الصراع الطبقي كان مخيماً أمس على ساحة النجمة. أصوات العسكريين المتقاعدين لفحت محيط مجلس النواب بسخونة التناقضات الإجتماعية. أما في داخل المجلس فقد لمس المواطنون شراسة "الطبقة السياسية" في الدفاع عن مصالحها. خذوا مثلاً، موقف الرئيس نجيب ميقاتي. لقد غادر جلسة المناقشة الختامية للموازنة في مجلس النواب، بمجرد أن "وصلت الموسى إلى ذقنه". بعض النواب تجرأوا على ذكر "حقوق" الرئيس ميقاتي في "بيزنس" البريد اللبناني. فانتفض غاضباً وانقلب إلى "بيزنس مان". ترك الجلسة. عَطَبَ السياسة. لا يريد أن يسمع أنين المجتمع. تصوروا لو كان لديه سلطات أكبر، ماذا كان سيفعل دفاعاً عن احتكاره أعمال البريد وغيره. بل تخيلوا ماذا يفعل الذين لديهم سلطات أكبر من ميقاتي، دفاعاً عن احتكاراتهم التجارية والمالية للمال العام والخاص. كل ما جرى هو أن بعض النواب طالبوا بتحصيل حقوق الدولة أي المال العام أي مال المواطنين، من شركة الرئيس ميقاتي، فكان ما كان. المضحك أن "السياسي ـ البيزنس مان" اللبناني يتخفى بمصالح الطائفة. قال ميقاتي إنه خرج دفاعاً عن صلاحيات رئيس الحكومة.
اللواء
«الموازنة» تفلت من محاولات التطويق وحراك العسكريين: بتأييد 83 نائباً
«انتفاضة الحريري» في الداخل تعدّل المسار .. ومجلس الوزراء ينتظر مبادرة لإنقاذه
لا شيء خارج التوقع: إقرار الموازنة بصرف النظر عن عدد المصوتين لها (83 نائباً) كان امراً منتهياً، والحراك العسكري الذي شغل النواب، مع اخبار التدافع مع وحدات الحماية من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، الأمر الذي حمل الرئيس نبيه برّي إلى إبلاغ مَن يعنيه الأمر «ان أحداً لن يكون بمقدوره اقتحام المجلس الا بإرادة الله».
فبعد ثلاثة أيام بلياليها، أنجز المجلس إقرار الموازنة بإدخال تعديلات على حسومات معاشات التقاعد للعسكريين، واستثناء البنزين من ضريبة الـ3٪ على سلع كمالية تخضع لـT.V.A، تحت رقابة صناديق سيدر، والدول التي أبدت استعداداً لاقراض البلد، الذي ينوء تحت أكبر عبء للدين العام في العالم، يعادل حوالى 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
والأهم ان الرئيس سعد الحريري، الذي اعتبر أن إقرار الموازنة أمس، يسمح بسعي الحكومة للسيطرة على الدين العام، شعر بمحاولة لتطويقه عبر اجراء تخفيضات طاولت بشكل أساسي مؤسسات تعتبر «محسوبة» عليه، كأوجيرو، ومجلس الإنماء والاعمار والهيئة العليا للاغاثة.
ولمس قريبون من رئاسة الحكومة استياءه من هذه المحاولة التي يشترك فيها تكتل لبنان القوي، وكتلة الجمهورية القوية وكتلة الوفاء للمقاومة.
وتخوف هؤلاء من ان يرتد ذلك سلباً على الوضع الحكومي، ما لم يُصرّ إلى استدراك الموقف، وتسهيل المساعي لعقد جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل.
تصريح حكومي
وإذا كانت الحكومة ومعها المجلس النيابي «احتفلتا» بانتهاء قطوع موازنة العام 2019، عبر اقرارها بأكثرية 83 نائباً من حوالى مائة نائب حضروا الجلسة الأخيرة، واعتراض 18 نائباً، بينهم نائب تكتل «لبنان القوي» الموالي هو ميشال الضاهر الذي امتنع عن التصويت، فإن هذا الاحتفال، لم يكن سوى «تغطية» للجروح التي لحقت بالحكومة نتيجة التصدع الذي أصاب صفوفها، و«تشنج» العلاقة بين الرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري، ما دفع الأخير إلى الخروج من الجلسة مرات عدّة، تعبيراً عن «حرده»، وبالتالي التلويح بالاستقالة، إذا ما استمر ما وصف باستهداف المؤسسات التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، إلا أن «الادارة الحكيمة» لرئيس المجلس (والعبارة لوزير الصناعة وائل أبو فاعور) ساهمت في تهدئة الأمور، بدلاً من ان تذهب في اتجاه آخر، خصوصاً بعد ظهور استياء واضح من كيفية ادارة مسار النقاشات في اتجاه ما وصفته وزيرة الداخلية ريّا الحسن، بأن هناك اناساً بزيت وآخرين بسمنة، عبر عنها الرئيس نجيب ميقاتي في عبارة: «طفح الكيل»، في حين أعلن نواب «اللقاء الديمقراطي» تضامنهم الكامل مع رئيس الحكومة لوقف ما اسموه الاستهداف السياسي لرئاسة الحكومة.
وارفق ميقاتي عبارته بإعلان انسحابه من الجلسة، مشيراً إلى ان استهداف «مؤسسات بالتخفيض دون سواها، كمجلس الإنماء والاعمار والهيئة العليا للاغاثة وأوجيرو»، دليل على استهداف موصوف. لافتاً إلى «أنه لا يجوز الاستمرار في معالجة الأمور على هذا النحو».
وكان التشنج ساد بداية الجلسة، أثناء التصويت على البنود المتعقلة بالمؤسسات التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، ومن ضمنها بند يتعلق بتخفيض 14 مليار ليرة من موازنة «أوجيرو»، وفق ما جاء في تعديلات لجنة المال والموازنة، فاعترض الرئيس الحريري على أساس انه لا يجوز التفريق بين موظف في مؤسّسة وموظف في مؤسّسة أخرى، لا سيما وان التخفيض طرأ أيضاً على موازنة مجلس الإنماء والاعمار بنسبة 175 مليار ليرة، وحين بدا ان الرئيس برّي غير مهتم باعتراض الحريري، غادر هذا الأخير الجلسة لكن رئيس المجلس الذي فهم بسرعة مضمون الرسالة، طلب رفع الجلسة لمدة عشر دقائق، حيث عقد في مكتبه اجتماعاً ضمه والحريري والنائب إبراهيم كنعان ونائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي، عاد بعدها الجميع لمتابعة وقائع المناقشات، وطرح بند أوجيرو على التصويت فأقر مبدأ تخفيض 14 ملياراً رغم اعتراض نواب «المستقبل» واللقاء الديمقراطي، فيما استرد مجلس الإنماء والاعمار مبلغ 100 مليار من أصل 175 ملياراً بعد ان خفضت ميزانيته.
