الـمـقــاوم والـمـنـاضــل الـشـهـيــد مـوحــى أومــوح نـآيــت بــري من مواليد عام 1934 بقيادة تاكلفت إقليم أزيلال، ينحدر من أسرة تشتغل على الفلاحة (الرعي وزراعة أراضي البور)، انخرط في صفوف المقاومة المسلحة فقام صحبة رفيقه موحى أوحساين نآيت المادين بتنفيذ عملية فدائية تستهدف اغتيال الضابط الفرنسي الحاكم على منطقة تاكلفت، والذي نجا نتيجة خلل في المسدس الذي زُود به موحى أوموح. في سنة 1957 التحق بمعية العديد من رفاقه (خلا نآيت رحو، بنموح…) بصفوف جيش التحرير بمنطقة الريصاني أولا ثم في جبل غلس وجبل كروز الموجودين بين فجيج وبوعرفة، ومن هناك إلى منطقة آيت باعمران، وكان يرأس برتبة رقيب (سرجان) إحدى طلائع القتال تحت رقم 2398، ولكفاءته كان ينقط له دائما بميزة "حسن جدا". وبعد تفكيك وتصفية جيش التحرير الذي صدر أمر من (الملك) بحله في 29 فبراير 1960 ليؤسس على أنقاضه "الجيش الملكي"، وهو القرار الذي تم التمهيد لتنفيذه باعتقال واختطاف واغتيال عدة رموز وقيادة جيش التحرير، استجابة لإملاءات الدولتين الاستعماريتين: فرنسا وإسبانيا وانسجاما مع مخططهما ومؤامرة إيكوفيون Ecouvillon في 1958.
في عام 1960 عاد الشهيد قيد حياته إلى بلدته تاكلفت وهنا أخذ يتعرض للاعتقال عدة مرات، لاسيما أن هذه المنطقة (تاكلفت، أنركي، تلكيت، زاوية أحنصال) عرفت انتفاضة مسلحة نظمها يوم 17 مارس 1960 مقاومون ومناضلون هاجموا مراكز السلطة وجردوا قواتها من الأسلحة وأعلنوا قيام الجمهورية؛ فاضطر الشهيد موحى أوموح إلى المنفى سنة 1966، حيث خضع لدورة تدريبية في معسكر الزبداني بسوريا باسم رمزي سالم الحداد، وشارك في عمليات فدائية مع المنظمات الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني. رجع إلى الجزائر عبر روما ثم دخل المغرب مع مجموعة من رفاقه ليلة 25 يناير 1973، إلى أن اعتقل مع رفيقه محمد بوشعكوك في أبريل 1973 بجبال كوسر بالأطلس الكبير التابعة إداريا لقيادة زاوية أحنصال إقليم أزيلال.
بالعودة إلى ملابسات الاعتقال نجد أن نظام الحكم الديكتاتور استنفر جميع أجهزته القمعية واستخباراته وجواسيسه وأرتال من الحياحة من أجل تطويق مفاعيل الانتفاضة المسلحة لـ03 مارس 1973 وإفشالها. فعسكر مناطق بأكملها ونشر الرعب والارهاب باعتقال جماعي لأسر بأكملها وأطلق الوعيد ضد كل من يتستر على المنتفضين، وهكذا ما أن حل موحى أوموح ورفيقه بوشعكوك بدوار تافراوت بجبل كوسر قاصدين البحث عن بيت أحد المناضلين بالمنطقة، "استضافهم" أو بالأحرى استدرجهم أحد السكان ليؤويهم في بيته الذي تحول إلى كمين للغدر بالشهيدين، حيث طوقت أجهزة القمع بمختلف تلاوينها مكان إقامة المغدورين الذين هوجما أيضا من عناصر تم استقدامها كأفراد من عائلة المضيف، حيث انقضوا عليهما وشلوا حركتهما في إمكانية استعمال الأسلحة الرشاشة التي بحوزتهما. وعلى الفور حضر إلى عين المكان عامل إقليم بني ملال آنذاك (حمودة القايد)، وتم اقتياد الشهيدين ونقلهما على متن طائرة مروحية (هلكوبتير) إلى مكان مجهول. والجدير بالإشارة أن فقيه الدوار كان يتلو على مسامع المغدورين كنوع من التشفي ولإثبات ولائه لأسياده: "يآ أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"!
