محضت الصحف جُلَّ اهتمامها للأزمة السياسية المتصاعدة. لم تتوقف عند تدهور سعر صرف الليرة. هذه القضية التي تمس كل المواطنين من "الطبقة الوسطى" نزولاً حتى "قاع المجتمع". في الصباح الباكر صرَّفَ مواطنون الـ 100 دولار بـ 1515 ل.ل. لدى صرافي شارع الحمراء في بيروت. قيل للصرافين إن إحدى الصحف تحدثت عن سعر 1530 للدولار، فقالوا نعم، نعطي هذا السعر على المبالغ الكبيرة. هذا الإضطراب النقدي أكدته مصارف بيروت أيضاً. قال مصدر معني في مصرف كبير، إن سعر صرف الدولار الواحد لدى المصارف ارتفع إلى 1518 ل.ل. إذاً، المعروض من الدولار في السوق قليل عن المطلوب. مصرف لبنان يواصل إسمياً تثبيت سعر صرف العملة الوطنية بينه وبين المصارف، حيث يتم تداول الدولار بسعر 1508 ل.ل. ولكن هذا السعر الحصري، لا يعطى للمواطنين الذين يحتاجون إلى الدولار في حاجاتهم اليومية. هؤلاء مجبرون على شرائه من الصرافين بسعر السوق. هذه القضية تعني أن هناك دولاران في السوق اللبنانية. هذه القضية تعني أن مداخيل المواطنين تتآكل. في الحساب البسيط نجد أن قيمة رواتب الأجراء في القطاع الخاص والقطاع العام (المدني والعسكري) وعائدات تجار التجزئة الصغار وعمال النقل وغيرهم، تقلصت بنحو 1,5 بالمئة. هذه القضية لم تظهر، بعد، على جدول الأعمال السياسي والنقابي، مع أنها بداية فاجعة معيشية واجتماعية، تمس كل المواطنين من "الطبقة الوسطى" نزولاً حتى "قاع المجتمع".
اللواء
إشتباك داخل «التسوية الرئاسية»: دعوة مجلس الوزراء بين القاعدة والإستثناء؟
الإشتراكي يتحدث عن مؤامرة في «التحقيقات».. وارتفاع خيالي لكلفة تأمين الديون السيادية
لمن الحق بدعوة مجلس الوزراء إلى الاجتماع؟
الفقرة 6 من المادة 64 من الدستور بعنوان ثانياً: رئيس مجلس الوزراء، تنص حرفياً: يدعو مجلس الوزراء إلى الانعقاد ويضع جدول أعماله، ويطلع رئيس الجمهورية مسبقاً على المواضيع التي يتضمنها وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث..
بهذه الفقرة ردّ الرئيس سعد الحريري، عبر مصادر مقربة منه بالقول: رئيس الحكومة، يعرف صلاحياته، ويعلم مدى ضرورة الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء، إنما هو يريدها ان تنعقد بظروف هادئة، وبعد استكمال الاتصالات. تضيف المصادر: على كل الحريصين على انعقاد الجلسة ان يشاركوا بالتهدئة وليس توتير الأجواء..
وسلّم الرئيس ميشال عون بأن الدعوة إلى انعقاد المجلس هي من اختصاص رئيس الحكومة.. إلا ان مصدراً وزارياً مقرباً من رئيس الجمهورية، برر الاتصال بأن رئيس الجمهورية أنطلق من صلاحياته الدستورية وفقا للفقرة 12 من المادة 53 من الدستور والتي تنص على حق رئيس الجمهورية بدعوة مجلس الوزراء ولكن بصورة استثنائية. والنص الحرفي هو: يدعو مجلس الوزراء استثنائياً كلما رأى ذلك ضرورياً بالاتفاق مع رئيس الحكومة.
والسؤال ماذا لو لم يحصل الاتفاق؟
الرئيس الحريري اشترط ان تنعقد الجلسة بظروف هادئة، داعياً «كل الحريصين على انعقادها إلى ان يشاركوا في التهدئة، وليس في توتير الاجواء».
واستناداً إلى أوساط المراقبين فإن كلام الرئيس الحريري ولو على لسان المصادر، يتضمن دعوة للرئيس عون أو فريقه للمشاركة في التهدئة.
ونقل موقع «المستقبل الالكتروني» عن مصدر حكومي ان إصرار البعض على ربط مصير العمل الحكومي بمشكلة الجبل هو ما يدفع الحريري إلى التريث منعاً لتعريض مجلس الوزراء لأي انقسام عمودي..
والملاحظ ان الأزمة تتعدّى انعقاد مجلس الوزراء، أو جدول الأعمال، بما في ذلك قضية قبرشمون، إلى اشتباك صلاحيات داخل «التسوية الرئاسية» التي مضى عليها ثلاث سنوات..
حرب مصادر
غير ان الثابت في التسريبات التي اشعلت نوعاً من حرب إعلامية بين مصادر بعبدا ومصادر السراي، ان اتصال الرئيس عون بالرئيس الحريري حصل قبل سفر الأخير إلى أوروبا في رحلة خاصة تستمر يومين لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع عائلته والاحتفال بعيد زواجه يوم الأحد – بحسب المعلومات التي أكدت انها لا تملك معلومات عن سبب اجراء الاتصال، غير الذي ذكرته المصادر- وهي للعلم وزارية مقربة- عن مبادرة رئيس الجمهورية للطلب من رئيس الحكومة الدعوة إلى عقد مجلس الوزراء في أقرب وقت ممكن، من منطلق ان مجلس الوزراء مجتمعاً هو السلطة التي تطرح لديها كل الخلافات والاشكالات السياسية والأمنية، وان الطلب جاء استناداً إلى موقع وصلاحيات رئيس الجمهورية ولا سيما الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور والتي تجيز له دعوة مجلس الوزراء استثنائياً كلما رأى ذلك ضرورياً بالاتفاق مع رئيس الحكومة».
لكن التسريبات لم تشر إلى ما إذا كان الرئيس الحريري تجاوب مع دعوة الرئيس عون، باستثناء وعد بعقد جلسة في بدايات الأسبوع المقبل، الا ان ردّ مصادر حكومية في السراي، أوحى ان جواب رئيس الحكومة كان سلبياً، إذ أكدت ان الحريري يُدرك صلاحياته تماماً وهو يتحملها على أكمل وجه، وقد سبق له ان وجه رسائل مباشرة وغير مباشرة لكل المعنيين بوجوب انعقاد مجلس الوزراء وهو لن يتأخر لحظة واحدة عن هذه الدعوة والتي باتت ملحة، فور التوصل الى إنجاز ملموس نحو المصالحة.
وقال المصدر الحكومي ان «الرئيس الحريري معني بالمحافظة على صفة الوفاق الوطني للحكومة وعدم تعريض مجلس الوزراء لأي انقسام عمودي في ظل أية اقتراحات يمكن ان تؤدي إلى هذا الانقسام، لكنه معني أيضاً بمنع اللجوء إلى أي خطوة تؤدي إلى تدهور الأوضاع في الجبل، وفق هذا، يضيف المصدر، ان الرئيس الحريري يتطلع إلى تحريك الجهود السياسية لتحقيق المصالحة وتوفير مقتضيات الأمان السياسي لانعقاد مجلس الوزراء في أسرع وقت ممكن».
لكن اللافت، ان ردّ بعبدا على جواب الحريري جاء صاعقاً، إذ أكّد مصدر مقرّب من الرئيس عون، بحسب ما نقلت محطة L.B.C ان «لبنان دولة وليس عشيرة»، بما أوحى ان الأمور تزداد تعقيداً بالنسبة إلى عقد جلسة قريبة لمجلس الوزراء.
وبحسب معلومات المصدر الوزاري المقرب من رئيس الجمهورية ان الرئيس عون شرح في الاتصال الذي اجراه بالحريري ان.البلد لم يعد يحتمل خصوصا ان هناك مصالح خدماتية وامورا اخرى وتحديات واستحقاقات مالية واقتصادية واجتماعية فضلا عن الوضع الأمني الحاصل في المخيمات وخارجها والوضع السياسي في البلد وهي كلها تنتظر معالجة من مجلس الوزراء مكررا انه بعد الطائف فإن مجلس الوزراء مجتمعا هو من يتولى السلطة الأجرائية اي انه اذا كان هناك من خلاف سياسي او امني كبير او خلاف سياسي نتيجة حادث امني او احداث اخرى او وضع اقتصادي فأين يحل الخلاف او الأشكاليات الكبرى في البلد فهناك مجلس الوزراء مجتمعا سائلا : هل ننتظر كي تحل في الشارع كي نستحقها كما حصل في بساتين 1و 2ِ. وكرر التأكيد ان مجلس الوزراء هو الجهة المعنية او المرجعية المعنية بدستور الطائف لحل كل الأشكاليات فكيف نقول لا وانه علينا انتظار انجاز ملموس في المصالحة لعقد جلسة للحكومة».
وقال المصدر ان الأتصال يصب في اطار التوافق مع رئيس الحكومة لعقد جلسة مؤكداً ان الرئيس عون من باب اللياقة الكلية وليس بإنفعال طلب من الحريري ان يدعو مجلس الوزراء الى الأنعقاد لاسيما ان الدعوة هي من اختصاص رئبس الحكومة.
ولفت المصدر الى انه اذا اجاز الدستور لرئيس الحمهورية هذا الحق فذاك يكون بالإتفاق مع رئيس الحكومة مشددا علىضرورة عدم انتظار اي امر آخر. وسأل المصدر نفسه ماذا لو استحالت المصالحة بشأن حادثة قبر شمون خصوصا ان هناك اطراف قد تحضر واخرى لا تحضر في قصر بعبدا.
وذكر المصدر ان الرئيس بري يسعى بدوره في ملف قبر شمون وما من نتيجة في حين انها المبادرة الرقم 6 للواء ابراهيم وكذلك فإن فريق قصر بعبدا يعمل على الخط ولكن ماذا بعد وماذا سنقول للناس؟
ودعا المصدر الرئيس الحريري الى التروي والسهر على عدم اصدار بيانات رداً على معلومات إعلامية غير صحيحة وسأل لماذا الرد ببيانات تتضمن توترا او تذكيرا بالصلاحيات واين المساس بصلاحيات رئيس الحكومة عندما يدعو الرئيس عون الرئيس الحريري للدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء؟
برّي على خط الأزمة
في هذا الوقت، ذكرت مصادر الثنائي الشيعي «أمل» و«حزب الله» ان رئيس المجلس نبيه برّي دخل مباشرة على خط الأزمة الناتجة عن حادثة قبرشمون – البساتين، لا سيما لجهة فصل مسارها الأمني – القضائي عن عودة الحياة إلى مجلس الوزراء المعطل منذ أكثر من شهر، بعد تهاوي المبادرات والمقترحات الواحدة تلو الأخرى.
واكدت مصادر الرئيس بري لـ«اللواء»، «ان الرئيس يسعى ومسعاه طبعا مبني على رؤية وحاجة لعودة الحكومة للعمل وتفادي المحظور». فيما قالت مصادر المعلومات ان المبادرة تلقفها الرئيس بري وهو يسعى لبلورة افكار تُرضي سائر الاطراف وتسمح بعودة جلسات مجلس الوزراء الاسبوع المقبل.
واوضحت المصادر ان المسار الامني – القضائي ما زال قائما ومستمرا لكن المشكلة باتت في تعطيل المسار السياسي الذي بات ينعكس سلبا على الاقتصاد، ويحول دون تطبيق بنود الموازنة و«خطة ماكينزي»، ما يفرض الحاجة الماسة الى عودة جلسات الحكومة، لذلك فالمعالجة السياسية باتت اولوية متقدمة على الشأن الامني والقضائي.
واشارت مصادر عين التينة لقناة «المنار» إلى أن «جهد الرئيس بري قائم وهو لا يرى الى الآن إلا المصالحة والمصارحة بشكل اساسي مدخلا للحل في قضية قبرشمون»، معتبرة ان «حل المشكلة وتجاوزها يجب ان يكون عملا وطنيا جامعا».
مؤامرة على الاشتراكي
تزامناً، حذر مصدر في الحزب التقدمي الاشتراكي من ممَّا وصفه «بالمؤامرة» التي تحاك ضد الحزب، من خلال «فبركة» مناقضة لما اظهرته قوى الأمن الداخلي في حادثة البساتين، والزام القاضي المناوب بالتنحي عن القضية على رغم العطلة القضائية، ثم استدعاء قاض من عطلته الصيفية لتسليمه الملف.
وتحدث المصدر عن تدخل مباشر من الفريق الوزاري للعهد مع القضاة المعنيين ومتابعة حيثية للملف خطوة بخطوة ما يُشكّل تدخلاً سافراً في شؤون القضاء، معطوفاً على استمرار الامتناع عن تسليم أي من المطلوبين المتورطين في الحادثة من الفريق الآخر، واشتراط تسليمهم بالحل بالسياسي.
واوضح ان تقرير فرع المعلومات الذي اجرى التحقيقات حول الحادثة وبات في عهدة الرؤساء عون ونبيه بري والحريري اكد أن لا كمين ولا مؤامرة ولا محاولة اغتيال للوزير صالح الغريب وكل النظريات المطروحة في سوق التداول السياسي من الفريق الآخر من نسج الخيال وان الطرف الآخر باشر باطلاق النار، ما اضطر محازبي ومناصري الحزب التقدمي الاشتراكي الى الرد دفاعا عن النفس. وكشف ان الحزب سيكثف اتصالاته ولقاءاته اعتبارا من الاسبوع المقبل في مواجهة «المؤامرة».
من جهته، جال الوزير صالح الغريب مع وفد من الحزب الديموقراطي اللبناني، على المرجعيات الروحية والمشايخ في حاصبيا، كما زار المرجعية الروحية للطائفة الدرزية الشيخ أبو يوسف أمين الصايغ في المستشفى مطمئناً على صحّته، وشملت جولته زيارة عائلتي الشهيدين رامي أكرم سلمان وسامر نديم أبي فرّاج في منزلهما، ووضعهم في صورة آخر تطورات قضيّة البساتين- قبرشمون وما وصل إليه الملف، مؤكداً «على عدم المساومة على دماء الشهيدين وعلى الموقف الثابت والإصرار بإحالته على المجلس العدلي والتصويت عليه في أوّل جلسة لمجلس الوزراء».
وكان رئيس الحزب الديموقراطي النائب طلال أرسلان غرد عبر «تويتر» قائلاً: انه لا يرى مبرراً للجمود الحاصل في موضوع البساتين الا تصغير حجم ما حصل وكأنه حادث عابر وهذا الأمر لن يمر ولن نقبل به على الإطلاق.. علماً ان أرسلان كان في آخر مؤتمر صحافي له قد اقفل الباب امام سائر المبادرات ما لم تحل قضية قبرشمون إلى المجلس العدلي.
المادة 95
إلى ذلك استمرت مفاعيل رسالة الرئيس ميشال عون الى المجلس النيابي لطلب تفسير المادة 95 من الدستور موضع تجاذب سياسي بسبب ربطها بالمادة 80 من قانون الموازنة التي نصت على حفظ حق الناجحين في مجلس الخدمة المدنية بالتوظيف بعد نفاذ مهلة السنتين القانونية لصدور مراسيم تعيينهم، فيما دعا الرئيس بري الى جلسة عامة عند الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الخميس الواقع في 17 تشرين الأول 2019 ، «انطلاقا من نص الرسالة التي أرسلها رئيس الجمهورية الى رئيس المجلس لتفسير المادة 95 من الدستور اللبناني».