وأكّد مصدر نيابي انه تمّ الأخذ بكل تعديلات لجنة المال، مشيراً إلى ان نسبة العجز النهائية التي خرجت بها الجلسة، لا يمكن الركون إليها الا بعد ان يدرس وزير المال كل الإيرادات والنفقات ويجري مقارنة بينها، وإعلان الرقم النهائي الاثنين المقبل، إلا أن المصدر شدّد على ان نسبة العجز بقيت تقريباً بحدود 7.59، وربما أقل أو أكثر بقليل، وهو ما أكّد عليه الوزير علي حسن خليل.
اما الرئيس الحريري، فقد تجاهل، بعد انتهاء الجلسة التشنج الذي حصل رغم وصفه له بأنه «شد حبال»، معتبراً ان ما قام به المجلس على صعيد إقرار الموازنة بمثابة «انجاز»، لكنه لفت إلى ان تطلعاته أكبر، وان ما حصل هو بداية الإصلاح، متعهداً باستكمال المسيرة في العامين 2020 و2021 لتعديل المسار الاصلاحي في البلد.
وشدّد على ان الإصلاحات يجب ان تحصل، ولو كان هذا الأمر سيكلفنا بعض الجهد وبعض المآسي.
وأكّد الحريري تفهمه لمطالب المتظاهرين الذين رفعوا الصوت، وقال: «اننا نحاول القيام بالمستحيل في وضع صعب جداً، وواجبنا كحكومة ان نعمل بوتيرة أسرع»، لافتاً إلى ان التأخر في اعداد الموازنة كان بسبب التأخر في تشكيل الحكومة، متعهداً بأن تقر موازنة 2020 خلال الفترة الدستورية، بوجود قطوعات الحساب.
وتطرق الحريري إلى مسألة التشكيك بعقد جلسة للحكومة، مشدداً على انه ما يزال يعول على ان العقل سيطغى على المشاكل في آخر المطاف، متوقعاً «الوصول إلى حل لمشكلة الجبل بحكمة الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط والمير طلال أرسلان مع حزب الله»، داعياً إلى الانطلاق بشكل إيجابي.
ضغط الشارع
وقبل ان يفرغ المجلس من إقرار الموازنة، كان العسكريون المتقاعدون يمارسون نوعاً من الضغط على المشرعين، عبر الاستمرار في التظاهر في الشارع وقطع طرقات وسط العاصمة، ملوحين بالتصعيد وانه إذا تمّ إقرار المواد التي تطالهم في الموازنة، فإن ذلك يعني الحرب المفتوحة عليهم، لكن المجلس أقرّ بالنهاية صيغة حل وسط، هي تقريباً نفس الصيغة التي توصلت إليها تعديلات لجنة المال، بحيث ابقيت ضريبة الدخل على أساس الراتب، من دون ان تمس تعويضات المعاشات التقاعدية، وتخفيض نسبة الرسم على الطبابة إلى 1.5 فى المائة بدلاً من 3 في المائة.
وبطبيعة الحال، لم يرض هذا الحل العسكريين المتقاعدين الذين اتهموا الحكومة بأنها أجرت صفقة تسوية مع العمداء الضباط على حساب الأفراد، في إشارة إلى الاجتماع الذي ضم وزير الدفاع الياس بو صعب مع العميدين المتقاعدين جورج نادر وعبد القادر مكي، قبل إقرار الصيغة.
وتعهد العسكريون بالاستمرار في تصعيد تحركهم، متوعدين باللجوء إلى المجلس الدستوري للطعن بالموازنة.
يُشار إلى ان عمليات كر وفر سجلت طيلة النهار بين العسكريين والقوى الأمنية، في محاولات عدّة للتقدم باتجاه ساحة النجمة وإزالة الاسلاك الشائكة، وسجلت صدامات عدّة، قبل ان تتدخل قيادة الجيش التي أصدرت بياناً طلبت فيه المتظاهرين التزام الهدوء، وأكدت التزامها فرض الأمن والحفاظ على السلامة العامة.
وكان لافتاً خلال النقاش الدائر في المجلس، إشارة النائب بولا يعقوبيان ان هناك في الخارج من يطالب بحقوقه ومحاولة اقتحام المجلس، فرد برّي قائلاً: «لا أحد يقتحم المجلس إلا إرادة الله، ولم يخلق بعد من سيقتحم المجلس».
اضاف: «البلد يجب ان يقف عند حدّ لأننا كنا ذاهبين إلى الافلاس»، وقال انه تواصل مع قيادة الجيش التي أكدت ان الأمور مضبوطة، وانها ستتخذ الإجراءات اللازمة.
قبرشمون
الى ذلك، توقفت مصادر سياسية مطلعة عبر «اللواء» عند الكلام الذي اطلقه الرئيس ميشال عون امام وفد كهنة الشوف في ما خص التحقيق العادل في حادثة قبر شمون قبل المصالحة لافتة الى انه حدد الخطوات الأساسية، وقالت ان اشارته الى محاكمة عادلة تبعث بالطمأنينة انما لا بد من اقترانها بقرار الطرفين المعنيين بتسليم الشهود والمشتبه بهم.
واوضحت ان الرئيس عون حريص على معالجة الموضوع وقيام المصالحة بعد اتمام الأجراءات المتصلة بالمحاكمة.
وكان الرئيس عون اكد امام الوفد ان العيش المشترك في الجبل مصان بإرادة ابناء الجبل اولا وبرعاية الدولة ومؤسساتها ثانيا، لافتا الى ان ما حصل مؤخرا في منطقة قبرشمون لا تُمحى آثاره الا من خلال محاكمة عادلة سليمة تمهد الطريق امام المصالحة، اذ لا تسويات على مثل هذه الجرائم.
وقال: ان ما من احد يرضى بتكرار ما حصل، ولن يكون احد فوق القانون والاجراءات القضائية العادلة. ولفت الى ان تفعيل حضور الدولة في الجبل وغيره من المناطق لا يكون فقط بالامن، بل ايضا بالانماء وتعزيز قطاعات الانتاج لتوفير فرص عمل جديدة كي لا تنحصر في العاصمة والضواحي والمدن الساحلية، بل في المناطق كافة، وابلغ الوفد ايضاً انه سيمضي قسما من الصيف في المقر الرئاسي الصيفي في قصر بيت الدين، كما جرت العادة، وستكون مناسبة للقاء ابناء المنطقة والاطلاع على حاجاتهم.
وافيد من المصادر المطلعة ان هناك رغبة في مواصلة اقناع الأطراف في حادثة قبر شمون على عدم الابقاء على خيار المجلس العدلي والإصرار عليه بالتالي انما انتظار التحقيقات والوجهة الأساسية التي تسلكها القضية.
مبادرة إبراهيم
في غضون ذلك، لا زالت مساعي المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم قائمة لمعالجة ذيول حادثة قبر شمون- البساتين، برغم انها عالقة عند تصلب فريقي الحادثة، وإن كان اللواء ابراهيم لا يزال ينتظر اجوبة الفريقين على بعض النقاط التي طرحها، وهو اكتفى بالقول لـ«اللواء»: ان مبادرته كلّ متكامل ولا تتعلق ببند واحد اونقطة واحدة، ولكن كل فكرة تحتاج الى بلورة ونحن ننتظر اجوبة واضحة من الاطراف المعنية، وهذا ما نعمل عليه.
يُذكر ان مبادرة اللواء ابراهيم تقوم في أبرز بنودها على اناطة التحقيق الامني والقضائي بالجريمة بالمحكمة العسكرية، الى جانب تسليم جميع المشتبه بهم والشهود وتبرئة من لا تثبت علاقته فورا،ومن ثم البحث في احالة الجريمة الى المجلس العدلي او القضاء العادي او تبقى ضمن القضاء العسكري بناء لمعطيات التحقيق، لكن مصادر الحزب الديموقراطي تؤكد تمسك الحزب بالإحالة الى المجلس العدلي لأنه يعتبر «ان ما حصل جريمة موصوفة لمحاولة اغتيال وزير او وزيرين في الحكومة وعدد من النواب كان يفترض ان يكونوا ضمن موكبه».واشارت مصادره مجدداً الى ان «لا مطلوبين لديه بل شهود، بينم الطرف الاخر سلّم اشخاصاً لا علاقة لهم بالحادث، والمطلوب تسليم المتورطين فعلياً».
واشارت مصادرمتابعة للموضوع، الى ان انشغال الاطراف السياسية بالمناقشات الاخيرة لمشروع الموازنة في المجلس النيابي، لا سيماحول البنود الساخنة موضع الخلاف، حال دون تسريع العمل على مسار المبادرة.
وعلى هذا بقي انعقاد جلسة لمجلس الوزراء الاسبوع المقبل، رهن بنجاح فصل الجلسة عن مسار قضية قبر شمون، وكان الجو ايجابيا في هذا الخصوص قبل يومين ويميل الى عقدها للبحث في جدول اعمال عادي، لكن يبدو ان تمسك فريق سياسي بطرح القضية في الجلسة مقابل فريق يرفض الاحالة للمجلس العدلي، لا زال يحول دون التوافق على عقدها ما لم يتم استبعاد الموضوع عن جدول الاعمال او من خارجه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء
إيران تحجز ناقلة نفط بريطانية… وثانية… وتظهر طائرتها المسيّرة تحلق فوق السفن الأميركية
أقلّ من ثلثي المجلس مع الموازنة… وتعديلات تطال «الجزر المالية»… والـ 3 دون البنزين
تسوية مع المتقاعدين… وتجميد «ليبان بوست»… والحريري لموازنة 2020 وعودة الحكومة
دخلت منطقة الخليج مرحلة جديدة في التجاذب الأميركي الإيراني، حيث تبدو إيران عازمة على مواصلة برنامجها التصعيدي، والردّ على الصاع بصاعين، وعلى حجز الناقلة بحجز ناقلتين، وإثبات أنها صاحبة اليد العليا في منطقة مضيق هرمز وأن ما قاله الحرس الثوري الإيراني عن السيطرة الكاملة على الوضع في مياه الخليج، تترجمه عمليات التنقل السلس للطائرات المسيرة فوق السفن الأميركية وتصويرها خلافاً لمزاعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يغرد، وتسقط تغريداته بالأشرطة الإيرانية المصوّرة، وعندما يغرّد عن منع إيران من حجز ناقلة نفط بريطانية تأتي الوقائع لتكذب تغريداته وتثبت إيران أنها صدقت في النفي المرفق بالإعلان عن أنها عندما تقرّر ستفعل، وها هي تفعل.
لم يتضح كيف سيتمكن الرئيس الأميركي والحكومة البريطانية من مغادرة الذهول والارتباك والتعامل مع الأحداث، فكل خطوة تقتصر على الكلمات تثبت قدرة إيران ومكانتها، وتحكمها بمقدرات النفط العالمية، وبالتالي تدفع الأسواق نحو الاضطراب، وتدفع أوروبا نحو إيران والمزيد من الاقتراب من معادلة ترضيها في الآلية المالية التبادلية. وكل محاولة للتصعيد الميداني بالرد أو الاحتكاك العسكري مع إيران تشكل فرصة جديدة لإثبات القوة الإيرانية إلا إذا حزمت واشنطن أمرها نحو الحرب، فعندها تصير المواجهة الكبرى التي ستصيب إيران بخسائر كبيرة، لكن كما سبق وقال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وعاد فأكد في لقائه أمس مع معاون رئيس مجلس الشورى الإيران حسين أمير عبداللهيان، أن المنطقة ستذهب إلى أتون نار تكون فيه المصالح الأميركية والقوات الأميركية في مرمى النيران الإيرانية والأهم أن الموارد النفطية وأنابيب وناقلات النفط ستكون عرضة للدمار. وأهم من المهم أن «إسرائيل» ستكون معرضة للدمار وربما للزوال. فيما كشفت معلومات جديدة أمس، ما سبق وأكدته «البناء» في حينها، عن حقيقة دور رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في إقناع الرئيس الأميركي بصرف النظر عن توجيه ضربة لإيران رداً على إسقاطها لطائرة التجسس الأميركية العملاقة.
الرقص على صفيح ساخن متواصل في المنطقة، وربما سيتواصل لأيام طوال، طالما أن واشنطن تستمهل الأوروبيين لعدم الدخول في تسوية تقبلها إيران من جهة، وتثبت عجزها عن خوض المواجهة مع إيران والحدّ من إثبات سيطرتها على ميادين المواجهة من جهة أخرى.
لبنان في قلب هذه المعادلة يحاول الخروج بأقل الخسائر، عبر ترتيب أوراقه المالية والسياسية التي كان مسرحها مجلس النواب في ختام مناقشات الموازنة، حيث جاء التصويت معبراً عن وجود انقسام سياسي تمثل بتصويت اقل من ثلثي المجلس لصالح الموازنة، رغم محدودية أصوات المعارضين بـ 18 نائباً ضد/ مقابل 83 مع، لكن الغياب لم يكن مجرد ظروف وانشغالات بقدر ما كان مخرجاً من إحراج التصويت بالنسبة للكثير من النواب الذين رفعوا سقف خطابهم المعارض ولم ينجحوا بإكمال معارضتهم نحو التصويت ضد الموازنة إما لقناعتهم بأن أي موازنة أفضل من القاعدة الإثنتي عشرية واللاموازنة، أو لأن العديد من التعديلات التي أدخلت على الموازنة كانت تطويراً لمسارها إيجاباً ما يستحق عدم التصويت ضدها، أو لأنهم منضوون في كتل ممثلة في الحكومة.
الجلسة الختامية التي شهدت أخذ العلم باستقالة النائب نواف الموسوي واعتبارها نهائية، كانت محاصرة من العسكريين المتقاعدين وعدد من المتضامنين، وقد سجلت مواجهات عنيفة بينهم وبين وحدات الجيش التي تولت حماية الجلسة قبل أن يعلن التوصل لتسوية مع العسكريين المحتجين، أدت إلى فض الاعتصام وإزالة خيمتهم من ساحة الشهداء، فيما قال بعضهم إنه سيلجأ إلى المجلس الدستوري للطعن بالموازنة أو بالنود الخاصة بالعسكريين فيها. مناقشة بنود الموازنة شهدت تفاهماً على تعديل رسم المستوردات بجعله 3 على المستوردات التي تطبق عليها الضريبة على القيمة المضافة أي التي تستثني المواد الأولية والمعدات الزراعية والصناعية، واستثني منها البنزين، كما شهدت فتحاً لما عرف بملف الجزر المالية، حيث تم تأجيل بند القروض والهبات ريثما يتم الاتفاق عليها، وتخفيض موازنة مجلس الإنماء والإعمار، وموازنة الهيئة العليا للإغاثة وهيئة أوجيرو، ما استدعى تفاوضاً انتهى إيجاباً بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، لكن ترافق النقاش مع تجميد ملف شركة ليبان بوست التي انتقد عدد من النواب عدم قيامها بتحويل مستحقات الدولة، ما أدى إلى انسحاب رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، الذي قالت مصادره إنه انسحب احتجاجاً على تخفيض موازنات المؤسسات الملحقة برئاسة الحكومة دفاعاً عن صلاحيات رئيس الحكومة، وليس احتجاجاً على تجميد عقد ليبان بوست رغم كونه المساهم الرئيسي في الشركة.
الحريري خرج من الجلسة مستبشراً بالانفراجات التي قال إن الموازنة ستحمل الكثير منها، واعداً بموازنة أفضل للعام 2020 وإنهاء متأخرات قطع الحساب، وبحلحلة سياسية تعتمد ترجيح العقل والحكمة للخروج من ذيول حادثة قبرشمون التي تعطل الحكومة.
أقرّ مجلس النواب الموازنة العامة للعام 2019، بتأييد 83 نائباً ومعارضة 17 نائباً هم: جميل السيد، جهاد الصمد، جورج عدوان، إدي أبي اللمع، بيار بو عاصي، جورج عقيص، أنطوان حبشي، وهبي قاطيشه، عماد واكيم، شوقي دكاش، سامي الجميّل، نديم الجميّل، الياس حنكش، أسامة سعد، بولا يعقوبيان، فؤاد مخزومي، إدي دمرجيان، وجان طالوزيان، وقد امتنع النائب ميشال ضاهر عن التصويت، وغاب النائب فيصل كرامي الّذي أعلن اعتراضه على الموازنة.
وأقرّ المجلس كلّ المواد المرتبطة بالعسكريين وفق تعديلات لجنة المال والموازنة، لا صيغة الحكومة، ومن بينها حسم 1.5 بالمئة من المعاشات التقاعدية للعسكريين من أجل الطبابة، وإخضاع رواتب العسكريين لضريبة الدخل بالإضافة إلى تنظيم التطويع في الأسلاك العسكرية والأمنية والامتيازات على ان تَطبَّق هذه الأحكام على السلطة القضائية والضباط من رتبة عقيد وما فوق.
كما أقر مجلس النواب المادة 79 المتعلّقة بوقف التوظيف والتعاقد في الإدارات العامة على 3 سنوات، بعد نقاش لا سيما حول الناجحين في مباراة مجلس الخدمة المدنية».
وأقرّ مجلس النواب فرض 3 في المئة على المستوردات الخاضعة للقيمة المضافة، على أن يُحدّد ذلك بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء وقد استُثنيت مادة البنزين والآلات الصناعيّة والزراعيّة والمواد الأولية من ذلك. وأقرّ المادة المتعلّقة بتحديد الحد الأدنى لعدد سنوات الخدمة الّتي تتيح الحق بالتقاعد.
كما أقرّ المادّة المتعلّقة بمنع نقل وانتداب القضاة العدليّين والماليّين إلى ملكات الإدارات والمؤسّسات العامة كافّة. الى ذلك، نجح النائب ياسين جابر بإضافة بند على الموازنة ينص على فرض ضرائب على أصحاب المولدات. وألغى المجلس المادة 94 المتعلّقة بمخصّصات النواب عن كل دورة.
وأكّد رئيس الحكومة سعد الحريري أن الإصلاحات تحتاج الى جهد مؤكداً تفهمه لمطالب المتظاهرين. وقال: «نحاول القيام بالمستحيل في وضع صعب وعلينا العمل بوتيرة أسرع.»
وأمل، من مجلس النواب بعد إقرار موازنة العام 2019، أن تكون موازنة العام 2020 بوقتها وأن تعود الأمور الى نصابها.
وأشار الحريري الى أنه «لولا التسوية لما كان هناك قانون انتخاب ولا موازنة». واعتبر أنه «يمكننا الوصول الى حل لأزمة الجبل من خلال حكمة وليد جنبلاط وطلال ارسلان وجميع الفرقاء».
وفيما كانت النقاشات اكثر من جدية خلال الجلسة، فإن الأجواء لم تخلُ من بعض التوتر لا سيما عند مناقشة موازنة مجلس الإنماء والإعمار واوجيرو، فالاجواء لم تكن ايجابية على الرئيس الحريري الذي انزعج من التخفيض الذي لحق بأوجيروا ومجلس الانماء والاعمار حيث اعتبر أن هناك استهدافاً للمؤسسات المحسوبة عليه عبر التخفيضات والتعديلات التي وردت من لجنة المال على مشروع الحكومة ما ولدّ استياءً، الامر الذي استدعى رفع الرئيس بري الجلسة 10 دقائق ليعقد والحريري اجتماعاً بحضور النائب ابراهيم كنعان ووزير المال علي حسن خليل.
وأكّد خليل، في تصريح من مجلس النواب، بعد إقرار موازنة 2019، «وجوب الانتقال إلى العمل الجدي لاستكمال خطوات الإصلاح المالي والإداري».
ومساء أمس، عاد الهدوء الى وسط بيروت بعد مواجهات بين العسكريين المتقاعدين والقوى الأمنية. وقد فُتحت الطريق أمام السيارات حيث عادت الحركة الى طبيعتها نسبياً، بعدما كانت الحركة شبه مشلولة في ظل اقفال القوى الامنية الطرقات المحيطة بساحة النجمة بالسواتر. وكان العسكريون المتقاعدون حاولوا التقدم باتجاه ساحة النجمة وازالة الاسلاك الشائكة في ظل استقدام تعزيزات اضافية لقوى الامن، وسجلت حالة إغماء في صفوفهم، بعدما كانوا وصلوا الى ساحة الشهداء لمواكبة جلسة التصويت على الموازنة، في حين منعتهم القوى الأمنية من تخطي الحدود والوصول إلى ساحة النجمة.
ولوّح العسكريون بالتصعيد وأكّدوا أن «إقرار المواد التي تطال العسكريين كما أحيلت من الحكومة يعني الحرب المفتوحة معهم»، لافتين الى أن «أي مسؤول يقول إن لا مسّ بحقوق العسكريين يضلل العسكريين والشعب اللبناني».
وتمنوا على السلطة السياسية إرسال إشارات إيجابية، مؤكدين أن ما يرضيهم هو عدم المساس برواتبهم، واعتبروا ان السلطة السياسية تستغل العسكر لمواجهة من يطالبون بالحق.
وفيما أقرت المواد التي تعنيهم، لكن وفق صيغة لجنة المال والموازنة، اكد العسكريون المتقاعدون استمرارهم في التصعيد، وتوجههم إلى الطعن بقانون الموازنة أمام المجلس الدستوري.
وفيما لم تتبلور بعد المساعي المبذولة لحل قضية حادثة قبر شمون، فإن مجلس الوزراء لا يزال حتى الساعة بحكم المعطل، فكل الاتصالات، بحسب مصادر «البناء» لم تخلص حتى الساعة الى التوصل الى حل يرضي القوى المعنية، علماً أن المشاورات راهناً تقوم على عقد جلسة لمجلس الوزراء الاسبوع المقبل التصويت على احالة القضية الى المجلس العدلي، غير أن هذا الامر يبقى رهن موافقة الحزب التقدمي الاشتراكي خاصة أن الاخير كان ميالاً الى القبول بمسعى المحكمة العسكرية الذي رفض من قبل الحزب الديمقراطي اللبناني.
وفي السياق نفسه، أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان العيش المشترك في منطقة الجبل مصان بإرادة ابناء الجبل أولاً وبرعاية الدولة ومؤسساتها ثانيا، لافتاً الى ان ما حصل مؤخرا في منطقة قبرشمون لا تُمحى آثاره الا من خلال محاكمة عادلة سليمة تمهد الطريق امام المصالحة، اذ لا تسويات على مثل هذه الجرائم. وابلغ وفداً من رؤساء الاديرة والكهنة في منطقة الشوف استقبله قبل ظهر أمس في قصر بعبدا بحضور النائب ماريو عون، ان ما من احد يرضى بتكرار ما حصل، ولن يكون احد فوق القانون والاجراءات القضائية العادلة. ولفت الى ان تفعيل حضور الدولة في الجبل وغيره من المناطق لا يكون فقط بالامن، بل ايضاً بالإنماء وتعزيز قطاعات الانتاج لتوفير فرص عمل جديدة كي لا تنحصر في العاصمة والضواحي والمدن الساحلية، بل في المناطق كافة. كما أبلغه أنه سيمضي قسماً من الصيف في المقر الرئاسي الصيفي في قصر بيت الدين، كما جرت العادة، وستكون مناسبة للقاء أبناء المنطقة والاطلاع على حاجاتهم.
على خط آخر، التقى المساعد الخاص لرئيس البرلمان الإيراني امير عبد اللهيان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حيث قال: إن «أميركا – لا تقوى على شن حرب عسكرية ضد إيران وإن البيت الأبيض يعلم بأن الحرب على إيران ستشعل المنطقة برمتها ولن تكون نهايتها بيد أميركا».
ووصف الأمين العام لحزب الله ما يسمى بصفقة القرن الأميركية بخصوص فلسطين المحتلة بأنها مبادرة «جوفاء». وفي معرض سرده لتطورات المنطقة، قال السيد نصر الله: «إن المقاومة وببركة دماء الشهداء هي اليوم في أحسن أحوالها وأسمى مواقعها في الوقت الذي تقوم فيه أميركا والصهاينة بمواصلة ممارساتهم العدوانية للمساس بأمن المنطقة كما يجري اليوم في سورية، حيث تحول أميركا دون تطهيرها من آخر فلول الإرهابيين وتمنع بأساليب مختلفة عودة النازحين السوريين لبلدهم إلا أن هذا التدخل السياسي الأميركي سيبوء قطعاً هو الآخر بالفشل».
علّق عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي معن حميّة، في تصريح، على تصريحات صادرة عن مساعد الرئيس الأميركي ومبعوثه لـ»عملية السلام» جيسون غرينبلات، يدافع فيها عن العدو الصهيوني واحتلاله وينفي ارتكابه مجازر وجرائم بحق الفلسطينيين. وعلى صورة نشرها تجمع بين وزيري خارجية البحرين والعدو الصهيوني. وقال بعد نشر مساعد الرئيس الأميركي ومبعوثه لـ «عملية السلام» جيسون غرينبلات صورة مقززة تجمع بين وزيري خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة والصهيوني يسرائيل كاتس في واشنطن، وبأنهما «تبادلا الحديث الودّي» يثبت فعل خيانة البحرين لفلسطين وتآمرها على الفلسطينيين.
أضاف: لقد تحدّث غرينبلات عن لقاءات عقدها مع مسؤولين فلسطينيين، موحياً بأنهم يؤيدون «صفقة القرن» وزاعماً تخوّفهم «من الإعلان عن هذا التأييد»، وبأنهم طلبوا منه «عدم الكشف عن الاجتماعات»!.
وقال حميّة: المطلوب موقف فلسطيني يفضح مزاعم غرينبلات وأكاذيبه التي تروّج للتطبيع و»صفقة القرن».
وتابع: لم يكتفِ غرينبلات بإيحاءاته الكاذبة، بل زعم بأنّ «إسرائيل ضحية في نزاعها مع الفلسطينيين»، متعامياً عن المجازر والجرائم الإبادية التي ارتكبتها بحق الفلسطنيين منذ اغتصاب فلسطين! وبهذا يتصدّر مبعوث ترامب قائمة المسؤولين الأميركيين الأكثر صهيونية من الصهيونيين أنفسهم.
إنّ الردّ على المبعوث الأميركي هذا، يتمّ من خلال فضح حقيقة الدور الذي يؤدّيه لمصلحة العدو الصهيوني، وفضح أكاذيبه ومزاعمه، وإعلان موقف فلسطيني حاسم برفض ايّ لقاء معه، بعدما ثبت بدليل تصريحاته ومواقفه أنه «داعية» صهيوني، بعباءة مبعوث أميركي لـ «عملية السلام»….
وختم حميّة: بعد الصورة المشينة التي نشرها غرينبلات والتصريحات التي أطلقها والتي تنطوي على دفاع عن العدو الصهيوني ودعم لاحتلاله وعدوانه، لم تعد الولايات المتحدة الأميركية منحازة للعدو الصهيوني وحسب، بل تخوض معركته العدوانية ضدّ أمتنا، لذلك ندعو الشعوب العربية إلى استعادة زمام المبادرة، ورفع الصوت بوجه أنظمة التطبيع والخيانة، والقيام بكلّ التحركات المطلوبة نصرة لفلسطين والفلسطينيين ولإسقاط «صفقة القرن».
من جهة ثانية، تلا رئيس مجلس النواب نبيه برّي استقالة عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نواف الموسوي، في مستهل الجلسة التشريعية، وفق المادة 17 من النظام الداخلي واعتبرت نهائية، ليعقب ذلك ادعاء النيابة العامة العسكرية على الموسوي بجرم إطلاق النار من مسدس حربي غير مرخص على صهره حسن المقداد وبجرم التهديد بالقتل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار
موازنة 2019 تكشف المحميّات… و«تُوَرِّط» حزب الله!
«جمعة الغضب» دعماً للفلسطينيين: بوادر حلّ حكوميّ لأزمة العمال
أقفل ملف موازنة 2019. لم يتمكن الرئيس سعد الحريري من الدفاع عن كل ما ورد في مشروع الحكومة، لكنه نجح في استرجاع بعض مما حُسم من «محمياته»، إن برفع الصوت أو بالحرد. وصل به الأمر إلى حد التلميح إلى أن الجميع متورط بالفساد وليس هو وحده. في المقابل، كان حزب الله يخطو خطوة جديدة في مسيرته نحو الداخل اللبناني، فبدا أبرز المساهمين في إظهار الموازنة على صورتها النهائية. ولذلك، عبّر عن رضاه بما أنجز من خلال التصويت بالموافقة عليها، للمرة الأولى في تاريخه (تقرير إيلي الفرزلي)!.
لم يشأ الرئيس نبيه بري أن يغادر مجلس النواب أمس قبل التصويت على الموازنة. 6 ساعات قضاها النواب في مناقشة 99 بنداً، انتهت بتصويت 83 نائباً مع الموازنة و17 ضدها، فيما امتنع النائب ميشال ضاهر عن التصويت. هذه النتيجة سجلت سابقة تاريخية تمثلت بتصويت حزب الله للمرة الأولى، منذ دخوله إلى البرلمان، بالموافقة على الموازنة. سابقاً كان يمتنع، لكنه هذه المرة وجد فيها فرصة يجب التعامل معها بإيجابية. وتأييده هذا جاء على خلفية مساهمته في تعديل معظم بنودها، إن كان في الحكومة أو في لجنة المال تحديداً. تلك إشارة إلى «تورّط» حزب الله أكثر في الداخل، وتطور دوره وحجم مشاركته في السلطة، والذي يتزامن مع تطور الدور الرقابي الذي مارسه مجلس النواب، عبر لجنة المال والموازنة، ونجاحه في فرض إيقاعه على عدد من البنود التي ستحكم مسار إعداد موازنة 2020.
وحدها «القوات» ظلت حائرة في ما قررت، فهي خسرت السلطة ولم تربح المعارضة. كانت شبه غائبة أمس، بالرغم من المشاركات الخجولة للنائبين جورج عدوان وجورج عقيص. كما كانت الوحيدة من بين الكتل الممثلة في الحكومة التي غردت خارج السرب، وصوت كل أعضائها ضد الموازنة.
الأهم أن جلسة أمس كانت فرصة ليتأكد اللبنانيون أن ما يقال عن المحميات السياسية ليس شعارات أو نكايات سياسية. هو واقع أقر به رئيس الحكومة نفسه، إما بالانفعال أو بالحرد. ولأنه فشل، جزئياً، في تحصين محميّاته من «اعتداء» لجنة المال، فقد قضى الوقت، قبل أن يراضيه بري في الاستراحة القصيرة التي أخذها المجلس، معتكفاً عن الكلام. وحتى عندما سأله بري عن رأيه في إحدى المواد (إعفاء سيارات الإسعاف من رسوم التسجيل)، كان جوابه «لا رأي لي».
لكن قبل ذلك، كان رأيه واضحاً في رفض المس بمحمياته، وأبرزها مجلس الإنماء والإعمار وأوجيرو، وجزئياً الهيئة العليا للإغاثة. وقد اضطره هذا الرفض إلى استعمال لغة لم يعهدها من قبل، بعدما شعر أنه مستهدف من التيار الوطني الحر تحديداً.
كان مشروع الحكومة قد لحظ اعتمادات لصالح مجلس الإنماء والإعمار بقمية 175 مليار ليرة، فخفّضتها لجنة المال إلى 50 ملياراً. بداية، دعا الحريري إلى رفع المبلغ إلى 100 مليار، مضحّياً بـ75 ملياراً، إلا أن ذلك لم يعجب كثراً. فالمبلغ خفّض لانه يشكل المساهمة اللبنانية في مشاريع ممولة خارجياً بقيمة صفر كما ورد في المشروع. ولهذا، ولأن المشاريع لن تسير بلا قروض كان بديهياً بالنسبة للجنة المال خفض المساهمة. ذلك منطق لم يقنع الحريري، انطلاقاً من أنه يعني «تجميد عمل المجلس، الذي يجب أن يبقي على الأموال في جعبته إلى حين الحصول على التمويل المطلوب، فلو جاء قرض وأقره مجلس النواب، لن نتمكن من التوقيع عليه». تلك حجة، أما الحجة الثانية، فهي وجود موافقة على قروض بقيمة 3.2 مليار دولار (خارج سيدر) لا تستطيع الحكومة توقيعها لغياب التمويل المحلي.
جبهة الدعم كانت خجولة في المستقبل، وهي اقتصرت تقريباً على النائب محمد الحجار، مع أصوات محدودة خرجت من هنا وهناك. في تلك الجلسة، كان واضحاً خسارة المستقبل لنوابها «القبضايات» من أمثال أحمد فتفت ونهاد المشنوق وفؤاد السنيورة. تكفل الوزير سليم جريصاتي في دعم الحريري في أكثر من مناسبة، واقفاً في وجه أعضاء كتلته ولاسيما النائب ابراهيم كنعان. توالت الاقتراحات بعد ذلك، وترواحت بين الإبقاء على مبلغ الخمسين مليار ليرة أو تلبية طلب الحريري ورفعه إلى 100 مليار ليرة، وصولاً إلى دعوة قسم آخر إلى «قسمة الفارق بالنصف». النائب حسن فضل الله، وبعد أن قال «مش حلوة بحقنا نفتح بازار»، تحدث عن المعضلة المتمثلة بعدم تقديم مجلس الإنماء لأي دراسات أو تفاصيل توضح سبب طلبه لهذا المبلغ أو ذاك.