إن هذا الأسلوب الجبان وما يتسم به من غدر وخيانة، هو حالة شاذة وليس مقبولا ولا مستساغا في أوساط سكان المنطقة، وهو الشيء الذي عبر عنه شاعر أمازيغي بغضب مدونا أسماء الضالعين في الخيانة ومدينا سلوكهم المشين:
تَدَّا كوبتير إهْنَّاتِيتْ ربي إقِمَا ياجْدْ العَارْ ~~~~ أوَا أُولاَ ماغَرْ دَاغُولْ دِ إخُودْ تُومْزَمْ إسِيَّابَنْ لِّيغْ
إنِي إحْدُّو أُولْغَاشِي دْ موحى أوعلي عَنْداش دْ العَارْ ~~~~ أُرْدِ دِّي أُوسَخْمانْ لِّيْ دْ أَوتَدْغْتْ أَلِّيْ اَشْلَّانْ يُومُورْ
ومعنى البيتين:
وَلَّت الهلكوبتير لتهنأ ويبقى لك العار ~~~~~ ليست في حاجة للعودة بعد أن سلمتموها أولئك المنتفضين
قل لحدو أولغاشي وموحى أوعلي ويل لكما من العار ~~~~ لم يحضر أوسخمان [آيت بري] وأُتَدْغْتْ [بوشعكوك] حتى صارا في ذمتكما
وهذه الترجمة الحرفية للبيتين حتما أفقدتهما إيقاعهما الموسيقي وجماليتهما، كما خففت من عمق مضمونهما في التنديد والتشهير بعناصر الخيانة، أولئك الذين نالوا مكافأة مالية قدرها 3000 درهم (بمقياس تلك الفترة) و60 كيسا من الطحين (الدقيق)…
لقد تعرض المناضل والمقاوم موحى أوموح نآيت بري ورفيقه للتعذيب قبل أن يحالا على المحكمة العسكرية بالقنيطرة التي أصدرت في حقهم حكم بالإعدام، ونفذه الديكتاتور الحسن الثاني يوم فاتح نونبر 1973 الذي تزامن مع يوم عيد الأضحى، وذلك ضمن مجموعة الشهيد عمر دهكون مع 14 رفيقا من رفاقه، وحيث شملت الأحكام 84 حكما بالإعدام غيابيا وحضوريا:
الشهداء: عمر دهكون، موحى أوموح نآيت بري سعيد، يونس مصطفى، أيت زايد لحسن، حديدو موح، أمحزون موحى ولحاج، بيهي عبد الله الملقب بفريكس، دحمان سعيد نايت غريس، عبد الله بن محمد أيت لحسن، بارو مبارك، بوشعكوك محمد، حسن الادريسي، تغجيجت الحسين، أجداني مصطفى، محمد بلحسين الملقب بـ"هوشي منه".
إن مغزى نظام الحكم من اختيار يوم عيد الأضحى لإعدام معارضيه وإزهاق أرواحهم لم يكن اعتباطا أو صدفة، إنما هو عن عمد مع سبق الاصرار لغرس وإشاعة جو الإرهاب في ذاكرة الشعب الذي سُلبت منه حتى فرحة العيد، وفي جانب آخر "يرد" فيه على من انتفضوا ضده في 03 مارس 1973 أي يوم احتفاله بـ"عيد العرش"؛ صحيح أن الديكتاتور الدموي لم يكن في حاجة إلى استغلال رمزية العيد لتأكيد وحشيته، فتاريخه مليء بالمذابح والجرائم (1958 بالشمال، 17 مارس 1960، 1965 بالدار البيضاء…). لكن بدل خروفين نحر "أمير المؤمنين" 14 شهيدا من خيرة أبناء الشعب.
عن عمر لا يتعدى 39 سنة ارتقى آيت بري موحى أوموح شهيدا بعد سيرة ملؤها التضحية والكفاح المسلح ضد الاحتلالين الفرنسي والاسباني وعميلهم النظام الديكتاتوري في المغرب، وبين هذا وذاك لم يفته القتال ضد الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة بعد هزيمة حزيران 1967، فجسد بذلك وحدة النضال ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية الحاكمة عبر بوتقة الكفاح المسلح. وبالرغم من مرور أزيد من أربعة عقود على استشهاده ما يزال قبره مجهولا في محاولة من النظام لإقبار تاريخه وطمسه من ذاكرة الشعب كغيره من الشهداء، وحرمان أسرته (أرملة وإبن الشهيد) ورفاقه من الترحم على قبره، وإجلاء الحقيقة كاملة عن اختطافه وتعذيبه وإعدامه… فللشهيد وكل شهداء الشعب المغربي المجد والخلود وعلينا الوفاء لتضحياتهم.