وفي هذا السياق، قال عضو «كتلة اللقاء الديموقراطي» النائب الدكتور بلال عبد الله لـ«اللواء»: ان موضوع الخلاف لا يتعلق بالمادة 95 من الدستور بل بكل الاداء الحاصل من العهد وفريقه، وموضوع المادة 95 جاءت من ضمن سياق عام في إداء يتخطى صلاحيات اعطيت في الطائف لرئيس الحكومة ومجلس الوزراء مجتمعا. والكلام عن عدم تنفيذ المادة 95 من اجل تثبيت طائفية كل الفئات الوظيفية هو اجتهاد خاطيء واستحضار لأوهام واحلام اعادة الزمن الى ما قبل اتفاق ودستورالطائف، ومحاولة البعض تطبيق اتفاق الطائف بطريقة خاطئة اوصلنا الى ما نحن فيه.
وأكد عبد الله «انه ليس من مشكلة في طرح تعديل دستور الطائف او توضيح بعض المواد فيه، لكن هناك آلية دستورية لتعديل الدستور وليس بالطريقة التي يعتمدها الان هذا الطرف، كما ان تعديل الدستور بحاجة الى ظرف موضوعي فهل الظرف الموضوعي متوافر الان لتعديل او تفسير موادالدستور؟
بالمقابل، أكد رئيس لجنة المال والموازنة امين سر تكتل «لبنان القوي» النائب ابراهيم كنعان في حديث الى محطة «ام تي في» ان المادة 80 هي اهم مادة اصلاحية وبنيوية في الموازنة، اذ كرست المادة 21 من قانون سلسلة الرتب والرواتب بوقف التوظيف ومنع اي استثناءات والزام الحكومة باعادة هيكلة الادارة وفق مسح شامل، لأن لبنان يعاني من نفخ الملاك العام، حيث باتت كتلة الرواتب بالتوظيف العشوائي تصل الى 38% من العجز».
واشار الى ان «ما صدر في الجريدة الرسمية للمادة 80 تضمن تعديلا باضافة عبارة «تعيينهم في الادارات»، وهو ما يشكل تدخلا في الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية، وهو ما لم يرد من لجنة المال والموازنة، وليس على علمي أنه حصل في الهيئة العامة، حيث يفترض ان تكون الفقرة قد شطبت، بينما يقول محضر الجلسة انها لم تشطب، ما طرح مشكلة قد تكون ناجمة عن خطأ مادي. وما سبق واقرته لجنة المال هو حفظ حق الناجحين في مجلس الخدمة المدنية ضمن مهلة السنتين التي ينص عليها القانون، وهو ما لا يلزم الحكومة بالتوظيف»، معتبرا ان «الحل يمكن ان يكون باقتراح قانون معجل مكرر يعمل عليه تكتل «لبنان القوي» لازالة الالتباس بهذه المادة».
مؤشر اقتصادي سلبي
وسط هذه الأجواء، برز مؤشر اقتصادي غير مطمئن، حيث ارتفعت كلفة التأمين على ديون لبنان السيادية إلى مستوى قياسي أمس الجمعة، بعدما حذر الرئيس عون في كلمته امام تخريج ضباط المدرسة الحربية، من مغبة ما يُمكن ان تفرضه المؤسسات الدولية من إجراءات مالية قاسية، ما لم يتم تقديم تضحيات لإنقاذ بلاده من ازمتها الاقتصادية، بحسب ما أوردت وكالة «رويترز»، التي كشفت ان بيانات «اي.اتش.اس ماركت» أظهرت ان عقود مبادلة مخاطر الائتمان اللبنانية لخمس سنوات ارتفعت إلى 990 نقطة أساس، بزيادة 33 نقطة أساس عن إغلاق الخميس.
وسارع المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية إلى نفى ان يكون رئيس الجمهورية أشار في كلمته إلى «امكانية الاستعانة بصندوق النقد الدولي للحصول على المساعدة إذا لم تثمر جهود الإصلاح التي تبذلها الحكومة عن تحسن المالية العامة للدولة بالقدر الكافي»، كما جاء في خبر «رويترز»، محذراً من مغبة تعميم مثل هذه الاخبار المختلفة، لا سيما وان ما نشرته «رويترز» أحدث تداعيات سلبية على السندات السيادية للدولة اللبنانية وكلفة التأمين عليها.
وأوضح المكتب ان ما نقلته «رويترز» من لندن، كان تفسيراً خاطئاً لما جاء في كلمة الرئيس عون، وان ما قصده الرئيس هو دعوة اللبنانيين من دون استثناء إلى التضحية مرحلياً والتخلي عن بعض المكتسبات لئلاً نخاطر بفقدها كلها وذلك للمساعدة في مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية القاسية التي تمر بها البلاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء
سورية تربح جولتي أستانة واللجنة الدستورية… وطوابير للعائدين أمام قنصليتها في اسطنبول
جعجع وجنبلاط يدفعان الحريري بوجه عون… والتوتر المالي: ترجمة أم خطة محكمة؟
اعتراض اشتراكي على التحقيق في العسكرية… بعد رفض المجلس العدلي!
بات أكيداً أن تشكيل اللجنة الدستورية المعطلة منذ أيام ستيفان دي ميستورا على تسمية ستة من أعضائها، ستبصر النور قريباً وفقاً لشروط الدولة السورية التي ستنال أربعة من الستة، مقابل اثنين يسمّيهما المبعوث الأممي غير بيدرسون وليسا من المعارضة، فيكون مجموع الأعضاء المحسوبين على الحكومة السورية 76 من 150، مقابل 72 للمعارضة وتركيا وفرنسا و2 للمبعوث الأممي، وبالتوازي فازت سورية بتثبيت شروطها للتهدئة في إدلب بعدما سجلت انتصارات عسكرية نوعية فتحت طريق الحسم العسكري أو القبول بالشروط العسكرية والأمنية التي وضعتها سورية أمام اختبار سيُقرّر مصيره حسن التطبيق، بينما نجح الجيش السوري بتدمير القوة النخبويّة لتشكيلات الجماعات الإرهابية التي جمعتها تركيا وشنّت بواسطتها هجوماً كبيراً قبل أسبوعين، نجحت خلاله بتحقيق اختراقات، عاد الجيش السوري واستردها جميعاً وحقق تقدماً عليها واصلاً إلى نقاط تتيح له مواصلة الهجوم الشامل لفتح طريق حماة حلب واللاذقية حلب ما لم يتم فتحهما بنتيجة تفاهمات أستانة، بينما كانت نتائج الانتصارات السورية ومعها نتائج التضييقات التركية تدفع آلاف السوريين المقيمين في تركيا للوقوف في طوابير طويلة أمام القنصلية السورية في اسطنبول طلباً للإفادة من المراسيم الرئاسية التي تتيح تسوية الأوضاع أمام الراغبين بالعودة إلى سورية.
لبنانياً، بدت الأزمة السياسيّة إلى اتساع، حيث التضامن بين حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي في المواجهة مع التيار الوطني الحر وحزب الله، بعد حديث رئيس حزب القوات والشكر الاشتراكي أمس، يوازيه سعي لجذب رئيس الحكومة سعد الحريري من مربع التسوية الرئاسية إلى المواجهة مع رئيس الجمهورية، سواء تحت شعار القوات بالعودة إلى 14 آذار، أو بالدعوة الاشتراكية لمنع الانقلاب على الطائف وإجهاض مكتسباته، أو بعنوان الرؤساء السابقين للحكومة وفقاً لتوصيف الرئيس فؤاد السنيورة بالدعوة للفصل بين حزب الله والدولة.
العلاقة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري بدأت تبدو عرضة للاهتزاز للمرة الأولى منذ تعطل الحكومة، حيث أعلن قصر بعبدا عن إطار دستوري لدعوة رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة للدعوة لجلسة للحكومة، وبدا ردّ مصادر رئيس الحكومة مفعماً بالانزعاج بالحديث عن أن رئيس الحكومة يعرف مهامه وصلاحياته، وبين حكاية الصلاحيات وحكاية الطائف، بدا النقاش المنتظر حول المادة 95 من الدستور نيابياً مادة دسمة للانقسامات السياسية والطائفية.
فوق كل هذا التأزم عمّمت وكالة رويترز ما نقلته عن كلام منسوب لرئيس الجمهورية ما يوحي بدعوته لتدخل البنك الدولي خلافاً لما قاله، فتسبب ذلك برفع أكلاف التأمين على السندات اللبنانية، في استعادة لما سبق ونقل مشوّهاً عن وزير المال من دعوة لهيكلة الدين، وفسر دعوة لعدم سداد الديون، في مناخ مالي تكثر فيه المؤشرات بين الداخل والخارج حول وجود ما يحضر للبنان لمزيد من الضغط تحت شعار السنيورة الفصل بين الدولة وحزب الله، وهو ما وضعت مصادر متابعة في إطاره، حملة القوات اللبنانية على مصرف لبنان، وبعض التسريبات التي تنشر حول المصرف أو الوضع النقدي داخل لبنان وخارجه من جهات كانت تدافع عن حاكم مصرف لبنان في الماضي، ويوحي تبدّل موقفها بوجود إيحاءات من جهات خارجية ذات صلة بالملف المالي اللبناني في الخارج، وكأن القضية، كما تقول المصادر، خطة محكمة وليست خطأ بالترجمة.
وكي يزداد الطين بلة، صعّد الحزب التقدمي الاشتراكي حملته في قضية قبرشمون كاشفاً بصورة مباشرة أولوية مطالبته بالمصالحة مع حزب الله على قبول أي مسار قضائي أو سياسي، وذلك يعني تهميش موقف رئيس الجمهورية وموقف الحزب الديمقراطي ورئيسه الأمير طلال إرسلان، وهو ما يستحيل قبوله من حزب الله، ما يعني الذهاب بوعي مسبق لأزمة مفتوحة، وآخر الجديد الاشتراكي كان الإعلان عن شكوك تتصل بمسار التحقيق في المحكمة العسكرية، بعدما كان الحزب الاشتراكي قد أكد وجدّد رفضه للاحتكام إلى المجلس العدلي.
في موازاة الاحتجاجات والاعتصامات الفلسطينية رفضاً لقرارات وزير العمل كميل أبو سليمان، سجِّل تطور أمني في مخيم عين الحلوة، حيث اغتيل حسن علاء الدين الملقب بـأبو حسن الخميني ، وهو من عصبة الأنصار خلال مشاركته في مسيرة فلسطينية احتجاجاً على قرارات أبو سليمان.
ويأتي اغتيال الخميني بعد اشتباكات متقطعة دارت بين أهالي وأقارب الأخير ومجموعة يوسف العرقوب التابع للمجموعات المتطرفة، والتي تتهمها عائلة الخميني باغتياله.
وفيما شهد المخيم اشتباكات بالقذائف الصاروخية وإطلاق نار كثيفاً في منطقة الصفصاف ونزوح عدد من الأهالي بسبب الاشتباكات تواصلت المساعي والاتصالات الفلسطينية – اللبنانية لتهدئة الوضع وعودة الأمور الى طبيعتها.