مع استمرار النقاش، دعا النائب جميل السيد إلى وضع الاموال في بند الاحتياط على أن تنقل إلى المجلس عندما تأتي القروض، بدلاً من حجزها منذ اليوم، فوافق النائب ابراهيم كنعان على الاقتراح. لكن الحريري لم يكن راضياً عن كل ما يحصل في المجلس. لم يبق أمامه سوى إظهار «العين الحمراء». قال للنواب «شيلوا كل المواد»، قبل أن ينهي بري النقاش، برفع المبلغ إلى 75 مليار ليرة.
تلك لم تكن إلا البداية، فعندما طرحت اعتمادات أوجيرو، التي خفضتها اللجنة 14 ملياراً، كان التوتر قد بدأ يظهر على الحريري، بعدما وجد نفسه محاصراً من جديد. انتفض. أخذ النقاش إلى السياسة رافضاً المس بأوجيرو. قال حرفياً: بدكم تصوبوا على أوجيرو هذا مرفوض. قبل أن يضيف: «من وُظّف، كل الأحزاب دحشتو».
أوضح له كنعان أن هذ المبلغ هو الفارق بين 2018 و2019، في حين أنه يفترض أن لا تكون قد زادت كلفة الرواتب. كما قال النائب جهاد الصمد إن الفارق لم يظهر في موازنة أوجيرو. وبعد أخذ ورد، سعى بري إلى تمرير تعديل لجنة المال «وإذا في ضرورة لزيادة المال نزيده من الاحتياط». عندها، أعلن الحريري اعتراضه واعتراض كتلته على البند المقرّ، قبل أن يضيف «إذا بدكن بناخذ توصية نكب 10 آلاف موظف برا (عدد الموظفين الذين قدمت لجنة المال تقريراً بهم إلى ديوان الحاسبة باعتبار أنهم وظفوا بعد قرار منع التوظيف)».
لم تنته الأمور هنا، فبعد حرد الحريري ومراضاته من قبل بري، تم الاتفاق على الإبقاء على الـ14 ملياراً في موازنة أوجيرو، بعدما قيل إنها قدمت تقريراً يثبت أن هذه الاموال هي فروقات وتعويضات لموظفين سابقين وهي ليست رواتب لموظفين جدد، مقابل تثبيت قرار لجنة المال تأجيل دفعة هذا العام من قانون البرنامج المتعلق بالألياف الضوئية.
في المواد القانونية، نجح الحريري أيضاً في استعادة بعض ما خسره. فأعيدت المادة السابعة كما كانت في مشروع الحكومة، إذ رفض التعديل المقترح من اللجنة والقاضي بإخضاع القروض لقانون المحاسبة العمومية، أي للرقابة المسبقة. وقد قام الحريري بحملة شرسة لإلغائها، انطلاقاً من أنها تساهم في عرقلة الحصول على القروض.
كثر من النواب لم يكن رأيهم مشابهاً. بعضهم، ولاسيما النائبان حسن فضل الله وجورج عقيص، أكدا أنها مادة إصلاحية تزيد من الشفافية. انتفض الحريري مجدداً. قال «إذا كنتم تريديون الحديث عن الفساد، فهو موجود هنا بالصفقات والمناقصات وليس في القروض التي تأتي من الخارج». قالها رئيس الحكومة بلا تردد، قبل أن ينتقد «تضييع البوصلة بالسعي إلى الرقابة على قروض خارجية شروطها منها وفيها، بدلا من معالجة الفساد الداخلي في مؤسساتنا».
هذه المرة. لم يكن الحريري وحيداً. سانده الحزب الاشتراكي، وهو ما فعله في أكثر من مناسبة، حيث بدا التجانس بين الطرفين كاملاً، فنبّه الوزير وائل أبو فاعور من الدفع باتجاه تحميل طرف سياسي دون آخر مسؤولية الاصلاح، متمنياً أن لا يكون هناك استهادف سياسي.
بالرغم من رفض كنعان للكلام عن أي استهداف، وبالرغم من سعي الوزير علي حسن خليل إلى الإشارة إلى أن الفارق بين المادتين ليس كبيراً، إلا أن الحريري كان واضحاً بالقول «ما بمشي»، فأعيدت المادة إلى صيغتها الأصلية، بحيث يتم الاتكفاء بالرقابة اللاحقة.
البنزين معفى… وضريبة على أصحاب المولدات
أقر المجلس النيابي كل الإعفاءات الضريبية، كما أقر المواد التي تطال المتقاعدين والموظفين من دون أي تعديل، غير آبه بالاعتراضات التي عبّر عنها المعتصمون في ساحة الشهداء. وفيما كانت كل المنطقة المحيطة بساحة النجمة عبارة عن ثكنة عسكرية محصنة بالأسلاك الشائكة ومئات العسكريين، سعت النائبة بولا يعقوبيان إلى إعلام المجلس بما يحدث في الخارج، إلا أنها أشارت إلى أن المتقاعدين يسعون إلى اقتحام المجلس بدلاً من الإشارة إلى سعيهم إلى تخطي الطوق الذي فرضه عليهم، فما كان من بري إلا الرد بانفعال: «ما حدا بيقتحم المجلس إلا إرادة الله».
أما بشأن المادة المتعلقة بالضريبة على السلع المستوردة، فكانت لجنة المال قد حسمت إلغاء نصها الأصلي الذي يفرض ضريبة 2 في المئة على كل الواردات، على أن تقدم الحكومة اقتراحاً بديلا.ً وبالفعل، قرأ وزير الاقتصاد التعديل الذي ينص على إخضاع كل الواردات الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة لضريبة استيراد بنسبة 3 في المئة (لمدة 3 سنوات)، إلا أن حزب الله أصر على استثناء مادة البنزين من هذا الاقتراح. فوافق الحريري في النهاية على ذلك، بعدما اظهرت الأرقام أن فرض الضريبة على البنزين يؤمن 36 مليون دولار. كما تكفّل لوبي الصناعيين في المجلس، بدعم من وزير الصناعة وائل أبو فاعور، في استثناء المواد الأولية الصناعية والآلات الصناعية منها. وكان لافتاً، إقرار اقتراح قدمه النائب ياسين جابر، من خارج مشروع الموازنة، وينص على فرص ضريبة على أصحاب المولدات الخاصة، بقيمة 50 ألف ليرة سنوياً عن كل KVA، مع دون أن يرتب أي أعباء إضافية على المشتركين، وبما لا يرتب أي حقوق لأصحاب المولدات.
«جمعة الغضب» دعماً للفلسطينيين: بوادر حلّ حكوميّ لأزمة العمال
الاحتجاج على قرار وزير العمل بشأن فرض إجازة عمل على الفلسطينيين في لبنان لم يقتصر على المخيمات أمس. مدينة صيدا شهدت تحركاً حاشداً، نظمته قوى لبنانية وفلسطينية، في ظل اتجاه الحكومة إلى سحب فتيل التفجير قريباً (تقرير آمال خليل).
يوم أمس، كانت جمعة فلسطين في صيدا. استعادت بوابة الجنوب زمن معروف سعد الذي ذهب منذ 80 عاماً إلى فلسطين لمواجهة العصابات الصهيونية، ثم جند المدينة لاستقبال اللاجئين عام 1948. في مشهد كان قد مر عليه الزمن، ارتفعت الرايات الفلسطينية في الشوارع. مشت صيدا عقب صلاة الجمعة إلى ساحة الشهداء للاحتجاج على قرار وزير العمل كميل أبو سليمان بفرض حيازة الفلسطينيين لإجازات عمل. ورغم أن الدعوة جاءت من الجماعة الإسلامية بالتنسيق مع إمام مسجد الشهداء الشيخ مدرار الحبال والجهاد الإسلامي وحركة حماس وهيئة علماء المسلمين والقوى الإسلامية في عين الحلوة ورابطة علماء فلسطين، إلا أن كافة الفصائل الفلسطينية والتنظيم الشعبي الناصري وحزب الله والقوى الوطنية الصيداوية لبت النداء. ملأت الحشود الساحة ومتفرعاتها، واستمعت إلى ممثل الجماعة بسام حمود وممثل الهيئة والرابطة الشيخ خالد العارفي وممثل حماس رأفت مرة.
بالتزامن، كانت مسيرة ضخمة تجوب شوارع عين الحلوة عقب انتهاء صلاة الجمعة. وفي مشهد لافت، توحدت فتح وحماس والفصائل الفلسطينية والشباب المسلم والعميد محمود عيسى «اللينو» (المحسوب على القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان)، على تنظيم التحركات التي استمرت حتى الليل. وانتشر مسلحون عند مداخل المخيم، لمنع أيٍّ كان من الخروج. المسيرات الوحدوية تكررت في مخيمات صور، الرشيدية والبرج الشمالي والبص، وفي تجمع وادي الزينة، وفي مخيمات الشمال، حيث رفع المتظاهرون شعار «تجويعي يخدم صفقة القرن». وأكدت قيادات الفصائل أن «الانتفاضة» مستمرة إلى حين التراجع الفعلي والنهائي عن قرار وزير العمل. واجريت سلسلة اتصالات بين قادة الفصائل من جهة، والجيش والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم من جهة اخرى، لتفادي أي مخاطر امنية.
على صعيد آخر، أحصت لجان التجار في صيدا وصور الخسائر في الأسواق التجارية اللبنانية، لا سيما المسالخ وحسبة الخضر، بأكثر من مليار ليرة في الأيام الأربع الماضية. وبدا لافتاً الإلتزام التام بالإضراب في المخيمات، ما عدا إدخال الخبز والخضر من أفران وسهول الرشيدية التي لا تزال تؤمّن «اكتفاءً» لمخيمات صيدا وصور وتجمعاتها التي يقيم فيها نحو 170 ألف لاجئ.
سياسياً، سجل فجر أمس وصول القيادي في حماس عزت الرشق موفداً من رئيس المكتب السياسي للحركة اسماعيل هنية «لمتابعة تداعيات الإجراءات الأخيرة لوزارة العمل»، بحسب ما جاء في البيان الإعلامي للحركة. زيارة الرشق أعقبت مغادرة مسؤول الساحة اللبنانية في حركة فتح عزام الأحمد، الذي اقتصرت تحركاته على «إعلان الثقة بالحكومة اللبنانية لتحل المسألة ضمن لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني». وكان من المنتظر أن يلتقي الاحمد لجنة العمل الفلسطيني في لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، للخروج بموقف جامع، لكنه استعاض عن ذلك باجتماع مع قادة فتح ومنظمة التحرير في لبنان.
على صعيد متصل، أكدت مصادر مواكبة للقضية بأن «الرئيس نبيه بري وقيادة حزب الله توافقا على ضرورة إنهاء الأزمة في أسرع وقت». وأبلغ بري قيادات الفصائل الفلسطينية والسفير الفلسطيني في بيروت أشرف دبور بأن رئيس الحكومة سعد الحريري سيتكفل قريباً بالإعلان عن مخرج للتراجع عن قرار أبو سليمان. وتبين وجود انسجام واضح في المواقف بين كل من حزب الله وحركة امل وتيار المستقبل. وعكَس الحريري هذا الانسجام فورا عبر سحب الملف من يد وزير العمل ووضعه في عهدة الحكومة، وابلغ ذلك بشكل رسمي للفصائل الفلسطينية ورئيس لجنة الحوار الوزير السابق حسن منيمنة. كذلك وُضع رئيس الجمهورية ميشال عون في اجواء الاتصالات والتحركات في المخيمات الفلسطينية، ليتبيّن ان موقفه لا يبعد كثيراً عن مواقف حزب الله وامل والحريري، في ظل حياد واضح من وزير الخارجية جبران باسيل بمعزل عن زيارته الى الولايات المتحدة الأميركية.
في المقابل، يبدو رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وحيدا، خصوصا مع محاولاته التصويب على حزب الله وحماس من خلفية امنية، واللعب على الحساسيات الفلسطينية الداخلية. موقف رئيس الحكومة المتزامن مع تحركات شعبية لبنانية مؤيدة للفلسطينيين في الطريق الجديدة وصيدا، وسحب الملف من بو سليمان، وضعا جعجع في موقف صعب، على الرغم من تغطية عزام الاحمد له وحديثه عن حق وزير العمل في تنفيذ القانون، رافضاً التحركات الشعبية الفلسطينية.
قانونياً، لم يطرأ اي تعديل على قرار بو سليمان، الذي أدلى بمواقف تصعيدية في مقابلته اول من امس على قناة «ام تي في». ولم يتضح بعد الاتجاه الذي ستسلكه الحكومة لمعالجة هذه الازمة، لكن من المؤكد ان حملات بو سليمان على العمال الفلسطينيين ستتوقف، لحين إيجاد حلول في مجلس الوزراء. ويجري العمل لتهدئة التحركات الشعبية الفلسطينية بدءاً من اليوم.