجنوب، والعالم المتقدم والمتخلف، بل على أسس جديدة أولها من يملكون القوة السيبرانية والقدرة على صناعتها وإدارتها، وعلى الجانب الآخر المحرومين منها وإن كان يُسمح لهم باستخدامها.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى بعض صور التهديدات القائمة والقادمة، ومدى الاستعداد لها، في محاولة للتعرف على حجم فجوة القوة السيبرانية المنذرة بخلل رهيب في توزان القوى العسكرية عالمياً. فقد شهدت السنوات القليلة الماضية ازدياد السعى إلى امتلاك القدرات السيبرانية الهجومية، وكذلك ازدياد عدد الشركات التى تقدم تقنياتها إلى الحكومات، علماً بأن بعض هذه التقنيات قادرة على تجاوز أنظمة الحماية.

ونخلص إلى أن المعرفة والمعلوماتية أصبحت عنصراً رئيسياً من عناصر قوة الدولة، وعلى قمة هرمها القوة السيبرانية، وهو ما يؤثر على مصفوفة الأمن القومي لأي دولة.

عبد الغفار عفيفي الدويك، باحث وأكاديمي عربي من مصر
منشور على صفحة مركز الأهرام للدراسات، يوم 6 يناير/كانون الثاني، 2019 


 [1] AESA هي إختصار للتعبير Active Electronically Scanned Array. وتمتاز الرادارت التى تعمل بهذه التقنية بوجود مئات أو آلاف الموديولات، و"يحتوي كل موديول علي جهاز إرسال واستقبال بتردد مختلف"، مما يمكن الرادار من كشف مساحات أوسع أمامه وتتبع أسرع للأهداف، خاصة الأهداف السريعة (عكس الرادارات الميكانيكية القديمة).

[2] القدرات السيبرانية: لا توجد تعريفات أو معايير محددة  لما تشكله القدرات الهجومية في الفضاء السيبراني، وإن كان الباحثون  حددوا بعضها مثل: امتلاك الأدوات ووسائل استغلال الشبكات ونظم مراقبة أنشطة مكافحة  الدعاية عبر الإنترنت.

[3] الذكاء الإصطناعي:تقنية تتسم بها مجموعة من البرامج الحاسوبيةتجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، من أهم خصائصها القدرة على التعلموالاستنتاجورد الفعلعلى أوضاع لم تبرمجمن قبل.

[4] يتساءل وزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كيسنجر: من يتحمل تبعات أعمال الذكاء الاصطناعي والمسئولية عنها؟ وكيف تحدد المسئولية جزاء أخطاء يرتكبها هذا الذكاء؟راجع: هنري كيسنجر، "عصر الذكاء الاصطناعي في القرن الحادي والعشرين"، جريدة الحياة، 18 يوليو 2018.

[5] الردع السيبراني:  هو تلك التدابير التي لا بد أن تتأسس على القدرة والرغبة في الرد على الهجمات السيبرانية من خلال جميع الوسائل اللازمة، على نحو يتسق والقانون الدولي، وكذلك تشديد الإجراءات القانونية الرادعة التي تحول دون التسبب في أضرار عابرة للحدود تتبع سيادة الدولة أو ولايتها القانونية.

[6]  تم اختيار التشيك لانها نموذج من الكتلة الشرقية وعضو سابق في حلف وارسو السابق، انضمت لحلف الناتو.

Please follow and like us: