تفجيرات كولومبو: من حرّك ارهابيي “داعش” في جوار “الحزام والطريق”؟

تفجيرات كولومبو: من حرّك ارهابيي “داعش” في جوار “الحزام والطريق”؟

تداعيات معركة سراقب : أطراف ثالثة تريد الإنضمام إلى تفاهم بوتين ـ اردوغان!؟
“كُلُّنا اليَمَنْ” …
ما بعد “الفجيرة” و”الشرقية”: الإمارات والسعودية على عتبة “الجبهة الأنكلوساكسونية” المتداعية!؟

أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية"/ "داعش" الإرهابي مسؤوليته عن مجازر يوم عيد الفصح في جزيرة سريلانكا. التحقيق الجاري، كشف بالفعل، عن مهاجمة انتحاريين سريلانكيين وأجانب من أعضائه، كنائس وفنادق في كولومبو. كما ذكر الباحث الهندي Brahma Chellaney أسماء تنظيمات وهابية محلية قامت بدور تنفيذي في "غزوة كولومبو"، التي قتلت نحو 250 مدنياً. ويشكل البعد المحلي في الجرائم الإرهابية التي عكرت سلام هذه الجزيرة، عاملاً أساسياً في تقدير الأهداف الإستراتيجية للمخططين. لكن فهم أسباب توسع الإرهاب التكفيري ودوافع انتشاره المتوقع في بلدان جنوب وشرق آسيا، يتطلب أن ندرج هذا البعد في السياق التحليلي، مع البعد الإقليمي والبعد الدولي لـ"غزوة كولومبو".

في البعد المحلي، يمر Chellaney / تْشلَّاني على جذور الصراع الطائفي الدامي في سريلانكا بين أغلبية المواطنين السنهالية البوذية، وبين أقلية المواطنين التاميلية المسلمة. لكنه يذكر عاملين سهّلا على إرهابيي "داعش" ارتكاب جرائمهم. الأول، سياسي ـ بيروقراطي والثاني، جيوثقافي ـ سياسي.

في العامل الأول، يتبين أن الحكومة السريلانكية عجزت عن التدخل الإستباقي لإحباط المهاجمين بسبب الخلافات السياسية بين الرئيس السريلانكي Maithripala Sirisena / ميثريبالا سيريسينا الذي يشرف على الأجهزة الأمنية، وبين رئيس الحكومة Ranil Wickremesinghe  / رانيل ويكرميسينجه. مع أن الإستخبارات الهندية، بحسب تْشلَّاني، أطلعت أجهزة الأمن السريلانكية على "مؤامرة تفجير عيد الفصح، حتى أنها حددت العقل المدبر لها". وهذه المعلومات تأكدت تقريباً، بلسان سيريسينا نفسه، يوم أمس. 

في العامل الثاني، يتمركز المسلمون في المنطقة الشرقية من سريلانكا. ويقول تْشلَّاني إن التمويل السعودي و"الخليجي" قد غذّى صعود جماعات وهابية منظمة تسعى إلى تطبيق "الشريعة الإسلامية" في تلك المنطقة. ويذكر بالتحديد Sri Lanka Thawheed Jama’ath /"جماعة التوحيد في سريلانكا"، التي ازدهر نفوذها هناك. وهذه "الجماعة" يُشتبه بأنها الذراع المحلي لـ "داعش" الذي قوَّض سلام كولومبو. وهي ترتبط بعلاقات عقدية وتنظيمية وسياسية مع Tamil Nadu Thoweed Jamath / "جماعة التوحيد في وطن التاميل" المنتشرة في أقصى جنوب الهند.

في البعد الإقليمي، لم تكشف التحقيقات بعد عن وجود انتحاريين سعوديين أو "خليجيين" بين إرهابيي "غزوة كولومبو". ولكن لفت انتباه المراقبين إلى أنه بتاريخ الإثنين 22 نيسان / ابريل 2019، أي في اليوم التالي على تفجيرات الكنائس والفنادق في سريلانكا، نشرت صحيفة الرياض السعودية، تقريراً إحصائياً يكشف عن "1006 سائحين سعوديين مختفين في تركيا". كما يتهم التقرير "الشرطة التركية بمضايقة وابتزاز السائحين" السعوديين. فمن ذا الذي أخفى هؤلاء السائحين. في أي ظروفٍ تم ذلك وأين. لا ترد "الرياض" على هذه الأسئلة ولا أنقرة.     

إذا تجاوزنا الملمح الطائفي في تحليل تْشلَّاني لمسؤولية الوهابيين عن هجمات "داعش" على أمن الجزيرة الآسيوية الجميلة، فإنه يجب بالفعل، استقصاء مسؤولية المنظومة الوهابية ـ "الإخوانية" في السعودية وقطر عن زرع البنى التحتية والحواضن السوسيوثقافية لجماعات الإرهاب في آسيا الجنوبية والشرقية وتمدد فعاليتها وصولاً إلى الصين وروسيا.

لا يخفف من هذه المسؤولية ولا من خطورتها، النزاع المتصاعد بين شيوخ الوهابية وقطب الحكم الجديد في السعودية، أو صراع النفوذ بين الرياض الوهابية والدوحة "الإخوانية". فقد لعب "دعاة الوهابية" الذين ترسلهم السعودية وقطر، دوراً كبيراً في نشر الدين الوهابي في المجتمعات الإسلامية شرقاً وغرباً.

