وضع الرئيس الأميركي جو بايدن المسألة السورية على جدول اعماله منذ بداية حملته الرئاسية[1]. وقد استبق دخوله البيت الأبيض بالتصميم على استمرار احتلال أجزاء من شمال شرق سوريا وجنوبها[2]. لذا، لم يكن قراره بتعيين بريت ماكغورك، منسقا للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أمراً مفاجئاً. إذ كشف القرار، مبكراً، عن سيطرة النزعة التقسيمية على بعض “ملامح سياسات بايدن في الشرق الأوسط”، حيث كان هذا الديبلوماسي حاضراً في تخطيط وتنفيذ الإستراتيجية الأميركية ضد سوريا[3]، وضد العراق أيضاً، إبان حكم بوش وأوباما، قبل أن يعود الآن، في عهد بايدن[4].
إن تمسك بايدن بقواعد الإحتلال في سوريا، يتفق مع مضمون “وثيقة استراتيجية الأمن القومي المؤقتة” التي نشرتها إدارته بعد 45 يوماً على توليه الحكم. فقد نصت على أن الوجود العسكري الأقوى للولايات المتحدة “سيكون في منطقة المحيط الهادئ وأوروبا، بينما سيكون في الشرق الأوسط بما يكفي لتلبية احتياجات معيّنة”. ولا بد أن الإحتلال هو من هذه “الإحتياجات”، و”يلبي” مطالب الوثيقة المذكورة، التي شددت على أن “الولايات المتحدة يجب أن تشكل مستقبل النظام الدولي”، باعتباره “مهمة ملحة” أمام الإدارة الأميركية الحالية[5].
لقد عمل “فريق بايدن للملف السوري” التي أوفد قبل شهرين، إلى مناطق شرقي الفرات، ضمن هذا السياق الإستراتيجي. فالوفد الأميركي كان يروج بين من التقاهم من الإنفصاليين الأكراد وبعض الزعماء القبليين العرب، لأهداف “إنسانية” ولذريعة “مكافحة الإرهاب”، من أجل إخفاء خطط التقسيم والإنفصال التي تدبرها “الإدارة الديموقراطية” في واشنطن ضد الجمهورية العربية السورية[6].
تتجنب إدارة بايدن التورط في مواجهات حربية واسعة ومفتوحة في سوريا وفي أماكن أخرى. وقد لوحظ أنها ردت بشكل موضعي على العمليات العسكرية التي شنتها تشكيلات المقاومة الوطنية السورية على قواعد الإحتلال الأميركي خلال شهر تموز الحالي[7]. ويلبي الرد العسكري المحدود الذي بدر من قواتها التي تحتل مناطق سورية استراتيجية، دعوة “وثيقة استراتيجية الأمن القومي المؤقتة” إلى خوض حروب منخفضة التكلفة، وذات مهلة. فالولايات المتحدة ـ بحسب نص “الوثيقة” ـ “لن تنفق بعد الآن تريليونات الدولارات، على حروب بلا نهاية”[8].
هذه “النظرية الأميركية” عن شن الحروب الرخيصة وذات المهل الزمنية، تثبت العجز العسكري الإستراتيجي للجيش الأميركي في الحروب التقليدية ويفترض أن تحرره نسبياً من مواجهة تحدياتها، كما تخفف من تداعياتها المدمرة على اقتصاد الولايات المتحدة. وتترجم إدارة بايدن هذه “النظرية” بالتشبث ببقاء وحدات عسكرية صغيرة في سوريا، لتحقق هدف تقسيمها[9]، من خلال التمترس خلف قوات محلية، تحتضن الإحتلال، على غرار ما تفعل الميليشيا الإنفصالية الكردية المعروفة باسم “قسد”[10].
إن التقارير الأخيرة التي وردت من مناطق سيطرة الإحتلال في شمال شرق سوريا، تنبئ بفشل استراتيجي ينتظر إدارة بايدن. وقد نشرت وكالات الأنباء معلومات عن تصاعد الرفض الشعبي السوري لجرائم جيش الإحتلال وأعوانه في تلك المناطق، حيث يقتلون المواطنين المدنيين وينهبون الثروات النفطية والغازية والمنتجات الزراعية فيها[11].
وبحسب الوكالات، فإن ميليشيا الإنفصال الكردي /المسماة “قسد”، دخلت في مرحلة الهزيمة الإستراتيجية وتريد الهرب من مواجهة قوى المقاومة المتصاعدة ضد جرائم مسلحيها في الأرياف العربية وفي مدينة الحسكة. وهذا الوضع الجديد حمل ضباط جيش الاحتلال الأميركي على التجوال طيلة الأيام الماضية، في القرى العربية في ريف الحسكة، برفقة مترجمين عراقيين، وحثوا المواطنين السوريين هناك على الانضمام تشكيلات مسلحة، والحصول على رواتب وخدمات مغرية، لكي يكونوا ميليشيا عربية متعاونة مع الإحتلال. إلا أن أبناء القبائل والعشائر العربية السورية رفضوا طلبات المحتلين الأميركيين[12].
من المستبعد ان يصمد جنود الإحتلال في قاعدة التنف جنوب سوريا، إذا ما تصاعدت عمليات المقاومة الوطنية ضد قواعد المحتلين الأميركيين وعملائهم في شمال شرق سوريا، وهو تطور وشيك الوقوع، بعد تمسك القبائل العربية بولائها الوطني وبحرمة السيادة. هذه حقائق موازين القوى السورية والعربية والدولية. لذلك، قد ترغم إدارة بايدن على إخلاء جنودها من أراضي الجمهورية العربية السورية، بشكل مفاجئ، تاركة فلول الإنفصاليين الأكراد خلفها ليلقوا مصيرهم الأسود.
هيئة تحرير موقع الحقول
الأحد، 16 ذو الحجة، 1442، الموافق25 تموز/ يوليو، 2021
[1] قال مراسل “كلنا شركاء” في واشنطن إن خطة بايدن حول سوريا، تم تبنيها بعد لقائه “مع مجموعة من السوريين الاميركان المؤيدين للحزب الديمقراطي، والتي سعت لشرح حقيقة ما يجري في سورية ، للمرشح جو بايدن، وتعديل مواقفه المؤيدة لإيران، والمتراخية بخصوص نظام الأسد”.. تقرير منشور في موقع جسر :
[2] جو بايدن: سحب القوات الأمريكية من سوريا “كارثة”. تقرير هايدي صبري، منشور يوم الإثنين 14 تشرين الأول 2019، على موقع العين الإماراتي :
https://al-ain.com/article/joe-biden
[3] أن عودة الدبلوماسي الأميركي، بريت ماكغورك، إلى العمل سيؤدي إلى تقديم مزيد من الدعم لقوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية، وبالتالي ستضغط واشنطن باتجاه كف يد روسيا عن التدخل في مناطق شرقي الفرات التي تسيطر على الإدراة الذاتية الكردية”. أنظر :
“دعم أكبر للأكراد ومواجهة مع روسيا”.. تحديات بايدن في سوريا. تقرير منشور على موقع التلفزيون الأميركي / قناة الحرة، يوم 22 كانون الثاني/ يناير 2021 :
[4] “كان ماكغورك يتنقل بشكل غير رسمي بين سوريا والعراق، وكان متابعاً اجتياح داعش المشبوه لمدينة الموصل في العراق، وقبلها كان حاضراً في مدينة عين العرب في سوريا”. كما أنه “من أشد المتحمسين لتسليح المليشيا الكردية الانفصالية المسلحة” في سوريا، حيث “ساهم في تقديم كافة أشكال الدعم والتخطيط والتوجيه” لها.
تعيين “بريت ماكغورك” رسالة بايدن السلبية تجاه الشرق الأوسط. تقرير محمود عثمان، من وكالة الأناضول، منشور يوم 12 كانون الثاني 2021، على موقع أ.أ. التركي :
[5] “استراتيجيّة الأمن القومي الأميركيّة: مصيرنا أكثر ارتباطاً بالأحداث خارج شواطئنا”. تقرير منشور يوم 4 آذار 2021، على موقع الميادين نت :
[6] “ذكر بيان صادر عن الخارجية الأمريكية، أن الوفد عقد اجتماعات مع كبار المسؤولين في “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وذراعها السياسية “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، وكبار أعضاء المجلس وزعماء العشائر من الرقة ونظرائهم العسكريين في التحالف الدولي وجهات فاعلة في المجال الإنساني. ورد في : “فريق بايدن للملف السوري يزور شرقي الفرات ويحدد أولويات السياسة الأمريكية”. تقرير منشور يوم 18 أيار 2021، على موقع شام الموالي لتركيا :
[7] اشتباكات بين القبائل العربية وقوات “التحالف الأمريكي” شرقي سوريا. تقرير منشور يوم 17 تموز 2021، على موقع سبوتنيك الروسي :
[8] “استراتيجيّة الأمن القومي الأميركيّة: مصيرنا أكثر ارتباطاً …” مصدر سابق.
[9] قبل تسلمه لأي منصب حكومي بارز، عُرف الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، في منطقة الشرق الأوسط اعتباراً من العام 2007، حينما كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية داخل مجلس الشيوخ الأميركي، وقاد حملة سياسية وإعلامية شاملة وقتئذ، بما في ذلك الاتصال بالدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، ترويجاً للخطة غير الملزمة التي تبنها مجلس الشيوخ الأميركي في خريف ذلك العام، التي كانت تدعو إدارة الرئيس جورج بوش الابن لـ”تقسيم” دولة العراق إلى ثلاثة كونفدراليات سياسية، تشغل كل واحدة منها أغلبية أهلية ما، شيعية جنوباً وكردية في الشمال وسُنية في الوسط، وأن تتحد الكونفدراليات الثلاث لتشكل دولة العراق الحديثة، تكون تلك الصيغة حلاً للحرب الأهلية العراقية، التي كانت في أوجها وقتئذ. بايدن والشرق الأوسط والكونفدرالية. تقرير رستم محمود، منشور يوم 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 على موقع التلفزيون الأميركي/ قناة الحرة :
[10] أن عودة الدبلوماسي الأميركي، بريت ماكغورك، إلى العمل سيؤدي إلى تقديم مزيد من الدعم لقوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية، وبالتالي ستضغط واشنطن باتجاه كف يد روسيا عن التدخل في مناطق شرقي الفرات التي تسيطر على الإدراة الذاتية الكردية”. أنظر :
“دعم أكبر للأكراد ومواجهة مع روسيا”.. تحديات بايدن في سوريا … مصدر سابق.
[11] سانا”: التحالف الدولي ينقل رتلاً من الشحنات المحملة بالقمح السوري إلى العراق. تقرير منشور يوم 11 تموز 2021، على موقع النشرة :
[12] كيف وأَدَت القبائل العربيّة الأصيلة مشروع “الصّحوات” الأمريكي شرق الفرات السوري؟. وكالات، تقرير منشور يوم 24 تموز 2021، على موقع رأي اليوم :