وفي وقت أكد أكثر من مصدر أن العصبة توصلت إلى تأكيد هوية مطلق النار، علماً أن بعض المعطيات أشارت الى ان العملية تحمل طابعاً شخصياً على أساس أن شقيق علاء الدين متهم بإطلاق النار على العرقوب.
وعقدت القيادة السياسية الفلسطينية واللجنة الأمنية اجتماعاً في عين الحلوة للبحث في تداعيات هذا التطور على الوضع الأمني في المخيم، والسبل الآيلة إلى توقيف مطلق النار تمهيداً لتسليمه إلى السلطات اللبنانية.
وعلى الخط السياسي بادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، انطلاقاً من موقعه وصلاحياته لا سيما الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور، الى الاتصال برئيس الحكومة سعد الحريري، طالباً منه الدعوة الى عقد مجلس الوزراء في أقرب وقت ممكن من منطلق أن مجلس الوزراء مجتمعاً هو السلطة التي تطرح لديها كل الخلافات والإشكالات السياسية والامنية، وذلك بسبب بلوغ الوضع حداً خطيراً من تعطيل السلطة الإجرائية ومصالح الناس والخدمات والإدارات والمؤسسات، وبعد استنفاد كل الحلول والمبادرات بشأن حادثة البساتين .
وبينما وعد رئيس الحكومة بعقد جلسة في بدايات الاسبوع المقبل، فإن الأجواء لا تعكس هذا الجو. وأكد مصدر حكومي مطلع لـ مستقبل ويب ان الرئيس الحريري يدرك صلاحياته تماماً وهو يتحملها على أكمل وجه، وقد سبق له أن وجه رسائل مباشرة وغير مباشرة لكل المعنيين، بوجوب انعقاد مجلس الوزراء، وفك الاشتباك بين العمل الحكومي ومصالح المواطنين وبين الخلاف المحتدم في الجبل والذي يتطلب حلولاً سياسية وأمنية وقضائية واقعية على خطوط الاتصال بين مختلف القيادات. غير أن إصرار البعض على ربط مصير العمل الحكومي بمشكلة الجبل والكلام التصعيدي المستمر منذ أسابيع والعراقيل التي اعترضت مبادرات اللواء عباس ابراهيم، أمور تدفع الرئيس الحريري الى التزام حدود المصلحة الوطنية إدراكاً منه للمخاطر التي ستترتب على أي خطوة ناقصة في هذه المرحلة الدقيقة. أضاف المصدر أن الرئيس الحريري معني بالمحافظة على صفة الوفاق الوطني للحكومة وعدم تعريض مجلس الوزراء لأي انقسام عمودي في ظل اية اقتراحات يمكن أن تؤدي لهذا الانقسام، لكنه معني أيضاً بمنع اللجوء إلى أي خطوة تؤدي لتدهور الاوضاع في الجبل. ومن هنا يقول المصدر، إن الرئيس الحريري يتطلع لتحريك الجهود السياسية لتحقيق المصالحة وتوفير مقتضيات الأمان السياسي لانعقاد مجلس الوزراء في أسرع وقت ممكن، وهو لن يتأخر لحظة واحدة عن هذه الدعوة، والتي باتت ملحّة، فور التوصّل الى تحقيق إنجاز ملموس نحو المصالحة.
وعلى الخط نفسه، أشارت مصادر عين التينة لقناة المنار إلى أن جهد رئيس مجلس النواب نبيه بري قائم وهو لا يرى إلى الآن إلا المصالحة والمصارحة بشكل أساسي مدخلاً للحل في قضية قبرشمون »، معتبرة أن حل المشكلة وتجاوزها يجب أن يكون عملاً وطنياً جامعاً».
وبحسب المعلومات، فإن الأمور لا تزال على حالها في ما خصّ مبادرة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، فلا جديد على صعيد بلورة حل لأزمة قبرشمون.
وأشار رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان عبر تويتر إلى أن لا مبرر للجمود الحاصل في موضوع البساتين إلا تصغير حجم ما حصل وكأنه حادث عابر. وهذا الأمر لن يمر ولن نقبل به على الإطلاق. حماية القتلة الكبار تنذر بالخطر على الجميع والتلاعب في مصير محاولة اغتيال الوزير الغريب إن دلّ على شيء فهو يدلّ على الاستهتار بدم الناس والأبرياء .
وأكدت مصادر الديمقراطي اللبناني لـ البناء الإصرار على إحالة حادثة قبر شمون الى المجلس العدلي، مشددة على أن انفتاح النائب طلال ارسلان على المبادرات لا يعني أننا سنقبل بالحلول السياسية على حساب دم الشهداء، معتبرة أن الأمور تستوجب عقد جلسة لمجلس الوزراء وبحث المشكلة والتصويت على إحالة القضية الى المجلس العدلي وإحقاق الحق، لافتة الى ان اقتراح إحالة القضية الى المحكمة العسكرية لن تبصر النور ولن نقبل بها.
اما الحزب الاشتراكي وعطفاً على رفضه إحالة القضية الى المجلس العدلي، فإن مصادره تؤكد لـ البناء أن شوائب تعتري نتائج التحقيقات غامزة من قناة المقرّبين من العهد في التدخل في العمل القضائي، وصولاً إلى اجبار القاضي المناوب بالتنحي على القضية. وهذا يفترض ان يكون محل متابعة، خاصة أن تحقيقات فرع المعلومات أكدت أن لا كمين ولا مؤامرة، مشيرة الى أن الحزب الديمقراطي لا يزال حتى الساعة يمتنع ويرفض تسليم المطلوبين بغطاء سياسي.
وسط هذه الأجواء، ارتفعت تكلفة التأمين على ديون لبنان السيادية إلى مستوى قياسي أمس. وأظهرت بيانات آي.إتش.إس ماركت أن عقود مبادلة مخاطر الائتمان اللبنانية لخمس سنوات ارتفعت إلى 990 نقطة أساس، بزيادة 33 نقطة أساس عن إغلاق الخميس.
وفيما اعتبرت وكالة رويترز أن هذا الأمر يأتي بعدما حذر الرئيس ميشال عون من مغبة ما يمكن أن تفرضه المؤسسات الدولية من إجراءات مالية قاسية ما لم يتم تقديم تضحيات لإنقاذ بلاده من أزمتها الاقتصادية، نفى مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية نفياً قاطعاً ان يكون رئيس الجمهورية اشار في كلمته في حفل تخريج الضباط الى إمكانية الاستعانة بصندوق النقد الدولي للحصول على المساعدة اذا لم تثمر جهود الاصلاح التي تبذلها الحكومة عن تحسن المالية العامة للدولة بالقدر الكافي محذراً من مغبة تعميم مثل هذه الاخبار المختلقة لا سيما وان ما نشرته رويترز احدث تداعيات سلبية على السندات السيادية للدولة اللبنانية وكلفة التأمين عليها.»
وجدد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية التأكيد على ان ما قصده رئيس الجمهورية في كلمته هو دعوة اللبنانيين من دون استثناء الى التضحية مرحلياً والتخلي عن بعض المكتسبات لئلا نخاطر بفقدانها كلها وذلك للمساعدة في مواجهة الازمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية القاسية التي تمر بها البلاد، معتبرة أن كلام الرئيس لا يمت بأي صلة الى ما ذهبت اليه وكالة رويترز في استنتاجاتها الخاطئة.
من جهة ثانية، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة عامة عند الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الخميس الواقع في 17 تشرين الأول 2019 انطلاقاً من نص الرسالة التي أرسلها رئيس الجمهورية الى رئيس المجلس لتفسير المادة 95 من الدستور اللبناني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار
«تنفيعة» مبنى «تاتش»: مَن المستفيد؟
تكبدت الخزينة العامة 75 مليون دولار، ثمناً لمبنى، كان يُمكن أن تُصرف في مجالات حيوية. الخطوة التي قال وزير الاتصالات محمد شقير إنها «توفيرية»، تبيّن أنها تُكبّد الخزينة العامة مصاريف إضافية، في صفقة يجزم معنيون بقطاع الاتصالات بأنّ فيها «تنفيعة» لمجموعة من الأشخاص الذين يجب على شقير كشف هوياتهم للرأي العام!.
٧٥ مليون دولار ستدفعها الدولة اللبنانية ثمن مبنى، ستشغله شركة «تاتش»، المُشغلة لشبكة «mic 2» للهاتف الخلوي. يقع المبنى في نطاق ما أصبح يُعرف بـ«سوليدير»، واحدة من أغلى المناطق العقارية في لبنان. حين أخبر وزير الاتصالات محمد شقير «الرأي العام» بالموضوع، أول من أمس، قدّمه بوصفه «إنجازاً»، وخطوة يجدر تهنئته عليها: الدولة تستملك مبنى بمبلغ ٧٥ مليون دولار، فيما كانت القيمة الإجمالية لإيجاره لمدة 10 سنوات ستبلغ 68.5 مليون دولار.
قال شقير إنّ الدفعة الأولى «التي سُددت في السابق، كبدل إيجار، وقيمتها 6.4 ملايين دولار، احتُسِبَت من ضمن الدفعة الأولى لثمن المبنى، فيما المبالغ الباقية ستُدفع على ثلاث دفعات، على أن تكون آخرها في الـ2022».
ربما اعتقد شقير أنه سينتج من إعلانه موجات من التصفيق الافتراضي لوزير «يوفّر» على الخزينة العامة، ويوسّع من قاعدة أملاك الدولة، فيما هو مشهور بالترويج للخصخصة ولإحلال القطاع الخاص مكان العام. ولكن، النتيجة أتت معاكسة، ليس فقط بسبب تبذيره 75 مليون دولار، لقاء مبنى لا يُشكل ضرورة طارئة، وفي وقت تعتمد الدولة سياسات تقشفية، بل لأنّ خطوة شقير، في الحقيقة، لا تمتّ إلى «التوفير» بأي صلة.
أولاً، لا بد من التذكير بأنّ وزارة الاتصالات سبق أن استأجرت، عام 2012، لشركة «تاتش»، مبنى في منطقة الشياح (بناية قصابيان) بإيجار سنوي يبلغ 2.2 مليون دولار، على أن ترتفع قيمة بدل الإيجار سنوياً بنسبة 6 في المئة عن العام السابق. لكن الوزارة عادت وطلبت فسخ العقد، ما أدى إلى تكبيد الخزينة خسارة مالية محققة وأخرى مستقبلية (راجع «الأخبار»، 5 تشرين الأول 2015). رغم ما تقدّم، قررت الوزارة، في عهد شقير، استئجار مبنى في وسط بيروت، بإيجار سنوي يفوق ثلاثة أضعاف ما كان سيُدفع في الشياح، قبل أن تحوّل العقد من استئجار إلى شراء، مستفيدة من الحملة الشعبوية التي انطلقت من مجلس النواب ضد إيجارات الدولة (من دون أي دراسة جدية لحاجات الإدارة والمؤسسات العامة، ومن دون أي دراسة جدوى حقيقة توضح فعلاً الأفضل: أن تدفع الدولة مئات ملايين الدولارات لشراء عقارات، أو أن تستمر بدفع إيجارات؟). وتلفت مصادر مطلعة في قطاع الاتصالات إلى أنّ على وزير الاتصالات أن يكشف الهويات الكاملة لمالكي المبنى الذين استفادوا من الصفقة، وهم المساهمون الحقيقيون في الشركات الثلاث الآتية: شركة «سيتي ديفلوبمنت ش. م. ل.»، شركة «ب س 1526 باشورة ش. م. ل.»، وشركة «AC REALITY GROUP ش. م. ل.». فهذه الشركات تظهر أسماؤها في الإفادة العقارية للمبنى، كشركات مدينة لأحد المصارف الكبرى بنحو 73 مليون دولار أميركي، بضمانة العقار نفسه.
وتستغرب مصادر أخرى مطلعة على «الصفقة» كيف أنّ رئيس الهيئات الاقتصادية (أي شقير)، «غيَّبَ عن باله معادلات اقتصادية مُسلّماً بها، تنسف تماماً نظريته عن أنّ شراء المبنى وفّر على الدولة». وتشرح بأنّ القيمة الصافية لإيجار المبنى، «إذا كانت الفائدة 10٪، ستبلغ 41.6 مليون دولار. أما إذا كانت الفائدة 12٪، فستبلغ القيمة 38.2 مليون دولار». لذلك، بحسب المصادر، «لا يُمكن شقير القول إنّ الدولة كانت ستدفع 70 مليون دولار قيمةً إجمالية لإيجار على مدى 10 سنوات».
أما النقطة الثانية التي تلفت المصادر النظر إليها، فهي فائدة تقسيط المبلغ على ثلاث دفعات. «صحيح أنّ سعر المبنى، نسبةً إلى المنطقة التي يقع بها، رخيص نسبياً، فقد بلغ سعر المتر خمسة آلاف دولار، لكنّ المعلومات ناقصة». ففي ظل الركود الذي يشهده القطاع العقاري، ستدفع وزارة الاتصالات «جزءاً من المبلغ مباشرة، فيما تُقسّط القيمة الباقية». وتضيف المصادر أنّ الدولة ستتكبد ١٠ ملايين دولار إضافية، لقاء تقسيط المبلغ، «يعني أنّها ستدفع قرابة الـ٨٥ مليون دولار، لقاء المبنى». كذلك فإن الـ75 مليون دولار، لو استُثمِرَت مصرفياً، بفائدة ١٢٪ المعتمدة حالياً والمرشحة للارتفاع، لكانت رُبحت، بعد 10 سنوات 90 مليون دولار، إذا أضفناها إلى الـ75 مليون دولار، تكون النتيجة 165 مليون دولار»!
شقير يقرر اليوم… ويتراجع غداً
ظُهر أول من أمس، أرسل وزير الاتصالات محمد شقير، كتاباً إلى شركتي الخلوي، يتضمن قراراً بتعيين لجنة أمنية، مهمتها الإشراف على أعمال الشركتين. أي إنها ستكون مسؤولة عن إعطاء الموافقة على أي عمل تقوم به الشركتان، حتى لو كان مجرد عمل روتيني كإجراء Back up لأحد أجهزة الكومبيوتر، على سبيل المثال. رغم ذلك، ومع طرح أكثر من علامة استفهام على دور هذه اللجنة، إلا أن الخبر لم يكن هنا: يشير القرار إلى تعيين لجنة أمنية «مؤلفة من السادة الآتية أسماؤهم: العميد المتقاعد جوزف نصّار». انتهى البيان. نعم اللجنة كانت مؤلفة من شخص واحد لم يُتل سوى اسمه. علماً أن نصّار، أي رئيس اللجنة وأعضاءها، هو أساساً عضو في لجنة أمنية موجودة حالياً، وتضم ممثلاً عن كل جهاز أمني، مهمتها التأكد من أمان أي خدمة ستقدم من أي من الشركتين، وإعطاء الموافقة على تقديمها. يصدف أيضاً أن نصّار، الذي يمثل وزارة الاتصالات في اللجنة، هو المنسق بينها وبين الشركتين. عبر القرار الوزاري صار نصّار بمثابة الوزير الملك المسؤول عن قطاع الخلوي.
ليكتمل الخبر لا بد من انتظار اليوم الذي يلي، أي أمس. فما إن بدأ الدوام الرسمي، حتى كان وزير الاتصالات يسطّر قراراً جديداً، يبنيه على القانون 140 المتعلق بسرية الاتصالات، ويتطرق فيه إلى الكتاب الذي أرسله أول من أمس. يوضح وزير الاتصالات أن الكتاب السابق يتضمن بعض الأخطاء الإملائية وتشوبه المغالطات، ولا سيما ورود اسم واحد من بين أسماء أعضائها. من يقرأ ما سبق، يتوقع أن يقرأ تصحيحاً للخطأ الوارد، كأن يُضاف اسم بقية الأعضاء، لكن القرار يذهب إلى ما هو غير متوقع، معلناً إلغاء القرار السابق. انتهى البيان الثاني.