إن "غزوة كولومبو" تذكرنا مرة أخرى بالطابع العالمي للوهابية، الذي ما كانت لتصل إليه، لولا تكامل تنظيم "الإخوان" سياسياً، وعقدياً بدرجة ما، مع الشروط التاريخية السياسية والدينية التي فرضتها المملكة العربية السعودية في الواقع الجيوثقافي العربي والإسلامي.

إن السياق التحليلي للتغير الجيوثقافي التخريبي المدمر، الذي أحدثته الوهابية في بلاد المسلمين وفي أماكن إقامتهم، بما في ذلك الإندماج البنيوي في البعد المحلي العقدي والسياسي لعموم مجتمعات المسلمين، إلى حد طغيانه فيها، يجب أن يبين دور ومكانة شبكات "الإخوان" وجمعياتهم ودعاتهم في حدوث ذلك التغير. هناك الكثير من الشواهد الفكرية والسياسية القوية على أن جذور التكاملية الوهابية ـ "الإخوانية"، تمتد إلى "أفكار" اللبناني محمد رشيد رضا، بالذات، وهو المؤسس الأول لتنظيم "الإخوان".

في البعد الدولي، يجب أن نقرأ التفجيرات الإرهابية في سريلانكا، كإحدى العمليات الحربية التي تستهدف إعاقة "مبادرة الحزام والطريق" التي تنفذها الصين حول العالم. ويتضح هذا البعد أكثر، عندما نعلم، أولاً، أن سريلانكا قد دخلت في "المبادرة" واصبح ميناء هامبانتوتا الإستراتيجي على المحيط الهندي جزءا من البنى التحتية لـ"الحزام والطريق". ثانياً، وهذا الأهم، أن هناك استراتيجية أميركية ـ أنغلوساكسونية تامة لمواجهة الصين والكتلة الأوراسية. لا نتحدث عن ترامب ولا عن أوباما وكذا، بل عن نظام الهيمنة الذي ركبته الولايات المتحدة وقادته منذ الحرب العالمية الثانية. فاستمرار تدهور الإمبريالية الأميركية وتفرعاتها النَّهِمة في بريطانيا، كندا، أوستراليا ونيوزيلند أو وقفه، بات متوقفاً على تقدم أو تعطيل "مبادرة الحزام والطريق".

إنه صراع بين خطتين رؤيويتين عالميتين لمستقبل اقتصاد العالم. رؤية تنموية تقدمية، ورؤية استئثارية رجعية. لقد بات الصراع الراهن، بين هاتين الخطتين ـ الرؤيتين، أي بين كتلة أوراسيا وقطبيها روسيا والصين، وبين تحالف "العيون الخمسة" الأنكلوساكسوني، من أهم ديناميات النظام الدولي الإنتقالي من الأحادية إلى التعددية القطبية.       

لقد "تصادف" هجوم تنظيم "الدولة الإسلامية" على الكنائس والفنادق في سريلانكا، قبل خمسة أيام من موعد "افتتاح أعمال الدورة الثانية لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي في بكين" الذي تغيب الولايات المتحدة عنه. ولم تشارك فيه بفعالية لا السعودية ولا تركيا وتابعتها قطر. وإذا كانت تركيا قد بدأت بوضع "رِجْلٍ في فلاحة روسيا ورِجْلٍ في بور أميركا"، فإن مصائر السعودية وقطر معلقتان بـ"البور" الأميركية. إن هذا التوازن الجيوسياسي للدول الثلاث، المتورطة في تشكيل وتحريك المنظومات الوهابية ـ "الإخوانية"، يمنع  تراصف هذه الدول ضمن الكتلة الأوراسية والتشكل داخل حلقاتها الإقليمية والدولية.      

لن نقف عند استذكار تْشلَّاني لـ"الحرب الأميركية على الإرهاب" في ختام مقاله الهام. لكننا نرى أن تْشلَّاني قد أتى بعنوانٍ نصف صحيح لمقاله :  Asia Is the New Ground Zero for Islamist Terror / آسيا  البؤرة الجديدة للإرهاب الإسلامي. في النصف الصحيح، أنه رسم في متن المقال مساحة هذه البؤرة على قوس جيوسياسي يمتد من جزر المالديف جنوب شرق سريلانكا حتى أرخبيل الفلبين. وهي مساحة شاسعة تشمل كامل شمال وشرق المحيط الهندي، وتحوي قسماً هاماً من البنى التحتية لـ"المبادرة".

إن هذا التحديد الجيوسياسي للمسارح الجديدة للإرهاب دقيق. إذ يتوافق مع معلومات تداولت بها عواصم عربية وإسلامية، منذ أكثر من سنة عن تعمد الأجهزة الأميركية نقل إرهابيي "داعش" من سوريا عبر تركيا إلى أماكن مجهولة، يُرجح أن تكون باتجاه الأرخبيل الفلبيني والأرخبيل الأندونيسي، وكذلك جنوب ميانمار. وذلك ضمن استعدادات الولايات المتحدة لإشعال حروب بؤرية تشمل عدداً من الدول الآسيوية، خصوصاً في جوار الصين، وباتجاه آسيا الوسطى.

"النصف الصحيح" في عنوان مقال السيد تْشلَّاني، الذي يعين آسيا كميدان للإرهاب التكفيري، معاكس لمضمون "النصف غير الصحيح" في العنوان الذي يتهم فيه المسلمين بالارهاب، من خلال إشارته الى "الإرهاب الإسلامي".

هيئة تحرير موقع الحقول ‏‏
السبت‏، 22‏ شعبان‏، 1440، الموافق ‏27‏ نيسان/ أبريل‏، 2019

Please follow and like us: